يقف حزب العدالة والتنمية على أعتاب مرحلة صعبة في تاريخه، فبعد قرار المجلس الوطني للحزب، يوم الأحد الماضي، عدم تعديل المادة 16 من النظام السياسي، ما يغلق الباب أمام أمينه العام، عبد الإله بنكيران، للاستمرار ولاية ثالثة، خصوصا أن هذا الأخير قرر حسم النقاش داخل برلمان الحزب وليس في المؤتمر، تتجه الأنظار من الآن إلى الخيارات التي يملكها المؤتمرون داخل الحزب، وأيها أكثر إقناعا وقبولا بينهم، فإلى أين يتجه «البيجيدي» في مؤتمره الثامن؟ وما السيناريوهات الممكنة داخله في أفق المؤتمر المقبل؟ الديمقراطية ترجح خيار المحافظة بعد أسبوع على قرار المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية منع بنكيران من الاستمرار على رأس الحزب لولاية ثالثة، بات مؤكدا أن الديمقراطية انصاعت للمحافظة داخل هذا الحزب. ذلك أن قرار المنع صنعته فئتان: فئة الوزراء والمنتخبين ممن لهم مصالح، ورجحت لديهم اعتبارات الموقع على متطلبات الموقف، والفئة الثانية، وهي الأوسع، وتتشكل من قيادات وقواعد حركة التوحيد والإصلاح داخل الحزب. عادل بن حمزة، سياسي من مدرسة مختلفة وباحث في القانون العام، تنبّه إلى هذا الأمر، فهو بعدما أقر بأن حزب العدالة والتنمية «واجه امتحانا حقيقيا، اختلطت فيه المصالح بالعلاقات الإنسانية والتقديرات السياسية، استطاع أن يرسم الحدود الضرورية لمثل ذلك النقاش دون أن ينزلق إلى الانشقاق أو الانقسام»، أوضح أن مخرجات برلمان الحزب «أظهرت أيضا الحجم الحقيقي، والتأثير الممكن لحركة التوحيد والإصلاح، التي تعبأت قياداتها علانية للانتصار لوجهة النظر الرافضة للولاية الثالثة»، وهو التأثير الذي يبدو أكبر داخل الهيئات العليا في الحزب، منها المجلس الوطني، لكنه أقل في الهيئات الدنيا بفعل اتساع القاعدة البشرية للحزب خلال السنوات العشر الماضية. وقد توقف حميد برادة، صحافي ومحلل سياسي، كذلك، عند الطريقة التي دبّر بها الحزب خلافاته الحادة، بقوله: «ما أثار انتباهي هو الديمقراطية الداخلية النادرة التي اعتمدها الحزب»، هذا سلوك «غير معتاد في السياسة المغربية المبنية على العلاقات الفيودالية التي تسيطر فيها الزعامات». فهو سلوك «نادر في التقاليد الحزبية ويستحق التقدير». ونوّه برادة برد فعل بنكيران، بعد ظهور نتيجة التصويت، فقد «كان بإمكانه أن يطرح الولاية الثالثة في المؤتمر المقبل، باعتباره أعلى هيئة في المجلس الوطني، لكنه لم يفعل»، كما أن تصريحاته كانت «هادئة ولم يصاحبها تشنج»، وهو سلوك «عصري ديمقراطي غير تقليدي يستحق التقدير». استطاع برلمان الحزب أن يحسم الخلاف، الذي أنهك الحزب منذ إعفاء بنكيران من رئاسة الحكومة يوم 15 مارس 2017، إثر «بلوكاج مخدوم» توّج بحكومة برئاسة سعد الدين العثماني، لكن شرائح واسعة داخل الحزب ترفضها بسبب مكوناتها أيضا، ما تسبب في انقسام حاد، وجدل تجاوز مؤسسات الحزب إلى ساحات التواصل الاجتماعي، قبل أن يتركز الجدل والخلاف والغضب حول الموقف من تعديل المادة 16 من النظام الأساسي للحزب، والتي أصبحت أشهر من نار على علم، بين مؤيدي تعديلها الراغبين في رد الاعتبار إلى بنكيران، ورافضي ذلك الذين يرون أن تعديلها قد يفتح الباب أمام الصدام بالملكية. القول إن قرار المجلس الوطني ليوم الأحد 26 نونبر 2017 يعد حاسما، تؤكده عدة اعتبارات، لكن أهمها اثنتين: أولا، لأن بنكيران رفض نقل معركة تعديل المادة 16 إلى المؤتمر، وكان بإمكانه ذلك خصوصا وهو يعلم نتائج التصويت في المؤتمرات الجهوية للحزب، ويبدو أن موافقته على أن يحسم المجلس الوطني الجدل نهائيا، وراءه الرغبة في تلافي الانقسام داخل المؤتمر ربما يكون أسوأ، وثانيا لأن قرار المجلس، الذي رجّح بين خيارين، لم يطعن فيه أحد، ولم يعترض عليه أحد من أعضائه، بمن فيهم الغاضبون منه، وبما أن الخيار المرجح قد تم التسليم به، فمعناه وجود استعداد لدى بنكيران لفتح الطريق أمامه إلى النهاية، على أساس محاسبته بعد أربع سنوات من الآن. لكن، هل هذا السيناريو هو الوحيد المنتظر من المؤتمر المقبل لحزب العدالة والتنمية؟ ماذا لو تكتل المؤيدون لولاية ثالثة لبنكيران وراء شخص آخر؟ وما حظوظ نجاح كل خيار؟ العثماني أمينا عاما.. خيار التطابق بعدما رفض المجلس الوطني فتح الطريق أمام بنكيران، بات السيناريو الأكثر احتمالا هو وصول سعد الدين العثماني إلى موقع الأمين العام للحزب. ترجح هذا الخيار عدة وقائع ومعطيات، أقواها تلك التي تقول إن «الملك اختاره رئيسا لحكومتنا، فكيف لا نختاره نحن رئيسا لحزبنا»، وفي الحقيقة، منذ يوم تعيينه رئيسا للحكومة بقرار ملكي، كان ذلك القرار نفسه يعني اختياره أمينا عاما خلفا لبنكيران. تخفي تلك المقولة أقوى حجة احتج بها رافضو تعديل المادة 16 من النظام الأساسي للحزب، فحين يقول محمد الحمداوي، عضو الأمانة العامة للحزب والرئيس السابق لحركة التوحيد والإصلاح، إنه لا يمكن أن يكون رئيس الحكومة مرؤوسا من قبل الأمين العام للحزب، لأن ذلك سيسقطنا في تجربة «المرشد»، فهو يدافع عن حجة ضرورة التطابق بين الأمين العام للحزب ورئيس الحكومة، أي أن يكونا الشخص نفسه، وفي هذه الحال فإن العثماني هو المرشح. مصطفى بوكرن، باحث ومحلل سياسي، يتوقع أن يكون العثماني هو المرشح الوحيد بالنسبة إلى الذين رفضوا استمرار بنكيران على رأس الحزب ولاية ثالثة، «لا يمكن أن نتصور أن يرشحوا مصطفى الرميد، أو عزيز الرباح، لأنه في هذه الحال سيكون رئيس الحكومة مرؤوسا من وزير في حكومته»، وأضاف: «أتوقع أن يصطف تيار الوزراء ومؤيدوهم جميعا وراء العثماني لانتخابه أمينا عاما في المؤتمر المقبل. لن يكون هناك أحد غيره». ويضيف هذا التوجه حجة ثانية للإقناع بأن يكون العثماني هو الأمين العام للحزب، مفادها «تقوية العثماني كرئيس للحكومة». بالنسبة إليهم فإن «إضعاف العثماني في موقع رئيس الحكومة لن يكون في صالح الحزب»، يقول قيادي بارز: «الحكومة ضعيفة أصلا، والمصلحة تقتضي من جهتنا ألا نزيدها ضعفا على ضعف»، ويضيف: «يجب أن نقوي العثماني أكثر، حتى تمر المرحلة بسلام». في الحقيقة كان أول من روّج هذه الحجة هم أنصار بنكيران، حين كان لايزال رئيسا للحكومة، حيث صرّح أكثر من قيادي بأن «استمرار بنكيران على رأس الحكومة لولاية ثانية يقتضي أن يستمر على رأس الحزب ولاية ثالثة، لأن غير هذا الخيار إضعاف له أمام خصومه». اليوم تدور الرحى، ويستعمل الحجة نفسها مؤيدو العثماني، «يجب انتخابه أمينا عاما حتى نقويه في مواجهة خصوم الحزب». ويرى قيادي آخر داخل الحزب أن هناك حجة ثالثة لدى تيار الاستوزار الموالي للعثماني، مفادها أن «العثماني هو المرشح الوحيد لتيار الاستوزار»، لأن المرشحين الآخرين، أمثال مصطفى الرميد وعزيز الرباح، «أحرقوا أنفسهم في المعركة حول تعديل المادة 16. لقد اهتزت ثقة المناضلين فيهم، بعدما سقطوا في الكولسة والتعبئة، وفي التصريحات الحادة والعنيفة ضد بنكيران. مصداقيتهم تكسرت، وستكشف ذلك نتائج التصويت في المؤتمر». لكن هذا السيناريو يتوقف نجاحه، حسب عبد الرحيم العلام، أستاذ العلوم السياسية، على التوجه الغالب داخل المؤتمر، وقال: «إذا كان المجلس الوطني للحزب يمثل التوجه الغالب داخل القواعد الحزبية في المؤتمر المقبل، فمعنى ذلك أن المؤتمر قد ينتخب العثماني أمينا عاما للحزب، تماشيا مع نتيجة التصويت في برلمان الحزب، وقد يقتنع المؤتمرون بحجة أن الحزب لا ينبغي أن يسير برأسين، وهو موقف حركة التوحيد والإصلاح، والقيادات المؤسسة في الحزب كذلك، لكن، إذا كان موقف المجلس الوطني لا يمثل التوجه الغالب في المؤتمر، فقد تكون المفاجأة انتخاب قيادي آخر عوض العثماني». السيناريو البديل.. وضع مسافة بين الحزب والحكومة على خلاف الدعوة إلى التطابق بين قيادة الحزب وقيادة الحكومة، تحظى الدعوة إلى وضع مسافة بين الحزب والحكومة بتأييد واسع كذلك، وقد تكون أساسا لسيناريو بديل يحتمل وقوعه داخل المؤتمر، ويبدو أنه منافس قوي للسيناريو الأول، لاعتبارات كثيرة. ذلك أن نتيجة التصويت السري في المجلس الوطني، وإن رجّحت خيار رفض الولاية الثالثة لبنكيران، فإن ذلك حدث بأصوات قليلة (126 مقابل 101)، علما أن العديد من أعضاء المجلس الذين أعلنوا تأييدهم تعديل القانون لم يحضروا، وغابوا عن التصويت في الاجتماع لأسباب مختلفة. في المقابل، كانت الفروق كبيرة في المؤتمرات الجهوية، حيث تم عرض تعديل المادة للتصويت، وتبين أن الأغلبية مع استمرار بنكيران ولاية ثالثة، وأحيانا بفارق هائل (جهة سوس 55 مقابل 6). وتعني المعطيات الرقمية تلك أن التوجه الغالب في المؤتمر سيكون مع تعديل المادة 16 لصالح بنكيران وليس ضده. في هذه الحالة، يرجح قيادي بارز بالحزب أن يلجأ أنصار الولاية الثالثة إلى «التصويت العقابي» ضد العثماني، لصالح شخص بديل، «لن يكون من الوزراء، وسيكون قريبا من بنكيران وتوجهاته». ويرجح عبد الرحيم العلام، أستاذ العلوم السياسية بمراكش، أن يكون هذا الشخص هو «إدريس الأزمي، رئيس الفريق النيابي للحزب حاليا، والوزير السابق»، أما مبررات ذلك فهي أن الأزمي «من أنصار الولاية الثالثة، وشخص مقرب من بنكيران، وقد يحظى بدعمه». وخلف التصويت العقابي ستكون هناك حجج عديدة، لكن أبرزها تلك التي تؤكد ضرورة «دعم الحكومة، مع وضع مسافة إزاءها»، وهي، حسب عضو في الأمانة العامة للحزب، «معادلة صعبة، لكنها ممكنة، ومبنية على تحليل دقيق وعميق للوضع السياسي في البلاد، والموسوم بأزمة السلطوية»، وأضاف أن «الانفجار الاجتماعي يحتاج إلى حزب قوي، بقيادة متفرغة للحزب، بدل قيادة مستهلكة في التدبير الحكومي اليومي، حتى إذا ارتبكت الحكومة ارتبك معها الحزب، وهو ما لن يتحمله وضعه في المرحلة المقبلة بعد الذي وقع». يشير القيادي نفسه إلى أن «الحكومة ضعيفة ومرتبكة، فيما التوترات الاجتماعية متصاعدة»، وهذا قد «يدفع الدولة، في أي لحظة تشعر فيها بالضغط، وبأن الحكومة غير مقنعة للناس، إلى أن تعيد خلط الأوراق من جديد، وفي هذا الوضع ينبغي أن يكون الحزب على مسافة من الحكومة، حتى نتمكن من تقليص آثار مثل هذا الوضع إلى أدنى حد». ويراهن دعاة الفصل بين قيادة الحزب وقيادة الحكومة على دعم الأمين العام الحالي، عبد الإله بنكيران، في هذا التوجه، لتجاوز أحد جوانب الضعف في نجاح هذا السيناريو، والمتمثل في «غياب مرشح مقنع لقواعد الحزب وقياداته»، لكن القيادي المذكور يرى أن «دعم بنكيران سيكون كافيا جدا. نحن نعرف كيف كان موقع عبد الرحيم الشيخي قبل أن يصير رئيسا لحركة التوحيد والإصلاح. لقد نجح في المؤتمر بكلمة واحدة من بنكيران، ويمكن أن يتكرر ذلك مع إدريس الأزمي أو عبد العزيز العماري، لو أعلن بنكيران دعم أحدهما في المؤتمر». سيناريو الولاية الثالثة تم ترويج هذا السيناريو في اليوم الموالي لانتهاء أعمال المجلس الوطني، حيث شرع بعض أعضائه في جمع توقيعات، وإطلاق عريضة ترفض أن يكون قرار المجلس الوطني منع تعديل المادة 16 قرارا نهائيا، ويحتج هؤلاء بالمادة 100 من النظام الداخلي للحزب التي تقول: «يعتمد المجلس الوطني مقترح تعديل النظام الأساسي، ويقدم بشأنه مشروعا إلى المؤتمر الوطني المنعقد في دورة عادية أو استثنائية»، ما يعني، وفق أصحاب العريضة، أن تعديل النظام الأساسي اختصاص حصري للمؤتمر، ولا يمكن مصادرته منه. ورغم أن الأمين العام للحزب، عبد الإله بنكيران، يرفض هذه القراءة، كما أن أقوى مؤيدي الولاية الثالثة، أمثال عبد العزيز أفتاتي وخالد الرحموني، اعتبرا أن قرار المجلس الوطني نهائي، فإن طموح الأعضاء الذين يقفون وراء عريضة طرح تعديل المادة 16 للنقاش في المؤتمر يطمحون إلى جمع أكبر عدد من التوقيعات، حتى يكون بإمكانهم إقناع لجنة رئاسة المؤتمر، والتي على رأسها جامع المعتصم، بإدماج هذه النقطة في جدول أعماله. وقد كشف الجدل حول المؤسسة التي لها صلاحية تعديل النظام الأساسي، حسب عادل بن حمزة، «خللا ديمقراطيا في بالبناء القانوني للحزب، خاصة حين الحديث عن صلاحيات المؤتمر الوطني (المادة 23)، وصلاحيات المجلس الوطني (المادة 27). فإذا كان النظام الأساسي يقر بأن المؤتمر هو أعلى سلطة في الحزب، فإنه، حين تحديد اختصاصات المجلس الوطني، قام بتحويله عمليا إلى آلية للوصاية على المؤتمر الوطني، وذلك من خلال منحه صلاحية المصادقة على جدول أعمال المؤتمر، وإدراج تعديل المادة 16 من النظام الأساسي من عدمه في جدول الأعمال». يبدو، إذن، أن أنصار الولاية الثالثة تعوزهم الحجة القانونية، حتى وإن أصرّوا على موقفهم داخل المؤتمر. وفي كل الأحوال، يبدو نجاح هذا السيناريو ضعيفا، لسبب رئيس هو أن الشخص الذي أراد هؤلاء تعديل القانون من أجله، أي بنكيران، هو أول من رفض عرض تعديل المادة المعنية على المؤتمر، بل واعتبر قرار المجلس الوطني نهائيا وحاسما. ويرتقب أن يغلق هذا النقاش قبل المؤتمر، وفق قيادي مقرب من بنكيران، «قد يخرج بنكيران بكلمة توجيهية، أو بيان من الأمانة العامة، يغلق فيها النقاش حول الولاية الثالثة تماما. لقد تبين أنه يفكر في الحزب أكثر من شخصه، ولن يسمح بأي ضرر في المؤتمر قد يلحق بالحزب».