في إطار المهرجان الدولي العاشر للقصة القصيرة بخنيفرة الذي تنظمه جمعية أنصار للثقافة ما بين 27 و29 دجنبر الجاري، يحتضن المركز الثقافي أبو القاسم الشابي معرضا تشكريليا للفنان الحروفي مصطفة أجماع يستمر طيلة أيام المهرجان تحت عنوان: تجليات أثر. كلمة الكاتلوغ تَجَليَّاتُ أثَرٍ دع عينك تشاركك القراءة، فلغة العيون أبلغ مصطفى أجماع ثمة إشاراتٌ تعلنُ أنّ الأشياءَ الجميلةَ الصَّامتةَ، ناطقةٌ. وغالبا ما تفضي إلى مدارجِ تنافسِ الأسبقيَّةِ بنفسها الدَّائم الملحاحِ، فالصَّمتُ لا يلغي الاعتبارَ لشرعية الأثرِ الشَّاهدِ بالحضورِ، والمجادلِ بالطُّموحِ. وهو بدوره يدعو إلى التَّأملِ والتَّمنطقِ بلظى السُّؤال مع الإشارة إلى غواية الحوار … إنَّ صمتَ الأثرِ خفقان لممارسة الكلام وتوق للإشارات المتعددة والمتنوعة، وتجليٌّ لاستنهاض السُّؤال في شفافية قلقِ المعنى، وحذاقة لاستثمار الرؤى، وغوص في دهاليز ترتيب مكنونات الابداع، بغاية صناعة خط الحكي والتَّواصل … كلُّ أثر هو إشارة، وكل إشارة استنفار وتلميح ومشاهداتٌ وتجاربٌ، ودعوةٌ لتكسير مجاهل السُّكون والصمت المريب. أليست الإشارة في حد ذاتها خلق ومعنى؟ والخلق هدف وتصريح وتصحيح وتدبر … فالنص البصري كإشارة، يتقدم داعيا اختزال ما سبق، ورافعا أفنان السؤال، حيث "أن فن السُّؤال، هو فن الاستمرار في طرح الأسئلة، ولذلك فهو فن التفكير " فكيف معانقة الحرف بصريا في استقلاله الشامخ، وفي صمته كي يكون فكرة ووجودا، مرتويا بتآلف مع متلقي تواق عاشق لرمزيته وحركته ودلالاته، ما بين الاضمار والكشف؟ وكيف لتعاقب علاقة تتوارد وتتوالى وقوفا على مدارج الأثر بالتساكن والتجاور والإفصاح عن نفحة تقود إلى تقليد ينصهر بروابط جمالية … كل الإشارات هي جسر بوح لواحة بأفقها وآفاقها، تشير كي نتلمس الطريق في محاولة القبض على بصيص من الضوء. وكل الإشارات اشراقات فيض. وأن تقبض على الضوء، فمعناه أن تسبر أغوار البصر والبصيرة، وما بينهما من علاقة معرفية /حدسية. يختلط فيها الحسي بالعقلي من خلال بعد جمالي… إنَّ كلَّ تجربة هي محاولة وكل محاولة هي أثر، وكل أثر تقريب لتقديم علامة مؤثرة، وكل علامة هي سمة ودليل، بالأسباب والمسببات. ولعل كلَّ محاولة للكتابة هي رصد للأثر، وتدبيج عن الخصوصية وهي دعوة أمام تعدد المشارب والقناعات المعرفية، حيث يجب «أن تتوقف عن الوجود لكي تُسلمَ لضيف آخر لا مهمة له ولا حياة إلا انعدام حياتك". التجربة رحلة في الممارسة والمران، زادها خبرة تخط لنفسها هدفا يتمثل في محاولة القبض على الضوء أو على الماء، أو تلوين الهواء… باعتبار أن هذه العناصر تساهم في روح الحياة، فهي من تداعيات الإدراك وتنشيط الذاكرة. فإذا كانت معرفة أسرار الضوء وكنه وخفايا الهواء خلاصة لرؤى وتجارب معرفية إنسانية منذ بدء الخليقة، فالهواء روح الأشياء والماء أصلها والضوء كاشفها. وبين الهواء الذي يمثل الروح التي تبحث دوما عن التألق والتوق والانعتاق والتسامي، والماء الذي هو جريان دائم من أجل اثبات البقاء ومواصلة الاستمرارية والديمومة، والضوء الذي تتجلى تمظهراته في الكشف، وإظهار الخلق والإفصاح عن مكامن الرغبة إلى الجمال. يتم البناء والإنجاز لفضاء خاص يؤثثه الأثر والتاريخ والمرجع وتراكمات التجارب. ومهما اختلفت عناصر إبراز أي أثر كيفما كان نوعه، من تركيب، أو تفكيك، أو تحليل، أو بناء، فإن النتيجة الحتمية هي الانخراط في إضفاء عناصر المسحة الجمالية، ولا يسعنا سوى أن نتساءل عن هذا الجمال، عن كنهه، ودلالاته، وتجلياته، إلى غير ذلك من الأسئلة. خاصة في حضرة هذا الاحتفاء بأشيائنا الصغيرة التي تحمل رسائلها السطحية والعميقة والتي تدعونا لقراءتها …