ألا تتذكرين يوم أقسم الحسن الثاني، رحمه الله تعالى، بأن يعطي أوامره المطاعة للجيش المغربي من أجل الدفاع عنكِ إذا لزم الأمر؟ ألا تتذكرين عزيزتي يوم ضربك الإرهاب بيد من حديد، فعافك القادة والمسؤولون، وتوجّس منك خيفة الأثرياء ورجال الأعمال، وفر منك الزوار والسياح، وأصبحتِ منبوذة كالأجذم لا يقصد وِجهتك أحد؛ فخرج يومها جلالة الملك محمد السادس يتجول في شوارعك الضيقة، وأزقتك الناكرة للمعروف، بدون حراسة شخصية أو بروتكول؛ من أجل اطمئنان العالم بأنك آمنة مطمئنة أكثر من أي وقت مضى؟ ألم يكن حرِياًّ بجلالته أن يستغل الوضع الكارثي لما أصبحتِ عليه؛ فيضاعف عدد سواح المملكة المغربية الشريفة، ويستثمر الفرصة السانحة ليحتضن المستثمرين الأجانب، ويستقطب الشركات العالمية التي عزمت الرحيل عنك، نحو بلد ينعم بالأمن والرخاء؟ لكن؛ حاشى أن يكون هذا دأب ملك بن ملك بن ملك بْن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل: "مثل المؤمنين كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى". يا حسرتا على تونس التي لم تعد خضراء، وجامعة الزيتونة التي لم تعد تثمر، وقصر قرطاج الذي كان يضيء العالم حتى عاد لا يضيء حتى على نفسه؛ يا حسرتا عليك حينما فرَّطت في القوي الذي يزيدك قوة وهيبة، والأمين الذي يشد عضدك إذا ما تنكرت لك الأيام، وقد تنكرت لك بالفعل؛ وبالمقابل، آثرت أن ترتمي في أحضان عسكر من ورق، ونظام أوهن من بيت العنكبوت، إذا نجا من السقوط اليوم فمن المؤكد أنه لن ينجو منه في الغد. لقد امتنع جلالة الملك محمد السادس عن تهنئتكِ في عيد استقلالك هذا العام، دون كل الأعوام؛ إلا أنه في الحقيقة امتناع عن تهنئة "قيس حزين" الذي فرط في هذا الاستقلال، وجعل البلد ولاية جزائرية بامتياز، لا يخطو خطوة، ولا يميل يُمنة ولا يُسرة إلا بأمر من قصر المرادية، أعزكم الله. ما يطمئنني عليك تونس الشقيقة؛ حدسُ الحسن الثاني فيك، وقلَّما حدسُه يخطئ، لماّ قال بأن تونس لن تسقط ما بقي فيها تونسيٌّ واحد؛ فأبشر يا "قيس" بالخراب ولو بعد حين، وأبشري يا تونس الخضراء بزيارة ثانية لجلالة الملك بعدما ينزاح عنك هذا الكابوس اللعين الذي تسلط عليك، والذي جعل منك مجرد قزمٍ بعدما كنتِ، ما شاء الله، قامةً وهامة.