عشية انطلاق المؤتمر الوطني التاسع لحزب العدالة والتنمية، لا صوت يعلو فوق الترقب المشوب بالحذر الذي يطبع الأجواء، خصوصًا بالنسبة للاسم المرشح لقيادة سفينة الحزب في المرحلة المقبلة، في ظل الانسحاب والغياب الاختياري للعديد من القيادات والوجوه البارزة التي فضّلت "الاحتجاج" على الوضع بهذا الأسلوب. غيابات وازنة يتصدّر الأسماء الغائبة عن هذه المحطة المهمة في تاريخ الحزب الإسلامي، الأمين العام السابق للحزب سعد الدين العثماني، ورئيس الحكومة في ولايتها الثانية، الذي آثر المشاركة في مؤتمر علمي حول السيرة النبوية بباكستان على حضور مؤتمر الحزب. جريدة هسبريس الإلكترونية تواصلت مع العثماني بخصوص الموضوع، وما إذا كانت الرحلة إلى باكستان بالتزامن مع المؤتمر رسالة احتجاج غير مباشرة على الحزب الذي يقوده خصمه بنكيران، حيث قال: "أنا أشارك في مؤتمر علمي كبير بباكستان حول السيرة النبوية، ولدي فيه عرض ومداخلة"، مؤكّدًا أن المؤتمر العلمي كان مبرمجًا منذ سنة، وجاء بالتزامن مع مؤتمر الحزب. ولم يرغب العثماني في تقديم أي تفاصيل أخرى حول الموضوع، أو أسباب تفضيله حضور مؤتمر علمي على مؤتمر الحزب الذي يُعدّ واحدًا من مؤسسيه وقادته البارزين، غير أن السياق يوضح بشكل جلي أن الرجل لم تكن في نيته حضور المؤتمر، بسبب النقد الذي طاله من الأمين العام ومناضلي الحزب على خلفية اتفاق التطبيع الذي وقّعه عندما كان رئيسًا للحكومة. طيف بنكيران بعيدًا عن غياب العثماني وعدد من إخوانه، كعزيز الرباح أو المصطفى الرميد الذي "استقال" نهائيًا من الحزب، أو نجيب بوليف الذي كان يعتبر المجلس الوطني للحزب غير شرعي، يقف عبد الإله بنكيران برمزيته وثقله الكبير أمام محطة المؤتمر، وسط حشد من المؤتمرين المتشبثين باستمراره على رأس الحزب، وغالبية مؤيدة لتنحيه وفسح المجال أمام اسم جديد لقيادة الحزب، لكنها مترددة في الكشف عن موقفها، إما تقديرًا للرجل أو خشية من سهام لسانه التي لا تخطئ عنوانًا. عبد العزيز أفتاتي، القيادي البارز في حزب المصباح، وأحد القلائل الذين يصدحون بقناعاتهم المخالفة للأمين العام واستمراره، أكّد في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية أن التمويل الذاتي لعقد المؤتمر وحده كافٍ لنقول إنه ناجح بامتياز. وقال أفتاتي بخصوص غياب أسماء وازنة مثل العثماني، إن غياب "بضع عشرات من الإخوان والأخوات لا يغيّر في المناسبة شيئًا، لأن مناضلي الحزب بشكل عام معبّأون وموحدون، ولا يهم لا شخص ولا مجموعة، بمن فيهم بنكيران". وأضاف أفتاتي موضحًا: "هذا حزب مناضلين، ويصعب اختصاره في بضعة أشخاص أو شخص"، وزاد مشددًا على أن الكثير يتحدث عن "بنكيران واستمراره من عدمه، وأنا أقول إن هذا الحزب أكبر من بنكيران وأي شخص كان، ولا يمكن اختصار الحزب في شخص كما يروّج خصوم الحزب"، وفق تعبيره. الكلمة الأولى والأخيرة ويرى كثير من مناضلي الحزب ومؤتمريه أن الكلمة الأولى والأخيرة في المؤتمر الوطني التاسع تبقى لبنكيران، الذي سيحدّد موقفه من الاستمرار في قيادة الحزب أو الاعتذار وشكل المرحلة المقبلة، خصوصًا أن الرجل لم يُبدِ في خرجاته الأخيرة أي إشارات على استعداده للتنحي والمغادرة. ويُمنّي كثير من أعضاء الحزب أنفسهم بأن يُعلن بنكيران موقفه الرافض للاستمرار في قيادة الحزب لولاية جديدة، لتفادي التداعيات التي قد تلحق بالتنظيم في حال استمراره، خصوصًا أن الغالبية الساحقة تتوق إلى التجديد وفسح المجال أمام اسم مثل إدريس الأزمي الإدريسي، رئيس برلمان الحزب، الذي يحظى بتقدير كبير من بنكيران، أو عبد الله بووانو، رئيس المجموعة النيابية للحزب في مجلس النواب، بالإضافة إلى عبد العزيز العماري، المهندس الهادئ الذي يعتبره الكثيرون رجل المرحلة.