د.أحمد مجدلاني اندلعت، منذ حوالي الأسبوعين، اشتباكات مسلحة في مدينة جنين ومخيمها، بين قوى الأمن الفلسطيني، التي تمارس مهامها ودورها المنوط بها في حفظ الأمن والنظام والقانون طبقا للقوانين الفلسطينية السارية، وبقرار سياسي من المستوى السياسي والحكومي لإنهاء حالة التجاوزات على القانون وترويع المواطنين وتهديد السلم الأهلي والمجتمعي واستمرار حالة الفلتان الأمني واختطاف مخيم جنين والمدينة ووضعها رهينة لبعض المجموعات المسلحة، التي اختطفت أيضا شعار المقاومة، أو تحاول احتكار فعل المقاومة باعتباره حقا حصريا لبعض المجموعات المحسوبة على فصائل بعينها، من الممكن أنها تتلقى الدعم والتمويل الإيراني، بشكل مفضوح وسافر، وهو ليس اتهاما، وإنما هو تأكيد لبعض الناطقين باسم هذه المجموعات التي توجه التحايا لمحور المقاومة الذي لم يعد موجودا وللإمام خامئني ولإيران، قائدة محور المقاومة، الذي يمتد من اليمن الحوثي مرورا بغزة وبيروت الضاحية وحزب الله وسوريا. ولم يكن خافيا على أحد أو سرا أيضا، رفع أعلام «داعش» وبعض الفصائل الإسلاموية الفلسطينية وغير الفلسطينية على سيارات المؤسسات الرسمية الفلسطينية المسروقة، وهي تجوب شوارع جنين والمخيم بشكل استعراضي واستفزازي لمشاعر المواطنين وأجهزة حفظ النظام والقانون في السلطة الوطنية الفلسطينية، هذا علاوة على إطلاق النار المستمر بمناسبة وبدون مناسبة على المقرات الأمنية الفلسطينية بما في ذلك المحكمة، ومحاولة حرق ملفات المطلوبين جنائيا ممن يتلحفون بسلاح وشعارات المقاومة، وأيضا على مبنى المحافظة الذي هو العنوان السيادي الأول للسلطة الوطنية الفلسطينية في محافظة جنين . محاولة الممول ذاته لنقل الاشتباكات لمحافظات أخرى، ولأهداف سياسية تتصل بدوره المتلاشي بالمنطقة، والذي لم يبق له سوى هذه الجبهة ليناور ويتاجر فيها للحفاظ على ما تبقى له من دور، لربما باعتقاده، أنها تحسن من بعض شروطه التفاوضية . السؤال الرئيس الذي ينبغي أن يطرحه الوطنيون والديمقراطيون الفلسطينيون على أنفسهم، وخصوصا قوى منظمة التحرير الفلسطينية التي تعلن بكل الأوقات تمسكها بالقرار الوطني الفلسطيني المستقل: هل من المقبول لديها التدخل الإيراني السافر في الشأن الداخلي الفلسطيني وتوظيف بعض القوى ممن تعتقد أنها مازالت "بمحور المقاومة" أو الفئات المستفيدة من حالة الفلتان الأمني من أصحاب السوابق والمطلوبين عدليا والخارجين على القانون؟ هل هذا يشكل مقاومة أو أنه يشكل سندا ودعما لغزة، أم أنه يوفر ذرائع إضافية للاحتلال لإعادة الكرة مجددا لاجتياح وتدمير جنين ومخيمها كما حصل قبل عدة أشهر ، وكذلك مخيمات طولكرم ونابلس؟ هل وظيفة هذه القوى فعلا المقاومة، أم تحويل الضفة إلى نموذج شبيه بغزة، أم أنه يعتقد أن الاشتباكات في الضفة ربما تعزز موقفه التفاوضي لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى في غزة ؟ والسؤال الآخر لمن وقع على نداء الوفاق: هل مساواة قوى الأمن الفلسطينية بالمسلحين، مهما كان انتماؤهم، أمر مقبول، وتصوير الأمر وكأن قوى الأمن تستهدف المقاومين؟ وأين كان هذا العدد الهائل من الموقعين على النداء علاوة على الفصائل الموقعة من فوضى السلاح والفلتان الأمني وتهديد السلم الأهلي والمجتمعي، أم أن الأجهزة الأمنية الفلسطينية الرسمية هي فقط التي تهدد السلم الأمني والمجتمعي، وتكشف ظهرها بدون حاضنة سياسية ومجتمعية، وكأن الأجهزة هي المتجاوزة على النظام والقانون . مع احترامنا لحق الاختلاف بالرأي، وهو حق مارسناه طيلة سنوات الثورة الفلسطينية المسلحة، ومازلنا نتمسك به أساسا ونبراسا لعلاقاتنا الوطنية الداخلية، وكنا ندعي أننا نمارس الديمقراطية في غابة السلاح، هل هذا الوصف ينطبق على المجموعات الممولة من إيران أو التي ترفع أعلام «داعش» أمام أعين من وقع البيان، ولم تر تلك الصور ومقاطع الفيديو المنتشرة . نعم، نحترم حرية الرأي والاختلاف، وكلنا حريصون على السلم الأهلي والمجتمعي، ولكننا أيضا، وقبل كل شيء، حريصون على مشروعنا الوطني التحرري الديمقراطي، وعلى مكتسباتنا ومنجزاتنا الوطنية التي تحققت بتضحيات جسام، ولا ينبغي لأي كان، مهما كانت دوافعه ومنطلقاته نبيلة وصادقة ومخلصة، أن يتغافل عن هذه الحقيقة، وأن يضع الواحدة مقابل الأخرى .