في مثل هذا اليوم أعفى الملك محمد السادس رئيس الحكومة المعين حينها عبد الإله بنكيران من مهامه، بسبب “فشله” في تشكيل ائتلاف حكومي طيلة أكثر من خمسة أشهر، جراء خلافات حادة بينه وبين زعيم حزب “الأحرار” حول الأحزاب التي ستشكّل الحكومة، قبل أن يتم لاحقاً تعيين سعد الدين العثماني رئيساً للحكومة خلفاً لبنكيران. مرت سنة كاملة على إعفاء بنكيران من رئاسة الحكومة، ليجري بعد ذلك كثير من المياه تحت جسر الحكومة وحزب العدالة والتنمية، الذي يشكل فيه بنكيران أحد أبرز أعمدته السياسية، إذ لم يمر إبعاد الرجل عن هذا الحزب مرور الكرام، وما زال يعاني من تبعات الإعفاء حتى اليوم.
على الصعيد الحكومي أربك إعفاء الملك لبنكيران تشكيل الحكومة الجديدة، إذ سارع العثماني إلى تشكيل الحكومة وإخراجها في أقرب الأوقات، بقبول مشاركة حزب الاتحاد الاشتراكي بخلاف موقف بنكيران الذي كان يصر على رفض مشاركة هذا الحزب، وهو ما شكل محور خلافاته مع عزيز أخنوش زعيم “ّالتجمع الوطني للأحرار” الذي ظل متمسكاً بذلك الحزب.
وظهر أن حزب العدالة والتنمية قد “انحنى” لعاصفة إعفاء قائده بنكيران، إذ فند التوقعات والأصوات التي كانت تدعوه إلى الاصطفاف في موقع المعارضة، وأكد في موقف واضح لا لبس فيه أنه سيواصل معركة الإصلاح من خلال قيادته الحكومة، وقبول تعيين الملك لخلف بنكيران من داخل الحزب، وفق ما يخول له الدستور.
وانعكس إبعاد بنكيران عن الحكومة على حزب العدالة والتنمية على أكثر من صعيد، خاصة على علاقات هذا الزعيم كثير الجدل مع قيادات ووزراء حزبه، التي يمكن إجمالها في خمس مراحل رئيسية مباشرة بعد الإعفاء الملكي في 15 مارس/ آذار 2017 إلى حدود اليوم.
المرحلة الأولى تلت قرار الملك إعفاء بنكيران من تشكيل الحكومة، واتسمت بأجواء من الصدمة داخل حزب العدالة والتنمية، والصدمة الشخصية أيضاً التي لم ينكرها بنكيران في أكثر من تصريح بعد الاستبعاد، إلى حد أنه فكر في اعتزال العمل السياسي، لكنه تراجع عن فكرته تلك.
وحتى لا يتم تأويل ردود فعل بنكيران وحزبه على قرار الملك إعفاءه من مسؤولية تشكيل الحكومة، صدر بعده مباشرة قرار يأمر قيادات العدالة والتنمية بعدم التعليق على القرار الملكي، والتزام الصمت إلى حين صدور بلاغ من الأمانة العامة، وهو ما حدث بقبول الإعفاء والإشادة بروح الدستور التي احترمها العاهل المغربي.
أما المرحلة الثانية في علاقة بنكيران مع حزبه العدالة والتنمية بعد الإعفاء، فقد تمثلت في “غيابه الاختياري” عن المشهد السياسي، الذي دام بضعة أسابيع، قضى فيها فترة من الزمن في أداء مناسك العمرة بالسعودية، ثم عاد ليكتفي بالظهور في مناسبات جنائز بعض أصدقائه، التي كان يحرص على حضورها وتناول الكلمة فيها واعظاً عن الموت والدار الآخرة.
وأما المرحلة الثالثة فتجلّت في العودة التدريجية لبنكيران إلى “الأضواء”، من خلال “معركة التجديد لولاية ثالثة على رأس العدالة والتنمية”، إذ راج بقوة اعتزامه المكوث قائداً للحزب من خلال إدخال تعديلات على القانون الداخلي الذي لا يسمح سوى بولايتين، وهو الأمر الذي أدّى إلى اصطفافات واعتراضات قوية داخل الحزب.
وزاد من انقسام قيادات وأعضاء وأنصار حزب العدالة والتنمية بشأن قبول العثماني لمشاركة حزب الاتحاد الاشتراكي، بخلاف ما كان قد قرره بنكيران، أن التمديد لهذا الأخير أشعل مواقف وردود أفعال متشنجة بين مؤيدين لزعيم الحزب رأوا فيه الورقة الرابحة لكسب الانتخابات المقبلة، مثلما كان حاسماً في الفوز في الانتخابات البرلمانية لسنتي 2011 و2016، وبين رافضين لولاية ثالثة وأغلبهم قيادات وازنة ووزراء في الحكومة اعتبروا أن التمديد لبنكيران سيخلق مشاكل سياسية وتواصلية بين الحزب و”المربع الملكي”.
وانتهى التجاذب بين التيارين داخل حزب العدالة والتنمية، الذي لم يصل على الرغم من ذلك إلى حد الانشقاق، بفضل التماسك والانضباط التنظيمي داخل الحزب، بانهزام تيار بنكيران بعد رفض إحداث التعديلات القانونية اللازمة، وتم انتخاب العثماني أميناً عاماً للحزب حتى يحصل انسجام بين رئاسة الحكومة وقيادة الحزب الذي يقودها، ليتراجع بنكيران إلى الخلف تاركاً الفرصة للقيادة الجديدة.
واتسمت المرحلة الرابعة من علاقة بنكيران بحزبه؛ العدالة والتنمية، طيلة سنة بعد إعفاء الملك له، بعودة بنكيران بقوة إلى الحدث السياسي من خلال تصريحات “ساخنة” أدلى بها في لقاء حزبي هاجم فيه حزبين مشاركين في الحكومة، لكنه خص بسهامه أكثر زعيم حزب الأحرار واتهمه بتعمد إفشال تشكيل الحكومة، كذلك وجّه رسائله إلى ما سماها “قوى التحكم” في المشهد السياسي.
هذه التصريحات القوية التي أعادت بنكيران إلى واجهة الأضواء خلقت نوعاً من الاصطفافات داخل العدالة والتنمية، فظهر فريق، أبرز قياداته عبد العالي حامي الدين وعبد العزيز افتاتي وأمينة ماء العينينن، يرى أن بنكيران محق وله الحق في التعبير، وليس مضطراً للاعتذار لزعماء الأغلبية الحكومية، بينما الفريق الثاني، ومن أبرز أسمائه وزراء الحكومة، فقد ذهب إلى أنه يتعيّن الحد من تداعيات تصريحات بنكيران.
وتأتي المرحلة الخامسة ناجمة عن سابقتها، إذ بادرت قيادة حزب العدالة والتنمية، على الرغم من نفي قيادتها لذلك، إلى محاولة “إلجام” بنكيران، من خلال حصر الجلسات الافتتاحية للمؤتمرات الجهوية للحزب، التي عادة ما تكون فرصة لبنكيران لإطلاق تصريحاته وخرجاته الإعلامية القوية، على أعضاء الأمانة العامة، ما يعني تلقائياً تغييب بنكيران عن هذه اللقاءات.
بنكيران لم يصمت حيال توجه قيادة العدالة والتنمية بشأن “منعه”، عبر القوانين الداخلية الموجودة، من الكلام في المؤتمرات الحزبية، إذ صرّح اليوم لموقع الجزيرة نت بأنه لم يعتزل السياسية بعد، وبأن لا أحد يمكنه منعه من الكلام، وقال “إذا بدا لي أن الأمور التي ناضلت من أجلها طيلة حياتي يُساء إليها دون أن يدافع عنها أحد فلا بد أن أتكلم” وفق تعبيره.