أقال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مستشاره النافذ لشؤون الأمن القومي جون بولتون، الثلاثاء الماضي. وكتب الرئيس الأمريكي في تغريدة على تويتر "لقد أبلغت جون بولتون الليلة الماضية أن خدماته لم تعد مطلوبة في البيت الأبيض ، فأنا أختلف بشدة مع العديد من اقتراحاته ، وكذلك أعضاء آخرين في الإدارة ، لذلك طلبت من جون أن يتقدم باستقالته، وهو ما فعله هذا الصباح". قرار مفاجئ.. لكنه كان متوقعا الخبير في العلاقات الدولية ورئيس تحرير موقع Morocco World News، سمير بنيس وصف قرار الإقالة ب " المفاجئ"، و بمثابة تحصيل حاصل بسبب اختلاف وجهات النظر بين الرئيس الأمريكي وبولتون على الرغم من تناغم توجهاتهما الإيديولوجية. فبينما اعتبر الكثير من المراقبين أن شخصية بولتون ومواقفه بخصوص العديد من القضايا الدولية على رأسها إيران ونزعته للعمل بمفرده وعدم إيمانه بأهمية وفائدة الأممالمتحدة أو الاتفاقيات الدولية المتعددة الأطراف التي تعتبر الولاياتالمتحدة طرفاً فيها ستجعل منه العقل المدبر للإدارة الأمريكية وستمكنه من ترجمة مواقفه وقناعته على أرض الواقع، يقول سمير بنيس، "إلا أن محاولاته لجر بلاده إلى حرب ضد إيران وسياسته الفاشلة في فنزويلا وعدم تناغم مواقفه مع قرار ترامب الاستمرار في التقارب والتواصل مع رئيس كوريا الشمالية وموقفه الرافض لقرار ترامب عقد اجتماع سري مع حركة طالبان في منتجع كامب ديفيد سرع برحيله عن الإدارة الأمريكية." رحيل بولتون.. خبر سار للمغرب! واعتبر الخبير في العلاقات الدولية أن رحيل بولتون يعد "خبرا سارا للدبلوماسية المغربية،" التي عاشت في حالة من الترقب والتوجس خلال الأشهر الأولى لتعيينه في أحد أكثر المناصب تأثيراً في الإدارة الأمريكية. فبحكم اشتغاله حول ملف الصحراء حينما كان موظفاً في وزارة الخارجية وحينما كان مساعداً للمبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، جيمس بيكير، خلال الفترة ما بين 1997 و2004، كان من المتوقع أن يعمل بولتون على الإلقاء بكل ثقله السياسي من أجل دفع مجلس الأمن إلى تسريع وثيرة العملية السياسية الأممية بغية التوصل لحل نهائي لهذا الملف، وفق سمير بنيس، الذي أشار إلى أن بولتون ألقى بولتون باللوم على المغرب وحمله مسؤولية فشل الجهود التي قامت بها الأممالمتحدة لإنهاء النزاع من خلال الكتابات التي نشرها منذ تنحيه من آخر منصب رسمي في الحكومة الأمريكية عام 2006. كما أن بولتون هاجم الأممالمتحدة واتهمها بعدم التوفر على إرادة سياسية لفرض حل ملزم على جميع الأطراف، في الوقت الذي عبر عن أهمية تمكين الصحراويين من ممارسة حقهم في تقرير المصير عن طريق تنظيم استفتاء، وفق نفس المتحدث. فمن خلال قراءة وتحليل التصريحات التي استعملها بولتون حول هذا الموضوع خلال ما يزيد عن عشر سنوات، يقول سمير بنيس: " فيمكن القول إنه كان يحس بغصة في قلبه لفشله بمعية جيمس بيكر في إنهاء هذا النزاع، وبالتالي، فقد حاول استغلال تواجده على رأس مجلس الأمن القومي لفرض حل للنزاع يتماشى مع قناعاته وتوجهاته وإن كان ذلك يعني الانحراف عن الموقف الرسمي الذي تبنته الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ عشرين سنة وهو تبني موقف الحياد الإيجابي مع إبداء بعض الدعم الضمني للموقف المغربي." وأشار بنيس إلى أنه قد تبين اهتمام بولتون الشخصي بملف الصحراء منذ الأيام الأولى من تعيينه مستشاراً للأمن القومي، والتي تزامنت مع تقديم الأمين العام للأمم المتحدة لتقريره السنوي عن الصحراء في شهر أبريل 2018 ومع مداولات أعضاء مجلس الأمن حول القرار السنوي المتعلق بتجديد ولاية المينورسو. وقد ظهر تأثير بولتون من خلال اعتماد القرار 2414، الذي تم بموجبه تمديد ولاية المينورسو لمدة سته أشهر عوض سنة، وهي الممارسة التي دأبت الأممالمتحدة عليها منذ عام 2008. وقد كان الدافع وراء تقصير ولاية المينورسو هو وضع كل من المغرب والبوليساريو تحت الضغط وحملهم على إبداء حسن النية في التوصل لأرضية مشتركة تمهد الطريق للتوصل لحل نهائي لهذا النزاع. ومنذ ذلك الحين، اعتمد مجلس الأمن ثلاثة قرارات آخرها القرار 2468 قرر بموجبها تمديد ولاية المينورسو لمدة ستة أشهر. وقد كانت هذه الخطوة من بين أهم الأسباب التي مهدت الطريق أمام عقد مائدتين مستديرتين بجنيف تحت إشراف الممثل الشخصي السابق للأمم العام، هورست كولر. وقد ظهرت نية بولتون في التأثير بشكل شخصي على ملف الصحراء، وفق بنيس، "خلال الخطاب الذي ألقاه بمؤسسة Heritage Foundation في شهر ديسمبر 2018 حيث عبر عن تذمره من فشل مجلس الأمن في تدبير النزاع وعن فشل المينورسو في مهمتها في تنظيم استفتاء لتقرير المصير. وعبر بولتون عن التزامه الشخصي وعن عزم الإدارة الأمريكية في وضع حد لفشل مجلس الأمن في التوصل لحل نهائي لهذا النزاع. وقد كان لافتاً خلال ذلك الخطاب حديث بولتون عن استفتاء تقرير المصير على الرغم من أن مجلس الأمن لم يعد يعتبر الاستفتاء السبيل نحو التوصل لحل سياسي دائم ومقبول من الطرفين. وقد كان ذلك الظهور الإعلامي لبولتون بمثابة مؤشر على أنه سيتابع الملف بنفسه خلال الأشهر الموالية وسيعمل على التأثير على مجرى الأحداث للضغط على أطراف النزاع وعلى مجلس الأمن من أجل إبداء الإرادة في التوصل لحل نهائي لهذا النزاع." "وقد جاء ذلك الخطاب بعد قرابة شهر من توقيع الجزائر على عقد مع شركة العلاقات العامة Keene Consulting المملوكة لدافيد كين- المعرف على أنه من بين أحد المقربين من جون بولتون- للدفاع عن موقف الجزائر والبوليساريو ونسف كل المنجزات الدبلوماسية التي حققها المغرب. وقد كان هذين الحدثين مؤشر غير مطمئن يوحي بأن هناك تنسيق بين كين وبولتون للتأثير على العملية السياسية الأممية بما يتماشى مع الأجندة الجزائرية،" يضيف الخبير في العلاقات الدولية، والمستشار الأممي السابق. ومنذ وصول بولتون لمنصب مستشار الأمن القومي، يقول بنيس: " فقد كنت من بين المراقبين الذين دعوا الدبلوماسية المغربية إلى التحرك بسرعة وإلى تعبية كل طاقاتها ومواردها البشرية وعلاقاتها في واشنطن من أجل كبح جماح بولتون والحيلولة دون تمكنه من الانفراد بملف الصحراء وبإلحاق الضرر بالمصالح الاستراتيجية للبلد وبالعلاقات الاستراتيجية التي تجمع المغرب مع الولاياتالمتحدةالأمريكية. وفي هذا الصدد، قلت إن من بين الحلول المتاحة أمام المغرب لتحييد مفعول بولتون ومنعه من إلحاق الضرر بالمغرب التقرب من وزير الخارجية مايك بومبيو، المعروف عليه أنه من بين أكثر المقربين من الرئيس الأمريكي ومن بين أكثر الشخصيات التي تحظى بثقته، والمعرف كذلك بعدم تمتعه بعلاقة ودية كبيرة مع بولتون. فعلى الرغم من الثقل السياسي لبولتون ولشخصيته القوية، فإنه من المسلمات القول إنه لا يمكنه اتخاذ أي قرارات للسياسية الخارجية بمفرده أو فرضها على الإدارة الأمريكية، ذلك أنه هناك متداخلين كثر في عمليه اتخاذ القرار في الإدارة الأمريكية، بما في ذلك وزارة الخارجية ووزارة الدفاع والبيت الأبيض الذي تبقى له الكلمة الأخيرة في اتخاذ أي قرار من عدمه." "مفعول بولتون" فشل في التأثير على المغرب وبخصوص حصيلة العملية السياسية الأممية لملف الصحراء خلال السبعة عشر شهراً التي تواجد فيها بولتون في إحدى أهم مناصب الإدارة الأمريكية، يقول سمير بنيس إن هذه الفترة كانت "أكثر إيجابية بالنسبة للمغرب مما كان يعتقد الكثيرون وأن المغرب قد أظهر نوع من الحنكة والدهاء والمرونة في تعامله مع ما أطلقت عليه الصحافة "مفعول بولتون" (The Bolton effect)." فإذا استثنينا تقصير مدة ولاية المينورسو من سنة إلى ستة أشهر في القرارات الثلاثة التي اعتمدها مجلس الأمن أبريل 2018، والتي لا ينبغي اعتبارها سلبية في حذ ذاتها بالنسبة للمغرب، يقول بنيس: " فيمكن القول إن المغرب حقق خلال هذه الفترة ما عجز عن تحقيقه في الفترة السابقة. ولعل خير دليل على ذلك أن كل من القرارات 2414 و2440 و2468 أكدت على أهمية أن يتم التوصل إلى حل سياسي واقعي وعملي ودائم لمسألة الصحراء المغربية على أساس التوافق. وتعتبر هذه القرارات هي الأولى التي يتحدث فيها مجلس الأمن عن المبتغى والهدف من العملية السياسية، والتي يؤكد فيها على ضرورة تحلي أطراف النزاع بالواقعية من أجل التوصل إلى حل عملي ودائم، مما يعني أن التوصل لحل فيه غالب أو مغلوب لم يعد من بين الحلول الموضوعة على طاولة المفاوضات، وهم وما يتماشى مع الموقف المغربي الذي يؤكد أن مخطط الحكم الذاتي الذي اقترحه المغرب يحفظ ماء وجه ومصالح جميع الأطراف، بما في ذلك البوليساريو، في الوقت الذي يحافظ على سيادة المغرب على الصحراء." "كما أن ديباجة القرار 2468 تتضمن معطى جديد لصالح المغرب يتمثل في تأكيد التزام مجلس الأمن بدعم أطراف النزاع للتوصل لحل سياسي عادل ودائم ومقبول من الطرفين، "مبني على التوافق". وقد تمت إضافة عبارة "مبني على التوافق" بالمقارنة مع القرارات السابقة لتبرز مرة أخرى أن مجلس الأمن لن يفرض أي حل لن يكون مبني على التوافق. ولعل مع يؤكد هذا التوجه هو أن مجلس الأمن أكد على أن الحل السياسي سيكون مبني على التوافق ثلاث مرات في القرار 2414 وأربع مرات في القرار 2440 وخمس مرات في القرار 2468، وهو المعطى الذي لم يكن حاضراً بهذه الزخم في كل القرارات السابقة، ذلك أنه تم ذكر عبارة "أساس التوافق" مرة واحدة في كل القرارات التي تم اعتمادها منذ عام 2007 باستثناء القرارين 1754 و1783 اللذان لم يتضمنا تلك العبارة،'' يضيف بنيس. وذكر بنيس أنه بالإضافة إلى ذلك، "فقد تضمن القرارين 2440 و2468 إشارات إلى الجزائر، وهو ما يعتبر سابقة في القرارات التي اعتمدها مجلس بخصوص هذا الملف منذ بدء العملية السياسية عام 2007. ففي الوقت الذي تمت الإشارة إلى أهمية مشاركة الجزائر في العملية السياسية ثلاث مرات في القرار 2440، فقد تم الإشارة إليها خمس مرات في القرار 2468، وهو ما يوحي أن هناك توجه تدريجي في مجلس الأمن لاعتبار الجزائر طرفاً رئيسياً في النزاع. ويتماشى هذا التوجه مع موقف المغرب، الذي لا طالما أكد على أن الجزائر تعتبر طرفاً رئيسياً في النزاع وأنه لن يكون هناك حل لهذا النزاع في مادامت الجزائر لا تعتبر طرفاً رئيسياً فيه." وخلص سمير بنيس أن المغرب" لم يخرج فقط بأقل الأضرار خلال تواجد بولتون على رأس مجلس الأمن القومي الأمريكي، بل أنه حقق مكتسبات عجز عن تحقيقها من قبل. ويبدو أن المغرب قد استفاد من تكثيف التواصل مع وزارة الخارجية الأمريكية ومن التقرب من وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو. قياساً للمكتسبات السياسية التي حققها المغرب في ظل تواجد بولتون في الإدارة الأمريكية، فيمكن القول إن المغرب استفاد من العلاقة الشخصية السيئة جداً بين هذا الأخير ووزير الخارجية مايك بومبيو. فمن المعروف في الأوساط الإعلامية والسياسية في واشنطن أن هناك قطيعة شخصية كبيرة بين هذين المسؤولين وصلت إلى حد العداوة وانعدام التواصل بينهما. وربما قد يكون المغرب قد استفاد من هذا المعطى للتقرب من وزير الخارجية الأمريكي وكبار المسؤولين في وزارة الخارجية لإقناعهم بأهمية الحفاظ على الدور التقليدي للولايات المتحدة بخصوص الموضوع والحيلولة دون تمكن بولتون من فرض قناعاته وأجندته الشخصية والتدخل في اختصاصات وزارة الخارجية." وختم الخبير الدولي حديثه لموقع القناة الثانية قائلا إن "المغرب أحسن التعامل مع الإدارة الأمريكية الحالية من خلال التقرب من صهر الرئيس ترامب وكبير مستشاريه، جارد كوشنر. ولعل الزيارتين اللتين قام بهما كوشنر خلال السنة والتي تم استقباله خلال واحدة من طرف الملك محمد السادس لأكبر مؤشر على أن الدبلوماسية المغربية استطاعت إيصال صوتها للرئيس ترامب عن طريق صهره، من تم كبح جماح بولتون ومنعه من إلحاق أي ضرر بالمغرب وبالعلاقات المغربية الأمريكية. ففي آخر المطاف، فإن الفاعل الأول والأخير في السياسة الخارجية في الإدارة الأمريكية الحالية هو الرئيس ترامب، وإذا كان المغرب قد نجح في إيصال رسالته لأكبر المقربين منه، سيكون قد قطع شوطاً مهما على درب إبطال مفعول كل الدسائس والضربات التي يسعى خصومه توجيهها له لإفشال جهوده الرامية إلى الحفاظ على مكتسباته الدبلوماسية وعلى سيادته على الصحراء."