يعتبر هذا الكتاب ثمرة مجهود علمي مقدر في رصد نشأة حركة التوحيد والإصلاح ومسارها التنظيمي والسياسي والحركي، والتحولات والمراجعات الفكرية والسياسية التي دشنتها فكرا وممارسة، وهو بالإضافة إلى ذلك يمثل إسهاما مهما في رصد تجربة المشاركة السياسية لهذه الحركة، بدءا من التأصيل النظري (الفكري والشرعي) وانتهاء بتبلور التجربة السياسية على واقع الممارسة السياسية منذ سنة 1997 إلى 2003 الفترة الزمنية التي اشتغلت عليها أطروحة حميد بحكاك- كما يقدم الكتاب متابعة وثائقية مهمة، أسعفت الباحث في رصد خطاب الحركة ومكونات نظريتها التغييرية ورؤيتها التربوية والدعوية والسياسية، فضلا عن مشروعها المجتمعي. بين أن أهم ما تضمنته هذه الأطروحة هو تناول قضية المشاركة السياسية لحركة التوحيد والإصلاح منذ التأصيل النظري إلى المأسسة، وتتبع هذه التجربة وسياق تفاعلها مع المحيط المحلي والإقليمي والدولي، وتقييمها بناء على الأهداف المعلنة؛ أخذا بعين الاعتبار واقع الأنظمة العربية التي لا تتيح أكثر من هامش ديمقراطي لا يسعف في تحقيق تغيير حقيقي على مستوى بنية النظام السياسي القائم، وأخذا بعين الاعتبار أيضا نسق النظام السياسي المغربي الذي تتمتع فيه الملكية بمحورية تجعل أي مشاركة سياسية كيفما كانت مشاركة مضبوطة ومراقبة ومحدودة من حيث التأثير في بنية النظام السياسي المغربي. في المقدمات اختار الباحث في سياق أوليات بحثه أن يقدم أطروحته بتحديد طبيعة العلاقة بين الديني والسياسي في النظام السياسي، إذ يعتبر الباحث أن هذه العلاقة التي تشكل مسألة بنيوية بالنسبة إلى النظام السياسي هي التي تسمح بمعرفة الإطار العام لتجربة الإدماج السياسي لجزء كبير من الإسلاميين في المغرب. يرى الباحث أن هذه العلاقة تمت هيكلتها من خلال ثلاث محددات أساسية: - الوثيقة الدستورية: وذلك من خلال الفصل 19 الذي يعتبر الملك أميرا للمؤمنين والممثل الأسمى للأمة ورمز وحدتها وضامن دوام الدولة واستمرارها، وحامي الدين والساهر على احترام الدستور وله صيانة حقوق وحريات المواطنين والجماعات والهيئات، وهو الضامن لاستقلال البلاد وحوزة المملكة في دائرة حدودها الحقة، بحيث يرى الباحث أن هذا الفصل يؤسس لحقل إمارة المؤمنين بجانب حقل التحكيم وحقل الدولة الحديثة (الملكية الدستورية)، ويرى أن استقرار النسق السياسي المغربي يعود إلى التراتبية العمودية بين هذه الحقول الثلاثة، وذلك من خلال هيمنة حقل إمارة المؤمنين على الحقلين الآخرين. - هيكلة الحقل الديني من المقاربة الأمنية إلى المقاربة المندمجة، ويرى الباحث ضمن هذا المحدد أن المقاربة الأمنية كانت هي المعتمد بشكل أساسي خلال الثمانينيات (مراقبة المساجد، محاكمة عبد السلام ياسين سنة ,1984 اعتقالات في صفوف الشبيبة الإسلامية، محاكمة مجموعة 71 ومجموعة ,26 حظر جماعة العدل والإحسان سنة 1990 واعتقال مجلس إرشادها ووضع ياسين تحت الإقامة الجبرية) لكن مع بداية التسعينيات، يرى الباحث أن الدولة ستعتمد أسلوبا جديدا بجانب الأسلوب الأمني، وهو نهج الحوار والاستيعاب من خلال وزارة الأوقاف عبر إنشاء الجامعة الإسلامية للصحوة الإسلامية. ويرى الباحث أنه باعتلاء محمد السادس للعرش، سيتم استكمال عناصر إعادة هيكلة الحقل الديني وفق رؤية خاصة للملك استفادت من تجربة والده ببعث النشاط داخل المساجد وتنشيط المجالس العلمية وإدماج المسجد في التنمية البشرية بمشاركتها في محو الأمية، ويقرأ الباحث في ذلك محاولة لتجديد آلية الشرعية الدينية بما يستجيب للتحديات المرحلية وتكريس الاستمرارية في احتكار التمثيلية الدينية لمواجهة المنافسين (الإسلاميين) والمعارضين (اليساريين والعلمانيين). - مواجهة التطرف والإرهاب والمقاربة الشمولية: فبعد أن فجرت أحداث 16 ماس الإرهابية النقاش العمومي حول علاقة الدين بالسياسة، وطالبت فيه بعض القوى بفصل الدين عن الدولة وعلمنة الحياة السياسية، يرى الباحث حميد بحكاك أن النظام السياسي اختار أن يطرح مفهوم المقاربة الشمولية لمواجهة التطرف والإرهاب، واختار أن يحدد اختياراته بخصوص الجواب على علاقة السياسي والديني على مستويين: 1 على مستوى الدولة: إذ تبنى النظام السياسي مقولة لا للعلمانية من خلال التأكيد على أن علاقة الدولة بالدين محسومة دستوريا من خلال الفصل .19 2 على مستوى التنظيمات الإسلامية: وذلك من خلال مقولة لا لاحتكار الإسلام وأن المرجعية الدينية الوحيدة هي مرجعية إمارة المؤمنين التي تناط بها الوظائف الدينية، ويرى الباحث أنه باسم هذه المقولة تم رفض الترخيص لأحزاب عبرت عن رغبتها في دخول العمل السياسي بمرجعية إسلامية مثل حزب التجديد الوطني وحزب الوحدة والتنمية، ويعتبر الباحث أنه منذ الإعلان عن المقاربة الشمولية لمواجهة التطرف، والتي تضمنت البعد السياسي والمؤسسي والأمني والاقتصادي والاجتماعي والديني والتربوي والثقافي والإعلامي، والدولة تسارع في إخراج مجموعة من الأوراش إلى حيز الوجود، وقد ركز الباحث بهذا الخصوص على ثلاث إجراءات أساسية: على المستوى السياسي: وذلك من خلال قانون الأحزاب السياسية، وذلك لتأهيل الأحزاب وتقوية دورها في تأطير المواطنين، وأيضا من خلال منع تأسيسها على أساس ديني أو عرقي أو لغوي. على المستوى الديني، وذلك من خلال إعادة هيكلة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية باعتبارها تجسد السياسة الحكومية في المجال الديني، بحيث أصبحت خ حسب الباحث- معنية ومسؤولة عن مواجهة التطرف الديني من خلال مراقبة بناء المساجد والعناية بها وبالقيمين الدينيين عليها، وتوجيه الخطباء وتكوينهم، وتنظيم مسألة الفتوى في أمور العبادات والمعاملات والقضايا العامة، والحفاظ على اختيارات الأمة في العقيدة والسلوك والفقه، المتمثلة في العقيدة الأشعرية والتصوف الجنيدي والمذهب المالكي (الوحدة المذهبية). على المستوى الأمني والقانوني وذلك من خلال قانون الإرهاب. ويخلص الباحث ضمن هذه المقدمة الإطار العام- إلى أن الانطلاق من الدين كمرجعية لممارسة السياسة أو توظيفه هو الخاصية المشتركة بين النظام السياسي المغربي وبين التنظيمات الإسلامية الحركية الحديثة، وأن هذه التنظيمات تشكل معطى جديدا في الساحة السياسية منذ بداية السبعينيات إلى الآن، ويرى أنها أثرت وتؤثر بشكل أو بآخر على مجرى الأمور في السياسة العامة للدولة أو الأحزاب السياسية. حركة التوحيد والإصلاح.. النشأة والمسار والتحول يرصد الباحث في هذا الفصل نشأة حركة التوحيد والإصلاح ومكوناتها، ويحفر في الجذور التاريخية لكل من مكون حركة الإصلاح والتجديد (الشبيبة الإسلامية ثم جمعية الجماعة الإسلامية) ومكون رابطة المستقبل الإسلامي من خلال مكوناتها الأساسية (الجمعية الإسلامية بالقصر الكبير، وجمعية جماعة الدعوة بفاس، وجمعية الشروق..) ويرصد ملامح التحول في مسار الحركة الإسلامية، خاصة التحول من تجربة الشبيبة الإسلامية إلى جمعية الجماعة الإسلامية ورحلة البحث عن الشرعية والنقد الذاتي التي مارسته هذه الحركة والمراجعات التي دشنتها للقطع مع السرية والقطع مع مجموعة من المقولات المركزية في أدبيات الحركة الإسلامية مثل مقولة التغيير السياسي وإقامة الدولة الإسلامية، كما تتبع الباحث بشكل دقيق تحولات الخطاب الفكري والسياسي، وركز على مجموعة من المفاهيم الشرعية والسياسية التي راجعتها الحركة مثل مفهوم التكفير، ومفهوم الولاء، ومفهوم الرفض والمفاصلة، والمفاهيم الجديدة التي أنتجتها مثل المشاركة وإصلاح أوضاع الأمة وإعادة والتغيير الحضاري، ولفت الباحث الانتباه في خطاب الحركة الإسلامية غداة التحول إلى تركيز الحركة الإسلامية على التوجيه الفكري بدل التوجيه العاطفي وإعطاء الأولية لبناء عقلية موضوعية تتعامل مع الوقائع بدل الاعتماد على الروايات والعواطف. ثم انعطف الباحث بعد ذلك إلى وثائق هذه الحركة (الميثاق: المبادئ، الأهداف الوسائل) ووقف عند تغيير الجمعية لاسمها إلى حركة الإصلاح والتجديد، واعتبر الباحث أن ذلك جاء في سياق التكيف مع المحيط الخارجي، ووقف أيضا على تجربة التداول الانتخابي داخل حركة الإصلاح والتجديد، وتطور تجربتها السياسية من خلال تأصيلها لخيار المشاركة السياسية والتحاقها بحزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية الشعبية. وعرض الباحث أيضا لمكون رابطة المستقبل الإسلامي من خلال مكوناتها ولمحة موجزة عن تاريخها، بالإضافة إلى أهداف الرابطة، لينتقل بعد ذلك إلى الحديث عن الوحدة ودواعيها، معتبرا في ذلك أن العامل المشترك الذي شجع على الاندماج هو وحدة التصور والمنهج في التغيير، فكلاهما خ يقصد حركة الإصلاح والتجديد ورابطة المستقبل الإسلامي- يتبنى التغيير الحضاري والمنهج السلمي ونبذ العنف وسيلة للوصول إلى السلطة ودعم الاستقرار والعمل في إطار المشروعية الدستورية والمؤسسات القائمة. ويعرض الباحث بعد ذلك تجربة الاندماج التنظيمي بين الحركتين والأسس المرجعية التي قامت عليها (الكتاب والسنة، القرار بالشورى، المسؤولية بالانتخاب) والمراحل التي قطعتها عملية الاندماج (بناء التصورات، الانتقال إلى الوضع العادي على مستوى الهيكلة) لينتقل بعد ذلك إلى الحديث عن هيئات الحركة وأهم وثائقها (الميثاق، الرؤية التربوية، الرؤية الدعوية، الرؤية السياسية). المشاركة السياسية للحركة من التأصيل إلى المأسسة بذل الباحث جهدا مقدرا في البحث عن عناصر الخطاب التأصيلي الذي أنتجته حركة التوحيد والإصلاح للتأصيل للمشاركة السياسية، ووقف بهذا الخصوص على مبدأ المشاركة والتفاعل الذي استقر في ميثاق حركة الإصلاح والتجديد، لينتقل بعد ذلك إلى مبدأ المخالطة الإيجابية في ميثاق حركة التوحيد والإصلاح، واعتبر الباحث أن عملية التأصيل هذه تأسست على المحددات الآتية: - محدد التمييز الأصولي بين العبادات التي يكون الأصل فيه الاتباع والانضباط على النص التفصيلي، وبين العادات والمعاملات التي يكون فيها الأصل النظر إلى الحكم والمقاصد، وضمن هذا الإطار يرى الباحث أن السياسية الشرعية (والمشاركة السياسية تندرج ضمنها) تناط بالتقدير المصلحي والترجيح بين المصالح والمفاسد. - محدد الترجيح بين المصالح والمفاسد: ويعتبره الباحث الأداة الشرعية المعلنة التي تبنتها الحركة في عملها السياسي لتحديد الخيارات المطروحة أمامها، وأنها بتفعيل هذا المحدد رجحت خيار المشاركة السياسية على خيار المقاطعة وفقا للتعليلات الترجيحية التي فصل فيها محمد يتيم في كتابه أوراق في منهج التغيير الحضاري، تحديدا في مقاله الإسلاميون بين المشاركة والرفض، والذي ذهب فيه إلى أن الانسحاب من الساحة السياسية وتبني منطق الرفض يريح خصوم الحركة الإسلامية ويعزز من وضعية التهميش الذي تعيشه، ويقوي في المقابل مواقع خصوم الحركة الإسلامية، كما ذهب إلى أن رفض المشاركة يقلب العلاقة بين المخالطة والمقاطعة، إذ الأصل في التصور الإسلامي هو الخروج إلى الناس والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الخير، أما المقاطعة فهي إجراء وقائي وتأديبي الغاية منه إنكار المنكر، بحيث إذا لم تؤت المقاطعة آثارها المرجوة في تغيير المنكر رجح خيار المشاركة على المقاطعة، كما ذهب يتيم إلى أن المشاركة السياسية وما يلحقها من تولي المسؤوليات والولايات لا يشترط فيها بالضرورة أن يقيم المسلم العدل كله، وإنما قد يكون الهدف منها تخفيف المفاسد والتقليل منها، وذلك باحتمال بعض المفاسد، خاصة إذا كانت المصالح لا تنفك عن تلك المفاسد. وبعد التعريج على هذه الاعتبارات الترجيحية، انتقل البحث إلى رصد بعض تجليات هذه المشاركة (الحضور الإعلامي للحركة من تجربة الإصلاح إلى منبر التجديد، الحضور الجماهيري من خلال المسيرات التضامنية ومسيرات فاتح ماي، والحضور السياسي المعبر عنه في مواقف وبيانات) ووقف الباحث بشكل خاص على مواقف الحركة ذات العلاقة بالمشاركة السياسية كالموقف في الاستفتاء الذي أجري حول تمديد الفترة النيابية سنة 1989 والتصويت بنعم واستثمار اللحظة السياسية ودعوة الإسلاميين إلى المشاركة بكثافة في الانتخابات، وموقفها الجديد سنة 1992 ودعوتها إلى مراعاة الظروف المحلية والإقليمية ودعوة الإسلاميين إلى مساندة أهل القوة والأمانة أومن هم أقرب من ذلك، ترشح أعضاء من الحركة 1994 ثم مشاركة الحركة بصفة مستقلين في انتخابات ,1997 إلى مأسسة المشاركة السياسية من خلال إطار سياسي هو الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية، وعرض بهذا الخصوص لتدبير العلاقة بين الدعوي والسياسي، وكيف اختارت الحركة الفصل التنظيمي بين حركة تهتم بالدعوة وحزب يهتم بالدولة، مشيرا في ذلك إلى الاعتبارات التي بنت عليها الحركة هذا الاختيار ومنها: - أن يبقى العمل التربوي والدعوي الإسلامي بعيدا عن الصراع السياسي المباشر. - إسقاط شبهة استغلال الدين لأهداف سياسية. - الاستجابة للتكييف القانوني الموجود في البلاد. حركة التوحيد والإصلاح وترسيم المشاركة السياسية وقد تناول الباحث في هذا الفصل تجربة حركة التوحيد والإصلاح في المشاركة السياسية الانتخابية بدءا من انتخابات ,1997 ووقف عند المحطات التي سبقت العملية الانتخابية والموقف من دستور ,1996 وإقصاء الحزب من ميثاق الشرف الذي وقعته الأحزاب السياسية، وكذلك إقصاؤه من اللجنة الوطنية لتتبع الانتخابات واللجان الإقليمية وموقف قيادة الحزب من المشاركة الانتخابية، واضطرار الحركة للمشاركة بصفة لا منتمين، واعتبر الباحث أن الحركة دخلت العملية الانتخابية مستوفية الشروط المحلية والإقليمية، إذ وفرت الشرط القانوني (المظلة الحزبية بدل إنشاء حزب سياسي) والشرط السياسي (من خلال الفصل التنظيمي بين الدعوي والسياسي) والشرط الإقليمي (وذلك باعتماد المشاركة المحدودة)، وناقش في محور المشاركة في الانتخابات الأساس التي تبنته الحركة في الترشيح، والذي اعتمد معايير أخلاقية صارمة، إضافة إلى الكفاءة المهنية (الأمانة والعدالة)، ووقف عند معالم الخطاب الانتخابي لحركة التوحيد والإصلاح، والتي ركزت بشكل محوري على التخليق، وتناول البرنامج الانتخابي الذي قدمته الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية من خلال الأهداف التي أعلن عنها، والمبادئ التي انطلق منها والتدابير التي اقترحها، وخلص في هذا المحور إلى أن العنصر الأخلاقي ولغة القيم كانت حاضرة في كل مكونات العملية الانتخابية، مما يؤشر لعنصر جديد يطعم النسق السياسي المتعطش لهذا النوع من الخطاب، وانتهى الباحث في تقييمه لنتائج الانتخابات ودلالاتها إلى أن هذه الانتخابات شكلت المحطة الأولى لعملية إدماج سياسي هادئ بين الطرفين، السلطة وفريق من الإسلاميين. وتتبع الباحث بقية حلقات تجربة المشاركة السياسية لحزب العدالة والتنمية (بعد تغيير اسم الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية)، وذلك من حلال محطة انتخابات 2002 التشريعية و2003 الجماعية تقريبا بنفس المنهجية السابقة، لينتهي في خلاصاته بشأن انتخابات 2002 إلى أن المشاركة السياسية للإسلاميين كانت محكومة بعنوان نحو قوة مؤثرة لا مسيطرة، وسجل الباحث في قراءته لدلالات هذه المشاركة ثلاث خلاصات أساسية: - الأولى وهي مضاعفة الحزب لنتائجه ثلاث مرات بالمقارنة مع نتائج أول مشاركة. - الثانية وهي سياسة الضبط والتحكم في التمثيلية التي اعتمدها الحزب ضمن استراتيجيته حفاظا على التوازنات السياسية الداخلية ومراعاة العوامل الخارجية (أطروحة التوازن بدل الاكتساح) - الثالثة أن الحزب شكل القوة السياسية الأولى على الرغم من احتلاله المرتبة الثالثة في المشهد السياسي. وفسر الباحث تقدم حزب العدالة والتنمية في هذه الانتخابات بجملة من العوامل منها: - نزاهة الانتخابات والتزام السلطة بالحياد. - استراتيجية الحزب في اختيار الدوائر التي يتوفر فيها على حظوظ للفوز. - الخطاب الواضح والصريح، والذي يحتوي على جرعة أخلاقية عالية بالمقارنة مع الأحزاب الأخرى - حضور الحزب في العديد من معارك الهوية والتخليق أما بخصوص انتخابات 2003 الجماعية، فالعنوان الرئيس الذي يطبع مشاركة الحركة الانتخابية هو المشاركة التوافقيه، نظرا للظروف الذاتية التي كانت تعيشها الحركة (المخاض الداخلي للحركة والحزب) والظروف الموضوعية (مضاعفات أحداث 16 ماي الإٍرهابية)، وعلى الرغم من هذه الظروف فإن الحزب خ حسب الباحث- استطاع أن يحافظ على كتلته الناخبة، ولم يتأثر بالحملة الإعلامية التي استهدفته، ليخلص في ذلك إلى أن حزب العدالة والتنمية أصبح قوة سياسية متجذرة ورقما مهما في المعادلة السياسية. تقييم حصيلة المشاركة السياسية للحركة ما بين 1997 و 2003 يرى الباحث أن أهم كسب استفاد منه النظام السياسي من مشاركة الإسلاميين هو تعزيز الاعتراف بالشرعية الدينية والسياسية له، وتوسيع قاعدة المشاركة الانتخابية وإنجاح تجربة الإدماج السياسي للإسلاميين، وضبط التوازنات السياسية والإيديولوجية وتحديد السقف السياسي للإسلاميين، أما بالنسبة لحركة التوحيد والإصلاح، فيرى حميد بحكاك أن أهم الأهداف التي حققتها هي من جهة اكتساب التجربة السياسية والمساهمة في تطوير الفقه السياسي، ومن جهة ثانية ترسيم الوجود السياسي للإسلاميين وتعزيز وتوسيع تيار المشاركة والتدافع السلمي. خلاصات الأطروحة انتهت الأطروحة إلى أربعة خلاصات رئيسة: 1 أن عقد التسعينيات كان عقد المشاركة السياسية للإسلاميين على امتداد الوطن العربي والإسلامي، وأن هذه المشاركة تخص التيار الوسطي الذي بدأ في التوسع بعد انحسار التيارات الراديكالية وانتشار المد الديمقراطي. 2 أن المغرب لم يشذ عن هذه القاعدة بحيث عرف فصيل مهم من الإسلاميين المغاربة مشاركة سياسية انتخابية مؤسساتية رسمية في الانتخابات التشريعية والجماعية (2003/1997) وذلك بعد مسار من التحولات والنقد الذاتي والمراجعات، أن هذه المشاركة عرفت تطورا نوعيا وكميا انتهت في محطة 2002 و 2003 إلى أن أصبح حزب العدالة والتنمية رقما مهما في المعادلة السياسية القائمة. 3 التعايش بين حزب ينطلق من مرجعية إسلامية ونظام سياسي قائم على الشرعية الدينية ممكن، والأطروحة القائلة باستحالة التعايش وبحتمية الصراع بين الطرفين ثبت عدم صدقها في الحالة المغربية. 4 المشاركة السياسية لحركة التوحيد والإصلاح تمت وفق أطر يقوم عليها النسق السياسي تتحدد من خلال الفصل بين العمل الجمعوي الدعوي والعمل السياسي الحزبي، وهو ما تمثل في الإبقاء على حركة التوحيد والإصلاح كإطار يهتم بالتربية والدعوة والتكوين، وممارسة النشاط السياسي من خلال حزب العدالة والتنمية بما يتوافق مع قواعد اللعبة السياسية المسطرة من قبل الحكم. العمل الإسلامي لحركة التوحيد والإصلاح أصبح مكيفا مع خصوصية الواقع المغربي ذكرتم في أطروحتكم أن تجربة المشاركة السياسية لحركة التوحيد والإصلاح ساعدتها في اكتساب التجربة السياسية وفي تطوير فقهها السياسي وترسيم الوجود السياسي للإسلاميين، وفي تعزيز وتوسيع تيار المشاركة والتدافع السلمي، في حين اعتبرتم أنه من الصعب الجواب عن سؤال تحقق الأهداف المعلنة من مشاركة الإسلاميين، والمتمثلة في أسلمة الدولة والمجتمع، ألا ترون أن الأهداف التي تحققت تعتبر خطوات أساسية في مسار التمكين لهدف إقامة الدين في المجتمع والدولة؟ بالنسبة للمكتسبات التي تحققت فهي ذات طابع ذاتي للحركة، تتعلق بتأمين وجودها (الفكري والتنظيمي) الذي سيمكنها من الانطلاق نحو تحقيق الأهداف الأخرى البعيدة المدى، هذه الأخيرة رهينة بالمحيط الذي يتحرك فيه الإسلاميون على المستوى المحلي (على المستوى القانوني والسياسي والدستوري) والإقليمي والدولي، ومدى التجاوب مع البرنامج الذي تطرحه الحركة وبقدرة الإسلاميين على إدراك هذه التعقيدات، خصوصا بعد تدويل خطر الأسلمة إعلاميا وجعلها نقيضا للحرية الشخصية وتهديدا للأقليات. ذكرتم أيضا من ضمن خلاصات أطروحتكم أن الأداء الدعوي والسياسي للحركة الإسلامية في المغرب ممثلة في تجربة حركة التوحيد والإصلاح أكدت إمكانية التعايش بين حزب ذي مرجعية إسلامية وبين نظام سياسي يقوم على الشرعية الدينية، وكذبت في المقابل الأطروحات القائلة بحتمية الصدام بينهما، إلى أي حد يمكن القول بأن صيغة الإدماج السياسي للإسلاميين في المغرب لا زالت تحتفظ بنفس السمات التي أطرتها؟ هذه المسألة عرفت تطورا مهما بعد فك الارتباط بين الدعوي والسياسي والحركي والحزبي، أي جعل العمل السياسي والحزبي من نصيب حزب العدالة والتنمية والدعوة والتربية والتكوين من اختصاص الحركة، أصبح الوضع يتناغم مع التوجه الرسمي الذي يحصر التمثيلية الدينية والسياسية معا في أمير المؤمنين، ومن ثم أصبح العمل الإسلامي لحركة التوحيد والإصلاح مكيفا مع خصوصية الواقع المغربي، وتعتبر هذه المسألة من أهم الشروط الجوهرية لإدماج الإسلاميين في العملية السياسية، فكلما قلت الحمولة الدعوية والأخلاقية في خطاب الحزب أصبح مرحبا به والعكس صحيح، وتطور تجربة المشاركة السياسية والانتخابية للإسلاميين على مدى عشر سنوات كان يسير في هذا الاتجاه. أشرتم في أطروحتكم إلى أن الحركة نهجت سياسة الانسياب المتدرج في النسق السياسي المغربي، وأن النظام السياسي انتهج في المقابل سياسة الإدماج المحسوب والمراقب، لكن هناك العديد من المراقبين والمحللين السياسيين اليوم، يرون أن هناك بواد تحول في تعامل النظام السياسي مع الإسلاميين المشاركين في العملية السياسية في اتجاه التحجيم والمحاصرة أحيانا، كيف تفسرون هذا التحول؟ وهل هذا يؤشر إلى تطور تجربة المشاركة السياسية ونضج الإسلاميين السياسي؟ أم هو يؤشر على ضيق في الهامش الديمقراطي المتاح؟ هذا يفسر بضيق الهامش الديمقراطي المتاح، فبعد عشر سنوات من المشاركة الانتخابية للإسلاميين، والتي عرفت تجاوبا ملحوظا من قبل شريحة مهمة من المواطنين الذين يجدون ذاتهم في خطاب حزب العدالة والتنمية، هذه التجربة سمح لها في إطار تدبير توازنات داخلية، فبالتالي لا يسمح لها بتجاوز القدر الممنوح ( حجم المشاركة خالخطاب خ المطالب ) في إطار هذه التوازنات، فكلما حاول الحزب تطوير هذه التجربة في اتجاه التوسع التنظيمي والجماهيري أو في اتجاه إعادة المصداقية للعمل السياسي والحزبي إلا واصطدم بجيوب مقاومة الإصلاح، ليس داخل الدولة وإنما من قبل المحيط الحزبي، وما كثرة الحديث عن إمكانية أو عدم إمكانية التحالف مع حزب العدالة والتنمية واعتبار ذلك خطا أحمر أو أخضر إلا أحد المؤشرات لعزله سياسيا، بل ظهرحزب سياسي جديد حزب الأصالة والمعاصرة وجعل من مهامه محاصرة الإسلاميين، إلا أن هذا التضييق والتحجيم يبقى في حدود المستوى السياسي والانتخابي والإعلامي ولا يرقى إلى المستوى الأمني والقضائي لحد الآن.