انتقد الأكاديمي والمفكر المغربي محمد نور الدين أفاية القراءات "غير الدقيقة" التي اختزلت مفهوم "النقد المزدوج" عند عبد الكبير الخطيبي بأنه "نقد للثنائيات، أي التراث والغرب"، بينما "هو نقد لأساسيات ونظام فكري منتج. نقد لبنية واقعية صعبة المعالجة Intraitable"، مسجلا أنه "لا يكفي أن نتمرد، أن نرفع شعارات الاحتجاج، أو الاستنكار، أو المعارضة، أو التمرد، وأن نخلطها مع النقد كما أسس له الخطيبي". أفاية الذي كان من الباحثين المغاربة الذين سبق أن اهتموا بمنجز الخطيبي، أورد خلال ندوة حول "إعادة قراءة الخطيبي في كلية عوالمه"، أن الراحل "قارة بلا ضفاف"، وهو "مؤسس فعلي لكثير من مجالات النظر والبحث والكتابة"، وتابع: "منذ البدء، ظل يكسر الحدود ما بين مجالات النظر العقلاني والمجالات المتخيلة. يترحل بين حقول الإنتاج البصري والتخيلي بكثير من مقومات المفكر". وسجّل عضو أكاديمية المملكة المغربية، خلال اللقاء المنظَّم ضمن الدورة ال30 للمعرض الدولي للنشر والكتاب، أن "حضور الاعتبارات النظرية في هذه المعالجة انطلق من خلفية المبدع والفنان"، فهو "فنان حقيقي"، وفق توصيف أفاية، الذي شدّد على أنه "يشكّل لحظة من اللحظات التأسيسية لمعالجة الإبداع البصري"، وزاد: "نحن مقصّرون في حقه، ومن يهتم بالنقد والنظر مدعوّ لتجديد تواصله مع متون الخطيبي". وأفاد المفكر المغربي أن صاحب "النقد المزدوج" يتميز بالكثير "من الأوصاف: الكثافة، والسبق، والتأسيس، والقدرة على البناء... ولكن أيضا، نحن لا نتحدث عن الخطيبي بحماس ساذج"، وواصل: "بقدر ما هو مفكرٌ يعلّمك التفكير، بقدر ما يدعوك في الوقت نفسه إلى ممارسة ما يلزم من النقد إزاء نصه. وبقدر ما يفتح لك آفاق السؤال، بقدر ما يسمح لك بالاختلاف معه". وأضاف أنه "يشكل شخصية فكرية كثيفة. قارئ نصوصه يتولّد لديه، وهو يقرأ، نوعٌ من أنواع الحيرة، والقلق الداخلي، والتحفيز على تجاوزه"، موضحا أنه "كثيف، لأننا أينما بحثنا، في أيّ حقل من حقول الكتابة والإبداع، نجد اسمه: الرواية، والشعر، والمسرح، والفنون، لا سيما التشكيلية البصرية، والثقافة الشعبية، والمجالات الأخرى التي تندرج ضمن ما نسميه عموما العلوم الإنسانية والاجتماعية". وأكد المفكر المغربي أن الراحل "يتميز بمجموعة من المميزات التي يختلف فيها عن المثقفين المغاربة الذين أسّسوا للفكر المغربي الحديث، منذ الستينيات (من القرن العشرين) حتى أواسط العقد الأول من الألفية (الثالثة)"، مسجّلا أنه "يتصف بالجدارة؛ لقد بنى جدارة فكرية في سياق ثقافي متموّج عجيب، تزامن مع جيل من الباحثين والأساتذة الكبار في المغرب، كبول باسكون، وعزيز بلال، ومحمد الناصيري، وعبد الله العروي، وآخرين". الخطيبي، وفق أفاية، "نحت لنفسه أسلوبا مغريا، مثيرا، مستفزا، ومحفّزا"، وتابع: "لذلك، عمل في كل المجالات على صياغة نمط من الكتابة يتغير بتغير المجال الذي يكتب فيه، ونمط من التحليل يضيئه ويعمّقه، ويوسّع دائرة عمقه وفق المجال المحدّد الذي يهتم به"، بالإضافة إلى "نمط من القلق، ومن الحضور. وكل هذه الأشياء في اجتماعها تجعل من هذا الرجل أسلوبا مميزا". كما اعتبر المتحدث أن "الخطيبي تمرّد على السوسيولوجيا، رغم أنه حصل على تكوين فيها"، لا سيما "على الشكل الكلاسيكي المتعارف عليه في ذلك الوقت، أي المناهج، والطرائق المحددة في تحليل وتشخيص الظواهر الاجتماعية، بدليل أن أطروحته كانت حول الرواية المغاربية، ولكن في الوقت نفسه سيجد القارئ كتاباته في كل القضايا التي لديها تجذر سوسيولوجي".