قال البيقوني: والكذب المختلق المصنوع على النبي فذلك الموضوع اعلم أيها القارئ الكريم أنه قد وقع الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلاقا ورواية، فوقع ما حذر منه عليه الصلاة والسلام بقوله: «إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ، مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» متفق عليه، وبقوله: «مَنْ حَدَّثَ عَنِّي بِحَدِيثٍ يُرَى أَنَّهُ كَذِبٌ، فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ» رواه مسلم. ولقد تعددت مقاصد الكذابين الوضاعين، كما سبق شرحه في الحلقة السابعة من هذه السلسلة، فَعُدْ إليها وفقني الله وإياك. ولئن كان جهابذة النقاد قد كشفوا زيف هذه الأحاديث وواضعيها، إلا أنها قد راجت على كثير من الناس، واشتهر بعضها على ألسنتهم، بل اعتقدوا ما فيها وعملوا به ودعوا إليه. وأدهى من هذا دخولها في كثير من أنواع المصنفات في مختلف العلوم، ككتب الوعظ والتفسير وكتب التاريخ وغيرها. وفي عصرنا هذا شُغِفَ بعض المتدينين، أو لعلهم بعض المغرضين، بنشر كثير من الأحاديث الموضوعة عبر شبكات التواصل في الإنترنيت، وينقلونها على سبيل الوعظ والإرشاد ويتواصون بإشاعتها. ولهذا ننبه على بعض القواعد العاصمة من الزلل في هذا المقام: 1 - لا يحل نسبة حديث موضوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن فعل ذلك، فهو آثم موعود بالنار. 2 - كل حديث لم يَعلَم المستدل به درجته من الصحة، فليقتصر في أخذه من الدواوين المشهورة في الإسلام، وهي الكتب الستة وموطأ مالك ومسند أحمد، علما أن في بعض هذه الدواوين أحاديث مردودة، ولكن الاستشهاد بما ورد فيها أخف وطأ من المجيء بأحاديث مجهولة النسب. 3 - كل حديث لا يستطيع المستدل نسبته إلى الدواوين السالفة الذكر، وليس هو من أهل الصنعة الحديثية، فلا تجوز له روايته ولا الاستشهاد به. 4 - أن يطلع المسلم على بعض كتب الموضوعات التي نصح أصحابها رحمهم الله في جمعها تحذيرا منها، وهي كثيرة نذكر منها: "الموضوعات" للصغاني(650ه) والموضوعات" لابن الجوزي(597ه)، واللآلي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة" للسيوطي(911ه)، و"تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأحاديث الشنيعة الموضوعة" لابن عِرَاق(963ه)، و"تذكرة الموضوعات" للفتني(986ه)، و"الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة" للشوكاني(1250ه)، وغيرها. 5 - هناك ضوابط جامعة يمكن من خلالها -في الأغلب- كشف الحديث الموضوع والوقوف على دَخَله، يضيق المقام في هذه الحلقة عن الخوض فيها، فانتظرنا أيها القارئ الكريم.