تفتت الحكم العالمي الرشيد ومروره بمرحلة حرجة وحاسمة الأهمية جاء في دراسة جديدة أعدها مجلس الاستخبارات القومي الأميركي أن تكاثر القضايا الدولية التي تواجه الدول وتعقيدها البالغ يكتسحان قدرة المنظمات الدولية والحكومات القومية على معالجتها على نحو يفي بالغرض.وذكر المجلس في تقريره أن "توفر حكم رشيد أنجع على نطاق عالمي أمر بالغ الأهمية لمعالجة طائفة من التهديدات والمخاطر مثل النزاعات العرقية والأمراض المعدية والإرهاب فضلا عن جيل جديد من التحديات العالمية، من بينها تغير المناخ وأمن الطاقة وشح الغذاء والماء وتدفقات الهجرة الدولية والتكنولوجيات الحديثة".ويضيف التقرير "أن مما يعقد احتمالات قيام الحكم الرشيد الفعال على نطاق عالمي عبر السنوات الخمس عشرة المقبلة هو التحول إلى عالم متعدد الأقطاب، لا سيما التحول في أدوات القوة نحو كيانات ناشطة من غير الدول". صدر التقرير المسمى: الحكم الرشيد 2025—في مرحلة حرجة، يوم 20 شتنبر المنصرم في واشنطن، وشارك في إعداده معهد الاتحاد الأوروبي للدراسات الأمنية؛ وهو أول مشروع مشترك من هذا القبيل أعد وأصدر مع وكالة لا تنتسب للحكومة الأميركية. جدير بالذكر أن مجلس الاستخبارات القومي الأميركي هو مكتب أبحاث يرسم نظريات استراتيجية بعيدة المدى ضمن مكتب مدير الاستخبارات القومية. يستكشف التقرير السنوات الخمس عشرة المقبلة ويحاول مجابهة التحديات التي قد تنشأ بناء على ما نعرفه اليوم عن أخطر تحديات العالم مثل نقصان الأغذية والمياه الذي قد يسببه تغير المناخ وسوء الإدارة والتكاثر السكاني الشديد وانحطاط الزراعة والنزاعات. ويقر التقرير في ديباجته بأن الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي " لا يتفقان دائما حول كل قضية مدرجة على جدول الأعمال الدولية" ولكنهما يتشاطران قيما واهتمامات استراتيجية متماثلة بطريقة غير مسبوقة بين أي شركاء عالميين آخرين. يعرّف التقرير الحكم العالمي الرشيد بأنه الإدارة الجماعية لمشاكل مشتركة على الصعيد الدولي. وينبه بأنه رغم النجاحات العديدة التي تحققت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية "فإن تكاثر القضايا الدولية التي تواجه الدول وتعقيدها البالغ يكتسحان قدرة المنظمات الدولية والحكومات القومية على معالجتها". فمع بزوغ وتنامي العولمة السريعة، تفاقمت المخاطر المحدقة بالنظام الدولي إلى درجة أن المخاطر المحلية سابقا لم يعد في الإمكان احتواؤها محليا. وليس أدل على ذلك من تفشي شح الغذاء في سنة 2008 في أكثر من 50 دولة مما هدد الأمن والاستقرار الداخليين؛ ولكنه لم يقتصر على ذلك بل هدد أيضا الاستقرار الإقليمي وأرهق قدرة المنظمات الدولية مثل برنامج الغذاء العالمي على الاستجابة لذلك. يورد التقرير ثلاثة آثار ناجمة عن العولمة وتؤكد الحاجة إلى الحكم العالمي الرشيد، وهي التكافل الاقتصادي وطبيعة التحديات المترابطة والتشابك بين التحديات الداخلية والخارجية مما يعيق في أغلب الأحيان جهود التسوية.ويشدد واضعو الدراسة على أن العالم قد تحول من عالم ثنائي القطبين تقليديا ومراكز قوى ثلاثية الأقطاب كما كان معهودا إبان سنوات الحرب الباردة بين قلة من الدول مثل الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفييتي، إلى عالم ذي مراكز قوى ونفوذ متعددة. ويرى هؤلاء الباحثون أن هذا الأمر سيعقد احتمالات الحكم العالمي الرشيد في العقد المقبل من السنين. ويقولون: "إن النفوذ الاقتصادي المتوسع للقوى الناشئة يزيد نفوذها السياسي خارج حدودها القومية بشوط طويل". ومما يزيد الطين بلة أن القوة السياسية لا تتحول فقط من دول راسخة إلى دول ناشئة وإلى العالم النامي إلى حد ما، بل تتحول أيضا إلى كيانات ناشطة من غير الدول،من بينها الشركات المتعددة الجنسيات والمنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والكنائس والمنظمات الدينية وجماعات المصالح الخاصة. وتتفاقم التعقيدات إزاء القدرة على الحكم الفعال من جراء وجهات النظر المتباينة والشكوك المحيطة بالحكم العالمي الرشيد الذي ينظر إليه في كثير من الأحيان على أنه صنيعة الغرب وغريب عن التقاليد والعادات المحلية والإقليمية. ولا ريب في أن ذلك يزيد من صعوبة تذليل التحديات. وجاء في الدراسة التي أعدها مجلس الاستخبارات القومي الأميركي بالاشتراك مع معهد الاتحاد الأوروبي للدراسات الأمنية أنه لئن ساهمت كيانات من غير الدول في تعزيز الحكم العالمي الرشيد وقدرته على حل النزاعات فإن حفنة من الفصائل والتنظيمات مثل شبكات الإجرام الدولية والمنظمات الإرهابية التي أمدتها التكنولوجيا بقوة إضافية أصبحت تشكل مخاطر جسيمة. ويلاحظ واضعو التقرير أن الحكم العالمي الرشيد لا يعني "حكومة عالمية". والسبب في أنه لايعني حكومة عالمية واحدة هو أنه من غير المحتمل إطلاقا أن تتخلى الدول عن سيادتها القومية. أضف إلى ذلك أن هناك اهتمامات متعددة ومتباينة وتظل هناك دواعي قلق عميق إزاء مدى فعالية المؤسسات الدولية الحالية.ويعتقد هؤلاء الباحثون أيضا بأن تحقيق المزيد من التعاون الدولي الفعال بين جميع الفئات/دول وغير دول، يقدم جزءا من الحل تجاه تفتت الحكم العالمي الرشيد. ثم يخلصون إلى القول إن التعاون الدولي ممكن وقابل للتنفيذ ومطلوب لمعالجة تحديات المستقبل. إعداد: