أهمية علوم الحديث لم تهتم الأمة الإسلامية بشيء بعد اهتمامها بكتاب الله عز وجل كاهتمامها بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولذلك تعتبر علوم الحديث النبوي الشريف من العلوم الإسلامية الهامة، يؤكد ذلك نصوص القرآن ونصوص السنة وإجماع الأمة، وأن جميع المسلمين ينظرون إلى الحديث النبوي الشريف نظرة توقير وتبجيل، باعتباره المصدر الثاني للتشريع، بعد القرآن الكريم. يقول ابن الصلاح المتوفى (643ه=1245م) في كتابه المعروف بمقدمة ابن الصلاح: إن علم الحديث من أفضل العلوم الفاضلة، وأنفع الفنون النافعة، يحبه ذكور الرجال وفحولتهم، ويُعنى به محققو العلماء وكملتهم، ولا يكرهه من الناس إلا رُذالتهم وسفلتهم. وهو من أكثر العلوم تولجاً في فنونها، لا سيما الفقه الذي هو إنسان عيونها. ولذلك كثر غلط العاطلين منه من مصنفي الفقهاء، وظهر الخلل في كلام المخلين به من العلماء. فانطلاقاً من كون السنة النبوية الركن الثاني لهذا الدين العظيم، فإن علماء المسلمين منذ السنوات الأولى لفجر الإسلام وعلى مر العصور كان لهم في علوم السنة النبوية عمل علمي متواصل. تارة يحفظون الحديث، وتارة يدونونه، وتارة يحضون الناس على تحمله، وتارة يذبون الشبهات عنه، وتارة يكشفون أمر الوضاعين فيه، وتارة يبينون القواعد العامة والأصول التي يقبل بها الحديث أو يرد. وهكذا تولدت علوم كثيرة، وسطرتها أقلامهم النشطة، وطوتها كتبهم النفيسة. وعند قول (علوم الحديث) يعنى بذلك كمّا كبيراً ضخماً من المؤلفات والمواضيع، ملأ من المكتبة الإسلامية الكبيرة مساحات واسعة، وكان بفضل الله سبحانه من فوائد هذه الأمة ومزاياها. علم الحديث رواية ودراية يقسم العلماء تلك العلوم إلى قسمين أساسين هما علم الحديث رواية، وعلم الحديث دراية. فأما علم الحديث رواية فهو: يشتمل على أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله وروايتها وضبطها وتحرير ألفاظها. وأما علم الحديث دراية (وهو الذي يطلق عليه مصطلح الحديث) فهو علم بقوانين يعرف بها أحوال السند والمتن. وأقدم من يمكن إضافة تأليف بعض المباحث في علم مصطلح الحديث إليه كما قال الشيخ عبد الفتاح أبو غدة في كتابه (لمحات من تاريخ السنة وعلوم الحديث) هو الإمام علي بن المديني المتوفى عام 234 وهو من أشهر أئمته. كما يمكن أن يقال: إن الإمام الشافعي رحمه الله المتوفى عام 204ه أول من دون بعض المباحث الحديثية في كتابه (الرسالة). لكن العصر الذهبي لتدوين السنة النبوية إنما كان القرن الثالث الهجري. أما القرن الرابع فهو عقد التآليف الجامعة التي لا تزال حتى الآن مراجع لا يستغنى عنها. وفيما بين القرن السابع والقرن العاشر كان دور النضج والاكتمال وبلوغ الغاية القصوى والتمام. وأورد ابن الصلاح من علماء القرن السابع، في كتابه المقدمة، فهرسا لخمس وستين نوعا من علوم الحديث، وعلق عليها بقوله: وذلك - أي النوع الخامس و الستون - آخرها، وليس بآخر الممكن في ذلك، فإنه قابل للتنويع إلى ما لا يحصى، إذ لا تحصى أحوال رواة الحديث وصفاتهم، ولا أحوال متون الحديث وصفاتها، وما من حالة منها ولا صفة إلا وهي بصدد أن تفرد بالذكر وأهلها، فإذا هي نوع على حياله، ولكنه نصب من غير أرب.