محمد الأحمدي محمد أبو النور، عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، وزير الأوقاف بمصر سابقا، وعميد كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات، وكنت وكيلا للكلية وأستاذا بها، ورئيسا لقسم التفسير والحديث بها، تخرجت من كلية أصول الدين سنة 1952، وحصلت على دبلوم الدراسات العليا في العقيدة والفلسفة سنة 1962 وعلى الماجستير في الحديث النبوي والعلوم سنة 1968، والدكتوراه في الحديث النبوي وعلومه سنة 1970، كما عملت في جامعة الأزهر مدرسا وأستاذا مساعدا وأنشأت قسم التفسير والحديث بكلية الدراسات الإسلامية للبنات... وكثير ممن درست لهن في كلية أصول الدين أصبحن عميدات ومحققات ومؤلفات ووكيلات للكليات، وقد كانت الفترة التي عملت فيها في وزارة الأوقاف أخصب فترة للدعوة، وأحمد الله على أن وفقني، في القيام بكل تلك الأعمال وأسأله –عز وجل- السداد فيما بقي من العمر. 2.بحكم تجربتكم الطويلة في تحقيق تراث الأمة هل يمكن أن تحدثونا عن منهجكم العلمي في التحقيق؟ بداية حققت في ميدانين: التاريخ والحديث النبوي؛ ففي التاريخ حققت لابن فرحون المالكي كتاب: "الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب"، وهو مؤرخ المالكية منذ القرن الأول إلى نهاية القرن الثامن الهجري، وحققت الكتاب في مجلدين وكنت معنيا بتحقيق نصه، ورجعت إلى أصول الكتاب سواء الأصول الخطية أو الأصول العلمية التي استقى منها المؤلف مادته العلمية، وقد ذكرت هذا في الهوامش، وأنا الآن بصدد إعادة التحقيق بعد أن جدَّت مراجع متنوعة، وعُقدت ندوات كثيرة عن علماء المذهب المالكي، وأوشك أن أنتهي من إعادة تحقيق الجزء الأول، واستكمال تحقيق الجزء الثاني. وأرجو أن يكون هذا التحقيق فيه علامة فارقة بينه وبين التحقيق الأول، خاصة فيما يتعلق بإعطاء فكرة كاملة أو شاملة عن المترجم بقدر ما يلائم التحقيق ويوسع أفق التعرف على المترجم لدى القارئ. وقبل أن أتحدث عن الحديث أود أن أشير إلى أمرين قمنا بهما: في التحقيق الأول: تحقيق نص المؤلف بالرجوع إلى نسخ من الأحاديث الخطية والنسخ المصورة، والثاني: التحقق من علمية المادة المذكورة، والتي تنقسم إلى قسمين: أحدهما يتحدث عن الجانب التاريخي، والآخر يتحدث عن الجزء الحديثي الذي يراد الاستشهاد به حينا بعد حين، هذا الجانب الذي حاولت أن أفيه حقه في التحقيق الأول، وأرجو أن أضيف ما تمس إليه الحاجة في التحقيق الثاني. وفيما يتعلق بالتحقيق الحديثي، فأبرز أعمالي فيه كتاب "جامع العلوم والحكم: شرح خمسين حديثا من جوامع الكلم" لابن رجب الحنبلي (795ه/1393م) ، وما أعجبني في الرجل أنه موضوعي وحيادي وليس متعصبا لمذهبه، وينحو منحى الدليل القوي ويعتمده حتى ولو كان في غير مذهبه، وأذكر على سبيل المثال ابن قدامة في كتابه "المغني"، وأيضا أذكر الإمام القاضي أبي الوليد ابن رشد القرطبي في كتابه "بداية المجتهد ونهاية المقتصد"، حيث أن كل منهما كان يدرس الفقه دراسة مقارنة ويجنح إلى الاستشهاد والاستدلال، ثم يبين في إخلاص أي هذه المذاهب دليلها أقوى. وفيما يتعلق بمنهجية تخريجي للحديث لا يهمني أن أذكر مواطن وجود الحديث، وبقدر ما يهمني تتبع مسار تخريج المؤلف، بحيث أنني أعطي صورة قد تكون تحليلية أو نقدية لتخريج المؤلف. فمثلا في تحقيقي ل"جامع العلوم والحكم" اعتمدت النسخة التي قُرئت على المؤلف ومهَّرها بإجازاته وتوقيعه، و تعتبر هذه النسخة بمثابة نسخة النسخ وهي النسخة الأم، وبذلك أحاسب المؤلف على أي خطأ فيهما، لكن بعد هذا أكون مسؤولا على صحة النص وخصوصا في الحديث. فلا بد أن أحقق حتى أوقف القارئ على صحة النص. ومن الروايات الحديثية التي صححتُها رواية "إن الله أبى عليَّ من قتل مسلما"، ففي معظم الطبعات توجد "إن الله أبى علي أن أقتل مسلما" صححتها؛ لأن في ذلك تشنيع لقتل المسلم، وقلت بأن تصحيح النسخ كلها؛ لأنها جاءت في معرض حوار بينه وبين أسامة ابن زيد -رضي الله عنه- حيث قتل من قال لا إله إلا الله.. إن سبيلنا في هذا وذاك ما يتعلق بالمراجع العلمية، فأنا لا أحكم على شيء إلا إذا كنت متيقنا من صحة هذا الحكم؛ لأن التحقيق العلمي يعتمد على الدراسة النقدية وعلى إيمان المحقق بطمأنينة القارئ والدارس. 3. ماهي المعالم الكبرى للسنة، عقيدة وأخلاقا و سلوكا؟ لقد قال الله -عز وجل- في كتابه العزيز: "وأنزلنا إليك الذكر لتبيّن للناس ما نزّل إليهم" [النحل: 44] وحيث أن القرآن الكريم هو الأساس فيما يتعلق بالعقيدة والشريعة والأخلاق والسلوك، فالسنة تكون مبنية على هذا كله ونحن عندنا في كتب السنة عادة معظم الكتب تبدأ بكتاب الإيمان، والإيمان فيه العقيدة كما في البخاري ومسلم، وقد يبدأ البخاري بكتاب الوحي لا مانع ثم كتاب العلم –مثلا- ثم يأتي بالإيمان، وقد يأتي مصنف من المصنفين يبدأ بالإيمان. المهم أن كتاب الإيمان سواء في البخاري أو في مسلم أحد المراجع فيما يتعلق بتوفير الحديث، وأيضا فيما يتعلق بالآخرة، والبعث والنشور، وكتاب التوحيد، والاعتصام.. كل هذه الكتب تتحدث عن الجانب العقلي. ثم نأتي إلى ما يتعلق بالسلوك أو الجانب التشريعي، فنجد ظهور كتاب التيمم، وكتاب الصلاة، وكتاب الزكاة، كل هذا تشريع يأتي من خلال هذه الكتب، فلا نعدم أن هناك جوانب أخلاقية؛ لأنها مرتبطة بالعقيدة. فلما نقرأ القرآن الكريم "ليس البرّ أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من -امن بالله واليوم الاَخر والملائكة والكتاب" [البقرة: 176]. هذا هو الجانب الإيماني. "وءاتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وءاتى الزكاة" [البقرة: 176]: تحيل على الجانب الأخلاقي مع الجانب التشريعي" والموفون لعهدهم "الصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا و أولئك هم المتقون" [البقرة: 176]؛ وفيما يتعلق بصلة الرحم: "يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرة ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام" [النساء: 1]؛ وكذلك في السنّة إما يأتي هذا الأمر داخل كتاب الإيمان لارتباطه به "من كان يؤمن بالله و باليوم الآخر فليكرم جاره و ليكرم ضيفه فليقل خيرا أو يصمت"؛ "ومن سرّه أن يُبسط له في رزقه، وأن ينسأ له في أثره فليصل رحمه" "الإيمان بضع من سبعين شعبة فأعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان"، إذن فرسول الله أتى بكل ما يتعلق بالعقيدة والأخلاق والسلوك، ولذلك نجد أن كتاب الإيمان في السنة يعيش وراء هذا الحديث ليفصل فيه تفصيلا. 4. هل تحدثونا عن تصنيفكم الجديد للسنة النبوية الشريفة؟ كان لي مع السنة النبوية -أيضا -منهج إعلامي؛ إذ قدمت برنامجا عنوانه: "موسوعة السنة النبوية الشريفة" التي أذيعت في أنحاء العالم وهذه الموسوعة كانت تقوم على تحديد كتب السنة ثم اختيار الأساتذة العلماء المختصين سواء المتخصصين، في علوم السنة وعلوم الفقه أو المتخصصين في العلوم الأخرى كالطب: بمعنى آخر عندما أريد أن أتحدث عن الطب النبوي أستضيف أساتذة مختصين في الطب النبوي ومعهم الأساتذة الذين يدرسون الحديث. إذن، فموسوعة السنة النبوية الشريفة كانت ولله الحمد، أحسن الأعمال الإعلامية؛ إذ كنت أستضيف ضيفا من أعلام المفكرين وكل أقطاب العلماء، وعندما أستضيفه أعطيه المادة العلمية المرتبطة بحديث البخاري ومسلم ليحيط به خبرا ثم ليضيف ما يتعلق بتخصصه. كما درست ما يتعلق بالحرب والسلام واستخدمت بعض اللواءات الكبار أركان الحرب وأفدت منهم في إعطائهم المادة العلمية في شرح البخاري و شرح مسلم، لكن أفدت من تخصصاتهم ومن مصطلحاهم العسكرية ومن فكرهم الأكاديمي فيما يتعلق بالحرب والسلام وفيما يتعلق بإبراز جانب السلام في الإسلام، وتبين أن الحروب التي تمت كانت دافعا لعدوان كان قائما على المسلمين ولكن مع ذلك كانت نشرا للعلم ونشرا للعدالة والرحمة والسماحة، والدليل على ذلك فتح مكة –مثلا- وبالتالي أخذنا من ذلك كله من تخصصات المتخصصين في العلوم العسكرية كما استفدنا من بعض الدراسات الاقتصادية وكذا تخصصات علماء الاقتصاد فيما يتعلق بالميراث والوصية... 5. حدثتمونا عن علم الجمال في السنة النبوية الشريفة، وعن أهم أصوله وتجلياته؟ ما يتعلق بعلم الجمال في السنة النبوية، لا يكفي في هذه العجالة، إنما يقتضيه بحث، ولكن هذا لا يعفينا من الإشارة إلى بعض متعلقاته للقرآن نفسه عني بالجمال وعني بالزينة ومن أبرز آيات القرآن في هذا المجال "يا بني ءادم خذوا زينتكم عند كل مسجد" [الأعراف:29]. وكان النبي -صلى الله عليه و سلم- يحث على الوضاءة والطهارة؛ لأن طهارة المسلم توجب خمس مرات في اليوم، والطهر الأكبر فرض في كل يوم جمعة، فلابد من أن يتطهر المرء تطهيرا كاملا لكي يعطي هذه الوضاءة. وكذلك دعا -صلى الله عليه وسلم- بالنظارة فيما يروى في حديثه: "نظر الله امرء سمع مقالتنا حديثه فوعاها وأجلها كما سمعها... " كما أن القرآن الكريم قد عني –أيضا- بالجمال "ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون، وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الاَنفس" [النحل: 6-7] إشارة إلى الأنعام لقوله تعالى: "والاَنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تاكلون" [النحل: 5]. 6. اطلعتم على إصدارات الرابطة المحمدية للعلماء ما تقييمكم لهذا المنتوج؟ حقيقة لقد أعجبني منهج الرابطة المحمدية للعلماء وإصداراتها، وراعني فيها أنها تعنى بالباحثين الشباب، ولا ترى بأسا في أن تصدر لهم تحقيقات علمية، تغنيهم بالعلم ونشر تراث المالكية، ثم وجدت ما يتعلق بصفوة الصفوة في مجلة الإحياء، أما الندوات التي تصدرها الرابطة، فهي تتناول مواضيع نوعية، وهذا إن دل على شيء إنما يدل على منهجية علمية تهدف إلى تحقيق تقدم علمي بالمغرب والعالم الإسلامي وأتمنى للرابطة المحمدية للعلماء مزيدا من التوفيق والنجاح. حاورته الأستاذة عزيزة بزامي رئيسة تحرير جريدة ميثاق الرابطة