تمهيد "" كثيرة هي مظاهر التطاول عند بعض المشرقيين أو المغربيين على الحديث النبوي من حيث النيل من روايته وتحريف معاني نصه، سواء في عصر برزت فيه ما يعرف بالشعوبية وألوان الزندقة أو في عصرنا هذا الذي يتقمص كثير من أقزام مثقفيه العلمانية ويدعون الحرية الفكرية وحقوق الإنسان والتفلسف القاصر الذي يؤدي بالضرورة إلى زندقة مقصودة وغير مقصودة. بحيث قد كثر الطعن في الأحاديث الصحاح التي أفرغ فيها العلماء جهدهم عبر التاريخ جرحا وتعديلا وشرحا وتفسيرا وتمحيصا وتحقيقا وضبطا وعدالة ولم يبقوا لمن يريد الطعن في أصولها مدخلا لمن تتوق أنفسهم للبروز بإظهار سوءاتهم للعالم على نمط ما يبرزها متطرفو الشهوات في عصرنا عبر الإنترنيت أو القنوات الفضائحية...! ولكي يكون نقاشنا وموقفنا علميا موضوعيا وغير واقف مع الأشخاص أو محدد لها،لأن مسألة الطعن في الأحاديث النبوية الصحيحة - وخاصة صحيح البخاري- ليست من طرح فرد أو نكرة وإنما هي توجه فكري وعقدي مقصود ومرصود منذ عدة سنوات بل منذ عدة قرون! وحتى تعم الفائدة ونطرح القضية على أصولها الثابتة وبتلخيص علمي ومنهجي ليستفيد الجميع،أرى أن أقسم هذا الموضوع باختصار شديد إلى العناصر التالية : أولا:صحيح البخاري على محك المنهج التاريخي إن المنهج التاريخي الاستردادي يتضمن نقد النص من الخارج والداخل . فالنقد الخارجي للنص يقتضي البحث في الطرق التي تم بها تخريج الحديث على مستوى المعاصرة والمباشرة والمشافهة والمناولة،وبالجملة على مستوى اتصال السند الذي يعني أن الخبر حقيقي وواقعي ،مرصود رصدا موضوعيا من خلال تسلسل الرواية وعدالة الرواة وضبطهم ،وما إلى ذلك مما يعتبر من أهم خصوصيات منهج المحدثين ودقته ،والتي لم يعرف العالم لها مثيلا عبر التاريخ في استخلاص النصوص الصحيحة من النصوص المدسوسة والمختلقة ،والحكم على قضاياها بالواقعية والحدوث الفعلي . 1) إذ منهج المحدثين وعلى رأسهم محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله تعالى قد اعترف به المسلم والكافر والمشرقي والمستشرق والمغربي والغربي على حد سواء،بل قد كان الملهم لعلماء التاريخ المحدَثين والمعاصرين لأن يحددوا عناصر منهجهم في نقد النصوص التاريخية والحكم عليها بالواقعية أو الطوباوية والاختلاق... خاصة وأن البخاري رحمه الله تعالى لم يكن مؤلفا ولا مختلقا أو متفلسفا وإنما كان راويا ومخرجا،وبالتالي شهد له العالم بالحصانة المنهجية في ضبط الحديث الصحيح ونال رتبة لإمامة وإمارة المؤمنين في الحديث،كما يذكر ابن خلدون -المؤرخ الموضوعي- في مقدمته: "وجاء محمد بن إسماعيل البخاري إمام المحدثين في عصره،فخرج أحاديث السنة على أبوابها في مسنده الصحيح بجميع الطرق التي للحجازيين والعراقيين والشاميين واعتمد منها ما أجمعوا عليه دون ما اختلفوا فيه ،وكرر الأحاديث يسوقها في كل باب بمعنى ذلك الذي تضمنه الحديث فتكررت لذلك أحاديثه ...".المقدمة المكتبة العصرية ط1425ه-2004مص413 من هنا فقد كان منهجه يستعصى فهمه على كثير من العلماء والأذكياء فما بالك بالأغبياء والسفهاء من المتطفلين على أرفع العلوم وأرقاها،وفي هذا يقول ابن خلدون أيضا: "فأما البخاري وهو أعلاها رتبة فاستصعب الناس شرحه واستغلقوا منحاه من أجل ما يحتاج إليه من معرفة الطرق المتعددة ورجالها من أهل الحجاز والشام والعراق ومعرفة أحوالهم واختلاف الناس فيهم ،ولذلك يحتاج إلى إمعان النظر في التفقه في تراجمه،لأنه يترجم الترجمة ويورد فيها الحديث بسند أو طريق ثم يترجم أخرى ويورد فيها ذلك الحديث بعينه لما تضن منه من المعنى الذي ترجم به الباب،وكذلك في ترجمة وترجمة إى أن يتكرر الحديث في أبوا كثيرة بحسب معانيه وأخلافها"ص414 ثم يمضي ملخصا لهذا المنهج ونتائجه:"واعلم أن الأحاديث قد تميزت مراتبها لهذا العهد بين صحيح وحسن وضعيف ومعلول وغيرها،ولهذا كان الأئمة في الحديث يعرفون الأحاديث بطرقها وأسانيدها،بحيث لو روي حديث بغير سنده وطريقه يفطنون إلى أنه قد قلب عن وضعه،ولقد وقع مثل هذا للإمام محمد بن إسماعيل البخاري حين ورد على بغداد وقصد المحدثون امتحانه فسألوه عن أحاديث قلبوا أسانيدها فقال:"لا أعرف هذه ولكن حدثني فلان"ثم أتى بجميع تلك الأحاديث على الوضع الصحيح ورد كل متن إلى سنده وأروا ه بالإمامة!"ص415 ويقول أبو الأزهر:كان بسمرقند أربعمائة ممن يطلبون الحديث فاجتمعوا سبعة أيام وأحبوا مغالطة محمد بن إسماعيل ،فأدخلوا إسناد الشام في إسناد العراق وإسناد اليمن في إسناد الحرمين فما تعلقوا منه بساقطة لا في الإسناد ولا في المتن". يقول أحمد أمين في كتابه ضحى الإسلام معلقا :"وقد رزق البخاري خصلتين بارزتين مكنتاه من أن قرب من غرضه: 1- حافظة قوية لاقطة وخاصة فيما يتعلق بالحديث ...وكان يستعين على حفظه بالتقييد وكثرة الفكر ،فقد رووا عنه أنه كان يقول :"ما تركت حديثا في البصرة إلا كتبته"...وذكر عنه أنه كان يقوم في الليل مرارا يأخذ القداحة فيوري نارا ويسرج ثم يخرج أحاديث فيعلم عليها ثم يضع رأسه! 2- مهارته في تعريف الرجال ونقدهم وفي ذلك وضع كتابه "التاريخ "لتمييز الرجال ورووا عنه أنه قال :"قل اسم في التاريخ إلا وله عندي قصة"ضحى الإسلام دار الكتب العلمية ط1ج3ص90 كما أنه إن اعترض بعض المحدثين على جملة من أحاديثه قد لا تتجاوز المائتين فذلك من باب التزامه بالشروط المنهجية التي اشترطها أو لم يلتزم؛ وليس طعنا في صحة الأحاديث،لأنها قد وجدت لها طرق شتى لتخريجها وتصحيحها ولم يعد حولها أي التباس فيما يذكره جهابذة المحدثين ،حيث سلموا بقوة منهج البخاري وأسبقية الجامع الصحيح في باب صحة الحديث كما يصنفه ابن الصلاح في المقدمة وغيره كثير. 2) هذه الامتحانات وهذه الشواهد مذكورة بشكل مشهور في جل كتب التاريخ ومناهج المحدثين،ومن ثم فلم يكن البخاري يعمل في الظلام أو يكتب في الخفاء حتى يتهم صحيحه بوقوع الدس فيه ،لأن هذه سخافة وبلادة ما بعدها من بلادة. خاصة إذا علمنا أن علم الحديث مما تعم به البلوى عند المسلمين لأنه أصل التشريع لديهم ،ومن ثم فكل ما كتب في الحديث إلا ويطلع جميع العلماء من المشرق والمغرب عليه في حينه . كما أن الدس لو طال صحيح البخاري فسرعان ما سينكشف، لأن المستنسخين للنص الأصلي كثيرون ،ولهذا فعند المقارنة يتبين الاختلاف بين النسخ؛ولكن الأمر غير ذلك، إذ صحيح البخاري موزع عبر العالم ومنذ قرون ولم يرد أن سربت نسخة مدسوسة من نسخه تخالف ما عليه النسخ المتداولة عند المحدثين والعلماء،فلعل مدعي الدس على البخاري يكون بدوره مدسوسا على وطنه وأمته وليس بأصيل فلينظر في حاله قبل فوات الأوان. إذن فالدس موجود في العقل الفاسد لزاعمه وليس موجودا حقيقة،وهو بهذا يساير مزاعم الزنادقة من الشيعة الإسماعيلية الباطنية والرافضة المتطرفة الذين يقولون بأن القرآن قد بدِّل،ويكفي هذا ضربا من الزندقة والمروق من الدين ،سبق وبينا نموذجه عند متفلسفة عصرنا في كتابنا :"البطالة لفكرية في مجتمعنا ". 3) من هنا فلم يكن البخاري مجرد راوي شخصي وذاتي وإنما كان عمله مبنيا على قواعد موضوعية وعلمية،ابتداء من الضابط النفسي والكمال الجسدي إلى الضابط العقدي الأخلاقي الذي لبه الصدق والإخلاص،وبالتالي التخصص في الشهادة التي لا تتم إلا بمبدأ العدالة المبنية عليها الأحكام والأنساب والمواريث وما إلى ذلك من العقود. ولهذا فمن شك أو طعن تفسيقا وتعريضا بسوء القصد في روايات البخاري كرواية وإثبات فالأولى به أن يطعن أو يشكك في نسبه إلى أبيه طالما أن الإنكار يكون من أجل الإنكار والهوى هو ديدنه. فلا ينبغي للبعض ممن يسلك هذا التطرف من الحكم على البخاري وغيره من كبار المحدثين إن قيل له :إن أنت أنكرت رواية البخاري في صحيحه فأنت لقيط أو دعي بهذا المقياس،رغم أن أباك وأمك قد يكونان معروفين وثابت زواجهما بشهادة العدلين أو بينة السماع!!! هذا وإن كثيرا ممن يطعنون في رواية البخاري، رغم أن جل الأحاديث التي خرجها موجودة في صحيح مسلم وباقي كتب السنن، يكونون إما من الشيعة المتطرفة والرافضة وإما من الزنادقة القدامى أو الجدد،ربائب الباطنية الإسماعيلية وفراخها وكذلك قد يكونون من المتفلسفة المعاصرين قطاع الأصول والأنساب وأيضا المستشرقين اليهود، وعلى رأسهم جولدتسيهر . ولهذا فحينما يأتي بعض الأغبياء والسخفاء في عصرنا لكي يرددوا تلك الزندقات على شكل ببغائي يقعون على أم رأسهم،لأنهم منطقيا يعرضون نسبهم وأصلهم للتشكيك والإنكار طالما لم يقنعهم أي منهج أو طريق في الرواية وأوجهها الموضوعية عند الإثبات. 4) فإذا كان الطعن في رواية المحدث المتخصص قد يؤدي لزوما إلى هذه النتيجة السيئة التي تعود على صاحبها سلبا بالتشكيك في أصله وجذوره،فإن الطاعن في الصحابي يكون حاله أسوأ وألأم بل أكثر عرضة للاتهام بالزندقة والكفر والإنكار. وذلك لأن الصحابي هو الواسطة المباشرة بيننا وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ثمرة مدرسته في الإيمان والعدالة والصدق والتثبت . فالصحابي قد يعتبر صحابيا ولو جالس النبي صلى الله عليه وسلم ساعة وصدق به ،لأنه يكون قد نظر إلى وجهه الكريم واستشرق بنوره السني،فاغترف منه ما لا يمكن إدراكه بالعقول و الأفهام ولو عبر السنين والقرون،وذلك مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم :"دعوا لي أصحابي،فلو كان لأحدكم مثل أحد ذهبا فأنفقه ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه"رواه البخاري ومسلم في فضائل الصحابة. عن هذا الاختزال للزمن والتاريخ والفضل يقول ابن حزم الأندلسي:"وأما الزمان فكمن عمل في صدر الإسلام أو في عام المجاعة أو في وقت نازلة بالمسلمين وعمل غيره بعد قوة الإسلام وفي زمن رخاء وأمن ،لأن الكلمة في أول الإسلام والتمرة والصبر حينئذ وركعة في ذلك الوقت تعدل اجتهاد الأزمان الطوال وجهادها وبذل الأموال الجسام بعد ذلك"ابن حزم الفصل في الملل والأهواء والنحل دار الكتب العلمية بيروت ج3ص35 ثم يمضي قائلا :"وأما الإضافة فركعة من نبي أو ركعة مع نبي أو صدقة أو ذكر معه وسائر أعمال البر منه أو معه فقليل ذلك معه أفضل من كثير الأعمال بعده ،ويبين ذلك ما قد ذكرنا آنفا من قول الله عز وجل :"لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل " . وإخباره عليه السلام أن أحدنا لو أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ نصف مد من أحد من الصحابة رضي الله عنهم،فبهذا فضل الصحابة رضي الله عنه من جاء بعدهم " عند هذا نسأل :هل أبو هريرة كان صحابيا أم لا؟فلا بد من الجواب بنعم! لوجود الدلائل التاريخية المتواترة والثابتة عنه. إذن فالطعن فيه مخالفة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم وطعن في رمز العدالة والثقة،وهذه وقاحة لا تليق بمسلم أو مؤمن. ولهذا فحينما يطعن في رواية الصحابي الجليل أبي هريرة بصفة خاصة ،من دعوى أنه لم يصاحب النبي سوى واحد وعشرين شهرا، فذلك يكون هو لب السخافة والغباء وتعبير عن الانحطاط الفكري حينما يقاس النتائج بطول المدة وبالكم من العمل وليس الكيف! لأن هؤلاء يحسبون الرواية بالزمن،إذ البليد لا يقارن بالذكي وزمن الصحابي لا يقارن بزمن الغبي ،وإلا فلم يعد للمقدرات والاستعدادات أي معنى في علم النفس ومقاييس الذكاء!. بحيث أن حفظ الخمسين ألف حديث ليس بالضرورة أن تتطلب قرنا حتى يتم المراد،كما أنها بالنسبة للصحابي لم تكن تمثل جهدا فكريا من تأليف وتمحيص وتحقيق ،وإنما هي حفظ واستظهار لاغير؛ وهذا من أبسط الأعمال الذهنية،وخاصة لدى ذوي المواهب والصفاء الذهني في الحفظ. فأبو هريرة قد كانت له حافظة لاقطة لا تنسى ما تراه أو تسمعه،وهذه كانت من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم في حقه وفضله عليه،وذلك حينما طلب منه بسط ردائه واستعمل رمزية روحية لترسيخ الحفظ والاستظهار لديه. إضافة إلى هذا فقد كان من أهل الصفة وهؤلاء قد كانوا متفرغين كليا للعلم والعبادة ومن ثم كانوا من أبرز الرواة من بين الصحابة الآخرين الكبار،في حين قد شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة بسبقه وحرصه على رواية الحديث عنه، فكان يمده بكل ما هو ضروري في الدين ليبلغه لمن لم يشهده عنده كما أورد البخاري في صحيحه "باب الحرص على الحديث" عن أبي هريرة أنه قال: قيل يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :لقد ظنت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك لما رأيت من حرصك على الحديث،أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة :من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه أو نفسه"كتاب العلم. فصفة الحرص طبيعيا قد تؤدي دائما إلى كثرة الجمع والتخزين شأن الحريص على جمع المال والاجتهاد في اكتشاف طرقه. 5) هذه المبادئ قد تؤسس للتخصص في رواية الحديث سواء لدى الرجال أو النساء كما هو شأن السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها حينما وصفها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:"خذوا نصف دينكم عن هذه الحميراء"وذلك لأنها كانت أكثر نساء النبي ملازمة له وأفقههن ،ومن ثم كان صغر سنها في زواجها به صلى الله عليه وسلم إيذانا بتحقيق هذه الغاية ألا وهي تمام التذكار ودقته وطول أمده والحرص على تحصيل المعارف؛وخاصة في سن التاسعة من العمر ،بحيث ستكون أكثر نساء النبي عشرة له وستبقى بعده مدة طويلة كي يتسنى لها نشر أحاديثه وإفادة السائلين عن قضايا الطهارة وشؤون المنزل والأسرة والعلاقة بين الزوجين. هذه الروايات كانت تدخل من باب بيان أحكام الشرع في تلك العلاقة وليس نشر الأسرار الزوجية ذات الطابع الشهوي، كما قد يحلو لبعض الزنادقة ومريضي القلوب تأويله به لكي يجعلوا منه ذريعة لرفض الأحاديث الواردة في الموضوع. ولهذا فزواجه صلى الله عليه وسلم بها لم يكن زواج شهوة بالدرجة الأولى وإنما كما جاءت الروايات كان اختيارا إلهيا رآه النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وسلم به،وما دخوله بها في سن التاسعة إلا من هذا الباب ،وهو ثابت بالروايات الصحيحة،ومن خصوصياته صلى الله عليه وسلم لأنه هو المشرع ؛كما قد أباح له الزواج بأكثر من أربع نسوة. من ثم فالطعن فيه زندقة ومروق ،وذلك لأن المشرع هو الذي يحدد ما هو حلال وما هو حرام وما هو معقول وغير معقول،في حين أن البيئة قد تختلف من حيث تحديد سن الزواج وقيمة وخصائص المتزوجين جسديا ونفسيا . فالمتزوج هنا هو النبي! وشتان الفرق بينه وبين سائر البشر !إذا قسنا المسألة بالسن والشخص،كما أن السيدة عائشة حكمها حكم أم المؤمنين ،أي لها طابع روحي قبل أن يكون جسديا،ومن هنا فهيهات هيهات الفرق بين الملائكة والحدادين! كما يقول أبو حامد الغزالي رحمه الله تعالى. هذا المعنى قد أوردناه بنوع تفصيل في كتابنا المتواضع:"أحكام النسب لحماية الأسرة في الإسلام"حيث حددنا مفهوم المشروعية وحق التشريع من عهد آدم عليه السلام إلى نبينا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ،وذلك في تناولنا لمسألة أبناء وبنات آدم وزواجهم ،بحيث أثبتنا أن الزواج كان شرعيا وليس خطيئة، كما يريد أن يوهم بذلك بعض الزنادقة والمتفلسفة لتبرير الفساد في الأرض ودون الوعي بعلاقة التشريع بالمسار الكوني والتحول البيولوجي للكائنات الحية وخاصة الإنسان،وأيضا بالميل نحو تشييع الفاحشة وإثارة الشكوك في الأنساب الأصلية للبشرية وبالتالي قطع كل متصل وإهدار للقيم وما معها من تفاصيل. هكذا قد يتسلسل بهم فكرهم الفاسد إلى أن يحاولوا قطع صلة الصحابي بالنبي وهي مقدمة ماكرة لقطع الصلة بالدين وهدمه من جذوره،ولكن هيهات هيهات! فالعلم أقوى من الوهم الفاسد والسند المتصل أمتن من بيت العنكبوت الواهي. ثانيا:النصوص الحديثية و توسيع دائرة العقل بعدما عرضنا وبصورة جد مختصرة للمنهج الاستردادي المتعلق بصلة النص بالمشرع الذي هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوة الصحابي في توصيله وبالتالي قوة العالم الراوي المتخصص في تمحيصه لأن "العلماء ورثةالأنبياء"،أنتقل إلى النظر في المنهج العقلي التحليلي وأسسه المختصرة لكي يتسنى لنا الحكم أو نقد النص داخليا بدعوى موافقته للعقل أو مخالفته له طالما أن هناك في عصرنا من الجهال اللاعقلانيين ما لا يحصون كثرة وجرأة بغير عدة أو سلاح علمي رصين ،سبق وانتقدت هذا النوع من الأرائكيين والمتفلسفة الأقزام في كتابي المتواضع:"البطالة الفكرية في مجتمعنا:الأسباب والانعكاسات" فأقول وبالله التوفيق: 1) مما اتفق عليه عقلاء البشرية أن أحكام العقل تنقسم إلى ثلاثة أقسام لا رابع لها وهي:الوجوب والاستحالة والجواز. فالوجوب مالا يمكن تصور عدمه والاستحالة مالا يمكن تصور وجوده والجواز ما يحتمل الوجود والعدم على حد سواء. من هنا يتأسس العلم الضروري لكل إنسان ولو كان صبيا،أعني العلم بجواز الجائزات واستحالة المستحيلات،وهذا يرسخ مبدأ الثالث المرفوع حسب تعبير المناطقة وعليه تنبني الأقيسة المختلفة ... إذ حينما تقول 1+1=2فلا يمكن مراجعة هذه النتيجة ألبتة،وإلا اتهم الشخص إما بالجنون الذي هو ضد العقل أو بالوقاحة والسخافة والهزل ،وهذا ضد الأخلاق والقيم. فالواجب حكمه واحد وقار وهو المطلوب حينما تكتمل آلة التفكير وينتظم القياس ببنائه على تصور صحيح وكلي ثابت. لكن المستحيل والممكن يتفرعان إلى مستويين قد يتداخلان فيما بينهما،والتالي قد يوقع ناقص العقل والتفكير في غلط الحكم عليهما. هذان المستويان هما:الاستحالة العقلية والاستحالة الواقعية من جهة ،والإمكان الذهني والإمكان الواقعي من جهة أخرى. بحيث يمكن أن نقول للشيء هذا مستحيل فيتطلب حينئذ منا النظر هل هذه الاستحالة عقلية أم واقعية. فإذا قلنا بأنها عقلية فإنها لا يمكن تصورها واقعا مهما ادعى الشخص المعاند ذلك ،كالمثال الذي ضربناه سابقا حول العدد 1+1=.2 إذ يستحيل عقلا أن يأتي شخص فيقول1+1=3 أو1+1= 0 طالما أن الأعداد عقلية وليست تواضعية أو اصطلاحية رياضية مفترضة. لكن حينما نخبر عن إنسان يمشي على رأسه أو يطير في الهواء بغير أجنحة أو طيارة فتقول حينئذ بأن هذا مستحيل،فتكون هذه الاستحالة واقعية وليست عقلية،لأنه لم نر إنسانا في الواقع يطير في الهواء بغير أجنحة أو طيارة،لكننا في نفس الوقت نستطيع أن نتخيل إنسانا يطير في الهواء على هذه الشاكلة. إذن فالحكم هنا ليس عقليا محضا وإنما يسير حسب الواقع وما تعوده الإنسان منه،فلو حدث وطار شخص كما ذكرنا فالعقل السليم لا يعتبره مستحيلا ،لأنه ممكن تصوره في الذهن والخيال،وهذا ما عبرنا عنه بالإمكان الذهني أو العقلي الذي هو تمديد وتمطيط للإمكان الواقعي ،ويفتح المجال للتوسع العلمي والإبداع الفكري وإنتاج الروايات والأفلام الخيالية واكتشاف الأفلاك والأجرام السماوية... باختصار شديد ،لأن هذه المسألة معرفية محضة(إبستمولوجية)،نربط الموضوع بمسألة التشريع والعقل،وذلك للتأكيد على أنه لا تناقض بين العنصرين عند التحقيق والتدقيق . ولكن ينبغي أن يعلم بأن أحكام الشريعة لها صورتان من ناحية إمكان النظر العقلي وهما:الحكم التوفيقي بإدراك الحكمة من بعض قضايا التشريع وأسراره بواسطة العقل المجرد،والحكم التوقيفي الذي يتوقف العقل عن الخوض فيه حتى يأتي المشرع ليبينه: إما تخصيصا أو تقييدا أو نسخا أو رخصة وعزيمة وما إلى ذلك، مما هو مذكور في أصول الفقه وعلوم التفسير... 2) من هنا كنموذج ملخص لبعض الاعتراضات، لدى بعض من لا يستحيون من جهلهم، ينبغي التعريف أوالتمييز بين الطهارة الشرعية المتعلقة بأحكام المني والودي والحيض وما إلى ذلك،وكذلك أنواع المياه لإزالة النجاسات من البدن والثوب والمكان أو ما يعرف بطهارة الحدث والخبث وبين النظافة العامة،هذا إذا أضفنا موضوع التيمم في باب الطهارة ومقارنة حكمه بحكم الغسل الذي يتم بالماء. ونقف عند التيمم ونتساءل :هل للعقل المادي فيه مدخل لتبيين حكمته،وهل هو يدخل في باب النظافة العامة بمجرد لمسة أو ضربة باليد؟ فكيف سيرد العقلاني القزم على حكمه لما يرد في صحيح البخاري حديث عن التيمم يبين حكمه ووصفه مرويا عن أبي هريرة أو غيره من الصحابة الكرام والأطهار؟ هل سيعتبر الحديث مدسوسا أو ترهات وأوهاما أم ينكر التيمم أصلا أم يسلم بأن التيمم مسألة تعبدية توقيفية؟. فالذي يدعي الإسلام والإيمان به حقيقة لابد له من التسليم بهذه الأحاديث وأخذها كما هي من غير تعليل أو تحليل،لأنها تتعلق بالعبادة المرتبطة بالغيب والتشريع،والغيب لا مجال للعقل في تحديد أحكامه وعناصره بقياسه على ما هو متعود في عالم الشهادة أو كما يعرفه الفلاسفة بعالم الكون والفساد،حيث يسود المنطق الفاسد الذي يريد أن يزن الجبال بميزان الذهب،فهل هذا معقول أيها العقلاء؟ ناهيك عن أن ما في الجنة مما في الأرض فيما وصفه الشرع إلا الأسماء وإلا ف"فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر". 3)ومن الغباء والسخافة أن يقف البعض عند قول النبي صلى الله عليه وسلم في وصف الحورية من الجنة بأنها:"يرى مخ ساقها"لتبرير رفض الحديث بمعنى شهوي بليد وحيواني متطرف دون الانتباه إلى سياق الحديث ونهاية معناه الجميل والمبين أن المسألة أجمل مما يتصور ألا وهو كلمة :"من الحسن "الموالية لهذا الوصف،وحيث أن صفة الحسن قد وردت في الحديث،فمعنى مخ الساق دليل على نوع من الجمالية الغيبية الفائقة والتي لا تقاس بالجمالية الحيوانية التي تعود عليها بعض المتلبدين بالصور الأرضية ولم يستطيعوا لبلادتهم التخلص منها،لأنهم يفتقدون القدرة على توظيف ما عبرنا عنه بالإمكان الذهني والتطلع إلى ما هو أعلى مما هو عليه العالم الدنيوي الفاني، وذلك لأن مخهم حينما يتصورونه بشكله المادي لا يولد لديهم سوى الغثيان والتقزز على شكل انعكاسات شرطية كما استنتجها بافلوف من كلبه الاختباري!!! . نفس الشيء قد يحدث لدى الكثير من المغرر بهم للتجرؤ على الحديث النبوي الصحيح الوارد في البخاري وغيره وخاصة لدى بعض النساء من متزعمي الجمعيات ومدعي الدفاع عن حقوق المرأة وذلك حينما يرفضون حديث :"خلقت المرأة من ضلع أعوج" متوهمين أو موهمين بأن هذا استنقاص لمكانة المرأة وقيمتها الوجودية،ناسين بأن خلقة المرأة من الناحية الوجودية والبيولوجية أكثر تقدما من الرجل،لأن هذا الأخير قد تم خلقه من التراب مباشرة بينما هي قد خلقت من الكائن الحي المتطور،و شتان الفرق بينهما!. إضافة إلى هذا -وبإيجاز شديد- فإن وصف المرأة في بداية خلقتها بهذا الشكل دليل على امتلاكها عنصر الجمال في تكوين الرجل والمرأة معا، وهذا كمال ما بعه من كمال!إذ لولا اعوجاج الضلع لكان القفص الصدري للرجل عبارة عن نتوء لصفائح الزوارق أو قبعات صينية!!! هذا من الناحية الشكلية الظاهرية ،أما من الناحية الفكرية الفلسفية فهناك مبدأ علمي يقول:"نقصان الكون عين كماله" ويمثل بعض المفكرين المستنيرين- كالغزالي رحمه الله تعالى- بهذا المثال الرائع:"لولا اعوجاج القوس لما صلح للرمي" فليعتبر كل من الرجال والنساء بهذا المعنى ليستخلصوه من الحديث النبوي الشريف ،عسى أن يحفظوا جمالهم الظاهر والباطن معا ليتم التكامل في وجود الرجل والمرأة على حد سواء. وأما من يدعي الإسلام ويزعم نظريا بأنه يدافع عن عقلانيته وخوفا من انتقادات اليهود أو النصارى أو العلمانيين وغيرهم ،الذين هم في الأصل فاسدو العقائد والفكر والتشريع، فسيرد هذه الأحاديث رغم صحتها منهجيا ورواية، بزعم أنها لا توافق العقل ولا علاقة لها بالنظافة،وسيقول بأن مجرد لمس حجر لا يغني شيئا وهكذا. كذلك قد يزعم بأنها لا توافق مقاييس الجمال،رغم أن الجمال مسألة نسبية واعتبارية قد يتفاوت الناس في الحكم عليه بين شخص وآخر ومجتمع وغيره، فما بالك بعالم الغيب حينما نقيسه بعالم الشهادة الذي ليس منه فيه سوى الأسماء!،وبالتالي يتعقلن من خلفية عاجزة بدون ضوابط ويتمنطق بغير نطاق فيصدق فيه حكم العلماء سابقا:من تمنطق فقد تزندق!. فهذا ملخص الرد على من سخر من الأحاديث الواردة في باب المني وأبوال الإبل والفأرة التي سقطت في السمن و مسائل غيرها لا يسمح المجال ولا المقام بتتبعها والرد عليها. لأنها اعتراضات سخيفة ولأن جهل أصحابها سواء كانوا مشرقيين أو مغربين-لا يهمنا أشخاص معينين ولا نقصدهم علميا- قد أدى بهم الحال إلى أن لا يميزوا بين الحكم الشرعي والحكم العقلي الوهمي؛الذي لا هو ممكن ذهنيا لا موجود واقعيا ،وذلك لأنه لا يدرك الفرق بين حكم الخاص والعام ولا بين المطلق والمقيد ولا بين الناسخ والمنسوخ ولا بين شرع من قبلنا هل هو شرع لنا أم لا؟ناهيك عن السخافة الأخلاقية في منا قشة كبار الصحابة -أبي هريرة بصفة خاصة - وأئمة الأمة وعلى رأسهم البخاري أمير المؤمنين في الحديث، كما أجمع على تسميته بذلك العلماء عبر التاريخ . إذ لولا الأحاديث الصحيحة المبينة لأحكام الطهارة والحياء لكان متفلسفو زماننا مازالوا يبولون على أعقابهم كما وصف بذلك الأعرابي قبل مجيء الإسلام ،ولكانوا ما زالوا يأكلون الفئران والصراصير ويغتسلون بالنجاسات ويلحسونها كما هو شأن كثير من الشعوب غير المسلمة،والدليل على ذلك ما هو معروض مشاهدة على القنوات الفضائحية ومواقع الإنترنيت من سخف ونجاسات تتخبط فيها البشرية بشتى صورها،قد يعافها الكلاب والقطط بله الإنسان المتحضر ومدعي العقلانية والتطور في الطب والعلوم الإنسانية،والحمد لله على نعمة الإسلام!!!. ثالثا:الرواية الصحيحة وتحدي العلوم والعقول من هنا كان لابد في التشريع من تبيين ما يجوز وما لا يجوز في العلاقات الجنسية بين الزوجين للضرورة الشرعية وليس لإثارة الشهوات والتخبط في وحلها ،وكذلك كان لابد من توضيح ما يمكن أكله مما لا يمكن وما يجب غسله مما لا يجب وما ينبغي قوله مما لا ينبغي وكذلك ما يصح نشره مما لا يصح . 1) أوليس حكم الذبابة إذا سقطت في الماء يكون من الواجب غمس جناحها الثاني حتى يتم إبطال سم الجناح الأول؟أوليس العلم قد أثبت معجزة النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الأمر؟فكان حكمه صلى الله عليه وسلم وقاية وصحة وطهارة واقتصادا،وخاصة في بلد الجزيرة العربية التي كان الماء يوزن فيها بالذهب لنذرته وشح مصادره؟ فأين هذا من منطق المبذرين والمستهترين الذين يريقون المئات من الأمتار المكعبة من الماء بمجرد نقطة أو ذبابة سقطت في الحوض أو البرميل؟ وكذلك شأن الفأرة إذا سقطت في السمن،فهل يضيع نتاج العام من اللبن وذخيرة السنة بمجرد فأرة سقطت في مكان معين محدود المساحة؟ أو نريق الصهاريج المعبأة في مراكز الحليب من زبدة وياغورت وغيره بمجرد مثل هذا الحادث البسيط الذي له علاجه الصحي النبوي في الحين؟ أو ليس هذا هو التبذير وسوء التدبير والتطرف في التصرف، قد يتشعب حتى إلى التطرف في التعامل مع الآخر واختراق حدود العدالة العامة،طالما أننا لا نزن الأمور بواقعها ونقف بالدواء عند نقطة الداء،أوليس هذا هو مرض سلوكي يخضع للانعكاسات الشرطية الحيوانية؟. إن هذه الأحاديث هي التي قد تكرم علينا بروايتها والسهر على تبليغها إلينا سيدنا أبو هريرة رضي الله عنه،وكذلك خرجها ومحصها إمامنا في علم الحديث سيدي محمد بن إسماعيل البخاري. وأنت إذا أكرمت الكريم ملكته وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا. فكنموذج واقعي ومبين لهذا السخف الفكري في مواجهة الحديث الصحيح الذي أخرجه البخاري وغيره من الرواة في الصحاح وباقي السنن نقول: هذه الترهات حول رفض الحديث النبوي باسم العقلانية وحقوق الإنسان والحيوان وما إليها كان قد سلك طريقها بعض المغرورين من المتفلسفة في الماضي ولم يفلحوا في ذلك ،لأن الحق يعلو ولا يعلى عليه، والزمان كفيل بإثبات الحقيقة،والحكم للوجود كما يقول علماؤنا الأفذاذ:"فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ينفع الناس فيمكث في الأرض". 2) فقد ذكر أحمد أمين في كتابه ضحى الإسلام الجزء الثالث نموذجا حيا من هذا الاعتراض،وخاصة لدى بعض المعتزلة المتطرفين والمغرورين باسم العقلانية والجرأة والوقاحة ،وذلك في حكاية عن إبراهيم بن سيار النظام زعيم المعتزلة(221ه). فيقول معترضا على المحدثين في روايتهم حول تمييز حكم الطهارة عند الكلب عن الهر:"لقد قدمتم السنور(الهر) على الكلب ،ورويتم أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب واستحياء السنانير ،وتقريبها وتربيتها وأنه قال:إنها من الطوافات عليكم مع أن كل منفعة السنور هي أكل الفأر فقط...ومنافع الكلب لا تحصيها الطوامير ،ثم السنور مع ذلك يأكل الأوزاغ والعقارب والخنافيس والحيات وكل خبيثة وكل ذي سم ،وكل شيء تعافه النفس ،ثم قلتم في سؤر السنور وسؤر الكلب ما قلتم ،ثم لم ترضوا به حتى أضفتموه إلى نبيكم..."ج3ص87 . أولم يدر الزمان على دارا وقاتله وأما كسرى فما آواه إيوان؟ فها نحن في عصر المجهر يكتشف الأطباء وعلماء الحياة والجراثيم معجزة النبي صلى الهن عليه وسلم في هذا الحكم ،فيتبين من خلالها أن الطهارة أوالنظافة كما يريد أن يسقطها عليها بعض القاصرين ليست مسألة بسيطة وإنما هي جد معقدة وتخضع لرؤية غيبية محضة وحكم توقيفي إما بصورة مطلقة وإما بحسب الزمان واكتشافات العصور . فلقد تبين علميا أن في لعاب الكلب جراثيم يفرزها وخاصة عند الأكل أو الشرب،وبالتالي فهي مضرة بصحة الإنسان عند الملامسة وتعقب سؤره عند الشرب أو الأكل،بينما هذا الحكم لا ينطبق ألبتة على سؤر الهرة ولعابها ،بحيث قد يدخل في حكم المطهرات،antiseptiqueأو désinfectant ،وهذا ما نلاحظه بالعين المجردة حينما تصاب بجرح ثم تلحسه حتى تبرأ منه،بل قد تمارس غسل وجهها وأطرافها بلحسها بلعابها.... فأين حكم العقل المجرد والقاصر هنا وهناك،ومتى كان العقل حاكما على قضايا الشرع حتى يصبح مقدما في مثل هذه المسائل؟ إن العقل المجرد والذاتي الأهوائي لا يعطي سوى الشذوذ في باب التشريع سواء كان شذوذا عقديا أو سلوكيا أو جنسيا وغيره،لأنه عقل مظلم غير مستنير بذكر الله تعالى،كان من نموذجه جمهورية أفلاطون التي تقر بشيوعية المرأة والأطفال،وبلزوم العري التام بين الرجال والنساء وبالحكم الجزافي الديمقراطي من غير أخلاق أو ضوابط ومرجعيات روحية أو فكرية قارة، وما إلى ذلك من السخافات سبق وذكرنا نماذج منها في كتابنا :"حجاب المرأة وخلفيات التبرج في الفكر الإسلامي".