هل تشم للحديث الموضوع رائحة ؟ أجل، أبى الله تعالى إلا أن يفضح الواضعين بتهافت ما يضعون وتناقضه وقبح ألفاظه وسماجة معانيه. فهل يشم رائحته كل أحد ؟ أما من كان متشحا بالعلم والصنعة الحديثية وعارفا بنصوص الشريعة المطهرة ومتفقها في أصولها وفروعها، فهو يشمه لا محالة. وأما غيره ممن لم يبرع في العلم الشرعي ولم يخالط قواعده وأصوله، فقد يكشفه بفطرته ما دامت سليمة لم يممسها سوء، ويحتاج إلى تأكيد حدسه بالرجوع إلى المصادر التي سلف التنبيه عليها في الحلقة الماضية. قال ابن القيم(751ه) رحمه الله في "المنار المنيف في الصحيح والضعيف": "وسئلت هل يمكن معرفة الحديث الموضوع بضابط من غير أن ينظر في سنده ؟ فهذا سؤال عظيم القدر، وإنما يعلم ذلك من تضلع في معرفة السنن الصحيحة، واختلطت بلحمه ودمه، وصار له فيها ملكة، وصار له اختصاص شديد بمعرفة السنن والآثار، ومعرفة سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهديه فيما يأمر به وينهى عنه ويخبر عنه ويدعو إليه ويحبه ويكرهه ويشرعه للأمة، بحيث كأنه مخالط للرسول صلى الله عليه وسلم كواحد من أصحابه. فمثل هذا يعرف من أحوال الرسول صلى الله عليه وسلم وهديه وكلامه، وما يجوز أن يخبر به وما لا يجوز، ما لا يعرفه غيره...". ثم ذكر رحمه الله جملة من الضوابط التي يعرف بها الحديث الموضوع مع التمثيل لها، نخلص منها ما تيسر في هذه الحلقة؛ فمنها: 1 - اشتماله على المجازفات والمبالغات، كحديث: "من صلى الضحى كذا وكذا ركعة أعطي ثواب سبعين نبيا". 2 - تكذيب الحس له، كحديث: "الباذنجان لما أكل له"، وحديث "إذا عطس الرجل عند الحديث فهو دليل صدقه". 3 - سماجة معنى الحديث وكونه مما يسخر منه، كحديث: "لو كان الأرز رجلا لكان حليما ما أكله جائع إلا أشبعه"، وحديث: "لو يعلم الناس ما في الحلبة اشتروها بوزنها ذهبا". 4 - أن يكون الحديث باطلا في نفسه فيدل بطلانه على أنه ليس من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، كحديث: "المجرة التي في السماء من عرق الأفعى التي تحت العرش"، وحديث: "آليت على نفسي أن لا يدخل النار من اسمه أحمد ولا محمد".