صدر في نونبر 2008 عن المجلس الوطني للاستخبارات بالولايات المتحدة تقرير استشرافي بعنوان "الاتجاهات العالمية 2025: عالم متحول"، حذر من تغير جذري في معالم النظام الدولي الذي نشأ بعد الحرب العالمية الثانية بحلول عام 2025. وقد أُنجز هذا التقرير بمشاركة مئات الخبراء من مختلف القارات، تحت إشراف ماثيو بوروز، أحد أبرز العقول الأمريكية في مجال الاستشراف الجيوسياسي. وتوقع أن يشهد العالم تحولات عميقة بفعل صعود قوى جديدة، وتسارع العولمة، وتحول الثروة والنفوذ من الغرب إلى الشرق. وأشار التقرير إلى أن المغرب، كغيره من دول شمال إفريقيا، سيتأثر بتداعيات التحول العالمي في الموارد، خاصة ما يتعلق بالأمن الطاقي والغذائي والمائي. فمع توقعات بأن الطلب العالمي على الطاقة سيظل في ارتفاع، وأن إنتاج النفط والغاز في دول عدة سيتراجع أو يستقر، ستزداد أهمية مصادر الطاقة البديلة، مثل الغاز الطبيعي والطاقة الشمسية والريحية، وهو ما يضع المغرب في موقع استراتيجي بحكم استثماراته المتزايدة في هذا المجال.
لكن التقرير يحذر من أن البنية التحتية الطاقية التقليدية على المستوى العالمي لن يتم الاستغناء عنها بسهولة، إذ يتطلب التحول نحو الطاقات المتجددة فترة انتقالية قد تمتد لعقود، وهو ما يفرض تبني سياسات مزدوجة تجمع بين تأمين مصادر الطاقة التقليدية واستثمار مدروس في البدائل المتاحة. كما أن النقص المتوقع في المياه العذبة سيطال 36 بلدا بحلول 2025، بما يشمل دولا في شمال إفريقيا، ما يدفع المغرب إلى تسريع وتيرة خطط تحلية المياه وتحديث أنظمة الري والزراعة المستدامة، خصوصا وأن التقرير يعتبر ندرة المياه والتغير المناخي من أبرز التهديدات البنيوية لأمن الدول النامية. على المستوى الديموغرافي، توقع التقرير أن تستمر مناطق مثل آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية في تسجيل أكبر نسب من النمو السكاني، في مقابل تراجع سكاني حاد في أوروبا واليابان. وحذر من أن البلدان التي تفشل في إدماج الشباب وتأمين فرص اقتصادية لهم ستكون عرضة لارتفاع مستويات التطرف والعنف، خصوصا في الدول التي تشهد تراجعا في آفاق الديمقراطية وغيابا للعدالة الاجتماعية، وهي ظواهر قد تنطبق على بعض الدول في محيط المغرب، مما يهدد بانتقال آثارها إلى داخله. ويعتبر التقرير أن توفير مناخ سياسي تعددي واقتصاد ديناميكي هو السبيل الأنسب لاحتواء التحديات المرتبطة ب"الانفجار الشبابي"، الذي لا يزال قائما في العديد من الدول العربية والإفريقية. ويشير الخبراء إلى أن التنظيمات الإرهابية في المستقبل ستكون مزيجا من تنظيمات قديمة تحافظ على بنيتها، وتنظيمات ناشئة تنشأ من حالات التهميش والإقصاء، وهو ما يضع المغرب أمام تحدي الاستمرار في مقاربة أمنية شاملة، تجمع بين الردع الأمني والتأهيل الديني والسياسي والاقتصادي للمجتمع، خصوصا في المناطق المهمشة. وأكد تقرير الاستخبارات الأمريكية أن التطور التكنولوجي سيضع إمكانيات هائلة في يد هذه الجماعات، ما يزيد من خطورة التهديد، ويجعل التعاون الإقليمي والدولي ضرورة حتمية. أما فيما يتعلق بالعلاقات الدولية، فيؤكد التقرير أن العالم يتجه نحو نظام دولي متعدد الأقطاب، حيث ستتقلص الفجوة في القوة الوطنية بين الدول المتقدمة والنامية، ما سيجعل من التعددية في صنع القرار سمة رئيسية. ويعتبر أن هذا العالم الجديد سيعرف توترات وصراعات تجارية وتقنية، ما يعني أن الدول القادرة على الابتكار والتكيف مع التغيرات التكنولوجية ستكون الأقدر على الصمود.