هل بدأت أيها القارئ اللبيب تشم روائح الحديث الموضوع فيما تقرأ وتسمع، بعدما عرفت بعض الأمارات الدالة عليه والفاضحة لأمره ؟ لكن رويدك لا تعجل، فهناك أمارات أخرى، نستأذن ابن القيم(751ه) رحمه الله في مواصلة تلخيصها من كتابه "المنار المنيف في الصحيح والضعيف"، فقد ذكر منها أيضا: 1 - مخالفة الحديث صريح القرآن، كحديث مقدار الدنيا وأنها سبعة آلاف سنة. 2 - مناقضة الحديث لما جاءت به السنة الصريحة مناقضة بينة: ومن هذا الباب أحاديث كثيرة علقت النجاة من النار بأعمال، وأنها لا تمس من فعل ذلك، وغايتها أن تكون من صغار الحسنات. والمعلوم من دينه صلى الله عليه وسلم خلاف ذلك وأنه إنما ضمن النجاة منها لمن حقق التوحيد. 3 - ركاكة ألفاظ الحديث وسماجتها بحيث يمجها السمع، كحديث: "أربع لا تشبع من أربع أنثى من ذكر وأرض من مطر وعين من نظر وأذن من خبر"، وحديث "ارحموا عزيز قوم ذل وغني قوم افتقر وعالما يتلاعب به الصبيان". 4 - أن يكون الحديث مما تقوم الشواهد الصحيحة على بطلانه: كحديث: "إن الأرض على صخرة والصخرة على قرن ثور فإذا حرك الثور قرنه تحركت الصخرة فتحركت الأرض وهي الزلزلة". 5 - أن يكون كلامه لا يشبه كلام الأنبياء فضلا عن كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، كحديث: "النظر إلى الوجه الحسن يجلو البصر"ّ، وحديث: "إن الله طهر قوما من الذنوب بالصلعة في رؤوسهم وإن عليا لأولهم". 6 - أن يكون في الحديث تحديد تواريخ كذا وكذا، كحديث: "إذا انكسف القمر في المحرم كان الغلاء والقتال وشغل السلطان وإذا انكسف في صفر كان كذا وكذا" واستمر الكذّاب في الشهور كلها وأحاديث هذا الباب كلها كذب مفترى. 7 - أن يكون الحديث بوصف الأطباء أشبه وأليق، كحديث: "الهريسة تشد الظهر"، وحديث: "أطعموا نساءكم في نفاسهن التمر". وددنا أن نختم في هذه الحلقة جملة الضوابط في معرفة الموضوع، ولكن نضطر أن نؤجل الختم إلى الحلقة المقبلة إن شاء الله، ولعل هذا يفيدك أمرين مهمين: الأول كثرة الأحاديث الموضوعة وشدة انتشارها بين الناس، والثاني قوة نفس العلماء رحمهم الله وعظم إخلاصهم في تتبع هذه الأحاديث والنصيحة للمسلمين في الحذر منها.