لا يكاد حزب "البيجيدي" يمرر إحدى محطاته التنظيمية، إلا وأظهر ولاءه الدائم لثنائيته المعهودة المتمثلة في الزواج غير الشرعي بين "السلوك الدعوي والبراغماتي". ولأنه حزب نشأ وسط أحضان النزعة الأيديولوجية والدعوية، فإن مساره عرف تذبذبا مستمرا بفعل الغياب التام لمرجعية تدبيرية واضحة، وظلت علاقته بالإصلاح الاجتماعي والاقتصادي، محكومة بالاستناد إلى مرتكزات دعوية لم يكن بمقدوره ترجمتها إلى برامج تخدم المصلحة الوطنية. والواقع أن هذا التوتر بين "الدعوي والمصلحي" داخل بيت البيجيدي، لا يشكل أزمة تنظيمية فحسب، بقدر ما أصبح مادة خطابية دسمة تهدد النقاش السياسي وتضر بمصداقيته، حيث لا تكف قيادات العدالة والتنمية عن استغلال "الخط الدعوي" وجعله مطية لكسب مزيد من التموضع والمصلحة السياسية، ولو على حساب الرأي العام. فتوظيف السلوك التحريضي والاحتجاجي لأصدقاء بنكيران، في بعض القضايا الأيديولوجية – كالقضية الفلسطينية مثلا -، لا يمكن فهمه بعيدا عن المحاولات اليائسة لتغليف "الجانب المصلحي" بخطاب "دعوي" يحاول تغليط المجتمع، وهي ممارسة سياسية تتنافى مع قواعد المنافسة الديمقراطية، وتتعامل مع القاعدة الانتخابية بكثير من الانتهازية الفاحشة. ولتسليط الضوء أكثر حول حقيقة المراجعات النقدية التي يعتزم البيجيدي إقرارها بمناسبة مؤتمره التاسع، فلا يبدو أن هناك مؤشرات توحي بتغيير في الأفق، فبين انسداد تنظيمي عميق والفشل في استرجاع قائمة القيادات المستقلة، يعيش البيجيدي أكبر إحراج حزبي في مسيرته السياسية. وهو الأمر الذي تتعمق حدته، بعدما ظهر جيل جديد داخل البيجيدي يلح على "بنكيران" تسليم مفاتيح القيادة، وتنبيهه بخطورة الاستمرار في تهميش أصوات تنادي من داخل الحزب بمراجعة أسلوب القيادة، حتى أن فئات واسعة من البيجيدي لم تعد مقتنعة بجدوى الاشتغال السياسي من داخل المنظومة الحالية. إن الوعي بمخاطر النموذج الذي يقدمه البيجيدي اليوم، يحتاج أسئلة سياسية ملحة وضرورية، وهي أسئلة القيم بالدرجة الأولى، وهو ما يضعه أمام اختبار صدقية توجهاته وقيمه السياسية. فبعدما تبينت محدودية خياراته السياسية في العشر سنوات السابقة، يصر اليوم على تشغيل أسئلة أيديولوجية مضرة بالديمقراطية بل ومضرة بعمق الإرادة العامة. فالمؤكد أن البيجيدي اليوم بات يهدد منظومة القيم السياسية، في الوقت الذي يجد نفسه غير قادر على المساهمة الإيجابية في الاستجابة للقضايا المطروحة للمواطن المغربي. ويبقى التأويل الصائب، ذلك المتعلق بأن "البيجيدي" لعبة انتخابية منتهية الصلاحية، ومجرد تكتيك سياسي استعمل لقضاء أغراض سياسوية ضيقة، وقد بلغ درجة من الإفلاس لن يستطيع العودة بعدها. *باحث وفاعل سياسي