وَعَدْنا في أول كلامٍ عن الموقوف، بتحرير مسألتين في شأنه؛ أما الأولى فهي تعريف الصحابي، وقد فرغنا منها آنفا، وأما الثانية فهي حجية الموقوف، فلنمض إليها الآن. اعلم أن الدليل الشرعي الذي تُستنبط منه الأحكام الشرعية، إما أن يكون دليلا بنفسه، أو متضمنا للدليل؛ فأما الدليل بنفسه فنصوص الوحي كتابا وسنة وما لزم عنها بالاجتهاد قياسا أو مصلحة أو استحسانا أو غير ذلك؛ وأما المتضمن للدليل فهو الإجماع وقول الصحابي. هذه زبدة تقسيم الإمام البارع الشريف التلمساني(771ه) للدليل في كتابه الفذ «مفتاح الوصول إلى بناء الفروع على الأصول». قال رحمه الله في الإجماع وقول الصحابي: «وإنما كانا متضمنين للدليل، لأنه يحرم على الأمة وعلى الصحابي، الحكم في مسألة من المسائل، من غير استناد إلى دليل شرعي». وقد اختلف العلماء في حجية قول الصحابي؛ قال الإمام القرافي رحمه الله(684ه) في شرح تنقيح الفصول: «وأما قول الصحابي فهو حجة عند مالك والشافعي في قوله القديم مطلقاً... ومنهم من قال: إن خالف القياس فهو حجة وإلا فلا؛ ومنهم من قال: قول أبي بكر وعمر رضي الله عنهما حجة دون غيرهما؛ وقيل: قول الخلفاء الأربعة حجةٌ إذا اتفقوا». قال رحمه الله: «حجةُ كونه حجةً: أنه إذا خالف القياس يقتضى أنه إنّما عَمِلَ لِنَصٍّ، فأما إذا لم يخالف القياس فأمكن أن يكون عن اجتهاد، فيكون كقول غير الصحابي. فيصير دليلا لدلالته على الدليل عند هذا القائل، لا لكونه دليلاً في نفسه». «حجة الآخر: قوله عليه الصلاة والسلام: «اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر»(أحمد والترمذي والحاكم وغيرهم)، ومفهومه يقتضي أن غيرهما ليس كذلك».اه ويمكن أن نستنتج من حكاية هذا الخلاف، أن هناك ميلا ملحوظا لاعتبار قول الصحابي حجة، فإن لم يكن قول جميعهم كما ارتضته طائفة من العلماء، فعلى الأقل قول مشاهيرهم ومقدّمِيهم. ولعلك قد أدركت أيها القارئ أن مسألة حجية الموقوف ألصق بعلم الأصول منها بعلم الحديث، ولكنها تفيدنا في سياقنا الذي نتحدث فيه فائدة سبق التأكيد عليها، وهي وعي المحدثين بالمتن الحديثي، وفهمهم الواسع للدليل الشرعي؛ فجزاهم الله خيرا أن نقلوا لنا المأثور عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قبل نشوء الخلاف في حجية المضاف إليهم.