بخصوص ما نُقل من طرف بعض الرواة عن إقبال النبي (ص) على النساء بشراهة مثيرة للإعجاب والاستغراب (وهي أحاديث كثيرة جدا)، فإن فريقا آخر من الفقهاء اشتغل على هذا الموضوع بالنفي، وأمعن في «الحفر» لدحض «شبهة» وضعية التقابل مع الجسد الأنثوي والاستغراق الشامل في الولع به. ومن ذلك، حديث مطعون في صحته ينقل شكوى النبي (ص) من رخاوة في الهمة، واستنجاده بالملك جبريل ليرشده إلى طريقة للحفاظ على لياقته الجنسية. هذا الحديث نقله الغزالي (في آداب النكاح وكسر الشهوتين) كما نقله الألباني والكليني (صاحب كتاب الكافي)، حيث يُروى عن النبي: « شكوت إلى جبريل عليه السلام ضعفي في الوقاع (النكاح)، فدلني على الهريسة «. وفي الكافي أيضا: «عن محمد بن يعقوب، عن الحسين بن محمد، عن معلى ابن محمد، عن بسطام بن مرة، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن محمد بن معروف، عن صالح بن رزين، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): عليكم بالهريسة فإنها تنشط للعبادة أربعين يوما، وهي المائدة التي أنزلت على رسول الله (ص)». وفيه أيضا: « قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) شكا إلى ربه وجع الظهر، فأمره بأكل الحب مع اللحم ، يعني الهريسة». وفي حديث آخر: « عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن سنان، عن منصور الصيقل، عن أبيه، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: إن الله عزّ وجلّ أهدى إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) هريسة من هرايس الجنّة، غرست في رياض الجنّة، وفركتها حور العين، فأكلها رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فزادت في قوته بضع أربعين رجلا، وذلك شيء أراد الله عزّ وجلّ أن يسر به نبيه صلى الله عليه وآله». وجاء في المحاسن: « عن محمد بن عيسى، عن الدهقان، عن درست، عن عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله (عليه السلام)، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أتاني جبرئيل فأمرني بأكل الهريسة ليشتد ظهري، وأقوى بها على عبادة ربي». وفيه الكتاب نفسه: « عن معاوية بن حكيم، عن عبد الله بن المغيرة، عن إبراهيم بن معرض، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: إن عمر دخل على حفصة، فقال: كيف رسول الله فيما فيه الرجال؟ فقالت: ما هو إلا رجل من الرجال، فأنف الله لنبيه (صلى الله عليه وآله)، فأنزل إليه صحيفة فيها هريسة من سنبل الجنة فأكلها، فزاد في بضعه بضع أربعين رجلا». وروى الواقدي: « لما نزل رسول الله »صلى الله عليه وآله« وادي القرى أهدى له بنو عريض اليهودي هريسة، فأكلها، وأطعمهم أربعين وسقاً، فهي جارية عليهم إلى يوم القيامة». ومهما يكن من توتر قائم بين النفي والإثبات حول موضوع «الاستنجاد بجبريل»، فإن أكل الهريسة (وهي لحم منقوع في قمح مهروس)، كان متداولا على أوسع نطاق بين العرب قبل الإسلام، ويرجع ذلك إلى طبيعة الأرض وأنماط الحياة والثروة الحيوانية، فالطعام العربي آنذاك لم يكن يخرج عن ثلاثة أو أربعة أصناف «التمر» و»اللبن» و»اللحم» و»القمح»، كما أن جميع أطباقهم تتكون من تلك الأصناف رغم اختلاف مسمياتها وطريقة إعدادها.