يحرص المسلم على العمل بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليكون على بينة من أحكام القرءان الكريم المحتاجةِ إلى البيان كما قال الله تعالى: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون) النحل: 44. ولما اشتغل الفقهاء على استنباط الأحكام الشرعية من كتاب الله تعالى، وكانوا قد أصّلُوا أن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أصلٌ في الاستنباط، وكانت رواية الحديث قد شاعت، وانتشر في البلدان حديثٌ كثيرٌ، طفِق المجتهدون يستدلون به حسبما بلَغهم، وشمّر المحدثون لهم ينبئونهم بما صح من الحديث وما ضعف، وقد كان من المجتهدين محدّثون ميزوا لأنفسهم، فنتج عن كل هذا الجِدِّ بحوثٌ عميقة في شأن العمل بالضعيف. فقال بعض العلماء: الحديث الضعيف أحب إلي من رأي الرجال، وقال بعضهم: نتساهل في الأسانيد عند رواية أحاديث الفضائل، ونشدد في أحاديث الأحكام، وأثمر البحث في تصرفات بعض المجتهدين أنهم استدلوا بالضعيف على بعض الأحكام، مع إطباق الكل على أن الحديثَ الضعيف مردودٌ. ويروى عن الترمذي قوله: "مَا أخرجت فِي كتابي إِلَّا حَدِيثا قد عمل بِهِ بعض الْفُقَهَاء ما خلا حديثين" (النكت على ابن الصلاح للزركشي)، ومعلوم أن في سنن الترمذي أحاديثَ ضعيفةً عند المحدثين. ولألخص لك أيها القارئ الكريم زبدة الموضوع مستعينا بالله فأقول: 1 - إن الأصل في الاستدلال أن يكون بالحديث المقبول، وقد سلف الكلام في مشمولاته، وهي الصحيح بنوعيه والحسن بنوعيه. 2 - إن الضعيف في اصطلاح من صرّح بتقديمه على رأي الرجال، يُقصد به المقبول الذي لم يرتق إلى الصحيح، لأن المتقدمين جعلوا الحديث صحيحا وضعيفا، فأخرج مَنْ بعدهم مِنَ الضعيف نوعَ الحسن، وقد سبق شرح ذلك. 3 - إن المقبول عند الفقهاء أعمُّ ممّا عند المحدثين، فقد استدلوا بأحاديث على أحكام مجمع عليها بأحاديث لم يسلم المحدثون صحتها من جهة الإسناد، كحديث: "لا وصية لوارث"، ضَعَّفه أهل الحديث والعمل عليه عند عامة الفقهاء. 4 - إن بعض الفقهاء استدلوا بالضعيف معتقدين ثبوته، ومقدمين جهة الاحتياط في العمل به، خصوصا إذا جاء على خلاف القياس، كتقديم الشافعي مثلا حديث جواز الصلاة بمكة في وقت النهي، وهو ضعيف. 5 - إن دائرة فضائل الأعمال ظلت أوسع في تلقي العمل بالضعيف، حيث لا حرام يحل ولا حلال يحرم. 6 - إن كل ما سبق من الاستثناءات خاص بالضعيف الذي عقدنا له الحلقة السابقة، وهو أدنى المردود إلى القبول، وهو الذي قيد العلماء العمل به، ولو في فضائل العلماء، بثلاثة شروط هي: 1- أن لا يكون ضعفه شديدا، 2- وأن يندرج تحت أصل صحيح، 3- وأن لا يعتقد عند العمل به ثبوته. وراجع أيها القارئ الكريم الأجوبة الفاضلة للكنوي، ففيه بحوث مهمة في هذا الموضوع.