الإمام محمد الغزالي أحد شيوخ الدعوة الإسلامية الحديثة، واحد من معالم الحركة الإسلامية الحديثة ورموزها الرواحل، شارك في رسم سياستها يعتبر العقل المفكرلأبجدياتها المتسمة بالوسط والاعتدال مع الحزم والشدة في الحق، شكلت مؤلفاته سجلا للتاريخ الدعوي الفكري ضمن مكتبة الدعوة الإسلامية الحديثة، مزج عمله الفكري النظري بمعارك ميدانية اسمه الحقيقي محمد الغزالي السقا ولد يوم السبت 5 ذي الحجة 1335 موفق 22 شتنبر 1917، وتوفي في التاسع من مارس 1996 بالرياض بالمملكة العربية السعودية، ودفن بالبقيع بالمدينة المنورة.ترعرع في قرية نكلا العنب محافظة البحيرة بمصر، قريته منبع مثقفين كباركالشاعر العربي محمود سامي البارودي، والفقيه محمد عبده والشيخ محمود شلتوت والشيخ حسن البنا والدكتور محمد البهي والشيخ محمد المدني. قال رحمه الله عن اسمه الغزالي الموافق لاسم حجة الإسلام أبي حامد الغزالي کالتسمية اقترنت بشخصي ولم تؤثر في تفكيري، فأنا انتفع من تراث أبي حامد الغزالي صاحب کتهافت الفلاسفة كما انتفع من تراث خصمه کابن رشد صاحب کتهافت التهافت الغزالي النشأة وطلب العلم نشأ محمد الغزالي في أسرة علم ودين، عرف الكتاب وهو ابن خمسة سنين، مما مكنه من حفظ القرآن وهو في سن العاشرة دخل الأزهر الشريف سنة 1928، تلقى تعليمه الابتدائي بالمعهد الأزهري بالاسكندرية، درس خلاله العلوم الشرعية والعلوم الأخري كالطبيعيات والجغرافيا والتاريخ والهندسة وغيرها اهتم منذ صغره بمبادئ الحكم مما مكنه من قيادة مظاهرتين ضد تعطيل العمل بالدستور المصري، فصل على إثرهما من الدراسة، فتقدم للامتحان كطالب حر فنجح بتفوق وبحصوله على شهادة الثانوية العامة سنة 1937، التقى بالشهيد حسن البنا قال رحمه الله عن هذا اللقاء کكنت جالسا بمسجد عبد الرحمان بن هرمز أقرأ الورد القرآني وانتظرت لأصلي المغرب وأخرج وإذا رجل يقوم بعد الصلاة يلقي درسا جامعا يتسم بالوضوح والتأثير والصدق، قررت من يومه أن أتبعه وأن أسير معه على درب واحد لخدمة الإسلام والمسلمين وابتداء من هذا اللقاء زاوج محمد الغزالي بين التحصيل العملي ونشر الدعوة وبعد حصوله على شهادة العالمية 1945، تابع تحصيله العلمي ليضيف لشهادة العالمية إجازة الدعوة والإرشاد والتخصص في التدريس تتلمذ على شيوخ كالقصم الراسخة في العلم الشرعي كالإمام حسن البنا ومحمد أبو زهرة والدكتور عبد الوهاب عزام وأعجب بعلاقة طه حسين مع طلبته في دعوتهم إلى السمر وحفلة شاي وتتبع مسارهم يقول محمد الغزالي رحمه الله في ضرورة تبني علماء الدين لهذا السلوك کإن علماء الدين الذين يحصرون واجبهم في كلمات تؤدى بقصور أو وفاء ثم يقبعون في بيوتهم بعد ذلك لا ينصرون حقا ولا ينشئون جيلا ومن لديهم فقه صحيح أضاعوه بالجلافة والكزازة والجبن عن لقاء الناس محمد الغزالي أثار علمية جليلة للدعاة إن ممارسة الشيخ الغزالي للدعوة والإرشاد والتأليف، يعجز معه المرء تعداد تلاميذته في مصر والسعودية وقطر والجزائر، والأردن والسودان وأمريكا وذكر المجاهد فتحي الشقاقي شهيد الجهاد الإسلامي بفلسطين أن تعرفه على الإسلام واقتناعه به راجع إلى قراءته لكتب الشيخ الغزالي، وإسهاماته العلمية إلى جانب الدكتور المجاهد يوسف القرضاوي أطال الله عمره للخير لبنة وأساس المدرسة الوسطية في الإصلاح الحضاري التي يتقاطع حولها كل المجتهدون يقول عنه الدكتور محمد سليم العوا کالغزالي رجل متعدد المواهب، إداري ناجح في عمله الإداري، وخطيب مفوه عرفته مساجد مصر الحديثة، وصحفي متمرس، وكاتبا غيورا على الإسلام وذودا عنه، ودحضا للشبهات الرائجة حوله ترقى عدة مناصب إدارية وخاصة وزارة الأوقاف، ليعين مديرا عاما للدعوة والإرشاد ثم وكيلا لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بمصر ورئيس تحرير لمجلة نور الإسلام الصادرة عن الأزهر وفي السعودية، عين رحمه الله رئيسا لقسم الدعوة وأصول الدين بكلية الشريعة بجامعة أم القرى بمكة المكرمة، وبقطر عمل أستاذا للدعوة بجامعة قطر، وشغل أمين أمناء الجامعة الإسلامية بباكستان، وبالجزائر والأردن والكويت والولايات المتحدةالأمريكية كما عرفت فضله الصحف في معاركه العلمية والتجديدية حتى لقب بأديب الدعوة يقول الشيخ رحمه الله کوالصحافي القدير غير الكاتب القدير، فإن فن الإبراز والعرض وتلوين الأداء وتنويع المادة المقروءة ومواكبة الأحداث الجارية موهبة لا يقدر عليها كل كاتب أما كتاباته العلمية فهي بمثابة سجل علمي لتاريخ الحركة الإسلامية في الأربعينات يقول عن العقاد غابطا إياه کولقد كنت أغبط العقاد على تفرغه للكتابة وأقول کأنى لي بتفرغه ، والشيخ رحمه اللهعرفته أعواد المنابر بخطبه، وقاعات المؤتمرات بمحاضراته القيمة والجامعات، والإذاعات، والجرائد شغله الشاغل، تفهيم الإسلام وتوسيع رقعة المنضمين والمتعاطفين مع دعوته وصلت مؤلفاته ستين مؤلفا في مختلف جوانب الثقافة أشهرها كتابه کالسنة النبوية بين أهل الفقه أهل الحديث الذي طبع عشر طبعات خلال سنة واحدة الجهاد الإسلامي تتبعه محن وتضحيات اعتقل الشيخ بنشاطه المكثف ضمن جماعة الإخوان المسلمين التي امتدت 17 سنة سنة1949 وقضى في معتقل الطور في شبه جزيرة سيناء قرابة العام، وصفه القرضاوي رفيقه في المعتقل بقوله کكان يصلي بنا الصلوات الخمس، ويقنت بنا قنوت النوازل ويلقي علينا محاضرات في موقف الإسلام من استبداد الحكام ص 15 من كتابه کالشيخ الغزالي كما عرفته رحلة نصف قرن ثم اعتقل في عهد جمال عبد الناصر لموقفه الشجاع بالإذاعة بعدم وصف الإخوان المسلمين بالإرهابيين قائلا کأما شتم الإخوان وحدهم أي دون الحكام فليس من خلقي أن أجهز على جريح وماهي إلا ساعات حتى كانت القيود في يدي فلم تلن له قناة بل همه أن کيستبقي للدعوة وجودا في ذلك الظلام الذي ساد مصر فترة الستينات وصودرت كتبه، ومنع من الترقية الوظيفية بموقفه ضد الشيوعيين حيث كوفئ بأن هبط من مدير المساجد المصرية إلى مجرد مفتش لها، بمعنى ضياع خمسة عشر عاما في سلم الوظائف ومنع الخطابة ثم حاول الرئيس أنور السادات إلصاق تهمة الإرهاب به ولكنها لم تجد مبررا اضطر مع تلك المضايقات إلى الهجرة خارج مصر لعدة سنوات صفات خلقية ونفسية للإمام محمد الغزالي شخصية الإمام محمد الغزالي وخلقه شهد به تلاميذته وأساتذته وحسبه أنه من أولئك الذين ينطبق عليهم قول الشاعر فتشبهوا إنما لم تكونوا مثلهم إن التشبه بالكرام فلاح فهو رجل القرآن، صيغت شخصيته على هديه وخطاه يقول عن الشيخ القرضاوي کولم أره احتاج للمصحف الشريف للقراءة والمراجعة إنما مصحفه في صدره، فتفاعل مع القرآن بعقله وقلبه تدبرا وتأملا وتفكرا وخشوعا كما أنه رقيق القلب صفي الروح يقول عنه رفيقه في الجهاد الدكتور يوسف القرضاوي کوجدناه عن كثب قريب الدمعة، نقي السريرة، صافي الروح، رضي الخلق، موطأ الأكتاف، ولرقة روحه كان يبكي عند سماعه للرقائق مرددا بيت الشافعي تعاظمني ذنبي فلما قرنته بعفوك ربي كان عفوك أعظما عالم لاتأخذه عزة مع ظهور الحق كما كان رحمه الله أوابا للحق يقول عن هذا الخلق الدكتور جابر فياض العلواني کهو رجل أواب سرعان ما يرجع إلى الحق أو الصواب أو الرأي الراجح إذا عرفه وقد شهد بهذا الخلق الرفيع، خلق الرجوع إلى الحق عند استبيانه الدكتور محمد عمارة عندما عد الشيخ كتبه ضمن كتب اليسار الإسلامي يقول الدكتور محمد عمارة فور قراءة الخبر بجريدة الأهرام کقد تناولني يعني الإمام الغزالي وهو غاضب، لكنني على ذات الدرجة من اليقين بأن غضبته إنما كانت لله ولدينه وانتصارا للحق، وقام أحد الطلبة، معجب بآرائي وآراء الشيخ بتنبيهه إلى قراءة بعد مقالتي بمجلة الشراع البيروتية، وماهي إلا أيام حتى تسلمت خطابا من الشيخ يقول فيه فإن القليل الذي قرأته لك أخيرا ردني إلى الصواب في أمرك، وجعلني أندم على تعجلي في عدك من كتاب کاليسار الإسلامي يقول محمد عمارة وكانت مفاجأة هزت كياني من الأعماق لقد وجدتني أمام وثيقة لا يكتبها إلا واحد من عظماء الرجال فبادرت أكتب إليه قائلا إن أمة فيها أمثالك لابد منتصرة بإذن الله، وهذا سلوك ما أحوج علماء وتلاميذة الإسلام إليه هذا الخلق الكريم تنضاف إليها أخلاق سامية كالصدق والحرقة العاطفية المشفقة على أحوال وأوضاع المسلمين، يقول رحمه الله بعد قتل عشرة من الأئمة من طرف زياد بري بالصومال کقلبي يحترق، عشرة من إخواني قتلوا في الصومال والناس نائمون ما يتحرك أحد واتصل برئيس رابطة العالم الإسلامي وبعد أيام بدأت حركة احتجاجات إلى جانب رقة العاطفة، اتصف الشيخ بشجاعة باسلة مثلتها جرأته في الصدع بالحق سواء مع الأعداء، أوالإخوان ديدانه قول الرسول صلى الله عليه وسلم کإذا رأيتم أمتي تخاف أن تقول للظالم يا ظالم فقد تودع منها ويقول رحمه الله کإذا لم يكن الداعية المسلم، شجاعا مطيقا لأعباء رسالته، مغوارا في ساحة المبطلين فخير له أن ينسحب من هذا المجال، وألا يفضح الإسلام بتكلف ما لا يحسن من شؤونه ص 34 من كتاب کمع الله للشيخ الغزالي اجتهاد يصاحبه اعتراف بذوي الفضل بفضلهم تنضاف إلى كل هذا حاسة نقدية وغيرة على الإسلام، فتراه يعقب على أقوال العلماء الكبار كالحسن البصري في قضية اقتصادية وأزمة مالية وضرورة التسعير بعد اعتمد الحسن البصري رحمه الله على حديث الرسول صلى الله عليه وسلم بأن الله هو المسعر بقوله إن التسعير إجراء لا تطيقه الحياة العادية، ولكنه إبان النوازل والحروب ضرورة يطالب بها الحاكم ولا يعذر فيها كتابه مع الله . وكذلك تجديده وفقهه للواقع والعصر، ومع احترامه لقدرة العقل الإنساني واجتهاداته في معالجة القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والفكرية الثقافية، مع روح تفاؤلية تزاحم البدع والتقاليد والأوهام، يصاحب كل ذلك تواضع يقول رحمه الله عن نفسه کإنني لا أطيق التزمت ولو تكلفته ما أحسنته، وأحب أن أسترسل على سجيتي في أخذ الأمور وتركها وأنا أجنح إلى المرح مع رغبة عميقة ولو كنت ملكا لأبيت إلا الانتظام في سلك الأخوة المطلقة مع الجماهير الدنيا، أخدمهم ويخدمونني على السواء من مقدمة كتاب تأملات في الدين والحياة. مع اعتراف بالفضل لأهله يقول عن حسن البنا کويرى مني أي حسن البنا الرضا والنقد، على أني يوم قتل كنت أعنف الناس غضبا لمصرعه وحملة على خصومه كتابه في کموكب الدعاة. خاتمة إن الشيخ وهو في صولاته من أجل الإسلام دونما تعب ولا كلل يدل على صدق روح عالية صاحبته إلى آخر حياته بيقين متقد، اتقاد حركة الشباب وبأس الحديد وجرأة الأسود، فكان معلما وترك سجلا زاخرا للدعوة والعمل الإسلامي، وصدق رسول الله عندما ربط قبض العلم بقبض رجاله فرحمه الله وحشره في زمرة الصديقين وكافة الصالحين، فقد ترك رحمه الله آثارا وكتبا قيمة تغذي رغبة الأجيال اللاحقة في معرفة الحق والانصياع له بصدق واعتدال. إعداد إبراهيم بوغضن و عبدلاوي لخلافة