رَفْعُ الحديث هو الجزم بإضافته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فإن استُعمل في هذا الرفع صريحُ العبارة المفيدة له فهو المرفوع التصريحي، وقد مثَّلنا له في الحلقة السابقة، وأما إن استعمل الراوي ألفاظا غير صريحة، فهو المرفوع الحكمي، وقد آن الأوان لبيانه إن شاء الله. فمعنى المرفوع الحكمي، أن له حكم الرفع وإن لم يصرِّح الراوي بذلك، لأن مضمونه لا مجال للاجتهاد فيه، كالإخبار عن الأمور الماضية من بدء الخلق وأخبار الأنبياء، أو الأمور الآتية كالملاحم والفتن وأحوال يوم القيامة، وكذلك الإخبار عما يحصل بفعله ثواب أو عقاب. قال الإمام ابن حجر في نزهة النظر: "وإِنَّما كانَ لهُ حُكْمُ المَرفوعِ؛ لأنَّ إِخبارَهُ بذلك يقتَضي مُخْبِراً لهُ، وما لا مَجالَ للاجتِهادِ فيهِ يَقتَضي مُوقِفاً للقائلِ بهِ، ولا مُوقِفَ للصَّحابَةِ إِلاَّ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلَّمَ". ويشترط في هذا الصحابي أن لا يأخذ عن الإسرائيليات، لأن فيها ما لا مجال للاجتهاد فيه، فلا يعد لأجل ذلك مرفوعا حكما. فهذا مثال المرفوع من القول حكما، وقد يكون المرفوع الحكمي فعلا، قال ابن حجر: "ومِثالُه أَنْ يفعَلَ الصَّحابيُّ ما لا مَجالَ للاجْتِهادِ فيهِ فيُنَزَّلُ على أَنَّ ذلك عندَه عنِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلَّمَ، كما قالَ الشافعيُّ في صلاةِ عليٍّ كرم الله وجهه في الكُسوفِ في كُلِّ ركعةٍ أَكثرَ مِن رُكوعَيْنِ. وقد يكون المرفوع الحكمي تقريرا، قال ابن حجر: "ومثالُه أَنْ يُخبِرَ الصَّحابيُّ أَنَّهُم كانُوا يفْعَلونَ في زمانِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وآله وسلَّمَ كذا؛ فإِنَّهُ يكونُ لهُ حُكمُ الرَّفعِ مِن جهةِ أَنَّ الظَّاهِرَ هو اطِّلاعُهُ صلَّى اللهُ عليهِ وآله وسلَّمَ على ذلك لتوفُّرِ دَواعِيهِم على سُؤالِهِ عن أُمورِ دِينِهم، ولأنَّ ذلك الزَّمانَ زمانُ نُزولِ الوَحْيِ فلا يقعُ مِن الصَّحابةِ فِعْلُ شيءٍ ويستمرُّونَ عليهِ إِلاَّ وهُو غيرُ ممنوعِ الفعلِ. وقدِ استدلَّ جابِرٌ وأَبو سعيدٍ الخُدريُّ رضي الله عنهما على جوازِ العَزْلِ بأَنَّهُم كانوا يفعَلونَه والقرآنُ ينزِلُ، ولو كانَ ممَّا يُنْهَى عنهُ لنَهى عنهُ القُرءانُ". ثم استقرأ ابن حجر رحمه الله صيغا مستعملة في المرفوع الحكمي، وذَكَرَ ما في اعتمادها من خلاف؛ وخلاصتها فيما يلي: 1 - ما ورد بصيغة الكناية في موضع التصريح، كقول التابعي عن الصحابي: يرفع الحديث أو يبلغ به ...إلخ 2 - الاقتصار على القول مع حذف الإشارة إلى قائله، كقولِ ابنِ سيرينَ عن أَبي هُريرةَ رضيَ اللهُ عنه، قالَ: قالَ: «تُقاتِلونَ قَوْماً» الحديث. 3 - قول الصحابي أو غيره: من السنة كذا. 4 - قول الصحابي: أُمرنا أو نهينا عن كذا، أو كنا نفعل كذا. 5 - حكم الصحابي على فعل أنه طاعة أو معصية.