الجزء الثاني : من يطعن في صحيح البخاري هل هدفه البحث العلمي أم شيء آخر؟ "" لقد كثر اليوم من أصبح يتحدث عن الجامع الصحيح للإمام محمد بن إسماعيل البخاري بغير مناهج المحدثين المعروفة في مجال علم الحديث النبوي الشريف، ولا متصفا بأخلاق اهل العلم والديانة في نقد ما قد يظنه هو أن البخاري رحمه الله قد أخطأ بصدده، وبدلا من ان يتصف اولئك الفئام من الناس بالروح العلمية البناءة، يقدمون للناس نماذج من التطفل على أهل الاختصاص، سالكين سبل الكتبة اللصوصيين في سرقة ما يكتبه غيرهم وانتحاله، دون أن يعرف شيئا عن السبب والدافع الذي دفع غيره إلى الكتابة عن صحيح البخاري، هل بهدف الشرح والتبسيط والنقد والتصحيح أم بهدف الطعن والتجريح. فالنموذج الأول من الكتبة يكون دافعه دافعا علميا بحثا بهدف المساهمة النوعية في مجال علم الحديث النبوي الشريف، في سبيل تقريب الفهم وسد الثغرات نصحا منهم وغيرة على الأمة وعلمائها، أما النموذج الثاني، فسبيله سبيل اهل البدع والزيغ الذين يعملون على خدمة أهداف خسيسة بغية خلق البلبلة والفتنة في أوساط المسلمين. وبخصوص النموذج الثاني فقد امتازت كتاباتهم حول علماء الأمة عامة وعلماء الحديث النبوي الشريف خاصة بالتشويه والكذب والتزييف لخدمة اجندة معينة، وهنا نشير إلى الكتابات الشيعية الرافضية، و الكتابات الاستشراقية غير أنني سأخص بالذكر الكتابات الشيعية الإمامية باعتبارها أصل يعتمده المستشرقون في تنقصهم من الحديث النبوي الشريف خاصة تلك الواردة في صحيحي البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى وذلك باختصار شديد منعا للإطالة. إن الكتابات الشيعية الإمامية ترى في علماء السنة من مفسرين و فقهاء و خاصة علماء الحديث النبوي الشريف أنهم نواصب محكوم عليهم بالكفر مثلهم مثل باقي أهل السنة، فقط لأنهم أوردوا في تصانيفهم أحاديث في فضائل الصحابة رضوان الله عليه إلى جانب إيرادهم لأحاديث فضائل أهل البيت. وسأعطي أمثلة على ما أقول على هذا النموذج بشكل مختصر و بدون إطالة، لأن المقام هنا هومقام الاشارة وليس التفصيل لكون موضوعنا ليس عن هذا. المثال الأول: ادعاء علماء الشيعة الإمامية أن الأئمة الأربعة مخالفون لكتاب الله وسنة رسوله. فقد اعتبر صاحب كتاب (( المحاسن النفيسة في أجوبة المسائل الخراسانية )) للشيخ حسين آل عصفور الدرازي البحراني، المذاهب الفقهية الأربعة لأهل السنة أنها مذاهب سخيفة، حيث قال في المسألة الأولى ص 12:( وكان أشد الفقهاء إليهم ( أي أهل السنة ) أشدهم عداوة لآل الرسول، وأظهر لهم خلافا في الفروع والأصول، كمالك وأبي حنيفة، والشافعي، وابن حنبل وممن حدا حدوهم في تلك المذاهب السخيفة، وكان في زمانهم من الفقهاء من هو أعلم، ولكن اشتهر هؤلاء لأنهم لآل محمد أبغض وأظلم ). فانظر أيها القارئ الكريم كيف يدعي صاحب هذا الكلام أن أصحاب المذاهب الأربعة سخيفون ومعتدون وظالمون لآل بيت الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وبالتالي هل تتنظر من أمثال هذا أن يقولوا خيرا في كتب أهل السنة بكل أنواعها التفسيرية والحديثية والفقهية وما إلى ذلك؟؟؟. من عند مثل هذا يأخذ وينقل من يريد أن يطعن في دين المسلمين فانتبه رحمك الله لهذا جيدا. المثال الثاني: طعنهم في صحيح البخاري لزعزعة الثقة فيه. وهنا وقفت على كتابين اثنين لعلماء شيعة إمامية اثناعشرية، وهما كتاب (( القول الصراح في البخاري وصحيحه الجامع)) لصاحبه فتح الله بن محمد جواد الإصبهاني الملقب ب شيخ الشريعة ، وكتاب (( أضواء على الصحيحين )) لصاحبه محمد صادق النجمي فإذا كان امثال هذين المصنفين من الشيعة الإمامية يعتبرون البخاري ناصبي ينصب العداء لآل البيت فهل يعتقد عاقل أنهم سيكنون منصفين في تعاملهم مع الإمام البخاري رحمه الله تعالى؟ وسأبين أمرهم من خلال مثال واحد فقط من كتاب ( القول الصراح ) . فقد بنى صاحب كتاب القول الصراح كتابه في الطعن على صحيح البخاري من خلال الأحاديث التي تدور حول فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه، حيث اعتبر عدم إيراد البخاري رحمه الله لروايات يعتقد الشيعة الإمامية، وأغلبها روايات لا تصح إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإن أوردها بعض أهل السنن في كتبهم، فيه لم تكن على شرط البخاري في اعتبار الحديث الصحيح، أنها دليل على إمامة علي رضي الله عنه وعصمته وخلافته للنبي صلى الله عليه وآله سلم بعد وفاته أكبر دليل على عدم صحة الجامع الصحيح. غير أننا هنا نورد دليلا على كذب صاحب هذا الكتاب المدعو ب شيخ الشريعة المتوفى سنة 1339ه، حيث ادعى ان البخاري رحمه الله أورد في صحيحه حديثا موضوعا، ومعلوم ان الحديث الموضوع هو المكذوب الملفق إلى النبي صلى الله عليه وسلم. قال صاحبنا شيخ الشريعة ، وذلك طبعا كله تحت ستار البحث العلمي والنقد الهادف زعموا، وإن كان افتراء وكذبا صراحا، في ص 112 من كتابه: ( حديث: أخذ الأجرة على القرأن. ومنها : ما رواه عن ابن عباس في كتاب الطب : أن نفرا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - مروا بماء فيهم لديغ - أو : سليم - فعرض لهم رجل من أهل الماء ، فقال : هل فيكم من راق ؟ ان في الماء رجلا لديغا - أو : سليما - فانطلق رجل منهم فقرأ بفاتحة الكتاب على شاء فبرأ فجاء بالشاء إلى أصحابه ، فكرهوا ذلك ، وقالوا : أخذت على كتاب الله أجرا ؟ حتى قدموا المدينة ، فقالوا : يا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ! أخذ على كتاب الله أجرا ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : (ان أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله) . وهذا الخبر مروي عن عائشة أيضا عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وقد عده ابن الجوزي في « الموضوعات » ، وأدرجها في الأحاديث الموضوعة والروايات المكذوبة قال : روى عمرو بن المخرم البصري عن ثابت الحفار عن ابن مليكة عن عائشة قالت : سألت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - عن كسب المعلمين ؟ فقال : ان أحق ما أخذ عليه الأجر كتاب الله ) .قال ابن عدي : لعمرو أحاديث مناكير ، وثابت لا يعرف والحديث منكر ) . وفي الميزان : ثابت الحفار عن أبي مليكة بخبر منكر ، قال ابن عدي لا يعرف). وهكذا يتهم البخاري بأنه روى في صحيحه حديثا موضوعا في تعليم الصبيان، واستدل على ذلك بما نقله من أقوال العلماء، سواء في الحديث بحيث اعتبروه منكرا، بل رواه ابن الجوزي في كتابه الموضوعات. كما نقل أحكام العلماء على رواة الحديث، ففيهم الغير معروف، وفيهم صاحب المنكرات، فكيف يخرج البخاري هذه الموضوعات، ويروي عن رواة المنكرات؟ وفي هذا المثال تتضح الأساليب التي يرمي من خلالها القوم إلى زعزعة من لا يحذر دسائس علماء الشيعة، لأن العالم إذا كثر منه مخالفة أهل المجال الذي هو فيه نقصت بلا شك مكانته بقدر مخالفته لهم! ولكن إذا عرضنا أقوال هذه العالم الشيعي على النقد، واختبرناها في الصدق، افتضحت المؤامرة. ولكي يتضح لنا ما قام به هذا العلامة الشيعي نأتي بالبيان التالي: 1)إن حديث البخاري رحمه الله تعالى أورده في كتاب الطب باب الشرط في الرقية بقطيع من الغنم، بينما حديث ابن الجوزي في الموضوعات و يتعلق بتعليم الصبيان. 2)سند حديث البخاري هو: حدثنا أبو معشر البصري، هو صدوق، يوسف بن يزيد البرَّاء قال: حدثني عبيد الله بن الأخنس أبو مالك، عن ابن أبي مُلَيكة، عن ابن عباس: أن نفراً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مروا بماء، فيهم لديغ أو سليم، فعرض لهم رجل من أهل الماء، فقال: هل فيكم من راق، إن في الماء رجلاً لديغاً أو سليماً، فانطلق رجل منهم، فقرأ بفاتحة الكتاب على شاء، فبرأ، فجاء بالشاء إلى أصحابه، فكرهوا ذلك وقالوا: أخذت على كتاب الله أجراً، حتى قدموا المدينة، فقالوا: يا رسول الله، أخذ على كتاب الله أجراً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله). أما سند حديث ابن الجوزي فهو: روى عمرو بن المخرم البصري، عن ثابت الحفار، عن ابن مليكة عن عائشة قالت : سألت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - عن كسب المعلمين؟ فقال: «إن أحق ما أخذ عليه الأجر كتاب الله». ولكي يفضح الله هذا العالم الشيعي الكذاب تراه جاء بسند حديث ابن الجوزي كاملا وهو عن عائشة في حين لم يأت بسند حديث البخاري كما هو وهو عن ابن عباس قال: ما رواه ابن عباس في الطب وسكت. وشتان بين السندين والحديثين. 3) لا صلة للحديثين ببعضهما بعض، مما يبين لنا مدى التلفيق الذي يقوم به اعداء اهل السنة في سبيل ضرب صحيح البخاري، فموضوع حديث البخاري في الطب والرقية، وموضوع ابن الجوزي في تعليم الصبيان، فالبخاري أثبت جواز الرقية بالقرآن، وجواز أخذ الأجرة على ذلك. بينما موضوع ابن الجوزي بنص الحديث هو تعليم القرآن للصبيان وأخذ الأجر على ذلك وبين ان الحديث في هذا الباب هو من قبيل الموضوعات المكذوبة على الرسول صلى الله عليه وسلم. 4) ان رجال حديث البخاري ليسوا هما رجال حديث ابن الجوزي،وسند الحديثين لا يللتقيا إلا في أبي مليكة، وعليه فإن رجال حديث ابن عباس الذي في البخاري رجال ثقات لامطعن فيهم في حين رجال حديث عائشة رضي الله عنه مجروحون متهمون بالكذب وبالتالي تبثت أن الحديث المتعلق باخذ الأجرة على تعليم القرأن ملفق موضوع مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عكس حديث أخذ الأجرة على الرقية الذي لا مطعن فيه. هذا غيض من فيض يبيين لنا حقيقة من تعرض من علماء الشيعة للحديث عن صحيح البخاري وبيان ما فيه من أحاديث ضعيفة ومكذوبة بزعمهم ( وهو على سبيل المثال لا الحصر ) أنه لا يتورع في الكذب والتلفيق لأجل تحقيق مآربه الشيطانية وهي تشكيك الملسمين في كتاب قضى صاحبه 16 سنة في تصنيفه واضعا في ذلك أدق الضوابط العلمية الحديثية في تناول الحديث الصحيح، وشهد لها الجهابذة من العلماء المنصفين بذلك، كي يتسنى لهم من ذلك التشكيك، هدم السنة النبوية الصحيحة و من خلالها هدم الدين. في بيان أن صحيح البخاري فيه المسند والمعلق وأن من تكلم فيه فإنما قصد المعلق منها وليس الأحاديث الصحيحة المسندة قال ابن حجر العسقلاني رحمه الله في مقدمة فتح الباري ص: 10 و 11 ( تقرر أنه التزم فيه الصحة وانه لا يورد فيه إلا حديثا صحيحا، هذا أصل موضوع وهو مستفاد من تسميته إياه الجامع الصحيح المسند من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وآيامه ، ومما نقلنها عنه من رواية الأئمة عنه تصريحا(...) ثم ظهر لي أن البخاري مع ذلك فيما يورده من تراجم الأبواب على أطوار،إن وجد حديثا يناسب ذلك الباب ولو على وجه خفي ووافق شرطه أورده فيه بالصيغة التي جعلها مصطلحة لموضوع كتابه وهي ( حدثنا) وما قام مقام ذلك ( والعنعنة ) بشروطها عنده، و إن لم يجد فيه إلا حديثا لايوافق شرطه مع صلاحيته للحجة كتبه في الباب مغايرا للصغية التي يسوقها بها ما هو من شرطه، ومن ثمة اورد التعاليق ... وإن لم يجد فيه حديثا لا على شرطه ولا على شرط غيره، وكان مما يستأنس به ويقدمه على القياس استعمل لفظ ذلك الحديث او معناه ترجمة (( باب )) ثم أورد في ذلك إما آية من كتاب الله تشهد له أوحديثا يؤيد عموم ما دل عليه ذلك الخبر وعلى هذا فالأحدايث التي فيه على ثلاث أقسام ) انتهى. وتلك الأقسام هي: أ) الأحاديث المسندة المتصلة وليس فيها حديث واحد ضعيف. ب) الأحاديث المعلقة المرفوعة، واغلبها صحيحة من طرق أخرى متصلة أوردها هو، أو أوردها غيره من علماء الحديث في كتبهم. ج) الأحاديث المعلقة الموقوفة و أغلبها ينصرف عليه حكم الحديث المعلق المرفوع من حيث تبوث اتصال أسانيدها سواء عند البخاري او غيره من طرق اخرى. وقد أوضح هذا الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى سواء في كتابه فتح الباري ، أوفي كتابه الفذ تغليق التعليق ، وعلى الذي عنده إشكال مع صحيح البخاري أن يرجع لهذين الكتابين يتفحصهما جيدا وبعدها يأتي ليستدرك على صحيح البخاري، وإلا فليصمت وليحفظ سوأته عن الناس. لكن ما هو الحديث المعلق ؟ قال الحافظ ابن حجر في في هدي الساري مقدمة فتح الباري ص 19 وما بعدها : ( والمراد بالتعليق ما حذف من مبتدأ إسناده واحد فأكثر، ولو إلى آخر الإسناد، وتارة يجزم به ك قال، وتارة لا يجزم به ك يذكر، فأما المعلق من المرفوعات فعلى قسمين: أحدهما ما يوجد في موضع آخر من كتابه هذا موصولا وثانيهما ما لا يوجد فيه إلا معلقا، فالأول قد بينا السبب فيه في الفصل الذي قبل هذا وأنه يورده معلقا حيث يضيق مخرج الحديث، إذ من قاعدته أنه لا يكرر إلا لفائدة، فمتى ضاق المخرج واشتمل المتن على أحكام؛ فاحتاج إلى تكريره فإنه يتصرف في الإسناد بالاختصار خشية التطويل. والثاني: وهو ما لا يوجد فيه إلا معلقا، فإنه على صورتين: إما أن يورده بصيغة الجزم، وإما أن يورده بصيغة التمريض؛ فالصيغة الأولى يستفاد منها الصحة إلى من علق عنه، لكن يبقى النظر فيمن أبرز من رجال ذلك الحديث، فمنه ما يلتحق بشرطه، ومنه ما لا يلتحق، أما ما يلتحق؛ فالسبب في كونه لم يوصل إسناده إما لكونه أخرج ما يقوم مقامه فاستغنى عن إيراد هذا مستوفى السياق ولم يهمله بل أورده بصيغة التعليق طلبا للاختصار، وإما لكونه لم يحصل عنده مسموعا أو سمعه وشك في سماعه له من شيخه، أو سمعه من شيخه مذاكرة، فما رأى أنه يسوقه مساق الأصل، وغالب هذا فيما أورده عن مشايخه، فمن ذلك أنه قال في كتاب الوكالة: قال عثمان بن الهيثم: حدثنا عوف، حدثنا محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بزكاة رمضان الحديث بطوله، وأورده في مواضع أخرى منها في فضائل القرآن وفي ذكر إبليس، ولم يقل في موضع منها حدثنا عثمان: فالظاهر أنه لم يسمعه منه، وقد استعمل المصنف هذه الصيغة فيما لم يسمعه من مشايخه في عدة أحاديث، فيوردها عنهم بصيغة قال فلان، ثم يوردها في موضع آخر بواسطة بينه وبينهم ... وأما ما لا يلتحق بشرطه فقد يكون صحيحا على شرط غيره وقد يكون حسنا صالحا للحجة وقد يكون ضعيفا لا من جهة قدح في رجاله بل من جهة انقطاع يسير في إسناده قال الإسماعيلي قد يصنع البخاري ذلك إما لأنه سمعه من ذلك الشيخ بواسطة من يثق به عنه وهو معروف مشهور عن ذلك الشيخ أو لأنه سمعه ممن ليس من شرط الكتاب فنبه على ذلك الحديث بتسمية من حدث به لا على جهة التحديث به عنه قلت والسبب فيه أنه أراد أن لا يسوقه مساق الأصل فمثال ما هو صحيح على شرط غيره قوله في الطهارة وقالت عائشة كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه وهو حديث صحيح على شرط مسلم... ومثال ما هو حسن صالح للحجة قوله فيه: وقال بهز بن حكيم عن أبيه عن جده الله أحق أن يستحيا منه من الناس وهو حديث حسن مشهور عن بهز؛ أخرجه أصحاب السنن.. ومثال ما هو ضعيف بسبب الانقطاع لكنه منجبر بأمر آخر قوله في كتاب الزكاة: وقال طاوس: قال معاذ بن جبل لأهل اليمن: ائتوني بعرض ثياب خميص أو لبيس... فإسناده إلى طاوس، صحيح إلا أن طاوسا لم يسمع من معاذ... والصيغة الثانية: وهي صيغة التمريض لا تستفاد منها الصحة إلى من علق عنه، لكن فيه ما هو صحيح، وفيه ما ليس بصحيح.. فأما ما هو صحيح فلم نجد فيه ما هو على شرطه إلا مواضع يسيره جدا، ووجدناه لا يستعمل ذلك إلا حيث يورد ذلك الحديث المعلق بالمعنى؛ كقوله في الطب: ويذكر عن بن عباس عن النبي r في الرقى بفاتحة الكتاب فإنه أسنده في موضع آخر... وأما مال لم يورده في موضع آخر مما أورده بهذه الصيغة فمنه ما هو صحيح إلا أنه ليس على شرطه ومنه ما هو حسن ومنه ما هو ضعيف فرد إلا أن العمل على موافقته ومنه ما هو ضعيف فرد لا جابر له... وقد تبين مما فصلنا به أقسام تعاليقه، أنه لا يفتقر إلى هذا الحمل، وأن جميع ما فيه صحيح باعتبار أنه كله مقبول ليس فيه ما يرد مطلقا إلا النادر فهذا حكم المرفوعات، وأما الموقوفات فإنه يجزم منها بما صح عنده ولو لم يكن على شرطه، ولا يجزم بما كان في إسناده ضعف أو انقطاع إلا حيث يكون منجبرا؛ إما بمجيئه من وجه آخر، وإما بشهرته عمن قاله. وإنما يورد ما يورد من الموقوفات؛ من فتاوى الصحابة والتابعين ومن تفاسيرهم لكثير من الآيات، على طريق الاستئناس والتقوية لما يختاره من المذاهب في المسائل التي فيها الخلاف بين الأئمة...) قلت: وقد أفرد الحافظ ابن حجر رحمه الله الأحاديث المعلقة بنوعيها المرفوعة والموقوفة التي في صحيح البخاري في مصنف مستقل، قال عنه في هدي الساري: وقد بسطت ذلك جميعه في مصنف كبير سميته تغليق التعليق، ذكرت فيه جميع أحاديثه المرفوعة وآثاره الموقوفة وذكرت من وصلها بأسانيدي إلى المكان المعلق، فجاء كتابا حالفا وجامعا كاملا لم يفرده أحد بالتصنيف. (وقد طبع الكتاب في أربع مجلدات) الانتقادات على البخاري والرد عليها: وقد تكلم الحافظ بن حجر في هدي الساري مقدمة فتح الباري عن الانتقادات الموجهة إلى صحيح البخاري في الفصل الثامن ص 364 وما بعدها في سياق الأحاديث التي انتقدها عليه حافظ عصره أبو الحسن الدارقطني وغيره من النقاد وإيرادها حديثا حديثا على سياق الكتاب وسياق ما حضر من الجواب عن ذلك ( ومن يرد الاطلاع على ذلك فليرجع له في محله لأن المقام لا يستع لذلك ) . وقال ابن حجر رحمه الله تعالى، في النكت على ابن الصلاح ج 1 ص 381 : (والكلام على هذه الانتقادات من حيث التفصيل من وجوه؛ منها ما هو مندفع بالكلية ومنها ما قد يندفع: 1- فمنها الزيادة التي تقع في بعض الأحاديث إذا انفرد بها ثقة من الثقات ولم يذكرها من هو مثله أو أحفظ منه، فاحتمال كون هذا الثقة غلط، ظن مجرد وغايتها أنها زيادة ثقة فليس فيها منافاة لما رواه الأحفظ والأكثر فهي مقبولة. 2- ومنها الحديث المروي من حديث تابعي مشهور عن صحابي سمع منه، فيعلل بكونه روي عنه بواسطة، كالذي يروى عن سعيد المقبري عن أبي هريرة ويروى عن سعيد عن أبيه عن أبي هريرة، وأن مثل هذا لا مانع أن يكون التابعي سمعه بواسطة ثم سمعه بدون ذلك الواسطة... إلى أن قال:وهذا إنما يطرد حيث يحصل الاستواء في الضبط والإتقان. 3- ومنها ما يشير صاحب الصحيح إلى علته كحديث يرويه مسندا ثم يشير إلى أنه يروى مرسلا فذلك مصير منه إلى ترجيح رواية من أسنده على من أرسله. 4- ومنها ما تكون مرجوحة بالنسبة إلى صحته كالحديث الذي يرويه ثقات متصلا ويخالفهم ثقة فيرويه منقطعا. أو يرويه ثقة متصلا ويرويه ضعيف منقطعا. ) انتهى. لقد بلغت الأحاديث التي انتقد فيها البخاري رحمه الله تعالى مما ليس من المسند الصحيح حوالي ثمانون حديثا، وإذا علمنا أن عدد أحاديث البخاري في الجامع صحيح دون المكرر تصل لأربعة آلاف حديث وبعملية حسابية بسيطة جدا يتضح لنا أن نسبة الأحاديث المتكلم فيها إلى الأحاديث الصحيحة لا يتجاوز 2 في المائة بمعني أن 98 بالمائة من أحاديث البخاري صحيحة، فهل يبقى بعد هذا عند الجاهل من اعتراض على أن صحيح البخاري هوأصح الكتب الحديثية وبالتالي فهو أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى كما قال بذلك جمهور علماء الملسمين؟. خلاصة: إن دعوى وجود احاديث ضعيفة في صحيح البخاري، إذا كان المقصود بها الأحاديث المسندة الصحيحة التي أخرجها البخاري على شرطه في اعتبار الحديث الصحيح، من اتصال السند والعدالة و الضبط والخلومن الشذوذ والعلة فهذا محض افتراء ما لم يكن المقصود منه هو تحكيم العقل البشري في الأحاديث الصحيحة الثابتة وبالتالي فهمها ذلك الفهم السقيم، حينها يكون الكلام وفق سياق آخر يمكن أن نتعرض له بإذن الله بالدليل والبرهان لنبين جهل وخبل من يذهب إلى ذلك. أما إذا كان المراد من دعوى وجود أحاديث ضعيفة فيما يتعلق بالأحاديث المعلقة الواردة في صحيح البخاري، فهذا أيضا لايمكن التسليم به ما لم تتم مراعات القواعد والضوابط التي يعتبرها أهل العلم في قبول الحديث المعلق خاصة تلك المخرجة في صحيحي البخاري مسلم، وقد بين ذلك كما سبق وأن ذكرنا الحافظ ابن احجر في كتابه تعليق التغليق في تخريج ووصل أسانيد معلقات البخاري في الجامع الصحيح. أنقر هنا لقراءة الجزء الأول