تكثفت بشكل لافت منذ بداية النصف الثاني من سنة 2010 الأحاديث عن بداية إندلاع حرب أمريكية صينية، البعض توقعها إقتصادية عن طريق معركة بين العملات والإجراءات الإقتصادية الحمائية وفرض العقوبات، وآخرون لم يستبعدوا تطورها إلى حرب مسلحة سواء على صعيد إقليمي أو دولي أي حرب عالمية ثالثة. بين هذين التصورين طرحت عدة سيناريوهات وفرضيات بما في ذلك مؤامرة تقودها الولاياتالمتحدة لتدمير الإقتصاد الصيني. في بداية شهر أغسطس 2010 كتب أستاذ العلوم السياسية في جامعة شيكاغو، جون ميرشايمر إن «السياسة، بدلا من الاقتصاد، ستعيد رسم مستقبل آسيا على نحو حاسم، كما جرى لأوروبا في القرن الماضي». وحذر ميرشايمر من احتمال أن يشعل صعود الصين منافسة أمنية كبيرة مع الولاياتالمتحدة، ما قد ينسج احتمالات قوية لنشوب حرب بين أكبر اقتصادين في العالم. وأشار إلى أنه في الوقت الذي يساهم الترابط الاقتصادي بين الصين وأمريكا في احتواء الأمريكيين «للنهضة» الصينية الاقتصادية والسياسية بما يخدم تبديد احتمالات الحرب، تشتعل اليوم الدبلوماسية بين الطرفين، فيما تحاول بكين استعادة نفوذها في بحر الصين الجنوبي، كجزء من مداها الحيوي في مقابل «تدخل» أمريكي مستجد في هذا النطاق الجغرافي. وأضاف أن عودة بكين إلى صلب النظام الإقليمي بعد عقود من العزلة هو جزء من إستراتيجيتها الدولية الجديدة، والهدف «تعميق مصالحها الأساسية» والتحول إلى قوة دولية. وأوضح ميرشايمر أن إستراتيجية الصين الكبرى تعود إلى عهد الزعيم السابق دينغ شياو بينغ، القائمة على تفادي الصدام مع منافس أقوى بكثير، كالولاياتالمتحدة، والاهتمام ببناء «القوة الوطنية الشاملة»، لذا، يظهر تمسك القادة الصينيين بالكثير من الحيطة والحذر للفوز بآسيا أولا «من دون قتال»، ولو كان هاجسهم الأساسي توسيع سلطتهم على حساب النفوذ الأمريكي. وأضاف أن تخوف الصينيين يتمثل في اعتبارهم أن بلادهم تتحرك ببطء شديد على طريق تأمين أهداف سياستها الخارجية، وأن الخطر يكمن برأيهم أيضا في مبالغة القادة الصينيين بقدرات بلادهم الخاصة وتقليلهم من نقاط القوة الأمريكية، تماما كما فعلت ألمانيا في أوروبا في القرن الماضي. تهديد الأمن القومي الأمريكي سنوات قبل ذلك أنشأ الكونغرس الأمريكي في اكتوبر 2000 «لجنة مراجعة العلاقات الاقتصادية والأمنية الأمريكية- الصينية» كأداة لمتابعة ودراسة واقع العلاقات التجارية والاقتصادية بين الولاياتالمتحدة والصين، وانعكاس تلك العلاقات على الأمن القومي الأمريكي والمصالح الأمريكية. وتقوم اللجنة برفع اقتراحاتها وتوصياتها إلى الكونغرس، سواء فيما يتعلق بالتشريعات والقوانين أو فيما يتعلق بالسياسة الخارجية الأمريكية ذات الصلة. ويتركز عمل اللجنة في ثمانية مجالات أساسية، هي: الانتشار النووي، التحويلات الاقتصادية، الطاقة، أسواق رأس المال الأمريكية، التطورات الإقليمية الاقتصادية والأمنية، البرامج الثنائية الأمريكية- الصينية، الالتزام الصيني بقواعد واتفاقات منظمة التجارة العالمية، وأخيرا القيود المفروضة على حريات التعبير والنفاذ إلى المعلومات في الصين. وتقوم اللجنة بإصدار تقرير سنوي حول تلك القضايا، يتم رفعه إلى الكونغرس. اللجنة التي شكلت لتكون الجهاز الذي ينبه إلى أخطار نمو قدرات الصين على مركز الولاياتالمتحدة الدولي ولتقدم مقترحات لمواجهة هذه التحديات مثلما تفعل أجهزة عسكرية وأمنية اخرى متعددة، ساهمت في صياغة التحولات في سياسة واشنطن تجاه بكين. في أحد تقارير اللجنة ذكر أنه في ضوء الارتباط والعلاقة الإيجابية الواضحة بين النمو المتسارع للنفوذ الدبلوماسي للصين من ناحية، وتزايد معدلات النمو الاقتصادي والأهمية الاقتصادية للصين من ناحية أخرى، يجب أن تتشكك الولاياتالمتحدة في مصداقية إعلان الصين التزامها بمسئوليتها الجيو سياسية، وأنه في ضوء تصاعد النفوذ الصيني في مختلف أقاليم العالم، فإن دعم الصين لمن تصنفهم واشنطن بالنظم القمعية والدول المارقة، واحتمال تحولها إلى قوة موازية للولايات المتحدة في النظام الدولي، هي قضايا يجب أن تكون موضع اهتمام وقلق الولاياتالمتحدة. أوباما والنفوذ الصيني في أولى جولاته الآسيوية بعد توليه الرئاسة، زار الرئيس الأمريكي عددا من الدول الآسيوية هي: اليابان، سنغافورة، الصين وكوريا الجنوبية. وكانت الصين أهم محطات زيارته، تلك الدولة التي تنظر لها الأوساط الرسمية والأكاديمية - ليس فقط في الولاياتالمتحدةالأمريكية وإنما في كثير من الدول حول العالم – على أنها القوة الكبرى القادمة من بعيد، لتنهي زمن القطبية الأحادية التي سيطرت عليه الولاياتالمتحدةالأمريكية بعد سقوط الاتحاد السوفيتي منذ بداية العقد الأخير من القرن الماضي. خلال هذه الجولة صرح أوباما «إن الولاياتالمتحدة ليس لديها أي مخاوف من الصين، حتى لو كانت الصين مدركة لقوتها المتزايدة»، معلقون اعتبروا أن مثل هذه الكلمات هي محاولة من جانب الرئيس الأمريكي لضمان تعاون الرئيس الصيني هو جنتاو مع الجهود التي تبذلها إدارته لتسوية عدد من الملفات الدولية الشائكة، من خلال طرحه لاقتراب تعاوني للعلاقات بين الجانبين. كما أن أحد الرسائل المهمة التي أراد أوباما إيصالها إلى القيادة الصينية والشعب الصيني كانت تدور حول عدم سعي الولاياتالمتحدة إلى احتواء الصين، أو السعي إلى فرض القيم الأمريكية عليها، مثلما كان يطالب الكثير من المحافظين الجدد خلال حكم الرئيس بوش. شبكة سي إن إن الأمريكية نشرت تقريرا للمحلل جون فوز أكد فيه «على أن الصين وهى في طريقها لبناء قوتها الاقتصادية تحاول تأمين حصولها على المواد والخامات الطبيعية واستمرار تدفقها إليها، الأمر الذي يكفل في نهاية المطاف استمرار نهضتها الصناعية، ولذلك عملت على عقد اتفاقيات بمليارات الدولارات في مناطق كثيرة حول العالم خاصة في إفريقيا، بالإضافة إلى ضخ كثير من الاستثمارات والمساعدات لكثير من الدول التي تمتلك هذه الموارد والخامات الطبيعية، إضافة إلى عرضها لكثير من أوجه التعاون العسكري مع هذه الدول لضمان نفوذ لها هناك، واستمرار الاستحواذ على ما يلزمها من مواد خام من هذه الدول. وأضاف التقرير أن نفوذ بكين لم يتوقف عند حدود الدول الإفريقية فقط، بل بذلت الحكومة جهودا جبارة لتنمية علاقاتها وروابطها مع دول أمريكا اللاتينية، فتضاعف حجم التبادل التجاري بين الصين ودول القارة عشرات المرات خلال العشر سنوات الأخيرة، وتمكنت الصين بفضل هذه الجهود من أن تزيح الولاياتالمتحدة من احتلالها المرتبة الأولى في التبادل التجاري مع كل من البرازيل وشيلي، لتحل هي محلها. وهنا يلفت التقرير الانتباه إلى أن القيادة الصينية تدرك جيدا أنها من خلال خلق هذه الروابط التجارية مع دول أمريكا اللاتينية، والتي تعتبر بمثابة الفناء الخلفي للنفوذ الأمريكي، سوف تحقق كثيرا من المكاسب في عدد من الملفات الأخرى ذات الأهمية الكبيرة في العلاقة بين واشنطنوبكين، ومن أهم هذه الملفات قضية تايوان، والتي تعتبر من أهم القضايا على أجندة السياسة الصينية. ويشير التقرير هنا إلى سعي الصين لعزل تايوان، التي تعتبر بمثابة حليف مهم للولايات المتحدةالأمريكية، والتي تعتبرها الصين جزءا لا يتجزأ من الأراضي الصينية، وهو من الأهداف الاستراتيجية للحكومة الصينية، وبالفعل تمكنت من خلال الروابط التجارية التي خلقتها مع دول أمريكا اللاتينية من أن تدفع ثلاث دول إلى تحويل تمثيلها الدبلوماسي من إقليم تايبيه أكبر مدينة و عاصمة جزيرة تايوان إلى العاصمة الصينية بكين، في اعتراف ضمني من جانبهم بإعتبار تايوان جزء من الأراضي الصينية. ويقول التقرير: إن القيادة الصينية استطاعت أن تحقق هذا النجاح من خلال الحوافز التجارية التي قدمتها لهذه الدول. ميزة انتهت وعلى الصعيد ذاته وفيما يخص قدرة البيت الأبيض على التأثير على سياسة بكين ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» في تقرير لها أعده كل من مايكل وينز وشارون لافرانير ان «العلاقات بين الصين والولاياتالمتحدة لم تعد كما كانت في الماضي، ولكنها الآن علاقة بين قطب دولي قوته تتراجع وبين قطب آخر صاعد، فالميزة النسبية التي كانت تمتلكها واشنطن في الماضي في علاقتها مع الصين لم تعد موجودة الآن» في كتاب صدر في الولاياتالمتحدة تحت عنوان ماذا يحتاج العالم ليعرف عن القوة العظمى المرتقبة ؟، الذي شارك في إعداده باحثون وخبراء من معهد الاقتصاد الدولي ومركز الدارسات الإستراتيجية والدولية في واشنطن، تطرق الكتاب إلى الملف الأمني في العلاقات بين الصين والولاياتالمتحدة من خلال توجيه نمط أخر من الأسئلة حول نموذج العلاقة الأمنية بين البلدين وهل ستكون الصين شريكا كما حدث مع نموذجي ألمانياواليابان بعد الحرب العالمية الثانية أم ستكون منافسا ومزاحما كما في حالة الاتحاد السوفيتي أبان الحرب الباردة. وهل يمكن أن تصل العلاقات بينهما إلى حد العداء والمواجهة ؟. ومن أهم الأسئلة التي يوجهها الكتاب هي، هل تمثل الصين للولايات المتحدة تهديدا اقتصاديا يؤثر سلبا على سوق العمل ومستوى المعيشة والتنافس على مصادر الطاقة أم أن هذا النمو الصيني سيعتبر فرصة ويصب في النهاية في صالح اقتصاد الولاياتالمتحدة، خاصة وأن عدد الشركات والمصانع الأمريكية في الصين في ازدياد مطرد. ويذكر مؤلفو الكتاب أن الصين كانت ولا تزال تستعصي على فهم الأمريكيين نظرا للغموض والتعقيد وعدم دقة المعلومات المتاحة حول هذه الدولة التي تشرف على أن تكون واحدة من أهم القوى في عالمنا المعاصر. فشلت الولاياتالمتحدة خلال القرن العشرين في ترويض الصين ولم تكن السياسة الأمريكية قادرة على فرض منطقها ومصالحها في التعامل معها، لكن هذه العلاقات أصبحت تعني الآن الكثير نظرا لحجم التحديات التي تواجه الطرفين بل العالم أجمع مثل التوازن بين القوى العظمى ودعم النمو الاقتصادي العالمي ومعالجة زيادة انتشار الأسلحة النووية ومجابهة الإرهاب. وبالنسبة للولايات المتحدة فإن القلق يتضاعف بسبب الأثر الذي يتركه تنامي قدرات ودور الصين في العالم على الأوضاع الاقتصادية والسياسية والأمنية في الولاياتالمتحدة ، ومع ذلك فإن العلاقات بين البلدين أعقد وأكبر من مجرد تنافس بين قوتين كما يقول مؤلفو الكتاب. أوروبا تبحث عن طريق كتب وزير خارجية ألمانيا السابق يوشكا فيشر في «بروجيكت سنديكيت» تحت عنوان «الصين كقوة عظمى»: الصين ستصبح قوة عظمى مهتمة بالداخل إلى حد كبير، وهو على وجه التحديد السبب الذي من شأنه أن يجعلها تلاحق مصالحها الخارجية بطريقة غير عاطفية على الإطلاق... أما على الصعيد العسكري فإنها ستركز بشكل أساسي على تفوقها الإقليمي، وذلك لأن وحدة البلاد تعتمد على ذلك التفوق. نظرا للتطور السريع والناجح الذي شهدته جمهورية الصين الشعبية فقد بات من الواضح بما لا يدع مجالا للشك أن الصين ستصبح واحدة من القوى العالمية المهيمنة في القرن الحادي والعشرين، بل على الرغم من المشاكل الهائلة التي تواجه البلاد فقد تبرز الصين حتى بوصفها القوة العالمية الأولى. ولكن من قبيل الخطأ الفادح أن نفترض أن عودة ظهور ما يطلق عليه «القوى العملاقة»، مثل الصين والهند، لابد أن يشكل بالضرورة استمرارا للتقاليد الغربية. فسيظل لزاما علينا أن نتعامل مع شكل مختلف من أشكال القوى العظمى. منذ أبحرت القوى الأوروبية في نهاية القرن الخامس عشر لغزو العالم، تعود التأريخ الرسمي والسياسات الدولية على نمط معين: حيث تترجم القوى العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية إلى ممارسة النفوذ على بلدان أخرى، وغزوها، بل حتى فرض الهيمنة العالمية وبناء الإمبراطوريات. وكان هذا صادقا بشكل خاص في القرن العشرين، عندما حلت الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفياتي في أعقاب حربين عالميتين في محل القوى العالمية الأوروبية على الساحة العالمية. كما شهدنا النمط نفسه أثناء الحرب الباردة وفترة الهيمنة الأمريكية التي تلت أحداث ما بين سنة 1989 وسنة 1990. ولكن في اعتقادي أن صعود الصين كقوة عالمية لن يتبع نفس النمط، وذلك بسبب عدد سكانها الهائل الذي يبلغ 1300مليون نسمة، والذي يهدد بإنهاك الهياكل التي يتألف منها أي شكل من أشكال نظم الحكم وصنع القرار. ويصدق هذا بشكل أوضح في أوقات التغيرات الجوهرية السريعة، كما هي الحال في الصين الآن. إن الخطر الدائم المتمثل في إنهاك الهياكل السياسية الداخلية للبلاد من غير المرجح أن يسمح بأي دور إمبراطوري في السياسة الخارجية. وبقدر صحة هذه الحقيقة فإن الولاياتالمتحدة لن تستبدل كقوة مهيمنة ما لم تتخل عن ذلك الدور. وقد يبدو هذا بسيطا، ولكنه سيخلف عواقب بعيدة المدى على النظام الدولي. نمو ضروري وبالنسبة للقيادة الصينية فإن النمو بمعدل سنوي قدره 10 في المائة تقريبا سيشكل ضرورة أساسية لفترة طويلة من الزمن. وإلا فإن تحول الصين السريع والجوهري من بلد زراعي إلى مجتمع صناعي فائق الحداثة لن يتسنى له أن يستمر من دون زعزعة استقرار النظام. ولكن هذا التركيز على النمو الداخلي لابد أن يخلف عواقب سياسية بالغة الضخامة، سواء على الصعيد المحلي أو على صعيد السياسة الخارجية. ففي الداخل ستكون الصين الدولة الأولى التي ستضطر نظرا لحجمها الهائل والنمو المطلوب للناتج المحلي الإجمالي إلى تبني اقتصاد «أخضر». وإلا فإن الصين ستصل سريعا إلى «الحدود القصوى للنمو»، بكل ما ينطوي عليه ذلك من عواقب بيئية وسياسية مأساوية. وفيما يتصل بالسياسة الخارجية فإن الصين ستحاول حماية تحولها الداخلي من خلال تأمين الموارد والوصول إلى الأسواق الأجنبية. ولكن إن عاجلا أو آجلا ستدرك الحكومة الصينية أن الدور الذي تلعبه الولاياتالمتحدة باعتبارها جهة تنظيمية عالمية لا غنى عنها لتحقيق مصالح الصين الخارجية الحيوية، وذلك لأن الصين غير قادرة على الاضطلاع بهذا الدور، فضلا عن عدم وجود لاعبين عالميين آخرين، وهذا يعني أن البديل الوحيد للولايات المتحدة هو انهيار النظام الدولي. إن هذه العلاقة الترادفية بين الولاياتالمتحدة والصين لن تكون سلسة بأي حال من الأحوال، ولن يتجاوز تأثيرها تخفيف الأزمات وفترات المواجهة الاقتصادية والسياسية الخطيرة، كتلك التي تلوح في الأفق الآن فيما يتصل باختلال التوازن التجاري بين البلدين. لكن على الصعيد الاستراتيجي سيكون لزاما على الصين والولاياتالمتحدة أن تعتمد كل منهما على الأخرى لفترة طويلة، وهذا الاعتماد المتبادل سيتخذ لنفسه هيئة سياسية عند نقطة ما، وربما لا يوافق هذا هوى لاعبين دوليين آخرين، خصوصاً الأوروبيين. ولن يتسنى لأوروبا أن تغير مسار هذا التطور إلا إذا قدمت نفسها بوصفها لاعبا جادا وبادرت إلى الانتصار لمصالحها على الساحة العالمية. وربما يصب هذا في مصلحة مجموعة الاثنين أي الصين والولاياتالمتحدة. بيد أن أوروبا أضعف وأكثر انقساما من أن تتمكن من ترك بصمتها على الساحة العالمية، بسبب عزوف قادتها عن انتهاج سياسة مشتركة قائمة على المصالح الاستراتيجية لبلدانهم». فرصة ضائعة في مراكز القرار بالولاياتالمتحدةالأمريكية هناك من لا يشاطر رؤيا وزير الخارجية الألمانية السابق بخصوص استبعاد المواجهة اقتصاديا أو عسكريا، خاصة وأن هناك فئة من صانعي السياسة في الغرب يؤكدون أنه مع مرور الوقت تضيع واشنطن وحلفاءها فرصة ضرب الصين قبل أن يصبح الأمر انتحارا. أفاد تقرير صادر عن وزارة الدفاع الأمريكية بأن الصين تزيد من قدراتها العسكرية بشكل سري وأن مليارات الدولارات قد أنفقت على التسلح خارج اطار الميزانية المعلنة. وحذر التقرير من خطورة الأمر لأنه «يؤدي إلى سوء فهم ويزيد من خطورة نشوء النزاعات». وكانت الاتصالات العسكرية الأمريكية الصينية قد جمدت سنة 2010 ورفضت الصين استقبال وزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتس، وذلك بسبب صفقات أسلحة أمريكية لتايوان. وترى الولاياتالمتحدة أن النفقات العسكرية الصينية تخدم أهدافا تتجاوز حدوددها وحدود تايوان. وتخشى واشنطن أن التوجه الحالي للعسكرية الصينية كفيل بزعزعة التوازن العسكري في شرق آسيا وكل المحيط الهادئ. وقال البنتاغون إن الولاياتالمتحدة ترغب بإجراء حوار مع الصين لتفادي «الحسابات الخاطئة». وكانت الصين قد أعلنت في شهر مارس 2010 أنها ستزيد ميزانيتها العسكرية بنسبة 7،5 في المئة فقط بدلا من ال 10 في المائة سنويا التي دأبت عل تخصيصها خلال العقود السابقة. عدد من الخبراء يعتقدون ان المبلغ الفعلي المخصص للموازنة العسكرية الصينية ربما يكون أكثر بضعفين او ثلاثة من الرقم المعلن. ويقول المنتقدون ان الصين ليست منفتحة فيما يتعلق بسياساتها الانفاقية عموما. ويتهم الأمريكيون بكين بالتلاعب بالأرقام ويضيفون أن مليار دولار تنفقها الصين على التسلح تعادل سبعة أضعافها بالمقياس الأمريكي وذلك بفضل رخص تكاليف تصنيع السلاح داخل الصين. ويقدر معهد الدراسات الاستراتيجية في لندن ميزانية الصين العسكرية سنويا بما بين 80 مليار دولار و 120 مليار، في حين أن الميزانية العسكرية الأمريكية تبلغ 700 مليار دولار سنويا. تحديث الأسطول وتبدي إدارة واشنطن كذلك قلقها إزاء جهود الصين الحثيثة لتحديث سلاح البحرية وتعزيزه بالمزيد من الغواصات بجانب مخطط لشراء المزيد من حاملات الطائرات. وترقب أمريكا تنامي قوة هذا السلاح وسط مخاوف على تايوان، ونقل تقرير للبنتاغون: المخاوف تتضمن استعدادات الصين لطوارئ في مضيق تايوان، ويتضمن ذلك إمكانية تدخل أمريكي، وهو العامل الدافع وراء هذا التحديث. ويقول خبراء عسكريون ألمان أن بكين تبني قواتها البحرية والجوية لا لتكون قادرة فقط على الاستيلاء على تايوان بسرعة، بل لتكون قدرتها العسكرية قوية لدرجة ردع واشنطن حتى في التفكير في التدخل عسكريا لمساندة الجزيرة الصغيرة المتمردة. وجاء تقرير البنتاغون في أعقاب تقرير آخر مماثل أعدته لجنة من الكونغرس وجد أن الصين، بزغت كأعظم تهديد تجسسي على الولاياتالمتحدة، فيما يصفه البعض بأنها «حرب باردة جديدة» تتهدد الاستثمارات الفكرية للولايات المتحدة وأسرارها العسكرية. وقد عززت الصين أجواءها بأحدث المقاتلات العسكرية الروسية من طراز «سوخوي 27» و»سوخوي 30» بجانب الطائرات المصنعة محليا من طراز «جاي 10»، التي تعتبر إحدى الطائرات المقاتلة المتطورة على الصعيد العالمي. في مارس 2010 صرح الجنرال بروس رايت قائد القوات الأمريكية المرابضة في اليابان، وقوامها 50 ألف جندي، «العراق أضعفنا والقدرات العسكرية للصين تتهددنا، وأضاف أن استمرار الصين في تعزيز قواها العسكرية «أمر مثير للقلق»، مشيرا إلى تقادم الأسطول الجوي الأمريكي. وكان عسكريون في سلاح الجو الأمريكي قد أكدوا إن حربي العراق وأفغانستان، وعلى مدى سبع أعوام، أنهكت على نحو خطير، الأسراب الجوية من طائرات مقاتلة وقاذفات وناقلات شحن وتلك الهجومية. ويشار إلى أن العمر الافتراضي لمقاتلات اف 15، نحو 24 عاما، وطائرات تزويد الوقود من الجو من طراز كي سي 135، التي تعد العامود الفقري لتنفيذ مهام جوية بعيدة المدى، 46 عاما. وأردف أن تحديث حكومة بكين لدفاعاتها الجوية، جعل من الصعوبة أن لم يكن مستحيلا على الولاياتالمتحدة، اختراق الأجواء الصينية بطائرات اف 16 س، و اف 15 س، المتمركزة حاليا في اليابان. مضيفا أن الأمر قد يتطلب استخدام طائرات اف 22 أو «مقاتلة الضربة المشتركة»، اللتان لا يمكن رصدهما بأجهزة الرادار العادية. وأشار قائلا: لأول في التاريخ، نرى دولة أخرى، وفي هذه الحالة أعني الصين، تمتلك مقاتلات أحدث مما نملك، ونحن على علم إذا استمرت الصين في الاستثمار على هذا المنوال غير المسبوق، علينا أن نكون حذرين من قدرات الصين العسكرية. في داخل الصين كذلك هناك خاصة داخل القوات المسلحة مسؤولون يرجحون كفة المواجهة ففي كتابه «الحلم الصيني» دعا الكولونيل ليو مينجفو من جيش التحرير الشعبي بكين لامتلاك أقوى جيوش العالم والتحرك سريعا للإستثمار ذلك على الصعيد العالمي، كما دعا الكولونيل الصين للتخلي عن التواضع في ما يتعلق بالأهداف العالمية «والقفز لكي تصبح الرقم واحد في العالم». وفي كتابه، الذي يعكس الطموحات القومية الصينية المتصاعدة، قال ليو مينجفو إن «هدف الصين الكبير في القرن الحادي والعشرين أن تصبح الرقم واحد في العالم... القوة الأعلى». قانون عقوبات يوم 29 سبتمبر 2010 أضافت الولاياتالمتحدة عتلة جديدة إلى ترسانة ضغطها على الصين التي يصفها البعض بالحرب الإقتصادية. فقد أقر مجلس النواب الأمريكي مشروع قانون ينص على تدابير عقابية ضد الصين بسبب إبقائها على سعر عملتها اليوان دون قيمتها الفعلية لدعم صادراتها، مؤكدا أن هذا الأمر يضر بسوق العمل الأمريكية، واحتجت الصين معتبرة ان مشروع القانون الامريكي يخالف قوانين منظمة التجارة العالمية، ومؤكدة أن سعر عملتها مناسب. ورد خبراء صينيون مشيرين إلى أنه كلما فشلت سياسات واشنطن الإقتصادية كلما القوا اللوم على الصين وطلبوا منها التضحية ودفع الثمن. وأقر النواب نص القانون بأكثرية 348 صوتا مقابل 79 في موقف غير معتاد ضد الصين يعكس استياء الناخبين بسبب تداعي الاقتصاد وارتفاع نسبة البطالة الى حوالى عشرة بالمئة قبل انتخابات نوفمبر. وقبل ساعات من تصويت النواب الأمريكي قال اوباما خلال تجمع يشبه حملة انتخابية في ولاية آيوا إن اليوان «دون قيمته الفعلية» ما يساهم في زيادة العجز التجاري الأمريكي مع الصين، وأضاف «بعض الناس يعتقدون عموما انهم يديرون عملتهم بشكل يجعل بضائعنا أغلى ثمنا للبيع وبضائعهم أرخص لكي تباع هنا». وأعرب عدة نواب من مؤيدي ومعارضي مشروع القانون انهم يفضلون معالجة هذه المسألة بشكل متعدد الاطراف، معربين عن قلقهم من ان تؤدي اي حرب تجارية مع الصين الى الاساءة اكثر لسوق العمل الأمريكية. بعد 24 ساعة من تصويت مجلس النواب الأمريكي قال وزير الخزانة الأمريكي تيموثي غايتنر إن بوسع الولاياتالمتحدة والصين التغلب على الخلافات بشأن سياسات بكين بخصوص العملة دون الشروع في حرب تجارية تضر الجانبين. من جانبها أعربت غرفة التجارة الأميركية في الصين عن معارضتها لمشروع قانون العملة الصينية في رسالة بالبريد الإلكتروني، جاء فيه «إذا سن القانون، فإن الغرفة لا تعتقد أنه سيكون فعالا في تحقيق أهدافه، وسيفشل في خلق الوظائف في الولاياتالمتحدة». الهند واليابان في الميزان الولاياتالمتحدة في عملية سعيها لمحاصرة نمو قدرة الصين تراهن على الحصول على مساندة الهند واليابان، وحربها في أفغانستان تملك دوافع من ضمنها الحيلولة دون تعزيز مركز باكستان التي تتحالف مع الصين لمعادلة ثقل خصمها التاريخي الهند. حاليا تعكس خيارات سياسة دلهي ميلا قويا لفكرة التخالف مع واشنطن للحد من المد الصيني. وقد كتب براهما تشيلاني أستاذ الدراسات الاستراتيجية لدى مركز بحوث السياسات في نيودلهي ومؤلف كتاب «الطاغوت الآسيوي: صعود الصين والهند واليابان». «التقى مؤخرا أعضاء بارزون في الحكومتين الهندية والكورية الجنوبية بهدف تأسيس «شراكة استراتيجية» جديدة. وفي مختلف أنحاء آسيا تجري عملية هندسة وإنشاء بنية أمنية جديدة، على نحو تدريجي مجزأ ظاهريا. وقد لا يكون من السهل الآن أن نتكهن بالكيفية التي قد يتطور بها المشهد الجغرافي السياسي في آسيا. ولكن من الواضح أن الصين المتزايدة الحزم والثقة تعمل من دون قصد على تعزيز دور أمريكا في آسيا، وإعادة الصدارة لها بوصفها الضامن المطلق للأمن والاستقرار في المنطقة. وهناك على أقل تقدير أربعة سيناريوهات محتملة للأمن الآسيوي في السنوات والعقود المقبلة. ويتلخص الأول في صعود آسيوي يتمحور حول الصين. والواقع أن الصين تسعى إلى تأسيس عالم متعدد الأقطاب على أن تكون آسيا أحادية القطب. وفي المقابل ترغب الولاياتالمتحدة في إقامة عالم أحادي القطب شريطة أن تكون آسيا كيانا متعدد الأقطاب. والسيناريو الثاني يتلخص في استمرار الولاياتالمتحدة في العمل كضامن أساسي للأمن والاستقرار في آسيا، سواء في ظل أو في غياب احتمال ثالث: ظهور تجمع من البلدان الآسيوية التي توحدها مصالح مشتركة، ويعمل هذا التجمع على ضمان عدم تحول آسيا إلى كيان أحادي القطب. وأخيرا، قد تشهد آسيا صعودا جديدا لقوى قديمة متعددة، بما في ذلك اليابان، والهند، وفيتنام، وإندونيسيا، وكوريا بعد إعادة توحيدها. ومن بين السيناريوهات الأربعة، كان الأول هو الأعظم إثارة للقلق والانزعاج. فقد أصبح جيران الصين قلقين على نحو متزايد إزاء قوتها المتصاعدة ومحاولاتها الواثقة الرامية إلى تأكيد ذاتها. وفي حين يطمح حكام الصين إلى صياغة آسيا على نحو يجعلها تتمركز حول الصين، فإن جهودهم الرامية إلى تخويف الدول المجاورة الأصغر حجما من غير المحتمل أن تجعل من الصين مرشحا يتمتع بالمصداقية لزعامة آسيا. في الوقت الذي يتكثف ضغط واشنطن على الصين تعمل الأخيرة على كسب تعاون الأوروبيين حيث أعلنت أنها مستعدة للعمل مع الاتحاد الاوروبي بشأن الازمة المالية وأبلغ رئيس الوزراء الصيني ون جيا باو مؤتمرا صحفيا في أثينا أن الصين مستعدة للتعاون مع الاتحاد الاوروبي لمواجهة الازمة المالية وتعزيز الإشراف على النظام المالي العالمي. وقال ون الذي كان يتحدث من خلال مترجم في اليوم الأول خلال شهر أكتوبر لجولة أوروبية «الصين مستعدة يدا بيد مع الاتحاد الاوروبي وكركاب على متن سفينة واحدة لتعزيز التعاون ... لمواجهة الأزمة المالية». وقال رئيس الوزراء اليوناني جورج باباندريو ان عزم الصين شراء سندات يونانية هو تصويت بالثقة وذلك بعدما قال ون ان بلاده تريد شراء سندات يونانية جديدة. سيناريو حرب في مارس 2010 كتب الصحفي الأمريكي تشارلز سميث مقالا في «وورلد ديلي» طرح فيه تصورا لحرب صينية أمريكية، ويذكر أن سيناريوهات هذه المواجهة كررت في البنتاغون على أجهزة المماثلة الالكترونية « ويقول تبدأ الحرب عند الفجر مع غزو أكثر من 100000 جندي صيني لسواحل تايوان، في ثلاث موجات هائلة». تتدخل القوات الجوية الأمريكية بطائرات اف 117 ستيلث في ضربات فعالة من اوكيناوا باليابان حتى تفرض ضربة مباشرة من الصواريخ الباليستية الصينية إغلاق القاعدة وتقتل الآلاف. ترسل قوة بحرية كبيرة من ضمنها حاملات الطائرات من اتجاهين مختلفين، واحد من المحيط الهندي، وآخر من عبر المحيط الهادي. في النهاية تغرق القوات الصينية حاملتي الطائرات النوويتين وجزء كبير من الأسطول الأمريكي. وهكذا تدخل أمريكا في حربا طويلة الأمد مع الصين.