الأصل في الحديث أن ينسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو صاحب الشريعة والتبليغ؛ وغايةُ المحدِّثِ استقصاء ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم للاستناد إليه في الاستنباط والتشريع. ولما وسّع المحدثون مفهوم الحديث ليشمل المضاف إلى الصحابي والتابعي كما سلف شرحه، احتاجوا إلى أن يَخُصّوا المضاف إليه صلى الله عليه وسلم باسم المرفوع. وقد أشرت في الحلقة السابقة، أن لمعرفة أنواع الحديث بحسب قائله ذيولا في أصول الفقه، لحاجة الأصولي إلى تمييز الحجج المستدل بها؛ غير أن عمل الأصوليين متوقفٌ على ما يثمر عنه جهد المحدثين في تصنيف المنقول الحديثي؛ وهذا دليل على وعي المحدثين بالمتن الحديثي، وهو وعي ضروري في منهجية الاستنباط الفقهي. فالمرفوع هو ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم قولا أو فعلا أو تقريرا أو صفة. وقد اعتنى أهل الحديث ببيان الصيغ التي يؤدى بها الحديث وتدل على رفعه. واستقرأوا أن المرفوع نوعان، هما المرفوع تصريحا والمرفوع حكما؛ فالأول معناه رفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم صراحة على أنه مضاف إليه جزما؛ وأما المرفوع حكما، فمعناه أنه يُحكم له بالرفع، وإن لم تصرح العبارة المنقول بها برفعه. قال ابن حجر في النزهة: "فمثالُ المَرفوعِ مِن القولِ تَصريحاً: أَن يقولَ الصَّحابيُّ سمعتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يقولُ كذا، أَو حدَّثَنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بكَذا، أَو يقول هو أَو غيرُه قال رسول اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم كذا، أَو عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أَنَّه قالَ كذا، أو نحو ذلك. ومِثالُ المَرفوعِ مِن الفِعْلِ تَصريحا: أَن يقولَ الصَّحابيُّ رأَيْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فعَلَ كذا، أَو يقولَ هُو أَو غيرُه كانَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يفعَل كذا. ومِثالُ المَرفوعِ مِن التَّقريرِ تَصريحا، أَنْ يقولَ الصَّحابيُّ فعَلْتُ بحضرَةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ كذا، أَو يقولَ هو أَو غيرُه فعَلَ فُلانٌ بحَضْرَةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ كذا، ولا يذكُرُ إِنكارَهُ لذلك". يتبع إن شاء الله.