منذ أكتوبر من سنة 2022 بدأت الحكومة في إعفاء مستوردي رؤوس الماشية المخصصة للذبح في المجازر، من رسم الاستيراد والضريبة على القيمة المضافة، وهو الإجراء الذي كلف إلى غاية أكتوبر الماضي ما يناهز 13 مليار درهم، في حين تشير التقديرات إلى أن هذا الرقم سيصل إلى 20 مليار درهم، مع استمرار العمل بالإعفاء إلى غاية اليوم. وينضاف إلى هذا المبلغ، الدعم المخصص لاستيراد الأضاحي والمقدر ب500 درهم عن كل رأس، وهو الإجراء الذي كلف 437 مليون درهم خلال عيدي 2023 و2024. وسواء تعلق الأمر بالإعفاءات الضريبية، أو دعم 500 درهم لاستيراد الأضاحي، لم يكن لهذين الإجراءين اللذين بلغت كلفتهما (إلى غاية أكتوبر 2024) أزيد من 13.5 مليار درهم، أي نتائج محسوسة على المواطنين، حيث واصلت أسعار اللحوم الحمراء تخطي حاجز 100 درهم في السنوات الماضية، كما لم تقو فئات واسعة من الأسر على اقتناء الأضاحي.
أصل الحكاية مع تدهور القطيع الوطني بسبب الجفاف وسوء التدبير الحكومي، وما نجم عنه من قلة العرض في اللحوم الحمراء وارتفاع أسعارها، وجدت الحكومة نفسها مضطرة إلى فتح الباب لاستيراد رؤوس الأبقار والأغنام من أجل سد الخصاص وتوفير العرض الكافي، وقد أقرت تسهيلات في الاستيراد، جاء على رأسها وقف استيفاء رسم الاستيراد، والإعفاء من القيمة المضافة. وبدأت قصة الإعفاءات مع مرسوم صادقت عليه الحكومة في اجتماعها بتاريخ 19 أكتوبر 2022، والذي قررت فيه هذه الإعفاءات على رؤوس الأبقار إلى غاية 31 دجنبر 2023، قبل أن تعود لتمدده أكثر من مرة، وهو الإجراء المستمر إلى غاية اليوم، وقد انضافت رؤوس الأغنام إلى هذه الإعفاءات الضريبية منذ فبراير 2023. وبررت الحكومة، في حينه، هذه الإعفاءات بمواجهة تداعيات ندرة المياه وارتفاع أسعار أعلاف الماشية بفعل تقلبات السوق الدولية والزيادة في تكاليف إنتاج اللحوم الحمراء، وأكدت أن الهدف من هذه الإجراءات هو ضمان تموين عادي للسوق المحلية من اللحوم الحمراء. ولم يتوقف السخاء الحكومي مع المستوردين عند إعفائهم من الضرائب، المقدرة بالملايير، لاستيراد الرؤوس المعدة للذبح، بل امتد إلى تقديم دعم آخر لاستيراد رؤوس الأغنام المخصصة لعيد الأضحى لعامي 2023 و2024، حيث أقرت دعما بقيمة 500 درهم لكل رأس، بعضها تم بيعه حيا والآخر مذبوحا والبعض الآخر تم إخفاؤه وإعادة بيعه في وقت لاحق حيا أو لحما، في مخالفة للقانون، ودون حسيب أو رقيب. تكلفة باهظة حسب الأرقام الرسمية التي كشفت عنها وزارة الاقتصاد والمالية في أكتوبر الماضي، فقد فقدت الميزانية العامة أزيد من 13 مليار درهم ما بين أكتوبر 2022 وأكتوبر 2024، جراء وقف استيفاء رسم الاستيراد وعدم تحصيل الضريبة على القيمة المضافة، وهو ما انضاف إليه دعم رؤوس عيد الأضحى لسنتي 2023 و2024، والبالغ بحوالي 437 مليون درهم، ليناهز مجموع ما فقدته المالية العمومية إلى غاية أكتوبر من السنة الماضية 13.5 مليار درهم. ولا تتوقف الخسائر عند هذا الرقم، حيث لا يزال العمل بوقف استيفاء رسم الاستيراد وعدم تحصيل الضريبة على القيمة المضافة مستمرا إلى غاية اليوم، وقد أشار حزب التقدم والاشتراكية في بلاغ، اليوم الخميس، إلى أن الكلفة قد تصل إلى نحو 20 مليار درهم. وتعزز هذا الطرح الأرقام التي يكشف عنها مكتب الصرف حول حجم استيراد الرؤوس، ففي آخر إصدار للمكتب حول المبادلات الخارجية، يتبين أن المستوردين ضاعفوا من حجم استيرادهم في الفترة ما بين يناير وفبراير من هذه السنة مقارنة مع نفس الفترة من السنة الماضية. وتشير أرقام مكتب الصرف إلى أن استيراد رؤوس الأبقار والأغنام خلال هذين الشهرين، ارتفع من 252 إلى 1048 رأسا، أي تضاعف أكثر من أربع مرات، ومعه تضاعفت الأموال المودعة في حسابات، من بات يطلق عليهم الرأي العام اسم "الفراقشية". فشل ذريع إن أول سؤال يتبادر للذهن بعد معرفة حجم الأموال التي فقدتها الميزانية العامة ودخلت جيوب فئة قليلة من المستوردين، تحوم حولهم شبهة تضارب المصالح، هو ما الذي تحقق للمواطن؟ جزء من هذا السؤال أجاب عنه فوزي لقجع الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، حين أقر بفشل الدعم المخصص لاستيراد رؤوس الأغنام لعيد الأضحى، وأكد أن دعم 500 درهم لم يؤت أكله ولم يحقق الهدف المنشود، وهو اعتراف صريح من الحكومة بتبخر 437مليون درهم دون أي عائد إيجابي على المواطنين، الذين تكشف الكثير من الدراسات أن فئات واسعة منهم لم تستطع ذبح الأضحية السنة الماضية بسبب الغلاء. فماذا عن 13 مليار درهم الأخرى؟ خلال السنوات الماضية، ورغم إقرار الإعفاءات، واصلت أسعار اللحوم الحمراء التحليق فوق حاجز 100 درهم، وبلغت مستوى 150 درهما، بشكل غير مسبوق، ما يكشف أن هدف خفض الأسعار لم يتحقق، فرغم أن الأسواق لم تعرف خصاصا من هذه المادة، إلا أن فئات واسعة من الأسر لم تذق طعم اللحوم، بعدما لم تستطع لها سبيلا، بسبب الغلاء. وباستقراء النتائج يتبين أن من استفاد من هذه "الأموال المهدورة" هم فئة قليلة من المستوردين، وبدرجة أقل تجار اللحوم الذين حافظوا على هوامش ربح مرتفعة، في حين لم يكن لأزيد من 13.5 مليار درهم، وقع محسوس على المستهلك. انتقادات واتهامات متبادلة بدأت الانتقادات لقرار الإعفاءات الضريبية على استيراد الأبقار منذ أزيد من سنتين، مباشرة بعد إقرار هذا الإجراء، حيث تقاطرت على الحكومة الاتهامات بتسريب هذه المعلومة قبل صدورها رسميا، لفائدة مستوردين مقربين من الحزب القائد للائتلاف الحكومي، وهو ما ردت عليه أصوات من داخل حزب التجمع الوطني للأحرار، ووصفت هذه الأصوات، التي طالبت بفتح تحقيق حول هذه الشبهة، بالتشويش. ورغم أن الجدل والانتقادات وتبادل الاتهامات استمر على مر الشهور المنصرمة، إلا أنه نجح خلال الأيام الماضية في التحول إلى أهم قضية مطروحة على طاولة النقاش العمومي، واستأثرت باهتمام الرأي العام، بعد صدور اتهامات وانتقادات لاذعة من داخل الجسم الحكومي، أبرزها تصريح نزار بركة الأمين العام لحزب الاستقلال ووزير التجهيز والماء، ورد راشيد الطالبي العلمي القيادي بحزب التجمع الوطني للأحرار، وردود الفعل المتوالية. وقال بركة إن المستوردين استفادوا من دعم 500 درهم عن كل رأس في عيد الأضحى الماضي، واشتروا الخروف ب2000 درهم ثم باعوه للمغاربة ب 4000 درهم، كما أنهم استوردوا الرؤوس المعدة للذبح لبيع لحومها للمواطن بسعر 40 و60 درهما، لكن المواطن ظل يشتريها بأزيد من 100 درهم، بعد رفع هوامش الربح. قبل أن يخرج الطالبي العلميويقول لإن عدد المستوردين لخرفان العيد، العام الماضي، بلغ 100 مستورد، وليس 18 مستوردا، ويحصر الأرقام في الدعم المخصص فقط لعيد الأضحى، دون التطرق للمبلغ الأهم المتعلق بالإفاءات الضريبية. مطالب بالتحقيق مع تفجر النقاش حول مضوع ال13 مليار درهم، بدأت تتوالى المطالب بفتح تحقيق في الموضوع، ودعوات للنيابة العامة من أجل الدخول على الخط، والكشف عن حيثيات هذه الأرقام، والاختلالات التي صاحبت عمليات الاستيراد، وزجر كل الأفعال التي يمكن أن تشكل مخالفة للقانون. وطالب محمد الغلوسي رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، التي ستكون محرومة من تقديم شكايات حول تبديد الأموال العمومية بنص "قانون المسطرة الجنائية" التي تعده الحكومة بإشراف وزير العدل عبد اللطيف وهبي، -طالب- بفتح تحقيق بشأن ملف استيراد المواشي، الذي وصفه ب"الفضيحة الكبرى"، مشيرا إلى أن فئة محظوظة من المستوردين استولت على مليارات الدراهم من المال العام الموجهة لاستيراد الأغنام والأبقار دون أن يكون لذلك أي تأثير على أسعار اللحوم الحمراء حيث يكتوي المواطنون بلهيبها مقابل انتفاخ أرصدة المستوردين. من جهتها طالبت المجموعة النيابية للعدالة والتنمية، عبر البرلماني عبد الصمد حيكر بكشف الحقيقة للمغاربة، معتبرة أن الفيصل في تضارب الأرقام هو أن تتشكل لجنة لتقصي الحقائق في أقرب الآجال وأن توفر لها كافة المعطيات، وأن تطلق يدها لكي تصل إلى كل المعطيات المتعلقة بهذا الملف من بدايته إلى نهايته. الحكومة: الإعفاءات مستمرة والميزانية لم تتضرر في خضم هذه الزوبعة المثارة حول الموضوع، خرجت وزارة الفلاحة، أمس الأربعاء، لتؤكد أن الإعفاءات الضريبية مستمرة عن استيراد الماشية، دون أن تكشف عن حجم هذه الإعفاءات، واكتفت بتقديم كلفة الدعم المخصص لعيد الأضحى لسنتي 2023 و2024، والبالغة 437 مليون درهم. وأكدت الوزارة في بلاغ لها الإعفاء من الضريبة على القيمة المضافة ووقف استيفاء رسم الاستيراد مستمر، معتبرة أن هذا الإجراء لم ينتج عنه أي أثر مالي على ميزانية الدولة، بالنظر لكون تطبيق هذه الرسوم خلال السنوات الماضية (200 في المائة) كان ذا طابع حمائي للقطيع الوطني ولم يكن يدر على خزينة الدولة أية موارد. وسجلت الوزارة أنه بالنظر إلى الظرفية الراهنة، المطبوعة أساسا بتوالي سنوات الجفاف التي أثرت بشكل سلبي على الموفورات العلفية، وساهمت في تراجع كبير لأعداد القطيع الوطني وارتفاع أسعار اللحوم الحمراء بشكل ملحوظ، وأخذا بعين الاعتبار أن تعليق الرسوم الجمركية والضريبة على القيمة المضافة المطبقة على استيراد الأغنام لم يكن لوحده كافيا لرفع وتيرة الاستيراد وتحقيق وفرة في الأغنام خلال عيد الأضحى، فقد اتخذت الحكومة إجراءات استثنائية إضافية خلال سنتي 2023 و2024، من خلال تخصيص دعم يقدر ب500 درهم لكل رأس من الأغنام الموجهة للذبح خلال عيد الأضحى. وأوضحت أن 193 مليون درهم تم توجيهها لهذه العملية برسم سنة 2023، و244 مليون درهم برسم سنة 2024. وقد تم استيراد ما يناهز 875 ألف رأس من الأغنام، منها 386 ألف رأس خلال سنة 2023، و489 ألف رأس خلال سنة 2024. كما جرى فتح المجال أمام جميع المستوردين الذين تتوفر فيهم الشروط، وبلغ عدد المستوردين الذين تمكنوا من الانخراط في مسطرة استيراد الأضاحي 156 مستوردا (61 مستورد سنة 2023، و95 مستورد سنة 2024).