الجزء الأول:في بيان منهجية الإمام البخاري ومكانة صحيحه عند أهل الاختصاص "" مقدمة لابد منها أستغرب كثيرا لما أقرأ لبعض العلمانيين ( وهنا أقصد الفئة العلمانية الواعية، وليست المخدرة الناعقة بما لا تعرف أمثال من يكتب في هذا الموقع المحترم عن ما يسميه بضرورة ممارسة النقد لما يسمونه بالثراث الاسلامي، وهم لا يمتلكون أبسط قواعد النقد والكتابة العلمية الرزينة والمسؤولة بله أن يملكوا أليات فهم وإدراك منهجية العلوم الشرعية الإسلامية ) وهم يتحدثون عن ضرورة ” التجديد الديني “ أو ضرورة استعمال آليات ومناهج العلوم الاجتماعية في تناول الانتاج الحضاري الاسلامي العقائدي والفقهي والفكري بهدف إعادة قراءته وفق معطيات العصر الحديث، وهم في نفس الوقت أبعد ما يكون عن الالتزام بقواعد ومبادئ الاسلام الأساسية التي لا يبنغي لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن ينلفت منها، ويضرب بها عرض الحائط، في مجال الاعتقاد والعبادة والشريعة. الأمر الذي يدفعنا للتساؤل عن المغزى الحقيقي لتلك الكتابات والانتاجات الفكرية العلمانية، هل هي بهدف البناء أم من أجل الهدم؟ هل الغاية منها فعلا تنقية الدين الاسلامي مما علق به من شوائب في شتى المجالات ورده إلى مصادره الأصلية، القرأن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، بعيدا عن الخرافات والسخافات التي أتتت عقلية قطاعات عريضة من مجتمعاتنا الاسلامية طوال عصور الانحطاط والجمود التي أعقبت عصور الازدهار والنماء الاسلامي، متوخية تجديد ارتباط المسلمين بدينهم في سبيل تحقيق نهضة ثانية للأمة الاسلامية بهدف المساهمة مرة أخرى في بناء صرح الحضارة الانساني في الحاضر والمستقبل؟ أم أن الغاية من تلك الكتابات هو الهدم لا البناء في سبيل الترويج للبديل الفكري الغربي المتفسخ من كل رابطة دين وأخلاق، موظفة لأجل ذلك دعوى ” البحث العلمي “ كستار تخفي خلفه أجندة غربية استعمارية تروم جعل الشعوب الاسلامية شعوبا تعيش على الأطراف في تبعية مطلقة لما يسمى” بالمركز “ المتمثل في العالم الغربي الإمبريالي التوسعي؟. يحفظ لنا تاريخ نشأة العلوم الاسلامية أن عملية تنقية مصادر الدين الاسلامي القرأن والسنة النبوية من شوائب العادات والتقاليد، وسخافات الفكر البشري المنحط البعيد عن الوحي الإلهي وما ينتج عن ذلك من انحرافات خطيرة في الاعتقاد والعبادات والسلوكيات والمعاملات نتيجة دخول شعوب وقبائل عدة في الاسلام والتحاقها بالجماعة المسلمة، تلك العملية والمهمة التي شكلت الهاجس الأكبر لعلماء المسلمين، كانت السبب في نشوء ما أصبح يطلق عليه بالعلوم الشرعية المتمثلة في التفسير والحديث والفقه وأصول الفقه وعلوم اللغة العربية وما إلى ذلك من المعارف الأخرى المرتبطة بها من قريب أوبعيد. في هذا الإطار نشأ ما يصطلح عليه بين علماء المسلمين بعلوم الحديث النبوي المتربطة بحفظ أقوال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأفعاله وتقريراته وشرحها للناس وبيان مدلولاتها لعموم المسلمين الذين تقصرمداركهم عن فهمها الفهم السليم، فألفت لأجل ذلك الكتب التي لاتعد ولاتحصى منها المتخصص في علم الرواية ومنها المتخصص في علم الدراية و علم الرجال والعلل، ومنها المتخصص في بيان مشكل الأثار النبوية وتلك المتخصصة في بيان غريب الأثار وما إلى ذلك، وفي هذا الإطار يقول الامام النووي في مقدمة شرح صحيح مسلم طبعة دار الحديث، ص 15 ما نصه : ( ومن أهم أنواع العلوم تحقيق معرفة الأحاديث النبويات، أعني: معرفة متونها صحيحها وحسنها وضعيفها، متصلها ومرسلها ومنقطعها ومعضلها مقلوبها، مشورها وغريبها، وعزيزها، متواترها وآحادها وأفرادها، معروفها وشاذها ومنكرها ومعللها وموضوعها ومدرجها وناسخها ومنسوخها وخاصها وعامها ومجملها ومبينها ومختلفها وغير ذلك من أنواعها المعروفات. ومعرفة علم الأسانيد أعني: معرفة حال رجالها وصفاتهم المعتبرة وضبط أسمائهم وأنسابهم ومواليدهم ووفياتهم وغير ذلك من الصفات، ومعرفة التدليس والمدلسين وطرق الاعتبار والمتابعات. ومعرفة حكم اختلاف الرواة في الأسانيد والمتون والوصول والإرسال والوقف والرفع والقطع والانقطاع وزيادات الثقات. ومعرفة الصحابة والتابعين وأتباعهم و أتباع أتباعهم ومن بعدهم رضي الله عنهم وعن سائر المؤمنين والمؤمنات. وغير ما ذكرته من علومها المشهورات، ودليل ما ذكرته أن شرعنا مبني على الكتاب العزيز والسنن المرويات. وعلى السنن مدار أكثر الأحكام الفقهيات. فإن أكثر الآيات الفرعيات مجملات. وبيانها في السنن المحكمات، وقد اتفق العلماء على أن من شرط المجتهد من القاضي والمفتي أن يكون عالما بالأحاديث الحكميات، فثبت بما ذكرناه أن الاشتغال بالحديث من أجل العلوم الراجحات، وأفضل انواع الخير وآكد القربات، وكيف لا يكون كذلك وهو مشتمل مع ما ذكرناه على بيان حال أفضل المخلوقات، عليه من الله الكريم أفضل الصلوات والسلام والبركات. ) انتهى. وعليه فإن يتضح لنا أن الاهتمام بالحديث النبوي الشريف رواية ودراية كان هدفه حفظ السنة النبوية وتنقيتها من تلك الأحاديث الباطلة والمكذوبة وبيان صحيح الرواية من حسنها وضعيفها حتى يتسنى للمسلمين عبادة الله عن علم وبما ثبت نسبته للنبي صلى الله عليه وآله وسلم من السنة الصحيحة التي هي شارحة ومبينة لكتاب الله الكريم. وهكذا لما سئل عبد الله ابن المبارك عن تلك الأحاديث الضعيفة والمكذوبة التي انتشرت بين الناس بانتشار الكذبة والمفترين على الله ورسوله، قال رحمه الله : ( يعيش لها الجهابذة) الذي يستطعون غربلتها وإخراجها من بين الروايات الصحيحة وبيانها للناس حتى يتجنبوا الأخذ بها والعمل بها في أموردينهم. وهنا نقطة أساسية لابد من الإشارة إليها، لأنه كثير من العلمانيين الحاقدين يمتطيها ليضرب من خلالها دين الاسلام وشريعته، وهي مسألة العقل والنقل والعلاقة القائمة بينهما، وفي حالة التعارض أيهما يقدم هل النقل أم العقل؟. ولتوضيح هذه النقطة نقول: أن النقل الذي نتحدث عنه هو النقل الصحيح الثابت نسبته للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بالطرق والأسانيد التي اتفق أهل الاختصاص في الصنعة الحديثة على انها كذلك، وأن العقل الذي نتحدث عنه أيضا هوالعقل السوي البعيد عن الهوى والشهوات والمفسدات التي تخرج به من الإنصاف والموضوعية إلى الشطط والتعسف والافتراء، بمعنى، وإذا أردنا ان نطبق منهج ”ماكس فيبر“ القائم على نموذج المثال ( وهو احد مناهج العلوم الاجتماعية الغربية الحديثة )، فعلينا أن نضع المواصفات المثالية للعقل البشري القادر على الفهم السليم للقضايات المرتبطة بالانسان وما يتصل بها من أمور الدين والحياة، الذي يمكن أن يثق الناس به ويركنوا إلى الأخذ بأحكامه وخلاصاته، وقطعا لن نجد عقل ذلك العلماني الغارق في المخدرات والخمر والشهوات والنزاوت البعيد عن مواصفات الحكمة و النباهة والرزانة مثالا يحتذى به في فهم حاجات الانسان المادية والروحية القادر على سبر أغوار أحكام القرآن الكريم و فهم بيان وأسرار نصوص الحديث النبوي الشريف الصحيحة. إذا عرفنا هذا، تبين لنا انه من الخطأ الفاحش أن يأتي من لا علاقة لها بالإسلام وأحكامه وشرائعه ومبادئه، ولا علاقة له بمناهج العلماء العقلاء الحكماء و يتكلم فيما مسائل الدين والعقيدة ويقول للناس: هذا صحيح وهذا ضعيف ( وانا هنا ينتابني الضحك والأسى في نفس الوقت مما آل إليه حال كثير من المسلمين الذي أضحوا يتبعون وينصتون لكل ناعق ومارق، وأكثرمن ذلك، من إذا قلت له : تعلم قبل أن تتكلم. يقول لك : هذا قمع لحرية التعبير والإبداع. فهلا تكملت أيها السقيم في علوم الفيزياء و والكيمياء والفضاء لترفع أمتك، إن كانت لك أمة فعلا تنتمي إليها، إلى مصاف الأمم المتقدمة في علوم التقنيات، بدل تسكعك بين كتب الحاقدين والناقمين على دين الإسلام؟ ). منهج الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه الجامع يؤسفني حقا أن نجد من بين من بالكاد تجاوزعتبة الأمية في ميدان القراءة والكتابة أن يتكلم عن أحد أعلام هذه الأمة وأفذاذها في مجال الحديث النبوي الشريف وتمييز صحيحه من ضعيفه، ونظرا لما رأيناه من جهل أولئك الفئام الطغام ( من بنو علمان ومن على شاكلتهم من أهل الزيغ والضلال ) وهم يتكلمون على أحد أشرف علوم الشريعة و هوعلم الحديث النبوي الشريف، قررت بإذني الله أن أبسط شيئا من الكلام عن منهج الإمام البخاري في تصنيف صحيحه الجامع، والباعث له رحمه الله على تأليفه، وبيان مكانته عند علماء الصعنة والاختصاص لاعند السفهاء وأقزام الناس، مع بيان شروطه في قبول رواية الحديث وتدوينه في مصنفه، وكيف أن علماء الاختصاص اعتبروها أدق الشروط وأرفعها، لم يسبقه إليها أحد قبله ولم يلتزمها أحد بعده. أولا: في الباعث له رحمه الله على تصنيف الصحيح الجامع قال الحافظ بن حجر رحمه الله، في مقدمة فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ص 8 عن سبب تصنيف الامام البخاري لجامعه الصحيح: ( أن آثار النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن في عصر الصحابة وكبار تبعهم مدونة في الجوامع ولا مرتبة لأمرين: أحدهما: أنهم كانوا في ابتداء الحال قد نهوا عن ذلك كما ثبت في صحيح مسلم خشية أن يختلط بعض ذلك بالقرآن العظيم. وثانيهما: لسعة حفظهم وسيلان أذهانهم، ولأن أكثرهم كانوا لا يعرفون الكتابة، ثم حدث في أواخر عصر التابعين تدوين الآثار وتبويب الأخبار لما انتشر العلماء في الأمصار وكثر الابتداع من الخوارج والروافض ومنكري الأقدار، فأول من جمع ذلك الربيع بن صبيح، وسعيد بن أبي عروبة وغيرهم، وكانوا يصنفون كل باب على حدة إلى أن قام كبار أهل الطبقة الثالثة فدونوا الأحكام، فصنف الامام مالك الموطأ وتوخى فيه القوي من حديث أهل الحجاز ومزجه بأقوال الصحابة وفتاوى التابعين من بعدهم، وصنف أبو محمد عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج بمكة، وأبو عمر عبد الرحمن بن عمر الأوزاعي بالشام، وأبوعبد الله سفيان بن سعيد الثوري بالكوفة، وأبو سلمة حماد بن سلمة بن دينار بالبصرة، ثم تلاهم كثير من أهل عصرهم في النسج على منوالهم إلى أن رأى بعض الأئمة منهم أن يفرد حديث النبي صلى الله عليه وسلم خاصة، وذلك على رأس المائتين، فصنف عبيد الله ابن موسى العبسي الكوفي مسندا، وصنف مسدد بن مسرهد البصري مسندا، وصنف أسد بن موسى الأموي مسندا، وصنف نعيم بن حماد الخزاعي نزيل مصر مسندا، ثم اقتفى الأئمة بعد ذلك أثرهم فقل إمام من الحفاظ إلا وصنف حديثه على المسانيد، كالإمام أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه وعثمان بن أبي شيبة وغيرهم من النبلاء، ومنهم من صنف على الأبواب وعلى المسانيد معا كأبي بكر بن أبي شيبة، فلما رأى البخاري رضي الله عنه هذه التصانيف ورواها وانتشق رياها واستجلى محياها، وجدها بحسب الوضع جامعة بين ما يدخل تحت التصحيح والتحسين والكثير منها يشمله التضعيف فلا يقال لغثه سمين، فحرك همته لجمع الحديث الصحيح الذي لا يرتاب فيه أمين، وقوى عزمه على ذلك ما سمعه من أستاذه أمير المؤمنين في الحديث والفقه إسحاق بن إبراهيم الحنظلي المعروف بابن راهويه(...)قال أبو عبدالله محمد بن إسماعيل البخاري: كنا عند إسحاق بن راهويه فقال: لو جمعتم كتابا مختصرا لصحيح سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال فوقع ذلك في قلبي فأخذت في جمع الجامع الصحيح ) انتهى. وعليه فإن مجهود الإمام البخاري كان إضافة نوعية لم يسبق إليها، واقتحام لمجال جديد في علوم الحديث النبوي الشريف ألا هو التخصص في جمع الروايات الحديثية الصحيحة في مصنف خاص بها دون غيرها من المرويات. ثانيا:كيف جمع الإمام البخاري صحيحه الجامع؟ إن الإمام البخاري رحمه الله تعالى لم يكن فاسقا، ولا داعرا، ولا شريب خمر، ولا صاحب مخدرات، ولم يكن رحمه الله من رواد علب الليل ينتقل بين احضان البغايا وبائعات الهوى ثم لما يفق من سكرات شهواته ونزواته يتكلم في حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيقول هذا صحيح وهذا ضعيف مثل ما يفعل من لا دين له ولا خلق. بل كان رحمه الله من الورعين العابدين الربانيين، الثقاة العدول والحفاظ الأثبات، الذين شهد لهم بالصلاح والعلم والفقه القاصي والداني من جهابذة العلم والفقه من علماء الاسلام الذين عاصروه. يقول البخاري رحمه عن نفسه حين كان مشتغلا بجمع وتدوين أحاديث الجامع الصحيح:« ما كتبت حديثا إلا واغتسلت قبل ذلك وصليت ركعتين». وقال أبو علي الغساني:« روي عنه أنه قال: خرجت الصحيح من ستمائة ألف حديث». وروى الإسماعيلي عنه قال: « لم أخرج في هذا الكتاب إلا صحيحا، وما تركت من الصحيح أكثر»، قال الإسماعيلي: لأنه لوأخرج كل صحيح عنده لجمع في الباب الواحد حديث جماعة من الصحابة، ولذكر طريق كل واحد منهم إذا صحت فيصير كتابا كبيرا جدا، فقال أبو أحمد بن عدي سمعت الحسن بن الحسن البزاز يقول سمعت إبراهيم بن معقل النسفي يقول سمعت البخاري يقول: « ما أدخلت في كتابي الجامع إلا ما صح وتركت من الصحيح حتى لا يطول » ( أنظر الفتح، المقدمة ص 9). وكي يجمع البخاري عمله العظيم هذا أخذ من سنوات حياته 16 سنة من العمل الجاد المضني، في ترحال لا ينقطع لكل مصر من أمصار الدولة الاسلامية الشاسعة، متقفيا أثر راوة الحديث النبوي الشريف ليميز من عندهم صحيح الرواية من ضعيفها، قال البخاري رحمه الله : « صنفت الصحيح في ست عشرة سنة وجعلته حجة فيما بيني وبين الله تعالى ». ثالثا: شهادة العلماء المتخصصين بقيمة وعلم وتخصص وفقه الإمام البخاري ونوعية صحيحه إن صحيح الجامع لم يأخذ تسميته فقط من عند مصنفه الإمام البخاري هكذا دون مراقبة ولا مراجعة من قبل باقي علماء عصره، بل لم يأخذ صفة الصحيح عند الأمة الإسلامية إلا بعد أن شهد له بذلك علماء وخبراء علم الحديث الشريف. قال أبو جعفر محمود بن عمروا العقيلي:( لما ألف البخاري كتاب الصحيح عرضه على أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وعلي بن المديني وغيرهم فاستحسنوه وشهدوا له بالصحة إلا في أربعة أحاديث، قال العقيلي والقول فيها قول البخاري وهي صحيحة ). ( انظر هدي الساري مقدمة فتح الباري، ص 9). قال أبو إسحاق السرماري: من أراد أن ينظر إلى فقيه بحقه وصدقه فلينظر إلى محمد بن إسماعيل. قال أبو جعفر سمعت يحيى بن جعفر يقول لو قدرت أن أزيد في عمر محمد بن إسماعيل من عمري لفعلت فإن موتي يكون موت رجل واحد وموته ذهاب العلم. وكان نعيم بن حماد يقول: محمد بن إسماعيل فقيه هذه الأمة. وقال مصعب الزهري محمد بن إسماعيل أفقه عندنا وأبصر بالحديث. وروي عن إسحاق بن راهويه أنه كان يقول اكتبوا عن هذا الشاب يعني البخاري فلو كان في زمن الحسن لاحتاج إليه الناس لمعرفته بالحديث وفقهه. وكان علي بن حجر يقول أخرجت خراسان ثلاثة أبو زرعة ومحمد بن إسماعيل وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي ومحمد عندي أبصرهم وأعلمهم وأفقههم. وقال محمد بن أبي حاتم سمعت إبراهيم بن خالد المروزي يقول رأيت أبا عمار الحسين بن حريث يثني على أبي عبد الله البخاري ويقول لا أعلم أني رأيت مثله كأنه لم يخلق إلا للحديث. وقال محمد حدثني حاتم بن مالك الوراق قال سمعت علماء مكة يقولون محمد بن إسماعيل إمامنا وفقيهنا وفقيه خراسان. وقال أبو الطيب حاتم بن منصور الكسي يقول محمد بن إسماعيل آية من آيات الله في بصره ونفاذه من العلم. وقال سليم بن مجاهد يقول لو أن وكيعا وابن عيينة وابن المبارك كانوا في الأحياء لاحتاجوا إلى محمد بن إسماعيل. وروي عن قتيبة بن سعيد أنه قال لو كان محمد في الصحابة لكان آية. نظرت في الحديث ونظرت في الرأي وجالست الفقهاء والزهاد والعباد ما رأيت منذ عقلت مثل محمد بن إسماعيل. وقال الإمام أحمد بن حنبل: لم يجئنا من خراسان مثل محمد بن إسماعيل. وقال أبو عبد الله الحاكم: محمد بن إسماعيل البخاري إمام أهل الحديث. قال أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة: ما رأيت تحت أديم السماء أعلم بحديث رسول الله وأحفظ له من محمد بن إسماعيل. قال محمد بن حمدون بن رستم سمعت مسلم بن الحجاج وجاء إلى البخاري فقال دعني أقبل رجليك يا أستاذ الأستاذين وسيد المحدثين وطبيب الحديث في علله. وقال سعيد بن جعفر: سمعت العلماء بالبصرة يقولون ما في الدنيا مثل محمد بن إسماعيل في المعرفة والصلاح. ( للمزيد من الاطلاع يمكن الرجوع لترجمة الإمام البخاري في سير أعلام النبلاء للحافظ الذهبي). رابعا:صحته ومكانته بين كتب الحديث النبوي الشريف وعن قيمة الجامع الصحيح يقول الحافظ العلامة بدر الدين أبي محمد محمودبن أحمد العيني في كتابه عمدة القاري بشرح صحيح البخاري ج 1 ص 4 مانصه:(وأما محله ، فقال العلماء هو أول كتاب صنف في الحديث الصحيح المجرد. واتفق العلماء على انه أصح الكتب المصنفة صحيحا البخاري ومسلم، واتفق الجمهور على أن صحيح البخاري أصحهما صحيحا، وأكثرهما فوائد، وقال الحافظ أبو علي النيسابوري شيخ الحاكم أبي عبد الله: " صحيح مسلم أصح . ووافقه بعض علماء المغرب وأنكرذلك عليهم، والصواب ترجيح صحيح البخاري على مسلم، وقد قرر الإمام الحافظ أبو بكر الإسماعيلي في كتابه ( المدخل ) ترجيح صحيح البخاري على صحيح مسلم، وذكر دلائله. قال النووي: " روينا عن الإمام أبي عبد الرحمن النسائي رحمه الله تعالى قال: ما في هذه الكتب أجود من كتاب البخاري. و جملة ما في صحيح البخاري من الأحاديث المسندة سبعة آلاف ومئتان وخمسة وسبعون حديثا بالأحاديث المكررة، وبحذف المكررة نحوأربعةآلاف. قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى: " أخرجت هذا الكتاب من زهاء ست مائة ألف حديث ". خامسا:شرط البخاري في كتابة الحديث الصحيح أعلى درجات الصحة بإجماع العلماء قال الحافظ بن حجر في الفتح ج 1 ص 11: ( شرط البخاري أن يخرج الحديث المتفق على ثقة نقلته إلى الصحابي المشهور من غير اختلاف بين الثقات الأثبات ويكون إسناده متصلا غير مقطوع، وإن كان للصحابي راويان فصاعدا فحسن وإن لم يكن إلا واحدا وصح الطريق إليه فكفى )، يستفاد من هذا النص أن شرط البخاري لقبول الرواية عنده هو ما يلي: 1)اتصال السند من راويه إلى منتهاه، وهنا اشترط البخاري رحمه الله تعالى المعاصرة واللقيا، بمعنى أن يروي الراوي عمن عاصره ولقيه مما يؤكد السماع منه، عكس الإمام مسلم الذي اشترط فقط المعاصرة دون اللقيا بين الراوي ومن يروي عنه. 2)عدالة الراوي: بمعنى أن يكون مسلما صادقا غير مدلس ولا مختلط، متصفا بصفاة العدالة التي عرفها العلماء بانها: " ملكة تحمل صاحبها على التقوى وتحجزه عن المعاصي والكذب وما يخل بالمروءة. 3)الضبط: وهو أن يحفظ كل واحد من الرواة الحديث الذي يروي إما في صدره، ويسمى ضبط صدر، او في كتابه، ويسمى ضبط كتاب، ثم يستحضره عند الأداء. 4)أن لا يكون الحديث شاذا: والشاذ عرفه العلماء بأنه هو ما رواه الثقة مخالفا لمن أهو أقوى وأوثق منه. 5)أن لايكون الحديث معللا: وهو الحديث الذي اطلع فيه على علة خفية قادحة. كلمة أخيرة بعد هذه الجولة البسيطة والمختصرة عن القيمة العلمية والنوعية ل” الجامع الصحيح المسند من حديث رسوله الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه “، يتبين لنا قيمة كتاب الجامع الصحيح وقيمة مصنفه الإمام البخاري، وأن كل من تكلم في صحيح البخاري بطعن او تشنيع من أهل البدع الرويبضة و العلمانيين الزائغين في عصرنا هذا فإنه ليس مرد ذلك أنهم يعلمون مناهج واصطلاحات المحدثين رحمهم الله، وبالتالي يتكلمون من داخل الميدان عن دراية وعلم وتفنن، بل إنهم يحكمون عقولهم على أحاديث يلبس عيلهم فيها إبليس متبعين لأهوائهم وشهواتهم، ومقاييس أهل الباطل فيعتلون بذلك مراقي لا قبل لهم بها، ومراتب هم قاصرون عنها بجهلهم وسوء نيتهم. إذ الغرض كما بينا في المقدمة عندهم ليس البناء بل الهدم والتشكيك، لأن الذي غرضه البناء يتوجب عليه الإذعان لأحكام ومبادئ الاسلامي قولا وعملا، وأن يتصف بالديانة والورع والصلاح إضافة إلى الإحاطة بعلوم الشريعة وأدوات فهمها ليتسنى للناس الوثوق بهم. ثم إنه لا يمكن أن يكون العقل هوالحكم والمرجع في أمور لا يمكن معرفتها والإحاطة بها إلا عن طريق الوحي، وإن لم يدرك العقل الحكمة منها، فالعيب لا يرجع للوحي بل للعقل البشري العاجز، خاصة وان مدارك وعقول الناس تختلف، فما قد يبدوا عند هذا منطقيا قد يبدوعند الآخر هراء وسخافة، بالتالي تختلف الاستنتاجات باختلاف العقول وقوة إدراك كل منها، فما يبدو عندي واضحا قد يبدوعند غيري غامضا وهكذا...وهذا واضح حتى في العلوم المادية من هندسة وطب وفيزياء وغيرها، فهل يُسمح لمن لا علم له ولا دراية بأحد هذه المجالات المعرفية الدقيقة أن يُخطأ ويُغلط المتخصصين فيها والبارعين الذي قضوا جل أعماره في البحث والدراسة فيها ويكذب نظرياتهم بدعوى أن عقله القاصر لا يفهمها ولا يستطيع الإحاطة بها، إذن لحكم عليه بالجنون والخرف ولأدخل لأقرب مستشفى للمجانين حتى يكون عبرة للمعتبرين،فما بال أقوام فئام جهلة متنطعين يتحدثون في أمور الوحي والدين بالذوق والهوى ونزغات الشياطين؟؟؟. اللهم عافنا واحفظنا في ديننا ودنيانا وتوفنا وأنت راض عنا، اللهم آمين. يليه الجزء الثاني: ويشتمل على ذكر نماذج للرواة والروايات الذين تكلم فيها بعض علماء الحديث بجرح او تضعيف وهي في الصحيح الجامع وجواب أهل العلم عن ذلك. [email protected]