لا يملك كل مغربي أصيل وغيور إلا أن يفرح ويحمد الله ويفتخر وهو يرى الجموع الغفيرة، على مد البصر غالبا، تُقبل على الله في رمضان والعيد في المساجد والساحات العمومية والملاعب والطرقات، في الدول الإسلامية وفي كل دول العالم.
شيوخا وكبارا وشبابا وأطفالا، رجالا ونساء، قادة ومسؤولين ومثقفين وموظفين وإداريين ومهنيين وعاطلين، في المدن والقرى والجبال والصحاري، في الأحياء الشعبية كما الفقيرة والراقية، يُقبلون على العبادة من صيام وصلاة وقيام وتهجد وزكاة وصدقة، في تنافس قلّ نظيره، بمظاهر وتجليات تسر الناظرين وتلفت انتباه غير المسلمين.
فيقف العالم منبهرا بقوة المسلمين وتراصهم واعتدالهم في العبادات وتعظيمهم الشعائر، التي تبقى من ركائز الدين ومظاهر التدين، إضافة إلى الزيادة في العطاء والصدقات وأعمال الخير والتضامن. ويرافق ذلك دخول الكثيرين في الإسلام، فرادى وعائلات وجماعات وقبائل، كما تُبنى وتُفتتح مئات المساجد كل سنة في جميع أنحاء العالم، وتُصرف عليها في الدول الإسلامية وغير الإسلامية مئات المليارات من التبرعات.
وفي ليلة القدر ويوم العيد تبلغ هذه المظاهر ذروتها، حيث تتجلى عظمة التدين وتقديس العبادات، فينبعث كل ما هو كامن في النفوس من الإيمان، ويعمّ نوره كل بقاع الأرض، فلا يتخلف عن ذلك إلا القليل ممن لديهم مانع شرعي، أو عذر قاهر، أو موقف عقدي من الإسلام ورافض للدين.
ويبرز في هذا السياق تميز المملكة المغربية، التي تتمسك بإمارة المؤمنين، وتحتل الصدارة عالميا في حفظ القرآن الكريم، وبناء المساجد، والإقبال على العمرة، وتنظيم ليالي رمضان والأعياد، وتكوين الأئمة والمرشدين داخل المغرب وفي إفريقيا، حيث تستقبل الدول الإسلامية وغيرها علماءها ووعاظها وقراءها وأئمتها.
لكن، بقدر هذا الفرح والسعادة بثبات الإيمان في النفوس، وتمسك المسلمين بدينهم، وانتشاره في العالم حتى في الدول التي تحارب المسلمين وتتآمر عليهم، بقدر ما يُؤسفنا ضعف التدين في المعاملات، وانتشار سلوكيات منحرفة في العمل والإدارة والمرافق العمومية، كالغش، والرشوة، والزور، والظلم، والكسل، وخيانة الأمانة، وتضييع مصالح البلاد والعباد، وسوء المعاملة في المجتمع، ونشر الإشاعة، وإثارة الفتن، وعدم احترام القانون، ونقض العهود، والكسب الحرام، وهضم حقوق الناس، والورثة، واليتامى، والعمال، والشركاء، وأكل أموالهم بالباطل، وضعف الجودة، وقلة النظافة، والإساءة إلى الجيران والأقرباء، وتخريب الأسر.
وأحيانا، نجد في بعض المناطق بالمهجر التي يقطنها بعض المسلمين – أقول البعض حتى لا أعمم – انتشارا للجريمة، والانحراف، والمخدرات، وانهيار التماسك الأسري، وضعف الالتزام بالنظام والنظافة، وسوء الجوار، وانعدام الطمأنينة.
فسوء الأخلاق والسلوك والمعاملات في المجالات الاجتماعية، والمهنية، والإدارية، والسياسية، وغيرها، يعصف بكل حصاد الخير من التدين في العبادات، ويُضعف كل مسار التقدم والرفاه، ويهدد الأمن والطمأنينة في المجتمع، ويفتح أبواب الخيانة والاختراق، ويشوّه سمعة المسلمين، وينفّر من الإسلام، حتى في أوساط الشباب المسلم نفسه.
هناك من لا يجد حرجا في أن يكون موحدا ومتعبدا ومتمسكا بقوة بالعبادات، فرائضها ونوافلها، لكنه في الوقت نفسه يكون فاسدا مفسدا في مؤسسات الدولة ومسالك المجتمع.
لذلك، يجب على العلماء، والوعاظ، والدعاة، والمؤطرين، والمثقفين، والإعلاميين، والمؤثرين مضاعفة جهودهم، وهم مشكورون على ما يقومون به، لترسيخ التدين في العبادات والمعاملات معًا. فلا بد من تسديد التبليغ، بعد ترسيخ العقيدة والعبادات، من خلال تنمية الأخلاق، وتقويم السلوك، وتجويد المعاملات.
هكذا يكون المسلم عنصر خير والتزام ومنفعة، فتتحقق به الطمأنينة والأمان في نظام الدولة والمجتمع، سواء داخل وطنه أو في دول المهجر.
وهكذا، تجني أوطاننا وأمتنا والبشرية الخير من رحمة الإسلام وثمار التدين، وتتحقق فعليًا خيرية المسلمين.
لقد علّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم معنى التدين في شموليته، وحذّرنا من الإفلاس الحقيقي. فقد سأل الصحابة رضوان الله عليهم:
"أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع.
فقال: "إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيُعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يُقضى ما عليه، أُخذ من خطاياهم فطُرحت عليه، ثم طُرح في النار."
هذا هو المفلس الحقيقي، إلا من تاب إلى الله، وعمل صالحًا، وردّ الحقوق إلى أهلها.