ما الذي يجعل الإنسان يغترب ويفضل الهروب صوب أرض هي ليست حتما أرضه وسماء ليست سماؤه؟ وما الذي يجعله يفضل أن ينتبذ مكانا قصيا يكفل له الكفاف من العيش مكرها لا بطلا؟ الغربة أصبحت تيمة زئبقية مهما كتبنا عنها لا يمكن القبض على أسرارها لأنها تختلف من إنسان إلى إنسان، ومن سيكولوجية إلى أخرى، ومن حالة إلى حالات شتى.. ولعل أسباب الغربة والاغتراب ليست وليدة اليوم بل هي متأصلة في المجتمعات البشرية إلا أنها تختلف من مجتمع إلى مجتمع، والمحصلة في آخر المطاف تؤدي حتما إلى الاغتراب بمفهومه العميق ومواجهة إحدى أسبابها المتمثلة في الاغتراب السوسيو ثقافي، أو مواجهة أزمة هوية؟ أي إلى تحولات قطعية في بناء القيم والسلوكيات وأنماط العيش، بحيث تصبح الثقافة العامة لجل البلدان المصدرة للمغتربين وكأنها بدون أصول جغرافية ولا تاريخية ممتدة في التاريخ التي تعتقد أنها بنت صرحه لأنها أصبحت تنهل أسباب وجودها من ينابيع غير وطنية أصلا ما دامت قد أقصت جزءا من مكوناتها المتمثلة في المبعدين إن بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. يشعر المغترب أن حقوقه المقدسة في سبيل العيش الكريم أصبحت في خبر كان وبتواطؤ بين الدول المصدرة والدول المستقبلة، كما أن حاجاته لما يسمى بالعدالة، والانتماء، والأمن، باتت مجرد أضغاث أحلام ليس إلا. وأصبحت عالة على عالم غير عالمها والحال أنها وجدت نفسها تنهل من مصادر غربية تلك التي تعمل بثبات على تجيير المسار التاريخي لخدمة إيديولوجياتها، ومصالحها السياسية، ناهيك عن المصالح الاقتصادية التي اعتبرها بيت قصيد موضوعي هذا وهي ذات أوجه مقنعة سيما وأن المغرب كنه كينونته وهو يستحضر عالما تحكمه سياسة النظام العالمي المتوحش والذي لا يعترف بإنسانية الإنسان، بل شيئه بشكل لا يوصف.فأصبح يعيش في دوامته ناسيا أن له انتماء بينما هو في الأصل مطوق ب"شركة امبرياليةً ً" تحمل شعار: التجارة بمصائر الشعوب واستغلال ثرواتها الاقتصادية والبشرية على حد سواء؛ نظام شغله الشاغل تسليع كل شيء، بعيدا عن أي رقابة دولية، وأخلاقية، وتوازن إنساني، وما همه اعتبار خصوصية هذا الإنسان المغترب، بل ما هم حتى خصوصيات الشعوب التي تلقي بأبنائها في أدغال داخلها مفقود والخارج منها مولود إن وجد طبعا هناك خارج ومخرج.. هنا يشعر المغترب أن حقوقه المقدسة في سبيل العيش الكريم أصبحت في خبر كان وبتواطؤ بين الدول المصدرة والدول المستقبلة، كما أن حاجاته لما يسمى بالعدالة، وحقوق الإنسان، والكرامة، والانتماء، والأمن، والحرية باتت مجرد أضغاث أحلام ليس إلا.. ترى لماذا الغربة والتغريب لطاقاتنا ونحن نملك كل شيء وقد لا نملك شيئا؟ أليس من حق المواطن المغرب قهرا أن تشعره وفي وطنه أن بإمكانه أن يندمج تارة أخرى بعد طلاق مفتعل مع جوانية الإيمان والانتماء وصولا إلى نظام من المعتقدات، والقيم الاجتماعية، والأخلاقية التي جبل عليها دهرا من الزمن، والتي تدعم ذخيرة من الفضائل مثل الكرامة، والمروءة، والتآخي، والمجابرة والممالحة، والمصالحة، وبساطة العيش الكريم، والمصداقية، ومقاومة الذل والهوان هنا وهناك على حد سواء؟ وبهذا نكون قد حاولنا أن نعيده إلى وضعه الطبيعي الذي هو ملك له ولا أشياء ممنوحة، فنكون بالتالي قد أعدنا إليه التوازن والتكامل والعافية إلى حياته المعاصرة القلقة، والحال أن القيم والأعراف الوطنية تعتبر من مقومات الشخصية السوية، أو بكل بساطة كل هذا يعتبر من مقومات الخصائص التمييزية للشخصية الوطنية التي تسعى إلى التكييف ما استطاعت إليه سبيلا مع أصالة الحياة الاجتماعية والإنسانية، فنكون بذلك قد أصبنا في خلق تسوية خياراتها الوطنية المفقودة مما يجعلها تستطيع تجاوز مشاكلها خارج منطق العنف بأشكاله المتعددة وكذا التعصب، التي غالبا وفي فقدانها سرعان ما تجنح بهم نحو التغريب..