'دير لاين' و'بوريل' يؤكدان التزام الاتحاد الأوروبي بعلاقاته الوثيقة مع المغرب وتعزيزها انسجاما مع مبدأ 'العقد شريعة المتعاقدين'    وزير الشؤون الخارجية الإسباني يدافع عن الشراكة الاستراتيجية بين الاتحاد الأوروبي والمغرب ويؤكد إرادة الحفاظ عليها    الخارجية المغربية ترد على قرار محكمة العدل الأوروبية بالغاء اتفاقيتي الفلاحة والصيد البحري    قرار محكمة العدل الأوروبية: فرنسا تجدد التأكيد على تشبثها الراسخ بشراكتها الاستثنائية مع المغرب    وزير خارجية إسبانيا يجدد دعم سيادة المغرب على صحرائه بعد قرار محكمة العدل الأوربية    ثلاثة مستشفيات في لبنان تعلن تعليق خدماتها جراء الغارات الإسرائيلية    إعطاء انطلاقة خدمات مصالح حيوية بالمركز الاستشفائي الجامعي الحسن الثاني ودخول 30 مركزا صحيا حضريا وقرويا حيز الخدمة بجهة فاس مكناس    ريدوان: رفضت التمثيل في هوليوود.. وفيلم "البطل" تجربة مليئة بالإيجابية    مسؤول فرنسي: الرئيس ماكرون يزور المغرب لتقوية دعامات العلاقات الثنائية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    أساتذة الطب ينددون بحملة التشهير    امزورن.. سيارة ترسل تلميذاً إلى قسم المستعجلات    المحامون يقاطعون جلسات الجنايات وصناديق المحاكم لأسبوعين    مرصد الشمال لحقوق الإنسان يجمد أنشطته بعد رفض السلطات تمكينه من الوصولات القانونية    صرف معاشات ما يناهز 7000 من المتقاعدين الجدد في قطاع التربية والتعليم    ابتدائية تطوان تصدر حكمها في حق مواطنة جزائرية حرضت على الهجرة    تسجيل حالة إصابة جديدة ب"كوفيد-19″    عشرات الوقفات الاحتجاجية بالمدن المغربية رفضا للتطبيع وتنديدا بالجرائم الصهيونية في فلسطين ولبنان    بوريس جونسون: اكتشفنا جهاز تنصت بحمامي بعد استخدامه من قبل نتنياهو        فيلا رئيس الكاف السابق واستدعاء آيت منا .. مرافعات ساخنة في محاكمة الناصري    إيران: خامنئي يؤكد في خطبة الجمعة أن إسرائيل لن تنتصر قط على حزب الله وحماس    باريس تفتتح أشغال "قمة الفرانكفونية" بحضور رئيس الحكومة عزيز أخنوش    وزارة الخارجية: المغرب يعتبر نفسه غير معني بتاتا بقرار محكمة العدل الأوروبية بخصوص اتفاقيتي الفلاحة والصيد البحري    الجمع العادي للمنطقة الصناعية بطنجة برئاسة الشماع يصادق بالإجماع على تقريريه الأدبي والمالي.. وإشادة كبيرة بالعمل المنجز    إيقاعات ناس الغيوان والشاب خالد تلهب جمهور مهرجان "الفن" في الدار البيضاء    الجماهير العسكرية تطالب إدارة النادي بإنهاء الخلاف مع الحاس بنعبيد وارجاعه للفريق الأول    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الارتفاع    محكمة أوروبية تصدم المغرب بقرار إلغاء اتفاقيتي الفلاحة والصيد البحري    الاتحاد العام لمقاولات المغرب جهة الجديدة - سيدي بنور CGEM يخلق الحدث بمعرض الفرس    التصعيد الإيراني الإسرائيلي: هل تتجه المنطقة نحو حرب إقليمية مفتوحة؟    ارتفاع أسعار الدواجن يجر وزير الفلاحة للمساءلة البرلمانية    ارتفاع طفيف في أسعار النفط في ظل ترقب تطورات الأوضاع في الشرق الأوسط    الفيفا تعلن تاريخ تنظيم كأس العالم للسيدات لأقل من 17 سنة بالمغرب    لحليمي يكشف عن حصيلة المسروقات خلال إحصاء 2024    آسفي: حرق أزيد من 8 أطنان من الشيرا ومواد مخدرة أخرى    الفيفا يقترح فترة انتقالات ثالثة قبل مونديال الأندية    اختبار صعب للنادي القنيطري أمام الاتحاد الإسلامي الوجدي    دعوة للمشاركة في دوري كرة القدم العمالية لفرق الإتحاد المغربي للشغل بإقليم الجديدة    الدوري الأوروبي.. تألق الكعبي ونجاة مان يونايتد وانتفاضة توتنهام وتصدر لاتسيو    النادي المكناسي يستنكر حرمانه من جماهيره في مباريات البطولة الإحترافية    محكمة العدل الأوروبية تصدر قرارا نهائيا بإلغاء اتفاقيتي الفلاحة والصيد البحري مع المغرب    وزارة الصحة تكشف حقيقة ما يتم تداوله حول مياه "عين أطلس"    وزير خارجية إيران يصل إلى مطار بيروت    عزيز غالي.. "بَلَحَة" المشهد الإعلامي المغربي    محنة النازحين في عاصمة لبنان واحدة    فتح باب الترشيح لجائزة المغرب للكتاب 2024    أعترف بأن هوايَ لبناني: الحديقة الخلفية للشهداء!    بسبب الحروب .. هل نشهد "سنة بيضاء" في تاريخ جوائز نوبل 2024؟    إطلاق مركز للعلاج الجيني في المملكة المتحدة برئاسة أستاذ من الناظور    الذكاء الاصطناعي والحركات السياسية .. قضايا حيوية بفعاليات موسم أصيلة    مستقبل الصناعات الثقافية والإبداعية يشغل القطاعين العام والخاص بالمغرب    الزاوية الكركرية تواصل مبادراتها الإنسانية تجاه سكان غزة    القاضية مليكة العمري.. هل أخطأت عنوان العدالة..؟    "خزائن الأرض"    موسوعة تفكيك خطاب التطرف.. الإيسيسكو والرابطة المحمدية للعلماء تطلقان الجزئين الثاني والثالث    اَلْمُحَايِدُونَ..!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا عمل أهل المدينة أهم القواعد الفقهية في المذهب المالكي؟

بسم الله الرحمان الرحيم. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.
كلمتنا المتواضعة حول هذه القاعدة الفقهية المذهبية طبعا تتمحور حول سبعة محاور :
الأول : لفظها لغة و اصطلاحا عند الفقهاء
1__ فنقول و بالله التوفيق وبه نستعين و عليه نتكل و إليه نلجأ.فالقاعدة لغة : مؤنث القاعد كما يقول العلماء ،وهي ما يقوم عليه الشيء، أو ما ينطلق منه ويعود إليه،وهي أصل و أساس كل شيء وتسمى الأصل و البدأ و القانون والظابط و الاساس ،وجمعها قواعد وهي في الاصطلاح :وسيلة يستعان بها على الفهم والاستنباط و تعرف بأنها أمر كلي ينطبق على جميع جزئياته، وميزتها أنها تقرب المسالك و تبينها و تنفض الغبار على المسائل الاجتهادية كلها و تبيض كل حالك بنورها، لأنها أعظم وسيلة للإفصاح والبيان. عما استصعب فهمه على الانسان في فنون العلم مهما كان.والاصل لغة القاعدة و الاساس كما سبق ذكره،وجمعه أصول، قال أحدهم :
وللأصل ما عليه غيره بني والفرع ماعلى سواه ينبني
والأصل و القاعدة ضد القمة إذ هما أسفل الشيء و القمة أعلاه وجمعها قمم و لا يمكن الوصول إلى القمة قبل القاعدة ولهذا كان اهتمام العلماء منصبا على القواعد لما لها من أهمية كبيرة وهي ذات قيمة عظيمة عند عموم العلماء و الفقهاء في جميع الفنون العلمية حيث إنها هي المفتاح و المدخل إليها و من جهلها قد لا يصل إلى الفهم الحقيقي.و قد اتفق العلماء في جميع الفنون و العلوم على أهمية القواعد و الظوابط في علومهم لأن لكل علم قواعده الخاصة كقواعد النحو واللغة و قواعد المنطق و قواعد الصحة و قواعد الفزياء والكمياء و قواعد الحساب و قواعد القانون التي تسمى أحيانا في الاصطلاح القانوني المبادئ العامة و قواعد الفقه، و التحديث،و ومصطلح الحديث و قواعد التجويد لتلاوة القرآن الكريم و قواعد التفسير كما اتفق أيضا علماء الشريعة بدورهم على أهمية القواعد الأصولية والفقهية لما لها من ميزات كما سبقت الاشارة إلى ذلك.
الثاني: تنويهات و إشادات العلماء بالقواعد عموما.
2__ و حان الوقت هنا أن نذكر أقوال العلماء في ما للقواعد الفقهية من الأهمية :
قال صاحب مراقي السعود في مطلع أرجوزته :
وبعد فالعلم بجور زاخرة لن يبلغ الكادح فيها آخره
لكن في أصوله تسهيلا لنيله فاحرص تجد سبيلا
اغتنم القواعد الاصولا فمن تفته يحرم الوصولا
وقال القرافي رحمه الله \\\"إنها قواعد كلية جليلة كثيرة العدد عظيمة المدد مشتملة على أسرار الشرع و حكمه.لكل قاعدة من الفروع ما لا يحصى (انظر الفروق).وقال أيضا :\\\"و هذه القواعد مهمة في الفقه عظيمة النفع وبقدر الاحاطة بها يعظم قدر الفقيه و يشرف و يظهر رونق الفقه و يعرف ، إلى أن قال :\\\"ومن ظبط الفقه بقواعده استغنى عن حفظ أكثر الجزئيات لاندراجها في الكليات ( انظر القرافي) وقال العلامة ابن نجيم بدوره وهو من هو: \\\"وبها يرتقي الفقيه إلى درجة الاجتهاد باختصار، (من الاشباه و النظائر) والقواعد الفقهية تحيط بأحكام الفروع و المسائل من أبواب الفقه المختلفة بخلاف الظابط فإنه يجمع الفروع الفقهية والمسائل من باب واحد من الفقه \\\". (الوعي الإسلامي عدد 286 .للزحيلي ونكتفي بهذا القدر ويعززه ما سبق من قول من قال : إن لكل فن من فنون العلم قواعده الخاصة و لابد له منها.
الثالث: أفضلية المدينة المنورة و قاعديتها .
3 __ أما عن أفضلية المدينة المنورة فهي بعد هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إليها و اجتماع عشرات الآلاف من الصحابة بها حوله يشاركونه في بناء الأمة الإسلامية و يصاحبونه في غزواته ورحلاته ويصغون إليه وهو يتلوا عليهم الكتاب و يعلمهم كل شيء و يوجههم إلى كل خير وفيهم يقول عليه السلام \\\"خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم مرتين أو ثلاثة\\\".
فالمدينة المنورة إذن لم تبقى عادية بل أصبحت هي المركز التشريعي المتكامل ومجتمع السنة العملية بلا شك أو هي منبع الشريعة الإسلامية كلها فكانت منطلقا للإشعاع الديني و مرجعا للعلم و المعرفة التشريعية أساسا.
الرابع : أفضلية أهل المدينة و مرجعيتهم في الفقه الاسلامي و أسبقيتهم في ذلك .
4 __ أما أفضلية أهل المدينة فعندما انتقل عليه السلام إلى الرفيق الأعلى ترك فيهم وعندهم ولهم كل شيء فهذا هو الإمتياز الذي فازوا به رضوان الله عليهم وبذلك الإرث كانت لهم الأفضلية و الأسبقية عن غيرهم فكانوا بإرثهم ذاك مرجعا أساسيا كما سيأتي..ومعلوم أن الإمام مالك لا يمثل في علمه و فهمه و أثره التشريعي فكره فحسب وإنما يمثل المدينة المنورة وأهلها بكل ما تحتويه هذه الكلمة من معنى بعيد المرمى ...فبهذا ورث علم المدينة و أهلها و صح له و انفرد بغالبيته في وقته وكان من عناية الله تعالى به (أي بمالك) أن نشأ في ذلك الوسط وفي ذلك الجو الذي صنعته بعد هداية الله تعالى تربية محمد صلى الله عليه وسلم وسيرة كبار الصحابة خاصة الذين قام مذهب مالك عليهم وهم أبو بكر و عمر و عثمان و علي فكان مالك هو وارث علوم أصحاب محمد عليه السلام في المدينة وورث أيضا علم فقهائها السبعة المعروفون.
ويمتاز أهل المدينة أيضا باتباع السنن و عدم التساهل فيها و كان ذلك واضحا في أسلوب مالك في الحكم و الفتوى و التعليم و التفحيص و البحث و الدقة، وبما أن عمر ابن عبد العزيز أفضل مثال للزعامة و القيادة وبعد الخلفاء تأثر به مالك جدا و بذلك يكون الإمام مالك مثل فكر المدينة.
و كان عمل أهل المدينة أيضا شاملا أولا لما قال به بعض أئمة الصحابة و كبار التابعين من أهل الحل و العقد ، وكثيرا ما يعبر عن هذا بقوله:\\\"عليه العمل عندنا\\\" وثانيا لما اتفق و أجمع عليه أهل الفتوى بالمدينة من الصحابة إلى كبار التابعين ممن عليهم الاعتماد كما أشرنا عليهم في السابق،وفي هذا يقول أي ملك) \\\"هو الأمر المجمع عليه عندنا\\\".(انظر ندوة الامام مالك ج 1 ص 129_ 133)
وكان عمر ابن عبد العزيز قبل مالك يجمع فقهاء المدينة و يسألهم عن السنة و الأقضية التي يعمل بها فيثبتها وما لا يعمل بها الناس يطرحها و فعل ذلك تأسيا بالخلفاء و الصحابة رضوان الله عليهم، و معلوم أن الصحابة في عهد الخليفتين متوفرون في المدينة وكان الخليفة إذا أراد أن ينفد حكما يجمع أهل الحل و العقد و ذوي العلم و المعرفة من الصحابة وهم من أهل المدينة إذ ذاك و يسألهم و يدلي كل بما بلغه عن النبي صلى الله عليه و سلم ومن عادته في ذلك أنه تارة يذكرون اللفظ بسند رجاله وتارة يذكرون اللفظ بدون ذلك ،فيأخذ الخليفة ما اجتمع و تواطأ عليه رأيهم ويكون سنة متبعة متواترة و اكتسبت الشهرة منذ تلك اللحظة،ولذلك كله كان الإمام مالك يعتبر بعمل أهل المدينة ويعده حجة إذا كان هذا العمل متفق عليه بالجملة بينهم ،وكان مما لا يمكن إلا أن يكون نقلا عن النبي صلى الله عليه و سلم و يقدمه على خبر الآحاد.ويقول مقالة شيخه ربيعة ألف عن ألف خير من واحد عن واحد ، وكان يوجه اللوم إلى كل فقيه لا يأخذ بعمل أهل المدينة و أهل المدينة كانوا صحابة للرسول صلى الله عليه و سلم ثم جاء أولادهم و أحفادهم و اهتدوا بهديهم و اتبعوا طريقتهم في الحياة وكان هذا أو ذاك خلفا عن سلف ثقة عن ثقة، من أجل ذلك عد الفقهاء عمل أهل المدينة سابقة يجوز تقليدها والأخذ بها ، ومن اولئك الفقهاء مالك رحمه الله إذ ليس هو وحده و لا هو أول من فعل ذلك إذ كان يقال لأبي الدرداء قاضي الخليفة عمر رضي الله عنه بلغنا كذا و كذا بخلاف ما تقول فيجيب و أنا أيضا سمعته و لكن أدركت العمل على غير ذلك .إذن فعمل أهل المدينة كان رائجا قبل مالك حتى عند القضاة ويعتبرونه منقولا عن الرسول صلى الله عليه و سلم روى في ذلك، زيادة على قصة أبي الدرداء أن القاضي محمد بن أبي بكر رضي الله عنهما انه قيل له في حكم قضى به : ألم يات في هذا حديث كذا فقال بلى فقيل له فما بالك لا تقضي به، فقال فأين الناس عنه يعني ما أجمع عليه الصحابة بالمدينة وقد كتب عمر رضي الله عنه إلى شريج فيقول له إذا وجدت شيئا في كتاب الله فاقض به ولا تلتفت إلى غيره و إن أتاك شيء ليس في كتاب الله فأقض بما سن رسول الله صلى الله عليه و سلم فإن أتاك ما ليس في كتاب الله و لا في سنة رسول الله فاقض بما أجمع عليه الناس، الخ انظر أعلام الموقعين ج 1ص 70. وأيضا كثيرا ما كان أبوا بكر يقول في شيء عسر عليه هل علمتم أن رسول الله عليه السلام قضى فيه بشيء و كذلك من بعده من الخلفاء.
ولهذا، فالإمام مالك بنى مذهبه على الروايات المرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم موصولة أومرسلة و بعدها على قضايا عمر ثم على فتاوى ابن عمر وبعد ذلك على أقوال فقهاء المدينة مثل سعيد بن المسيب و عروة ابن الزبير والقاسم ابن محمد و سليمان ابن يسار و أبى سلمى و أبي بكر بن عبد الرحمان و أبي بكر بن عمر بن حزم وعمر بن عبد العزيز الذي هو أحد الراسخين في العلم و ضم
إلى العلم بالكتاب والسنة العلم بأقوال الصحابة. وضبط ( أي مالك) أقضيتهم حتى قال فيه إمام الحرمين :\\\"وأما مالك رحمه الله في أقضية الصحابة رضوان الله عليهم فلا يشق غباره و لم يذهب عليه القياس لكن كان يتوقى و يتحرى و يريد التأسي بمن تقدمه\\\". كذا قال الشافعي لمحمد بن الحسن الشيباني عندما تناظرا حول أي صاحبيهما أعلم هل أبوا حنيفة أو مالك كما في ترتيب المداركقال الشافعي له الأنصاف تريد أم المكابرة ؟،قال الإنصاف ،قال الشافعي ناشدتك الله من أعلم بكتاب الله و ناسخه و منسوخه؟ قال محمد بن الحسن اللهم صاحبكم، قال الشافعي ناشدتك الله فمن أعلم بسنة رسول الله ؟ قال اللهم صاحبكم ،قال الشافعي فمن أعلم بأقوال أصحاب رسول الله ؟ قال اللهم صاحبكم قال الشافعي في آخر القصة ،وصاحبنا لم يذهب عليه القياس و لكن كان يتوقى و يتحرى، ويريد التأسي بمن تقدمه .انتهى كلامهما.
فمالك إذن أقام مذهبه على أساس عملي متين فقد أدرك التابعين و عايشهم و راقب أعمالهم و تيقن أن العمل المستمر في المدينة على عهدهم إنما هو مأخوذ عن العمل المستمر في عهد الصحابة و إن عمل الصحابة لم يكن مستمرا فيهم إلا هو مستمر في عمل رسول الله صلى الله عليه و سلم أو في قوة المستمر ، و بذلك كان ما جرى عليه عمل أهل المدينة باستمرار أحق في نظره بالمراعاة و الاعتبار، ومن أجل ذلك يترك ما وجد الجمهور و الجم الغفير من أهل المدينة قد عملوا بغيره و خالفوه، إذ العمل العام المستمر هو المعتمد ولا يلتفت إلى قائل ما نقل ولا نوادر الأفعال إذا عارض الأمر العام و الكثير كما حلل ذلك أبو اسحاق الشاطبي في كتابة الموافقات لاسيما و قد كان مالك أعلم الناس في وقته سنة ماضية و سنة باقية و بالمعمول به من الحديث و المتروك كما نص على ذلك القاضي عياض وهو من هو في كتابه (ترتيب المدارك). قال شهاب الدين القرافي في كتابه الدخيرة : إن الله تعالى اسعد مالكا و سدده لعمل أهل المدينة الذين ينقل أبناؤهم عن آبائهم و أخلافهم عن أسلافهم الاحكام و السنن النقل المتواتر بسبب جمع الدار لهم ولأسلافهم فيخرج المسند من حيز الظن و التخمين إلى حيز العلم واليقين و غيره لم يظفر بذلك (انتهى كلامه) والجدير بالتنبيه أن خبر الآحاد إذا خالف عمل أهل المدينة يترك ولا يعمل به لسبب ماسبق ذكره،إلا أنه لا يحكم بكذبه كما نص ذلك ابن القاسم تلميذ الإمام مالك رحمه الله تعالى لاعتبار مالك العمل النقلي سنة ثابتة تترك من أجلها الأخبار،و هذه من الأسباب المذكورة سابقا ،ولهذا أن التحقيق في مذهب مالك أنما إذا وجدنا العمل على خلاف الأخبار أن الخبر متروك لتلك الاعتبارات و ذلك ما أشار إليه صاحب مراقي السعود في منظومته القيمة لقوله:
وعند مالك و أهل المذهب معتبر اجماع أهل يثرب
مقدم عندهم على الخبر و خلف غيرهم لهم فيه اشتهر
والآن ننتقل إلى ذكر أقول العلماء والباحثين في مختلف العصور في إشاداتهم بأهل المدينة ومرجعيتهم .قال صبحي الصالح رحمه الله في كتابه علوم الحديث آخر ص 153 يوشك أكثر العلماء أن يجزموا بأن أصح الحديث ما رواه أهل المدينة فهم دار السنة المشرفة ).
وقال أيضا قال ابن تيمية اتفق اهل العلم على أن أصح الأحاديث ما رواه أهل المدينة ثم أهل البصره ثم أهل الشام ثم قال أي صبحي الصالح. وقال الخطيب البغدادي أصح طرق السنن ما يرويه أهل الحرمين مكة و المدينة فإن التدليس عندهم قليل و الكذب ووضع الحذيث عندهم عزيز).
وقال محمد عجاج في كتابه (أصول الحذيث)ولقد حفظ سمرة حذيثا و أنكر عليه عمران ابن حصين فكتبا في ذلك إلى أبي بن كعب بالمدينة .فكان في كتابه إليهما أو في رده عليهما أن سمرة قد حفظ.(ص 90)
وقال أبو العالية :كنا نسمع الرواية عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم بالبصرة فلم نرضى (أي نقتنع)حتى ركبنا إلى المدينة فسمعنا من أفواههم (أي أهل المدينة).أنظر الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ص168 و صحيح مسلم.
ومن خلال القصتين قصة سمرة مع عمران بن حصين و قصة أبي العالية يتبين لنا أكثر أن الصحابة و التابعين يولون اهتماما كبيرا لأهل المدينة و أقوالهم و أفعالهم و أنهم عندهم المرجع في كل ما يتعلق بالشرائع و الأحكام في القران و السنة معا.
وقال ابن تيمية في كتابه مقدمة أصول التفسير أول ص 54 قال :فإن أعلم الناس بالمغازي أهل المدينة ثم أهل الشام ثم أهل العراق فإن أهل المدينة أعلم بها لأنها كانت عندهم .
وقال أيضا في نفس الصفحة و علماء أهل المدينة في التفسير مثل زيد بن أسلم الذي اخذ عنه مالك و أخذ أيضا ابنه عبد الرحمان وأخذ عن عبد الرحمان عبد الله بن وهب )مشيرا هنا إلى أنهم أعلم بالتفسير . وفي ص 57 قال : فإن من عرف الصحابة كابن مسعود و أبي بن كعب و جابرو ابن عمر و أبي هريرة و غيرهم علم يقينا أن الواحد من هؤلاء لم يكن ممن يتعمد الكذب على رسول الله (وبعض المذكورين هم من أهل المدينة ) إلى أن قال :وكذلك التابعون بالمدينة و مكة و الشام فإن من عرف مثل أبي صالح السمان و الأعرج و سليمان بن يسار و زيد بن أسلم وأمثالهم علم قطعا أنهم لم يكونوا ممن يتعمد الكذب في الحديث .و في ص 94 قال :إذا لم تجد التفسير في القران ولا في السنة ولا وجدته عن الصحابة فقد رجع كثير من الأئمة في ذلك إلى أقوال التابعين كمجاهد بن جبر فإنه كان آية في التفسير كما قال محمد بن إسحاق الخ.وفي ص 95 قال: (ولهذا كان سفيان الثوري يقول إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به).
أما ما ذكره عياض وما أدراك ما عياض في ترتيب المدارك ج 1 من تبويب على مثل هذا يكفي في إقناع كل جاهل أو عاند إذ قال رحمه الله و نفعنا بعلمه باب فضل علم أهل المدينة و ترجيحهم على غيرهم و اقتداء السلف بهم ص38 .وقال قال زيد بن ثابت رضي الله عنه : (إذا رأيت أهل المدينة على شيء فاعلم أنه السنة ) وقال قال الشافعي إذا وجدت معتمدا من أهل المدينة على شيء فلا يكن في قلبك منه شيء ص 40 .وقال أيضا قال الشافعي : (أما أصول أهل المدينة فليس فيها حيلة من صحتها ). ثم قال أي عياض : (باب ما جاء عن السلف و العلماء في وجوب الرجوع إلى عمل أهل المدينة و كونه عندهم حجة و إن خالف الأثر ص 44. وقال أيضا باب بيان الحجة بإجماع أهل المدينة فيما هو تحقيق مذهب مالك و القائمة طويلة في هذا المجال و نكتفي بهذا القدر.
.
الخامس: السبب الذي دفع الإمام مالك إلى إعطاء الأولوية و الأهمية الكبرى لعمل أهل المدينة و يرجحه في بعض الأحيان حتى على خبر الآحاد.
5__أما الدوافع التي جعلت الامام مالك يتخذ عمل أهل المدينة قاعدة: (فمن خلال ما نقلناه و اسلفنا ذكره يتبين لنا السبب جليا وواضحا) دفعه أجره إلى ذلك.
أولا :ثقته و تواتر أعمالهم و توارثها خلفا عن سلف أبا عن جد ثقة عن ثقة و الأدلة كثيرة و قد سبق ذكرها و كيف لا و عنهم أخذ القران و السنة القولية ولم لا الفعلية كيف يؤخذ عنهم القول دون العمل فمن يقبل قوله يقبل فعله ومن ليس بثقة لا يقبل قوله ولا فعله.
ثانيا : ثقته هو و صلاحه و حرصه و تقواه وقد شهد له بذلك من رواد هذا الفن كما سيأتي ذكره.
ثالثا : اقتداؤه بالسلف كما ذكر أيضا إذ سبقه غيره إلى ذلك كما ذكرنا في البند أو المحور الرابع.
السادس: ثقة مالك و مكانته العلمية و الصلاحية عند العلماء.
6 __أما ثقة مالك الإمام وصلاحه و مكانته العلمية فبدون أن أطيل فيه فهو منعوت و معروف بالثقة عند جميع العلماء و بالمعرفة الكافية و بالصلاح، و الأدلة و الشهادات في ذلك كثيرة ،ولقد انعقد إجماع علماء الأمة على إمامته و جلالة قدره و ثقته و إماتته ،حتى قال وهيب ليحيى بن حسان ،ما بين شرقها و غربها أحد أمن عندنا على العلم من مالك ، والعرض على على مالك أحب إلي من السماع من غيره. كما عقد ابن أبي حاتم \\\"باب ما ذكر من استحقاق محبي مالك السنة، و اسند فيه عن عبد الرحمان بن مهدي قولهإذا رأيت حجازيا يحب مالك فهو صاحب سنة ،و نقل عياض في المدارك عن أحمد بن حنبل إذا رأيت الرجل يبغض مالكا فاعلم أنه مبدع، ولم يرفعوا مالكا شعارا للحديث عبثا أو مصادفة فهم يعتبرونه أمين الله على حيه و سنة نبيه صلى الله عليه و سلم ،كما أسند ابن عبد البر في مقدمة التمهيد عن الإمام النسائي قوله : (أمناء الله عز وجل على علم رسول الله صلى الله عليه وسلم ،شعبة بن الحجاج و مالك و يحيى بن سعيد القطان و ما أحد عندي بعد التابعين أنبل من مالك ولا آمن على ذلك \\\"يعني الحديث\\\" ) من مالك ندوة مالك ج 1 ص 263.وقال الشافعي : ( إذا ذكر العلماء فمالك النجم وقال أيضا إذا جاءك الحديث عن مالك فشد به يدك .وقال أبو حاتم الرازي مالك بن أنس ثقة إمام الحجاز و هو أثبت أصحاب الزهري و إذا خالفوا مالك من أهل الحجاز حكم لمالك.
ومن أراد أن يحيط أو يحصي شهادات كبار العلماء على إمامة مالك في كل شيء فقد جمعها أحد أئمتهم الكبار وهو عبد الرحمان بن أبي حاتم الرازي في مقدمة كتابه (الجرح و التعديل )الذي يعتبر بحق أصلا يرجع إليه كل من ترجم للإمام مالك و قال ابوا مصعب عن مالك نفسه رحمه الله ما أفتيت حتى شهد سبعون محنكا أني أهل لذلك. و قد اتفق على ذلك شيوخه و أقرانه ومن جاء بعده، وقد اشتهر عن المحدثين أن أصح إسناد هو مالك عن نافع عن ابن عمر، ثم مالك عن الزهري عن سالم عن ابن عمر ،ثم مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة، و أكثر من ذلك أنه روى عنه أو حضر مجلسه الأئمة الثلاثة المجتهدون أبو حنيفة و الشافعي مباشرة و أحمد بواسطة الشافعي كما روى عنه بعض شيوخه و هم (الزهري و أيوب السختياني و أبو الأسود و ربيعة بن عبد الرحمان و أبو سعيد الأنصاري و موسى بن عقبة و هشام بن عروة هم من التابعين ،ومن غير التابعين:نافع بن أبي نعيم ومحمد بن عجلان و سالم بن أبي أمية و أبو النضر مولى عبد الله و غيرهم وإليهم أشار الناظم بقوله :
وروى عنه من شيوخه الفخام أبو الأسود مع يحيى وهشام
والزهري و السبختاني و ربيعة وموسى هم من أتباع الصحابة
و خذ كذا أربعة من غيرهم أبو النضر ونافع و سالم
ابن أبي أمية ومحمد ا بن عجلان كذا غيرهم ورد
وفي هذا كفاية فإذا كان لا يروي الحديث إلا إذا كان متوضئا ، وإذا كان يتحفظ أن يأخذ الحديث إلا عن الثقاة و إذا كان زاهدا أو رعى محبا لله و لرسوله فكيف يمكن أن يتساهل في أخذ أعمال أهل المدينة بدون تحفظ ولا تحقيق ويرضى بما لا يجوز شرعا فهذا غريب و عجيب إن قال به جاهل أن يتبع في ذلك و هذا بكل اختصار.
السابع: قائمة لأسماء المؤلفين و مؤلفاتهم في القواعد الأصولية الفقهية.
7 __ووفاء منا بما وعدنا به أن نذكر قائمة للمؤلفين في القواعد و مختلف أنحاء العالم العربي و الإسلامي و القائمة طويلة جدا نشرها أحد علماء المشرق العربي جزاه الله كل خير في : ( الوعي الاسلامي عدد 362 )و اقتصر منها على ذكر أسماء المؤلفين من المغرب الأقصى مع أسماء مؤلفاتهم:
فأول من افتتحها الإمام الشاطبي رحمه الله في كتابه الموافقات.
2 التنبيهات المستنبطة على الكتب المدونة المختلطة لعياض.
3 القوانين الفقهية لابن جزي.
4 كليات فقهية لابن غازي المكناسي.
5 مفتاح الوصول إلى بناء الفروع على الأصول لمحمد الشريف التلمساني.
6 المنهاج على القواعد لأبي الحسن الزقاق.
7 الإسعاف بالطب مختصر شرح المنتخب لأبي القاسم التواتي اختصر فيه القواعد الذكورة للزقاق.
8 شفاء الغليل على المنهج المنتخب لمحمد بن علي بزاوية سيدي يعقوب السوسي المشهور.
9 تكملة المنهج لمحمد ميارة الفاسي.
10 الكليات في الفقه لمحمد بن عبد الله المكناسي.
11 عقد الجواهر في نظم النظائر لأبي الحسن علي السجلماسي.
12 اليواقيت الثمينة في ما أنتمى لعالم المدينة في الأشباه و النظائر الفقهية لأبي الحسن السجلماسي أيضا.
13 الباهر في اختصار الأشباه و النظائر لأبي زيد عبد الرحمان الفاسي.
14 قواعد الفقه لمحمد العربي العلوي المدغري.
15 المقدمات المهمات لابن رشد و أقول أنها أحسن ما كتب من حيث الأسلوب و الترتيب.
16 المقاصد الشرعية لعلال الفاسي أقول أنها مشهورة و لقد اعتنى بها الشرقيون كثيرا و اهتموا بدراستها كما اعتنوا أيضا بنظرية المقاصد الشرعية لأحمد الريسوني بارك الله في حياته و علمه.
17المقاصد الشرعية للطاهر بن عاشور التونسي رحمهم الله جميعا أحياء و أمواتا . وقال الناشر في خاتمة القائمة ولقد أحسن صنعا) احمد الريسوني عضو رابطة علماء المغرب حين جمع قدرا مهما في هذه القواعد في كتابه نظرية المقاصد.
انتهى ما قصدناه باختصار إذ لو أردنا جمع كل ما يتعلق بالموضوع لاحتاج الامر إلى مئات الصفحات على الأقل بدلا أن نقول إلى مجلدات و لكن فقط نقصد إثارة الانتباه و دفع القارىء الكريم إلى البحث عما يشفي غليله. و نسأل الله تعالى أن يوفقنا جميعا وأن يهدينا سواء السبيل و أن يجنبنا الفتنة و الشقاق و أسبابهما آمين .و لا يفوتني هنا أن أشير إلى مرجع هو أليق في نظري.هو محاضرة في تاريخ المذهب المالكي في الغرب الإسلامي للدكتور عمر الجيدي المتوفى أخيرا رحمه الله فهو كتيب يشمل المواضيع الكثيرة المتعلقة بالمذهب المالكي و كذلك تاريخ التشريع الإسلامي للشيخ محمد خضري بك. و كذلك في الأصول علم أصول الفقه لعبد الوهاب خلاف و هذا بالنسبة لمن لا يريد المطولات.
أما أسماء المراجع لموضوعنا فكما يلي :
1. القواميس: لاروس فقط.
2 .الفروق للإمام القرافي .
3. الأشباه و النظائر للإمام السيوطي .
4. أعلام الموقعين لابن القيم.
5. الأئمة الأربعة لأحمد الشرباصي .
6. أصول الحديث لمحمد عجاج الخطيب .
7. مقدمة في أصول التفسير لابن تيمية.
8. ندوة الإمام مالك ج 1.
9. مجلة المذهب المالكي العدد9.
10.مجلة الوعي الإسلامي عددي 362 لرشيد المدور.و 286 للزحيلي.
11. مراقي السعود.
12. منهج الاستدلال للمرحوم بالله و مشيئته محمد ألحيان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.