لم تكتف الإدارة الأمريكيةالجديدة بتجديد الموقف التاريخي، الذي اعترفت فيه بسيادة المغرب على صحرائه، بل انتقلت به إلى خطوة متعمدة جديدة، بمناسبة الزيارة التي يقوم بها وزير الخارجية المغربي إلى واشنطن: وتمثل بالأساس بالانتقال بالموقف من التزام ذاتي يهم الولاياتالمتحدة، ويلزمها كقوة عظمى وحاملة للقلم في ملف الوحدة الترابية للمغرب، إلى التزام عملي، وخطة عمل دولية تسعي إلى دفع المنتظم الدولي إلى الإقرار بها، وقد تمثلت مقومات هذا المخطط العملي، في ثلاثة مرتكزات أساسية، وردت في البلاغ الصادر عن وزارة الخارجية: اعتبار الحكم الذاتي الإطار الوحيد للتفاوض على حل مقبول من الأطراف ودعوة الأطراف إلى الانخراط في محادثات على هذا الأساس… ويمكن أن نعتبر بأن الخطوة الأمريكية في تفعيل الاعتراف الآن، لم تقف عند الالتزام الأصلي بقناعة أمريكية تحصلت لدى الإدارة التي يقودها دونالد ترامب، حيث يمكن أيضا أن نقول إن تجديد الاعتراف، بالرغم من قوته وأهميته ورفعه لأية التباسات تأسست في فترة الرئيس جو بايدن، ليس حدثا بحد ذاته بل إن الحدث يكمن في قناعة الدولة حاملة القلم، بأنه «الإطار الوحيد الذي يجب أن يتم على أساسه التفاوض بين الأطراف المعنية بالملف». وهو ما يعني بأن الولاياتالمتحدة تسقط من حسابها أي قاعدة أخرى للحل، من قبيل العودة إلى فكرة الاستفتاء التي تعشش في ذهن الانفصاليين وداعميهم منذ 1991، بل إن الموقف يسقط كل ما سبق 2007، تاريخ وضع المغرب للحكم الذاتي بما فيها القرارات المرجعية بالنسبة للأطراف المعادية ( قرار 1991). هي مناسبة أيضا لطرح سؤال إبقاء أو حل مهمة «المينورسو»، ما دامت تعتبر جزءا من تاريخ ما قبل 2007! ونجزم بأن هاته القناعة ستجد ترجمتها في كل سطر تكتبه حاملة القلم في القرارات التي ستعرض على مجلس الأمن وهيئات الأممالمتحدة في القادم من الأيام… وما من شك أن العواصم الدولية ستلتقط رسالة واشنطن، والكثير من آفاق الحل ترتسم من خلاله، ويتوقع أن يكون لإرادة تنزيل الموقف الأمريكي دوليا آثار في تغيير الكثير من المعادلات الجيوسياسية في المنطقة وإشارات أخرى سيكشف عنها المستقبل. أما بالنسبة لمواقف الأطراف المعادية، التي يمكنها أن تعاند ما شاء لها أن تعاند، فلن توقف عجلة الإرادة الدولية، التي تدعي الدفاع عن شرعيتها وقانونها، قبل أن ترضخ لخيارات المجتمع الدولي النهائية. المرتكز الثاني يتعلق بالسقف الزمني، الذي ورد في الموقف الجديد، وقد لخصته جملة من كلمتين» بلا تأخير»، مما يعكس القناعة بأن الملف قد طال، وأن الأطراف لا يمكن أن تمطط في حلحلة الموضوع إلى ما لا نهاية، ويمكن هنا أن نستشعر قناعة أمريكية لكن وراءها مناخ دولي عكسته بالواضح تصريحات وزير خارجية إسبانيا ألباريس مؤخرا في تصريح ببرنامج «لا كافيتيريا» على إذاعة راديو كيبل «هناك من يرغب في إبقاء ملف الصحراء مجمدا ل 100 عام. ومدريد لن تنتظر قرنا آخر لإرضاء من يختبئ خلف شعارات فارغة.» الإسراع والحث عليه بسقف زمني مقبول، من لدن الدول ذات الحسم (واشنطنمدريدباريس كمثال)، يعني أيضا مهام «المينورسو»، والتي تظل في أغلب عملها مرتبطة بالموقف الأمريكي، ومن باب ضمان الدعم المادي الضروري لها للقيام بوظيفتها، أما إذا تغيرت القناعات والسياقات، فذلك مبرر أكبر لكي تنتهي «المينورسو» جملة وتفصيلا. العنصر الثالث أو المرتكز الثالث في تغيير طبيعة الالتزام الأمريكي» على تسهيل إحراز تقدم نحو هذا الهدف» وهي إحدى النقط إن لم نقل أبرز النقط اليوم في التحرك الديبلوماسي الأمريكي في العديد من القضايا( أوكرانيا مثلا). علاوة على أن أمريكا، لن تسقط في التناقض مثلا بصياغة قرارات تتعارض مع قناعتها والتزامها، وبالتالي فإنها ستعمل على أن يجد الموقف الأمريكي الجديد ترجمة له لدى الأطراف المؤثرة والفعالة في القرار الدولي، داخل مجلس الأمن والأممالمتحدة أولا ثم في المجموعة المعروفة بأصدقاء الصحراء ثانيا ثم لدى المجتمع الدولي المباشر في المنطقة، ثالثا. وهو إلى ذلك، يلتقي مع القرار الفرنسي، الذي ورد بصريح العبارة في موقف الاعتراف الفرنسي. ونذكر هنا بأن الرسالة التي وجهها ماكرون إلى العاهل المغربي ورد فيها أن فرنسا «تعتزم التحرك في انسجام مع هذا الموقف على المستويين الوطني والدولي»…. سيبلور ذلك قناعة لدى مجلس الأمن بطي الملف، وأن هناك موقفا توافقيا دوليا يتبلور اليوم ويتسع نطاقه أكثر فأكثر، وهو ما يخدم المغرب بل هو ما سعى ويسعى إليه المغرب منذ بداية القضية كاختيار ثابت، وكما يقتضيه العمل في المجتمع الدولي… ربما سيوفر علينا هذا المسعى النقاشات التي تخترق الرأي العام الوطني من أجل طي صفحة الملف، من قبيل سحب الملف من اللجنة الرابعة، دعوة البلاد إلى إخراج «المينورسو»، في وقت نسعى إلى أن تظل القضية حصريا بين يدي الأممالمتحدة. ختاما، فإن هذا الأفق الذي بدأت ملامحه تتضح أكثر، هو الذي يفسر لنا إعلان ملك البلاد بأن الحق قد طرد الباطل وأن الحق لا يعلي عليه.. بعد أن التحق بنا العالم في قضيتنا!