وعدنا في الحلقة الماضية، أن نخصص هذه، للمحور الثاني المتعلق بكتب المجامع وهو محاولة جمع الحديث النبوي بأسره، فنقول وبالله التوفيق:
المحور الثاني: جمع الحديث: لقد بلغت همة الحفاظ إلى حدّ أن يستقصوا السنة كلها من الكتب المصنفة وهي بالمئات بل بالآلاف، (...)
قال الإمام الكتاني رحمه الله(1354ه) في "الرسالة المستطرفة": "ومنها كتبٌ تُعرَفُ بالسنن، وهي في اصطلاحهم الكتبُ المرتّبة على الأبواب الفقهية، من الإيمان والطهارة والصلاة والزكاة إلى آخرها، وليس فيها شيء من الموقوف، لأن الموقوف لا يسمى في اصطلاحهم (...)
أسلفتُ في الحلقة السابقة، أن الجوامع هي إحدى أشكال تصنيف الحديث. قال الكتاني(1354ه) رحمه الله في «الرسالة المستطرفة»: «والجامع عندهم ما يوجد فيه من الحديث جميع الأنواع المحتاج إليها من العقائد والأحكام والرقاق وآداب الأكل والشرب والسفر والمقام وما (...)
إن من أركان نقد الحديث، معرفةَ رواته والحكمَ عليهم تعديلا وتجريحا، كما قد فصلنا الكلام عليه عند شرحنا لشروط الحديث الصحيح. وهذه المعرفة بالرواة فرعٌ عظيم من علوم الحديث، أُلِّفَتْ فيه كتب كثيرة وكبيرة، حيث لا يُذكر في الرواة أحدٌ، إلا وللعلماء به (...)
وَعَدْنا في أول كلامٍ عن الموقوف، بتحرير مسألتين في شأنه؛ أما الأولى فهي تعريف الصحابي، وقد فرغنا منها آنفا، وأما الثانية فهي حجية الموقوف، فلنمض إليها الآن.
اعلم أن الدليل الشرعي الذي تُستنبط منه الأحكام الشرعية، إما أن يكون دليلا بنفسه، أو متضمنا (...)
رَفْعُ الحديث هو الجزم بإضافته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فإن استُعمل في هذا الرفع صريحُ العبارة المفيدة له فهو المرفوع التصريحي، وقد مثَّلنا له في الحلقة السابقة، وأما إن استعمل الراوي ألفاظا غير صريحة، فهو المرفوع الحكمي، وقد آن الأوان لبيانه (...)
الأصل في الحديث أن ينسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو صاحب الشريعة والتبليغ؛ وغايةُ المحدِّثِ استقصاء ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم للاستناد إليه في الاستنباط والتشريع.
ولما وسّع المحدثون مفهوم الحديث ليشمل المضاف إلى الصحابي والتابعي كما (...)
وسّع المحدثون مفهوم الحديث ليشمل – زيادة على سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم- أقوال الصحابة والتابعين وأفعالهم، ثم اصطلحوا على التمييز بين كل ذلك بمصطلحات، نحاول أن نقربها للقارئ في هذه القبسات إن شاء الله.
ويحسُن في هذا المقام أن نورد تعريفهم (...)
قد عرفت في الحلقة الماضية أن معيار الحكم على الحديث بالغرابة والتفرد، هو انفراد الراوي في أي حلقة من حلقات السند برواية الحديث؛ فقد يكون المنفرد صحابيا أو تابعيا أو من بعدهما. وهذا المعيار ينبني على أصل مهم في علوم الحديث قد ذكرناه فيما ما مضى، وهو (...)
قال البيقوني رحمه الله:
وَقُلْ غَرِيبٌ مَا رَوَى رَاوٍ فَقَطْ
قال ابن حجر في "نزهة النظر": الغَريبُ هُو ما يَتَفَرَّدُ بِروايَتِهِ شَخْصٌ واحِدٌ، في أَيِّ مَوْضِعٍ وَقَعَ التَّفَرُّدُ بِهِ مِنَ السَّنَدِ.اه
فقد يتفرد بروايته الصحابي، فلا يُعرف إلا (...)
من الحقوق التي أُهملت وشاع التفريط فيها، حقُّ الجار والإحسان إليه، فالإسلام ما ترك أمراً صغيراً أو كبيراً مما يصلح به حال الناس إلا حثَّ عليه ورغَّب به، ومن هذه الحقوق والآداب: حق الجار.
فالجار له حقوق وآداب ينبغي مراعاتها والعمل بها، وهذه الآداب (...)
أجمعت كلمة المحدثين على أن الحديث المتواترَ أقلُّ عددا من أحاديث الآحاد، بل ذهب بعضهم إلى نُدْرَتِهِ وصعوبةِ وجودِ أمثلةٍ له، قال ابن الصلاح(643ه) رحمه الله: "ومن سُئل عن إبراز مثالٍ لذلك فيما يُروى من الحديث، أعياه تَطَلُّبُه: ثم قال: "نعم حديث (من (...)
لقد لخصنا لك أيها القارئ الكريم في عدة حلقات سابقة، المفاهيمَ المرتبطة بإحدى زوايا النظر إلى الحديث النبوي، وأعني بها النظر إليه من جهة قبوله ورده؛ فأحببت قَبْلَ أن نوَلّي وجوهنا شطر زوايا أخر، أن أرتب معك هذه المفاهيم، لتكون تذكرة لي ولك، فأقول (...)
اعلم أن الكلام في مشكل الحديث قد بدأ مبكرا، فقد أُلِّف فيه منذ القرن الثاني الهجري؛ نَهَجَ ذلك الإمامُ الشافعي(204ه) رحمه الله في كتابه "اختلاف الحديث".
وتواصل الاشتغال بهذا العلم، فكتب فيه الإمام ابن قتيبة(276ه) كتابه "تأويل مختلف الحديث"، وقَالَ (...)
تذييلا على مبحث تضعيف الصحيح، الذي عقدنا له الحلقتين السالفتين، نقف اليوم على منهجية علماء المسلمين في النظر إلى الأحاديث الثابتة، التي توحي ظواهرها بإشكالات عند الناظر فيها، ونقارن عملهم هذا بمسلك آخرين .. فأما مسلك هؤلاء الآخرين فتتراوح بين الطعن (...)
ألف الإمام الدارقطني(385ه) رحمه الله كتابا سماه "التتبع"، انتقد فيه مجموعة من أحاديث البخاري ومسلم، قائلا بأن فيها عللا، غير مصرح بالوضع ولا متجاسر عليه، مع أنه قد نُعِت في زمانه بأنه أمير المؤمنين في الحديث، فلم يزد على قوله في كتابه المذكور ما (...)
ومما يكشف الحديث الموضوع أيضا، اندراجه في معانٍ ثبت بالاستقراء أنها موضوعة، وهو ما لخصه ابن القيم(751ه) رحمه الله في كتابه السالف الذكر.
فمن ذلك أحاديث طير الحَمَام لا يصح منها شيء.
ومنها أحاديث اتخاذ الدجاج وليس فيها حديث صحيح.
ومنها: أحاديث ذم (...)
هل بدأت أيها القارئ اللبيب تشم روائح الحديث الموضوع فيما تقرأ وتسمع، بعدما عرفت بعض الأمارات الدالة عليه والفاضحة لأمره ؟ لكن رويدك لا تعجل، فهناك أمارات أخرى، نستأذن ابن القيم(751ه) رحمه الله في مواصلة تلخيصها من كتابه "المنار المنيف في الصحيح (...)
هل تشم للحديث الموضوع رائحة ؟ أجل، أبى الله تعالى إلا أن يفضح الواضعين بتهافت ما يضعون وتناقضه وقبح ألفاظه وسماجة معانيه.
فهل يشم رائحته كل أحد ؟ أما من كان متشحا بالعلم والصنعة الحديثية وعارفا بنصوص الشريعة المطهرة ومتفقها في أصولها وفروعها، فهو (...)
قال البيقوني:
والكذب المختلق المصنوع
على النبي فذلك الموضوع
اعلم أيها القارئ الكريم أنه قد وقع الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلاقا ورواية، فوقع ما حذر منه عليه الصلاة والسلام بقوله: «إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ، (...)
يحرص المسلم على العمل بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليكون على بينة من أحكام القرءان الكريم المحتاجةِ إلى البيان كما قال الله تعالى: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون) النحل: 44.
ولما اشتغل الفقهاء على استنباط الأحكام (...)
لعل مصطلح الضعيف هو الأكثر استعمالا في الحكم على الحديث المردود على وجه الإجمال، إلا أنه قد يختص بأوصاف تجعل له مرتبة معروفة في سلّم الرد.
والمقصود به عندي في هذه الخلاصة، ما نزل عن مرتبة الحسن لغيره، واحتمل الرقي إليها إن وُجِد له عاضدٌ، وقد سلف (...)
الحسن هو أحد أقسام الحديث المقبول، وهو دون الصحيح في المرتبة، وهو نوعان حسن لذاته، وحسن لغيره.
فأما الحسن لذاته فاصطُلح به على كل حديث جمع شروط الحديث الصحيح الخمسة، إلا أنه نزل عن الصحيح في الشرط الثاني وهو الضبط في الراوي، فراوي الصحيح يتميز (...)
لم ينحصر الحديث الصحيح في صحيحي البخاري ومسلم، فقد نُسب إلى الأصحيّة عددٌ من المصنفات، أشهرُها وأولاها بذلك موطأ الإمام مالك(179ه) رحمه الله. فقد قال فيه الإمام الشافعي(204ه) رحمه الله، بأنه أصح كتاب بعد كتاب الله، وذلك قبل أن يُصنف البخاريُّ صحيحه (...)
ما زلنا بصدد بيان الشروط الموضوعية التي أسست لبناء الجيل الأول ، جيل الصحابة رضوان الله عليهم،باعتباره جيلا فريدا لن يتكرر، روى البخاري عن عمرانَ بنِ حُصَينٍ رضي الله عنهما قال : قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: « خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين (...)