ومما يكشف الحديث الموضوع أيضا، اندراجه في معانٍ ثبت بالاستقراء أنها موضوعة، وهو ما لخصه ابن القيم(751ه) رحمه الله في كتابه السالف الذكر. فمن ذلك أحاديث طير الحَمَام لا يصح منها شيء. ومنها أحاديث اتخاذ الدجاج وليس فيها حديث صحيح. ومنها: أحاديث ذم الأولاد كلها كذب من أولها إلى آخرها. ومنها أحاديث التواريخ المستقبلة وقد تقدمت الإشارة إليها. ومنها أحاديث فضائل السور وثواب من قرأ سورة كذا فله أجر كذا، وما ثبت من هذا الباب قليل. ومنها أحاديث في الذم كذم معاوية وعمرو بن العاص وبني أمية.. وأحاديث في المدح كمدح المنصور والسفاح والرشيد.. وأحاديث مدح بلدان أو ذمها كبغداد والبصرة والكوفة ومرو وعسقلان والإسكندرية ونصيبين وأنطاكية. ومنها أحاديث مدح العزوبة كلها باطل. ومنها أحاديث الأبدال والأقطاب والأغواث والنقباء والنجباء والأوتاد، كلها باطلة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا حديثا ولم يسلم هو أيضا لأنه منقطع الإسناد. ومنها أحاديث مدح الحناء والنرجس والورد والبنفسج والبان والعدس والأرز والباقلاء والباذنجان والرمان والزبيب والهندباء والكراث والبطيخ والجزر والجبن والهريسة.. ومنها ومنها، ممّا أستحب لك أيها القارئ أن تعود إليه في كتاب ابن القيم المذكور. وبعد، فهذه جملة مفيدة في تحصين المسلم من ضرر الأحاديث الموضوعة، ولكن لا غنى له عن الرجوع إلى الكتب التي جمعت هذه الأحاديث وحذرت منها. وأود قبل أن أختم هذه الحلقة أن أمهد لإشكال يقع في نفوس بعض الناس، وهو احتمال أن تكون بعض الأحاديث الصحيحةِ موضوعةً، خصوصا وقد نطق بهذا بعض أهل العلم قديما وحديثا، فأوقع هذا النطق شبهة في النفوس بصحة ما يدعيه بعض العلمانيين والمستشرقين والشيعة أيضا، مِن كَوْنِ أنّ بعضَ الحديث الصحيح المودعِ في الكتب الصحيحة موضوعٌ. وقد ألف بعضهم كتبا في ذلك سوّدوا بها الأوراق وأغاظوا بها المؤمنين، مع أن دوافع العلماء في النقد غير دوافع أولئك. فوجب إذن أن نبين الحدود في هذه المزالق، حذرا من الزيغ والعياذ بالله. وشدّ يدك أيها القارئ على قاعدة نفيسة نطق بها بعض جهابذة علماء الحديث حين قال: "كان الإسناد لئلا يُدْخَل في الدين ما ليس منه، لا ليُخرَج من الدين ما ثبت منه من عمل أهل الإسناد"، نقل ذلك عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله في بحث ألحقه بكتاب الأجوبة الفاضلة للكنوي. فإلى لُقِيٍّ قريب إن شاء الله.