في تطور لافت يكشف عن تصاعد تأثير الذكاء الاصطناعي في السياسات العامة وسوق العمل والبحث العلمي، أصدر "مؤشر الذكاء الاصطناعي 2025" تقريره السنوي الثامن، الذي يُعد الأكثر شمولا حتى الآن، في ظل تسارع حضور الذكاء الاصطناعي في شتى مناحي الحياة، بما في ذلك الحكامة والتشريعات وسوق الشغل والتطبيقات العلمية والطبية. ويأتي التقرير، المنبثق منذ سنة 2017 عن مشروع "دراسة الذكاء الاصطناعي لمئة عام" في جامعة ستانفورد، والذي يقع في أزيد من 400 صفحة، ليُؤكد مجددا على التزامه بتزويد صناع القرار والمجتمع المدني والمعنيين بالمعلومة الدقيقة المدعومة بالبيانات الدولية.
وأشار التقرير، الذي استند إلى مئات الملايين من المعطيات المجمعة من مصادر رسمية وغير رسمية، إلى أن المغرب لا يزال خارج قائمة الدول الأكثر تقدما في مجال الذكاء الاصطناعي من حيث تركيز المهارات أو حجم الوظائف التي تتطلب كفاءات مرتبطة به. في المقابل، سجلت دول مثل سنغافورة ولوكسمبورغ وهونغ كونغ نسبا مرتفعة في نسبة عروض العمل المرتبطة بالذكاء الاصطناعي خلال عام 2024، إذ بلغت على التوالي 3.2 بالمائة و2 بالمائة و1.9 بالمائة من مجموع الإعلانات المهنية في تلك الدول، وفقا لبيانات شركة "لايت كاست"، المتخصصة في تحليل سوق العمل والتي غطت أكثر من 51 ألف موقع إلكتروني في تحليلها العالمي. وفي السياق ذاته، كشف التقرير أن الولاياتالمتحدة سجلت بدورها ارتفاعا في حصة الوظائف المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، حيث ارتفعت من 1.4 بالمائة سنة 2023 إلى 1.8 بالمائة سنة 2024، ما يعكس التحول الواضح نحو الاقتصاد المبني على المعرفة والابتكار. ويغيب المغرب عن هذه التصنيفات نظرا لضعف المعطيات المحلية حول سوق الشغل المرتبط بالذكاء الاصطناعي، في وقت باتت فيه هذه التكنولوجيا عنصرا أساسيا في السياسات الاقتصادية العالمية. بيد أن قد يمثل فرصة استراتيجية لوضع خطط من شأنها أن تُعزز من تموقع البلاد في السباق العالمي نحو ريادة تقنيات الذكاء الاصطناعي. وعلى مستوى تركيز المواهب، يورد التقرير أن أعلى نسب التركز في الكفاءات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي تم رصدها في إسرائيل (2.0 بالمائة) وسنغافورة (1.6 بالمائة) ولوكسمبورغ (1.4 بالمائة)، وفقا لمعطيات "لينكدإن" التي تم تحليلها لتحديد نسبة المستخدمين الذين يعلنون امتلاكهم لمهارات مرتبطة بالذكاء الاصطناعي في ملفاتهم المهنية. وقد شهدت دول مثل الهند (252 بالمائة) وكوستاريكا (240 بالمائة) والبرتغال (237 بالمائة) أكبر نسبة نمو في تركيز المواهب منذ عام 2016. وعند التطرق إلى التشريعات الفعلية المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، قام التقرير بجمع وتحليل جميع القوانين التي تتضمن نصا متعلقا بالذكاء الاصطناعي في 116 دولة ومنطقة، وذلك بين عامي 2016 و2024. وقد تم استبعاد القوانين التي أُقرت ثم أُلغيت، وكذلك تم اعتماد سنة إدراج مواد الذكاء الاصطناعي كمرجعية تاريخية بدلا من سنة التصديق على القانون الأساسي. المغرب لم يرد أيضا ضمن قائمة الدول التي سنت قوانين مخصصة أو شاملة للذكاء الاصطناعي، على عكس دول مثل فرنسا، كندا، الهند، الإمارات، كوريا الجنوبية، والبرازيل، التي طورت تشريعات واضحة لتقنين استعمال هذه التكنولوجيا. وإجمالا، فإن تقرير "مؤشر الذكاء الاصطناعي 2025" يقدم تحذيرا غير مباشر للدول التي لم تواكب بعد الموجة العالمية لهذه التكنولوجيا، ويدعوها إلى استدراك التأخر، عبر إعداد بنيات تحتية تشريعية وعلمية وأكاديمية قادرة على ضمان سيادة رقمية واستقلالية تقنية في عالم تُعاد فيه صياغة العلاقات الاقتصادية والجيوسياسية على أسس الذكاء الاصطناعي.