بينما تستعد الدولة لسنة انتخابية بامتياز في 2021، دخل حزب العدالة والتنمية نقاشا مثيرا للانتباه، ليس حول كيفية الاستعداد للانتخابات المقبلة كي تكون أكثر شفافية وديمقراطية، بل حول تقليص مشاركته فيها حتى لا يفوز بالمرتبة الأولى. الفكرة قد تبدو غريبة للبعض، لكنها مما يروج داخل الحزب، خصوصا بين بعض قياداته، وتُنسب تحديدا إلى وزير الدولة وعضو الأمانة العامة في الحزب المصطفى الرميد. ومما يشد الانتباه في هذا السياق، أن دعوة الحزب إلى تقليص حجم مشاركته في الانتخابات التشريعية ل2021، أثارها صحافيون بعضهم مقرب من الرميد، ويرجح أن يكون هو من أوحى بها إليهم لجسّ النبض داخل حزبه، قبل أن يتم تسريب "معطيات" تفيد أن الرميد اقترح الفكرة على الأمين العام للحزب، كما اقترحها على بعض رموز الحزب ممن لهم حضور إعلامي وسياسي، قصد دفعهم إلى التفكير في المقترح، وتقليب الرأي فيه، قبل طرحه على المؤسسات الحزبية في حال جرى استحسانه. الرميد، وحسب تصريح ل"أخبار اليوم"، أكد أنه "لحد الآن لم يتم طرح أو مناقشة أي اقتراح في هذا الشأن في أي مؤسسة من مؤسسات الحزب، عدا ما يمكن أن يكون قد دار بين بعض أعضاء الحزب من أفكار تم تبادلها بشكل عفوي"، وبالتالي لا يمكن مناقشته إعلاميا، حسب قوله، لكنه أشار، في التصريح ذاته، إلى أن "تقليص الترشيحات لا يمثل جوهر الموضوع"، لأن الجوهر، من وجهة نظره، هو "تعميق النظر في مقاربة المرحلة المقبلة لتمكين بلادنا من تمتين مسارها الديمقراطي، وعدم السقوط في ممارسات عانت منها في مرحلة سابقة، وهي مسؤولية الجميع بما في ذلك حزبنا، وأن هناك، في هذا الصدد، عدة خيارات في هذا المجال". وقد حدد الرميد إطار هذا التوجه الممكن بأمرين: الأول رفضه مقترحات غير ديمقراطية، من قبيل حكومة تكنوقراط أو تأجيل الانتخابات عن موعدها، والثاني تشبثه باستقلالية القرار الحزبي، وأن أي مقترح بالنسبة إلى الحزب سيكون عبر الآليات المؤسسية. لكن من الواضح أن مقترح الرميد يثير ردود فعل رافضة من طرف قيادات وازنة في الحزب، والمؤشر البارز في هذا السياق ما صدر عن عبدالله بوانو، برلماني الحزب وأحد قادته، الذي اعتبر الفكرة "غير منطقية وغير مقبولة"، بل وتعد "خطرا على العملية السياسية وليس على العدالة والتنمية فقط"، مؤكدا أن الأولى من طرح هذا النقاش هو التفكير في تحدي العزوف الانتخابي، وتصفية الأجواء السياسية والحقوقية، والتصدي لحالة التبخيس السياسي، لأنه في حالة استمرار كل ذلك، فالناس قد يتساءلون حول جدوى الانتخابات أصلا، وحينها لن يكون مهما أن يقلص "البيجيدي" مشاركته أو لا يفعل. هكذا يبدو حزب العدالة والتنمية أمام مقترح غير مسبوق بعد دستور 2011، ويبدو صادما لقواعده كما قياداته، خصوصا وأن الحزب يعتبر نفسه قد طبّع وجوده في الحياة السياسية بعد ترؤسه الحكومة لولايتين، وقد ظهر في الولاية الثانية برئاسة سعد الدين العثماني أنه لا يختلف كثيرا عن باقي الأحزاب السياسية القائمة، وقد سبق للعثماني أن زفّ لبرلمان حزبه كيف أن الملك محمد السادس اعتبر مرة في حديث بينهما أن "البيجيدي" هو أيضا "حزب ديالي"، ما يشير إلى اندماج الحزب في المنظومة القائمة، بحيث لم يعد هناك تحفظ عليه إلا لدى القوى التي قد ينافسها على المواقع والامتيازات أكثر من أي شيء آخر. فما الذي يدفع بعض قيادات "البيجيدي" إلى التفكير في تقليص مشاركته في انتخابات 2021؟ ما الأثر المتوقع لهذا القرار على الحزب وعلى العملية الانتخابية؟ وما الكلفة السياسية المحتملة؟ حجج الرميد لم يعلن المصطفى الرميد رسميا وبوضوح أمام مؤسسات الحزب أو قواعده الدوافع التي أملت عليه التفكير في مثل هذا المقترح، وهل هو موقف نابع من تحليل شخصي أم أنه استشف ذلك من خلال الموقع الذي يمثله، وزيرا للدولة له احتكاك دائم بمسؤولين آخرين في مواقع القرار ممن لهم مثل هذا التقدير السياسي، أي دفع "البيجيدي" إلى الخلف خلال الولاية التشريعية المقبلة. لكن من خلال بعض التحليلات الرائجة، فإن تفكير بعض قيادات الحزب في تقليص مشاركته في الانتخابات المقبلة تمليه عدة معطيات تفيد أن "البيجيدي" لايزال القوة السياسية الأولى، رغم التراجع الذي قد يكون حصل في شعبيته ووزنه الانتخابي، وذلك في غياب أي قوة حزبية قادرة على أن تلحق به الهزيمة في الانتخابات المقبلة، بسبب المشهد السياسي الفارغ. وفي غياب قوة حزبية أو تكتل حزبي يستطيع هزيمة "البيجيدي"، فإن النتيجة المتوقعة أن حزب العدالة والتنمية سيجد نفسه في مواجهة انتخابية مع وزارة الداخلية وأذرعها الإعلامية، وهي مواجهة يعتقد هؤلاء أنها ستُعيد إلى الواجهة "الأجواء الاستثنائية" التي ميزت الانتخابات الجماعية ثم التشريعية في 2015 و2016، حيث تجندت وزارة الداخلية وحزب الأصالة والمعاصرة بكل قوتيهما من أجل الإطاحة بحزب "البيجيدي" وبنكيران أساسا. وحين فشلوا جرى التهديد بغلق القوس الديمقراطي، قبل أن يتم اللجوء إلى آلية "البلوكاج" للتخلص من بنكيران، عبر قرار الإعفاء الملكي، وهي كلها وقائع وأحداث تعكس وجود جهات عميقة ونافذة كانت ترفض رفضا مطلقا أن يقود "البيجيدي" الحكومة لولاية ثانية، وإن قبلت تلك الجهات العميقة، على مضض، بالعثماني بديلا لبنكيران. يتوقع المدافعون من داخل قيادة "البيجيدي" عن مقترح تقليص المشاركة في الانتخابات المقبلة أن يتكرر السيناريو نفسه، وربما بطريقة أشرس في حالة دخل "البيجيدي" بكل قوته إلى الانتخابات، لأنه سيفرض على وزارة الداخلية أن تتصدى له بشكل مباشر لكي تحافظ على التوازنات التي ترعاها بكل شراسة، وفي حالة فوزه كما حصل في 2016 سيضع الحزب الدولة أمام خيارين: إما الامتثال لقواعد الخيار الديمقراطي كما ينظمها الفصل 47 من الدستور، أي تعيين رئيس الحكومة من الحزب الفائز في الانتخابات، أو الخروج على تلك القواعد، كالذهاب إلى الحزب الثاني مثلا كما جرى التلويح بذلك في 2016، وبالتالي كسر سمعة الدولة وصورتها ومصداقيتها في المنطقة والعالم. هكذا يرى هؤلاء القادة أن على حزب العدالة والتنمية التفكير في هذا الخيار، أي تقليص ترشيحات الحزب في 2021 لتجنب الاصطدام مع الدولة، وهو خيار يجد مرجعيته في القواعد المنهجية التي تؤطر عمل الحزب مثل التدرج، والوسطية، والاعتدال، وعدم التنازع مع أولي الأمر. بعبارة أخرى، يسعى الرميد ومن معه إلى تخفيف الضغوط الإقليمية على الدولة في المرحلة المقبلة بسبب ورقة الإسلاميين، عبر خطوة سياسية للحزب تتمثل في الانسحاب من الواجهة والتراجع قليلا إلى الخلف، خصوصا وأن الظروف الاقتصادية والاجتماعية بسبب فيروس كورونا تتطلب ذلك. مواقف مضادة لكن هذا المقترح يلقى اعتراضا من قبل قيادات أخرى في الحزب، ترى أن الحجج التي يقدمها أنصار فكرة "التقليص الذاتي" غير مقنعة، لعدة اعتبارات منها أن السياق الذي تبلورت فيه فكرة "تقليص المشاركة" انتفى، ولم يعد قائما كونه سبق 2011، وكان محكوما بسياق ما سمي الحرب على الإرهاب، وبسياق وجود الحزب في المعارضة، وحصل أول مرة في سنة 2002، حيث شارك الحزب بنسبة 43 في المائة، لكن حصل ذلك في إطار التفاعل مع طلب مباشر من السلطة، وقد تكرر الموقف نفسه في الانتخابات التشريعية لسنة 2007، إذ شارك الحزب بنسبة 60 في المائة فقط من الدوائر الانتخابية. معنى ذلك أن من يدعو إلى التقليص الذاتي إنما يستدعي ظروفا سياسيا باتت متجاوزة، حيث لم يكن الحزب جزءا من النظام السياسي كما هو اليوم. كما أن الدعوة إلى التقليص الذاتي تنطوي في حد ذاتها على التشكيك في صلابة الخيار الديمقراطي، ففي حالة تبنى الحزب هذا الخيار سيكون قد أساء إلى النموذج المغربي الذي مافتئ يدعي قدرته على التعامل بشكل مختلف مع الإسلاميين، سيظهر هذا النموذج أو الخيار عاريا أمام المنطقة والعالم، محدود الصلابة، ومحدود المصداقية، ومحدود القدرة على الصمود، وسيثير ذلك إلى الكثير من الأسئلة من مثل: كيف لنظام سياسي يدعي الديمقراطية يضيق ذرعا بحزب إسلامي من دون أنياب، أن يقبل بانفصاليين في إطار الحكم الذاتي في الصحراء؟ مثل هذا السؤال ينبغي التفكير فيه جيدا كذلك، خصوصا في حال فاز الحزب الديمقراطي في أمريكا، الذي يرفع شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان في المنطقة، والذي يتوعد مرشحه، جو بايدن، من الآن بعض الأنظمة في المنطقة بسبب سمعتها السيئة في مجال حقوق الإنسان. سيكون وجود حزب العدالة والتنمية معطى مفيدا للمغرب في حالة فاز جو بايدن في الانتخابات المقبلة، وهو احتمال وارد جدا كما تدل على ذلك استطلاعات الرأي الأمريكية. وفي حضرة بايدن، لا شك أن الضغوط الإقليمية الداعمة للسلطوية ستتراجع إلى الخلف، وقد يكون النموذج المغربي أحد المستفيدين من ذلك. أما في حالة النظر إلى دعوة الرميد من زاوية حزبية، فإن بعض مناضلي الحزب يرون في الدعوة إلى تقليص المشاركة في الانتخابات المقبلة، إقرار مسبق بفشل الخيار الذي سار فيه الرميد والعثماني ومن معهما، بعد إبعاد بنكيران في ربيع 2017، فلا هم حافظوا على الحزب قويا متماسكا جماهيريا كما كان في عهد بنكيران على الأقل، ولا هم كسبوا ودّ السلطة فتعاملت معهم مثل سائر الأحزاب، على مسافة واحدة من الجميع. أما قضية "الصدام مع الدولة" التي استعملت بكثرة في الفترة التي تلت إبعاد بنكيران في مارس 2017، من أجل تخويف قواعد الحزب وقيادته، واستدعاؤها مجددا في سياق الدعوة إلى تقليص المشاركة في انتخابات 2021، فمعناها فشل القيادة الحالية للحزب في بناء علاقة ثقة وتعاون مع السلطة، ما يعني أن الصدام ليس مطلبا للحزب تحت قيادة أي كان من قادته، بل مطلبا للسلطة التي لم تهضم بعد وجود حزب العدالة والتنمية وسط اللعبة، ما يقتضي التصرف وفق طريقة أخرى، ليس بينها تقليص المشاركة على ما يبدو. لكن ماذا لو كانت جهات نافذة في مركز السلطة من أوحت بمطلب التقليص الذاتي إلى الوزير الرميد؟ ترد القيادات الرافضة لمقترح التقليص بأن ذلك يستدعي من الرميد أن يعلن عن المقترح بشكل مؤسسي أمام الأمانة العامة أو المجلس الوطني، حتى يتم التداول فيه بشكل مؤسسي، وتضيف أن التفكير في المقترح خارج ذلك يستدعي مؤتمرا استثنائيا، وهو الاقتراح الذي دعا إليه عبد العالي حامي الدين وحسن حمورو وآخرون. واعتبرت آمنة ماء العينين، برلمانية وقيادية في الحزب، أن النقاش حول مقترح التقليص الذاتي "نقاش حقيقي، وعلى الحزب مأسسته والخوض فيه بجدية"، لكنها أكدت أنها ليس مؤيدة للمقترح "لأنه متجاوز وسطحي، بهاجس عددي وبدون مضمون سياسي، النقاش الحقيقي اليوم منصب على المضمون السياسي الذي سيؤطر الانتخابات المقبلة بعيدا عن لغة الأرقام والمقاعد، يجب أن نعترف أن حزبنا عاجز اليوم عن قيادة النقاش السياسي أو التأثير فيه بفعالية، ولذلك لم يعد اليوم الرهان كامنا في الفوز بالرتبة الأولى، بقدر ما يكمن في تجديد الفكرة والأطروحة للتعبئة حولها". هل ينقسم الحزب من جديد؟ في الواقع، كان منتظرا من العثماني والرميد تقديم مبادرة سياسية تستطيع استعادة الثقة في السياسة وفي المؤسسات، وأن تحقق انفراجا سياسيا وحقوقيا، في أفق الذهاب إلى انتخابات شفافة من شأنها أن تعزز من النموذج المغربي في المنطقة، لكن يبدو أن التوازنات السياسية القائمة لا تساعد على هذا التوجه، بل تضغط من أجل مزيد من كبح الفاعل السياسي، ويبدو أن فكرة التقليص الذاتي الذي طرحها الرميد تستجيب لتلك الضغوط، وإن بدت تلقائية ونابعة من التفكير الحزبي. من الراجح أن تعيد فكرة الرميد الانقسام داخل "البيجيدي" بين أنصار بنكيران وأنصار العثماني إلى الواجهة، وهو الانقسام الذي تزعم القيادة الحالية أنه طوي إثر حوار داخلي لم يشارك فيه بنكيران. المؤشرات على عودة الانقسام بالشكل الذي كان عليه الحزب في 2017، تتمثل في ردود الفعل الأولية الصادرة عن بعض قيادات الحزب. عبد العلي حامي الدين، برلماني وقيادي، اعتبر في تصريحات له في ملتقى شبيبة الحزب قبل أيام، أن أي قرارات استراتيجية للحزب تستدعي عقد مؤتمر وطني، ورغم أن حامي الدين لم يشر صراحة إلى فكرة الرميد حول التقليص الذاتي، إلا أن السياق الذي أدلى فيه بتلك التصريحات تفيد أنه كان يرد على الرميد، من خلال الدعوة إلى مؤتمر استثنائي، فُهم منه في جهات أخرى أن حامي الدين يريد مؤتمرا لكي يعود بنكيران إلى قيادة الحزب. الدعوة إلى مؤتمر استثنائي رفضه أكثر من قيادي داخل الحزب، لأن المصادقة على مثل هذه القرارات عادة ما تتم داخل المجلس الوطني للحزب، ولأن الدعوة إلى مؤتمر استثنائي قد تعني أن الحزب دخل مرحلة أزمة، وهو ما ترفضه القيادة الحالية، ومنها عبد العزيز أفتاتي، عضو الأمانة العامة، الذي قال في تصريحات إعلامية إن الدعوة إلى مؤتمر استثنائي "غير مطروحة حاليا على طاولة الأمانة العامة للحزب"، مؤكدا أن هذا المقترح "قد يُفهم منه أن حزب العدالة والتنمية يعاني من أزمة داخلية، لكن الواقع يقول خلاف ذلك"، معتبرا أن حزبه متجانس ويشتغل لمصلحة الوطن ولا يحتاج حاليا إلى أي حركة تصحيحية أو مؤتمر استثنائي. لكن أفتاتي إذ رفض مقترح حامي الدين، فلا يعني ذلك أنه مع مقترح الرميد، لأنه لا يزال يرى أن حزبه "قادر على الفوز بالانتخابات المقبلة". الاعتراض الثاني جاء على لسان عبد الله بوانو، برلماني وقيادي في الحزب، الذي اختار بدوره ملتقى شبيبة للحزب للتعبير عن اعتراضه اتجاه مقترح الرميد، وقال بوانو إن الفكرة "تشوش على العدالة والتنمية وعلى برنامجه"، وذهب أبعد من ذلك حين قال إن الدعوة إلى التقليص تعد "خطرا على العملية السياسية، وليس على العدالة والتنمية فقط"، مؤكدا أن المطلوب هو "تصفية الأجواء السياسية والحقوقية" قبل الذهاب إلى الانتخابات المقبلة، لمواجهة تحدي العزوف الانتخابي، الذي قال إن سببه هو "التبخيس السياسي، واستهداف المنتخبين والسياسيين والمؤسسات"، واعتبر بوانو أنه إذا استمر التبخيس السياسي، فإن الناس سيتساءلون عن الجدوى من الذهاب إلى صناديق الاقتراع. الاعتراض الثالث جاء على لسان حسن حمورو، عضو المجلس الوطني للحزب، الذي اعتبر أن الدعوة إلى تقليص المشاركة في الانتخابات تبلورت في "سياق انتفى، ولم يعد قائما، سواء من حيث معطيات الحياة السياسية الوطنية التي تأثرت بسياق ما سمي الحرب على الارهاب، أو من حيث المعطيات الخاصة بالحزب، الذي كان حينها يشغل موقع المعارضة وكان حديث العهد بالمشاركات الانتخابية"، مؤكدا أن قرار التقليص الذي اتخذه الحزب في انتخابات الجماعية لسنة 2003 جاء استجابة لطلب مباشر من السلطة. ورفض حمورو التخويف مرة أخرى بالاصطدام مع الدولة، لأنها مجرد "فزاعة لتخويف جزء من قيادة الحزب، للتأثير عليها أثناء التداول في اتخاذ القرارات والمواقف، والواقع أن وثائق الحزب وأدبياته تؤكد أن أحد مبررات وجوده هي إسناد الدولة ومساعدتها"، مشيرا إلى موقف الملك محمد السادس عقب انتخابات 2016، فهو من عيّن عبد الإله بنكيران، وهو من عيّن سعد الدين العثماني، ومن غير المستساغ أن يعين الملك شخصا صداميا مع الدولة، وهو الذي له خيارات كثيرة غير بنكيران أو العثماني. بل إن الملك هو من أوصى العثماني برغبته في الاستمرار في الاشتغال مع الحزب، ولا يمكن بعد تجربة حكومية يقول العثماني إن الملك راض عن أدائها، أن يفاجأ الجميع بقرار تقليص مشاركته حتى لا يفوز في الانتخابات. لا يقف الأمر عند هذا الحد، بل إن حمورو اعتبر أن مقترح الرميد يستبطن التشكيك في المسار الديمقراطي، ويشكل محاولة للهروب وتخليا عن الواجب الوطني، واستنكافا عن المشاركة في مؤسسات الدولة المنتخبة، فضلا عن أنه يشكك في أطروحة "الإصلاح من الداخل". ويرى حمورو أن "الانتخابات المقبلة ستكون محطة مناسبة لامتحان القيادة الحالية للحزب، وفرصة لتمحيص الاختيارات التي تبناها الحزب ما بعد 18 مارس 2017، ولذلك فإن نسبة التغطية في الانتخابات المقبلة لا ينبغي أن تنزل عن نسبة تغطية آخر الانتخابات، حتى يكون الامتحان موضوعيا ومنصفا. وإذا ظهر لبعض الإخوة في القيادة ان الانتخابات المقبلة لن تنصف الحزب، ولن تكون محطة مناسبة لامتحان المواقف التي دبر بها الحزب المرحلة، فالحل هو الدعوة إلى مؤتمر استثنائي لرص الصفوف وتعبئة الحزب لخوض هذه الانتخابات برهانات منسجمة مع المعطيات السياسية الحالية". الاعتراض الرابع جاء على لسان آمنة ماء العينين، برلمانية وقيادية في الحزب، كما سبقت الإشارة، التي وصفت النقاش حول مقترح الرميد بأنه "نقاش حقيقي، وعلى الحزب مأسسته والخوض فيه بجدية"، لكنها ترى أنها ضد المقترح: "شخصيا لست مؤمنة بخيار تقليص المشاركة، لأنه متجاوز وسطحي، بهاجس عددي وبدون مضمون سياسي، النقاش الحقيقي اليوم منصب على المضمون السياسي الذي سيؤطر الانتخابات المقبلة". وتضيف ماء العينين قائلة: "بعيدا عن لغة الأرقام والمقاعد، يجب أن نعترف أن حزبنا عاجز اليوم عن قيادة النقاش السياسي أو التأثير فيه بفعالية، ولذلك لم يعد اليوم الرهان كامنا في الفوز بالرتبة الأولى بقدر ما يكمن في تجديد الفكرة والأطروحة للتعبئة حولها".