كشفت مجلة جون أفريك الفرنسية، استناداً إلى وثائق استخباراتية مسرّبة، عن تورط عناصر من جبهة البوليساريو في القتال إلى جانب النظام السوري في خضم الحرب الأهلية، وذلك ضمن شبكة إقليمية منسقة تقودها إيران، وبمشاركة حزب الله اللبناني وبدعم سياسي ولوجستي من الجزائر. هذه المعطيات، التي تدعمها أيضاً تحقيقات واشنطن بوست الأمريكية، تسلط الضوء على جانب خفي من الأنشطة العسكرية للجبهة الانفصالية، بعيدا عن خطابها السياسي الرسمي الذي يتمحور حول "تقرير المصير" في الصحراء المغربية. ووفق المصادر الأوروبية التي نقلت عنها الصحيفة الأمريكية، فإن مئات من مقاتلي البوليساريو تلقوا تدريبات على يد الحرس الثوري الإيراني، قبل إرسالهم إلى سوريا للمشاركة في عمليات عسكرية دفاعاً عن نظام بشار الأسد. وثائق تكشف شبكة إيرانية متعددة الأذرع تستند هذه الاتهامات إلى وثائق توصف ب"السرية للغاية"، تعود لسنة 2012، وتم العثور عليها ضمن أرشيف المخابرات السورية بعد انهيار أجزاء من بنية النظام الأمنية. وتفيد إحدى الوثائق، أن اتفاقاً ثلاثياً جمع بين النظام السوري، وجبهة البوليساريو، والجزائر، من أجل إرسال 120 مقاتلاً صحراوياً إلى سوريا، موزعين على أربع مجموعات، تم إدماجهم لاحقاً في وحدات الجيش السوري. كما تشير الوثائق إلى اجتماع عُقد في تندوف بين ممثلين عن الجزائروسوريا والبوليساريو، حضره محمد عبد العزيز، الأمين العام السابق للجبهة، وخليفته الحالي إبراهيم غالي، إضافة إلى عبد القادر طالب عمر، "سفير الجمهورية الوهمية" لدى الجزائر، وتم خلاله الاتفاق على تفاصيل العملية، بما في ذلك التدريب، والتسليح، والإدماج العسكري في وحدات خاصة. الوثائق نفسها تتحدث عن زيارة سرية قام بها مسؤولون من الجبهة إلى بيروت نهاية عام 2011، حيث التقوا قيادات ميدانية من حزب الله، لوضع معالم تدخل عسكري مشترك على الأرض السورية. ويُعتقد أن هذا التنسيق لم يكن مجرد دعم رمزي، بل شمل مشاركة فعلية لعناصر البوليساريو في عمليات قتالية ميدانية. أبعاد جيوسياسية وتحذيرات مغربية سابقة هذه المعلومات، وإن كانت مفاجئة من حيث تفاصيلها، فإنها لا تشكل صدمة تامة في السياق الدبلوماسي المغربي. ففي سنة 2018، أعلن وزير الخارجية ناصر بوريطة عن قطع العلاقات مع إيران، متهماً طهران باستخدام حزب الله لتدريب وتسليح جبهة البوليساريو عبر التراب الجزائري. وقد ربط حينها المغرب هذا التحالف بتهديد مباشر للأمن القومي المغربي. ويبدو أن الوثائق السورية التي تم الكشف عنها حديثاً تعزز صدقية هذا الطرح، وتؤكد أن الدعم الإيراني للجبهة لم يكن مجرد تمويل أو تحريض سياسي، بل تجاوز ذلك ليشمل تدريباً عسكرياً ميدانياً ومشاركة في نزاع مسلح خارج الحدود. تحركات دبلوماسية مرتقبة وتصنيف محتمل للبوليساريو كمنظمة إرهابية في خضم هذا التطور، تزايدت الدعوات في بعض الأوساط الغربية لإعادة تصنيف جبهة البوليساريو ك"منظمة إرهابية"، بحيث تبنى في الولاياتالمتحدة، النائب الجمهوري جو ويلسون هذا التوجه منذ مطلع أبريل الجاري، في حين وصف النائب البريطاني المحافظ ليام فوكس الجبهة علانية بأنها "ذراع لإيران في شمال إفريقيا". وتأتي هذه المطالبات في وقت حساس تشهده العلاقات الدولية مع إيران، ومع تصاعد التوترات الإقليمية حول قضايا النفوذ والتمدد في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ومن شأن هذا التصنيف – في حال تم – أن يقلب موازين عدة في قضية الصحراء المغربية، ويمنح المغرب ورقة ضغط قوية على الساحة الدولية. السياق السوري وتحولات الموقف الرسمي على الجانب السوري، تشير جون أفريك إلى أن العلاقة مع البوليساريو لم تكن دائماً على هذا المستوى من التنسيق، بحبث في مطلع الألفينات، وبدفع من رئيس الحكومة المغربية آنذاك عبد الرحمن اليوسفي، شهدت العلاقات المغربية السورية تقارباً ملحوظاً تُوّج بإغلاق مكتب البوليساريو في دمشق. غير أن بداية الأزمة السورية في 2011، وما تلاها من تحولات جذرية في خريطة الولاءات، أعادت فتح قنوات التعاون بين دمشق والجبهة الانفصالية، تحت مظلة النفوذ الإيراني. وفي عام 2012، عبّر وزير الخارجية المغربي حينها، سعد الدين العثماني، أمام مجلس الأمن عن إدانة صريحة لانتهاكات النظام السوري، وهي المواقف التي ردّ عليها ممثل سوريا في الأممالمتحدة، بشار الجعفري، بتهديدات مبطّنة تتعلق بقضية الصحراء، ملمحاً إلى "ملفات سرية" قد يتم الكشف عنها ضد المغرب. خلاصة تحليلية تفتح هذه الوثائق باباً جديداً لفهم الديناميكيات الحقيقية التي تحرك جبهة البوليساريو، بعيداً عن خطابها السياسي المعلن. كما تسلط الضوء على استخدام طهران الجبهة كورقة ضغط إقليمية ضمن استراتيجيتها التوسعية، ما يفسر جزءاً من حدة الموقف المغربي تجاه إيران وحزب الله. في المقابل، تكشف هذه التسريبات مدى عمق التشابك بين الصراعات الإقليمية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث لم تعد الجبهات العسكرية منفصلة عن الصراعات الدبلوماسية، بل باتت أدواتها الأساسية.