اعتبر بلال التليدي، الباحث المغربي في شأن الإسلام السياسي، أن عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة المكلف المعفى، لم يفشل في مهام تشكيل الحكومة طيلة الخمسة أشهر من المشاورات، "وإنما كان محكوما على تجربته بالنهاية"، محملا في ذلك المسؤولية للأطراف السياسية المتكتلة في ائتلاف يقوده عزيز أخنوش، زعيم حزب التجمع الوطني للأحرار. التليدي، الذي كان متحدثا في ندوة لمركز هسبريس للدراسات والإعلام حول "الانتقال الديمقراطي بالمغرب بعد فشل بنكيران في تشكيل الحكومة" مساء اليوم الاثنين بالرباط، عاد إلى تفاصيل المشاورات السابقة بين الأحزاب ليوضح أن المسؤولية في تعثر تشكيل الحكومة مرتبطة بخطاب الفرقاء السياسيين "الذي كان يحتج على الأغلبية السابقة.. لكن بعد حدوث تطورات تصريحات حميد شباط إثر الأزمة الموريتانية، باتت مشاركة شباط متعذرة، بعدما كان يزكيه بنكيران". ويرى المتحدث أن تمسك الأطراف السياسية المقابلة لبنكيران بالاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية كان "دون حجج واضحة"، مضيفا أن أخنوش كشف بعد ذلك عن تلك الحجج التي وصفها التليدي بأنها ضعيفة تمثلت في أن لحزب "الوردة" أهمية تتمثل في "القضية الوطنية وأنه لم يصدر منه أي عيب، ولدوره في الأممية الاشتراكية من أجل تنشيط الدبلوماسية المغربية". واعتبر التليدي أن وضع تلك الشروط والحجج على العدالة والتنمية كان مرتبطا بتسوية موازين قوى سياسية؛ "لأنهم يرون في استمرار بنكيران تقدما في الإصلاح وأن انتخابات 2021 ستكون محسومة لصالح الحزب، خاصة أن رئاسة بنكيران للحزب وللانتخابات السابقة كانت كاسحة"، على أن الهدف الحقيقي طيلة فترة المشاورات يبقى هو "إرهاق بنكيران وإنهاكه وخلق مبرر من أجل استهداف شخص بنكيران". الباحث المغربي استمر في المنوال ذاته وهو يحلل ما جرى قبيل إعفاء بنكيران من لدن الملك محمد السادس، حيث اعتبر أن "هناك تقييما يقيس دور بنكيران في نجاح تجربة حزب العدالة والتنمية سياسيا؛ فلم يكن ذلك لشخصه، بل لدوره لصالح الحكومة من خلال الحزب"، مضيفا أن ما وصفه بإنهاك بنكيران "سيخدم هدفا آخر هو إضعاف الحزب على مستوى الانتخابات المقبلة، فلم تكن الاشتراطات مرتبطة بتشكيل الحكومة بل بانتخابات 2021". كما قرأ التليدي في تفاعل حزب "المصباح" مع القرار الملكي بإعفاء بنكيران كونه إيجابيا، مستدركا بالقول بأن "هناك تقديرا داخل الحزب يرى أن بنكيران لم يفشل في مشاوراته وأن أسباب الفشل ناتجة عن اشتراطات الأحزاب التي خلقت أغلبية تناوئ بها بنكيران خلال المشاورات"، فيما وصف القرار الملكي بكونه "أراد أن يحلحل الوضع. وليس تحميل المسؤولية لبنكيران؛ لأن الملك حاول، منذ مدة طويلة، الابتعاد عن الانحياز إلى أي طرف، وكان يبتعد حتى حين طلب بعض الفاعلين التحكيم.. فرسخ بذلك سلوكا سياسيا أن المؤسسة الملكية تبتعد بنفسها عن أي مشكل سياسي بين الأحزاب". التفاعل الإيجابي لحزب العدالة والتنمية مع البلاغ الملكي، وفق التليدي، جاء في شق الإبقاء على الحزب في رئاسة الحكومة؛ "فهو السلوك نفسه الذي التزمه به الملك لما عين الأمين العام للحزب رئيسا للحكومة"، واصفا هذا السلوك بأنه "التزام ملكي بمستوى ديمقراطي متقدم من الدستور وليس فقط التزام بالنص الدستوري"، مضيفا أن ذلك ظهر جليا حين عين الملك الشخص الثاني من داخل الحزب، أي سعد الدين العثماني، رئيسا للحكومة، عوضا عن بنكيران. واستبعد بلال التليدي أن يكون حزب العدالة والتنمية دخل في حالة صدمة سياسية بعد القرار الملكي المفاجئ بإعفاء بنكيران من رئاسة الحكومة، مبررا موقفه بقوله إنها ليس المرة الأولى التي يواجه فيها الحزب منعطفات صعبة؛ "فتجربة الحركة الإسلامية، منذ 1981، لم يكن فيها الحضور للشخص بل كانت القيادة جماعية"، مضيفا: "بالرغم من وجود شخص ذي تأثير، فإن القرارات الحاسمة في المنعطفات التاريخية كانت جماعية.. ولا شك في أن بنكيران كان يعود دائما في مثل تلك الحالات إلى قيادة الحزب".