العلم هو ميراث النبوة، وحمل هذا العلم وإذاعته في الناس، هو من قبيل عمل الأنبياء والمرسلين، قال رسول الله –صلى الله عليه و سلم- :"إن العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، إنما ورثوا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر"[1] #_edn1 . فقد احتفظ لنا التاريخ الإسلامي بأعلام كبيرة لصحابة أجلاء حملوا إرث النبوة وبلغوه للعالمين، كما لم تغفل كتب التاريخ ذكر أسماء عظيمة لصحابيات جليلات تشرفن بفضل صحبة النبي – صلى الله عليه و سلم- ونهلن من مشكاة النبوة، فحرصن على تلقي علم النبوة، وسمعن حديث رسول الله – صلى الله عليه و سلم-، وعملن على روايته ونشره. فمن الوارثات لعلم النبي – صلى الله عليه وسلم– زوجاته أمهات المؤمنين وأهل بيته الطاهرين الطيبين، قال الله عز وجل مخاطبا لهن:(واذكرن ما يتلى في بيوتكن من اَيات الله والحكمة إن الله كان لطيفا خبيرا) [سورة الأحزاب/ الآية :34]. وأخرج ابن سعد في طبقاته عن محمود بن لبيد قال: "كان أزواج النبي – صلى الله عليه و سلم – يحفظن من حديث النبي –صلى الله عليه وسلم– كثيرا ولا مثلا لعائشة وأم سلمة –رضي الله عنهما– "[2] #_edn2 . فعائشة بنت أبي بكر الصديق –رضي الله عنها– من أمهات المؤمنين، كانت تعد من المكثرات في الرواية عن النبي – صلى الله عليه و سلم – ومن المجتهدات العالمات، فقد تربت في بيت النبوة وتأدبت بأدبها، ونهلت من علمها، واستنارت بنورها. فعن أبي موسى قال:"ما أشكل علينا أصحاب رسول الله –صلى الله عليه وسلم– حديث قط فسألناه عائشة إلا وجدنا عندها منه علما"[3] #_edn3 . كانت رضي الله عنها حريصة على حفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفهم معانيه وإدراك مقاصده، مما جعلها – رضي الله عنها- مرجعا غنيا للمؤمنين والمؤمنات في معرفة أحكام الدين، و مبادئه. قال الإمام الزهري:"لو جمع علم عائشة إلى علم جميع أزواج النبي، وعلم جميع النساء، لكان علم عائشة أفضل." فمن أمهات المؤمنين الوارثات لعلم النبوة، نجد أم سلمة هند بنت أبي أمية رضي الله عنها، كانت عاقلة لبيبة حسنة الرأي والفهم، تلقت العلم عن رسول الله صلى الله عليه و سلم وسمعت حديثه الشريف، فحفظت لنا إرثا عظيما، كانت رضي الله عنها ممن يرجع إليها في الأحكام والفتاوى، خاصة ما يتعلق بفقه المرأة المسلمة، قال الإمام الذهبي عنها:" وكانت تعد من فقهاء الصحابيات"[4] #_edn4 . ومن مناقبها العظيمة –رضي الله عنها– أنها رأت جبريل –عليه السلام– ، فعن سلمان الفارسي – رضي الله عنه – قال :"أنبئت أن جبريل عليه السلام أتى نبي الله صلى الله عليه و سلم وعنده أم سلمة، قال فجعل يتحدث ثم قام، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لأم سلمة " من هذا ؟" أو كما قال، قالت: هذا دحية، قال: فقالت أم سلمة: ايم الله ! ما حسبته إلا إياه، حتى سمعت خطبة نبي الله صلى الله عليه و سلم يخبر خبرنا، أو كما قال"[5] #_edn5 . -------- 1. #__edn1 جزء من حديث أخرجه: الإمام أبو داود في سننه، كتاب العلم، باب الحث على طلب العلم، والترمذي في الجامع: كتاب العلم، باب فضل العلم على العبادة، وابن ماجة في سننه، كتاب المقدمة، باب فضل العلماء والحث على طلب العلم. 2. #__edn2 ابن سعد، "الطبقات"، 4/ 189. 3. #__edn3 جامع الترمذي، كتاب المناقب، باب من فضل عائشة –رضي الله عنها – حديث 3883. 4. #__edn4 الذهبي، "سير أعلام النبلاء"، 2/ 203. 5. #__edn5 أخرجه الإمام البخاري في صحيحه كتاب، فضائل الصحابة، باب فضائل أم سلمة أم المؤمنين حديث 2451.