قراءة في الكسب الحركي لحركة التوحيد والإصلاح المغربية لا أعتقد أن الحديث سينصرف كما هو المعتاد عند أية محطة رسمية إلى الدعاية لمفاهيم الحركة، والاعتداد بكسبها الحركي,ورصيدها في الفهم والتنظي,وكذا الممارسة الدعوية وثمارها في الحقل الاجتماعي والسياسي والثقافي . مع أن مثل هذا الحديث يجد مبرراته خاصة بعد النجاح الكبير الذي حققه حزب العدالة والتنمية الأداة السياسية للحركة الإسلامية المغربية- على صعيد الفعل السياسي. لكن بعيون نقدية ونظرات فاحصة نتأمل رصيد التجربة, نحدد عناصر التجربة، نقوم مسارها,نقف على تميز الطرح والأداء الحركيين,بالقياس إلى الكسب الحركي الإسلامي الموجود قيد الدرس والاعتبار,ونقترح ما نظنه نقاطا ضرورية لكسب رهان المستقبل . الملحظ الأول : في ميثاق الحركة في اعتقادي أول ما يمكن اعتباره عنصر قوة في مفاهيم الحركة وتصوراتها ما سطرته في ميثاقها من منطلقات وأهداف ووسائل, ويمكن للباحث الناقد أن ينظر في مدخل الميثاق إلى : -التسويغ لضرورة الدعوة وحاجة البشرية إليها مما يمكن اعتباره حديثا عن شرعية الوجود ومبرراته . -الإشارة إلى التميز الذي عرفت به الدولة المغربية عبر تاريخها,مما يعني ضرورة التعامل المتميز معها, وحسن تقويم مفهوم الشرعية الدينية وعلاقة ذلك بمداخل التغيير بالمغرب. -الإشارة إلى عملية توحيد الجماعتين ( حركة الإصلاح والتجديد ورابطة المستقبل الإسلامي ) في حركة واحدة , مع تعيين مفهوم المصطلحين : التوحيد والإصلاح , وهذا يعطي الانطباع بحسب دلالات المفهوم أن الحركة لا تؤمن بالتوحد فقط , بل إنها تؤمن بالتوحيد الذي هو مسار متجدد وعملية مستمرة لا تقف عند محطة توحيد الحركتين , وإنما يتعداهما,كلما سنحت الشروط التصورية والموضوعية . -التأكيد على استقلال هذه الحركة عن كل جهة داخلية ( فليست هي صنيعة لأجهزة الحكم لخدمة توازنات سياسية ) أو خارجية مما يعني أنها مغربية المشرب والمنزع , التصور والاختيار , الموقف والمصير . -القطع مع مفاهيم الطائفة , وأحلام النخبة , والانفتاح على الجماهير التي تؤمن بالمرجعية الإسلامية, والتفتح على النتاجات الإنسانية التي تصب في خدمة البشرية بدون تعصب . فإذا صرنا إلى مبادئ الميثاق استوقف الناظر,بالإضافة إلى المبادئ المتفق حولها العناصر التالية : -التنصيص على أن الإسلام هو الهدى, وفي ذلك إعلان لمرجعية الحركة وهويتها , تلك المرجعية التي تحدد اختياراتها وبرامجها , وتتحكم في ولاءاتها وتحالفاتها . -التأكيد على ضرورة التنظيم والشورى والحرية, وهي مبادئ في تفاعلها وفق المعادلة المصوغة ضمن الميثاق تحل كثيرا من الإشكالات التي راحت التنظيمات ضحية عدم إيجاد رؤية متوازنة بصددها . -أما التدرج والمخالطة الإيجابية فهي مبادئ أعطى تنزيلها في شكل تصورات واختيارات طابع التجديد والفرادة لهذه الحركة خاصة في كسبها الدعوي ورصيد تجربتها السياسية . -ويمكن أن نتأمل مبدأ التعاون مع الغير لننظر المساحة الواسعة التي يسمح بها لعقد التنسيقات والجبهات , والتحالفات لخدمة مصالح الأمة . فإذا انتقلنا إلى الأهداف , فيكفي أن نشير إلى الصياغة الموفقة لمقصد إقامة الدين, وهي صياغة تجاوزت كل الإشكالات الدهرية التي عرفها الفكر الإسلامي السياسي بخصوص جدل السياسي والاجتماعي, والموقف من نظام الحكم . فهي بهذا الاعتبار - صياغة مقاصدية لا تلغي التصورات المطروحة في الساحة الإسلامية, ولكن تدمج الكل ضمن طرح جديد يجعل الدين بما هو انسلاك في العبودية لله فوق اعتبارات المدخل السياسي, والتغيير السياسي. ويمكن للملاحظ أيضا أن يقف من خلال نظره في الوسائل التي سطرتها الحركة في ميثاقها , أو قل بلغة الميثاق المجالات التي حددتها الحركة , على تنوع المسالك, واتساع المساحة لتنزيل الفكرة والنموذج الإسلامي مما يعني إيمان الحركة بالتأصيل والتحديث كمفهومين متقابلين ومتلازمين ضمن معادلة التغيير. الملحظ الثاني : التوحيد ودلالات التجربة يمكن أن يتحدث المرء ساعات طويلة عن مفهوم الوحدة والتوحيد, ويمكن أن يتحدث عن الوحدة كمطلب شرطي , ويمكن أن يتمادى المنظر فيحدد الشروط الموضوعية للوحدة , ويمكن أن يتجاسر السياسي فيضع شرط الاتفاق على الأرضية السياسية كسابق لكل عملية وحدوية . لكل من المفكرين والمنظرين والسياسيين أن يتحدثوا بلغتهم ومصطلحاتهم , وللحركة وحدها ضمن معادلة التردي الثقافي, والتشظي السياسي, وفي سياق سيادة ثقافة الانقسام أن تتحدث عن تجربتها الوحدوية بعيدا عن أحلام المفكرين وتعقيدات المنظرين, وشروط السياسيين. لقد أثبتت التجربة الوحدوية لهذه الحركة عن صوابية منطلقها, ذلك أن التوحد على المنطلقات التربوية والدعوية الهوية الحقيقية للحركة الإسلامية سابق على خلافات التوجه, وتقديرات الموقف السياسي . أعتقد أن الحركة قد رسخت مفهوما جديدا في الممارسة التنظيمية والدعوية وحتى السياسية ,. إن سياسة" حرق السفن " التي تعني التنازل على كل الاجتهادات التي أطرت مجمل كسب الحركتين السابقتين لتشكل درسا تربويا ودعويا وفكريا وسياسيا . بل إنها ثقب واسع أحدثته الحركة في شبكة ثقافة الانقسام التي تسيطر بظلامها على الأمة . لقد أثبتت هذه التجربة بنجاحها ضعف التناولات الإعلامية التي كانت تنظر بعين النقد والتنبؤ غير الدقيق المؤطر بالمسبقات الإيديولوجية لهذه التجربة , وبدل قراءة التجربة ورصد مسارها, وتحديد عناصرها, وتقويمها في راهنيتها, انصرفت هذه المعالجات لتأكيد قناعاتها النظرية التي بقيت حبيسة الأذهان بدل مناقشة ما ترسخ في واقع الأعيان . لم يكن بالسهل أن يطلق المرء قناعاته التي تمسك بها, وهي لا زالت جديدة ثورية متمردة على تجربة سابقة , ويبدأ عهدا جديدا من الممارسة التربوية الدعوية في شكلها الانتقالي الذي لا شيء يميزه سوى : -دعم قيم التوحد عقديا وتربويا وخلقيا. -التراضي والتوافق على المستوى التنظيمي . -النقاش الهادئ المؤطر بالأخلاق العالية في أشد الأوراق مدعاة للخلاف : " الرؤية السياسية " . الملحظ الثالث : الوجود القانوني والسياسي كسبت الحركة بالخط الدعوي الذي اختارته وبمواقفها المتوازنة التي اتخذتها وجودها القانوني والسياسي وهي بهذا المكسب تحطم بعض الثوابت في الفهم والممارسة السياسية السائدة, ذلك أن المنطق السياسي الذي يكاد يؤطر مجمل التوجهات السياسية أن للوجود السياسي ضريبة لا بد لأي حركة أن تؤديها إما أن تقبل أن تكون أداة بيد النظام السياسي, وإما أن تخوض معركة الشارع والاعتصامات والنضالات, وتكتوي بلظى الاعتقالات والاختطافات , وتفقد في سبيل ذلك أغلى الطاقات والكفاءات, شهداء تقدمهم الحركة لكسب معركة المشروعية . والواقع أن الحركة بنهجها الحركي انطلاقا من قناعاتها لم تتخندق ضمن المنهجين , بل اختارت لنفسها مسلكا خاصا يجدر بنا أن نتأمله وندرسه ضمن التجربة المغربية . لقد استطاعت حركة التوحيد والإصلاح بمنهجها السلمي, ومواقفها أن تكسب رهان المشروعية دون أن تؤدي أية ضريبة , واستطاعت أن تطمئن نظام الحكم بل و حتى الغرب في مرحلة زمنية حرجة لم تعرف لها الحركة الإسلامية مثيلا ( الحرب على الإرهاب بالمفهوم الأمريكي ) . الملحظ الرابع : التخصصات فلسفة الحركة لتعميم قيم التدين بطرحها لفلسفة التخصصات حققت الحركة ثلاث قطائع معرفية مع الكسب الحركي الإسلامي في اتجاه ترشيد التجربة الإسلامية : -القطيعة الأولى : مع الفكر التنظيمي الذي يؤمن بالمركزية , وقدرة القيادة المركزية على تدبير كل الملفات على أجندة الفعل الحركي الإسلامي . -القطيعة الثانية : قطيعة معرفية تصورية , إذ صار من الجائز أن تستقل مؤسسات عن الحركة تشترك معها فعاليات اجتماعية لا تنتمي بالضرورة للحركة , ولكنها تؤمن بفكر المؤسسة واختياراتها وبرامجها . وهكذا فبدلا من المركزية التنظيمية , والوحدة التنظيمية , طرحت فكرة التخصصات وحدة المشروع بدل وحدة التنظيم . -القطيعة الثالثة : قطيعة مع التجربة الحركية التي كانت ترسخ مفهوم الحركة القائدة للتغيير الراسمة لاستراتيجيته . وهكذا مع فلسفة التخصصات تراجع هذا المفهوم ليحل محله : الشعب المتدين , والحركة المشاركة والمساهمة في التغيير . ولقد أثبت التنزيل العملي لفلسفة التخصصات , خاصة في الحقل الاجتماعي والسياسي مدى نجاعة هذا الاختيار وقدرته على نشر قيم التدين , وكسب مواقع التمكين للمرجعية والاختيارات الإسلامية . الملحظ الخامس : الوجود والفاعلية لعل الناظر للحركية الثقافية والسياسية التي يتميز بها هذا البلد لا يمكن أن يغفل الدور البارز التي تقوم به هذه الحركة حتى إن المراقب ليلحظ حضورها الدائم ووجودها الوازن في مختلف القضايا ذات العلاقة بمشكلات الهوية والمرجعية والاختيارات الثقافية , ومستجدات الحدث السياسي الوطني والدولي . فلا تكاد تمر مناسبة إلا تكون الحركة قد عبأت كل أطرها وأعضائها للانخراط الفعلي توعية وتضامنا ودعما , وإحياء للقيم الإسلامية والإنسانية , وهذا يؤشر بشكل واضح على النوعية والتميز الذي يمكن أن نسم به الحضور الثقافي والسياسي للحركة . ولن نذهب بعيدا إن اعتقدنا أن هذا الأداء المتميز كان له دور أكيد في إيقاف مسلسل العلمنة في بعض أشكاله عند بعض المواقع , وفي دعم بعض المبادرات التي أسهمت في نشر قيم التدين في صفوف المجتمع . حركة التوحيد والإصلاح الواقع ورهان المستقبل مسودة : ملاحظات ومقترحات في سياق استحضار الأوراق التي اجتهدت الحركة في بلورتها وتبنيها , يجدر بنا أن نتأمل في الرؤية السياسية لهذه الحركة, خاصة وقد كان المراقبون للشأن الحركي يفترضون تعثر التجربة الوحدوية نتيجة عائق الخلاف السياسي, أو على الأقل يطرحون هذه الإشكالية كعقبة وتحد يمكن اعتباره تمحيصا للنفس والاختيار والإرادة الوحدوية . وأول ما ينبغي تسجيله في هذا الإطار بروز مفهوم الجبهة الدينية , وضرورة توسيع شرائحها ومكوناتها مما يعني إحداث تطور معرفي وسياسي نلمس صورته من ثلاث وجوه على الأقل : -تبني مفهوم التقارب بدل مفهوم الانسجام النظري . -تبني مفهوم التقليل من فتح جبهات الصراع خاصة منها تلك التي تنتمي إلى البيت الداخلي . -محاصرة المد العلماني عبر توسيع قاعدة التدين , وإشراك كل الأطراف التي تمتح من المرجعية الإسلامية ولو باختلاف في الاجتهاد والتقدير في المعركة ضد الفكرة العلمانية وكل مواقعها . ثم تطرح الرؤية تفسيرا تاريخيا لتطور نظام الحكم سواء على مستوى ما يعرف بالخلافة الإسلامية , أو ما عرفه المغرب من تعاقب لنظم الحكم . تلك الرؤية التي تحدد عوامل السقوط , كما تحدد معالم المنهج التي تتوسله الحركة في فعلها التغييري , وهكذا سمحت تلك الرؤية التاريخية بتأصيل جملة من المفاهيم نرى أن ندرجها لما تشكله من تطور نوعي على مستوى الفكر السياسي الإسلامي : 1-في تحديد الغاية المقصدية للفعل السياسي : فالبحث عن الحكم الراشد في أسمى تطبيقاته, بغض النظر عن نظام الحكم وشكله وصورته يعتبر طرحا متقدما في الكسب الحركي الإسلامي, بحيث إنه يؤسس لمشروعية العمل من داخل النسق السياسي دون أن يعني ذلك الإقرار بفساد اختيارات الحكم في سياساته وبرامجه , كما يفتح المجال واسعا لإمكانية النضال على المستوى السياسي والدستوري لإصلاح وتطوير المنظومة القانونية وتفعيلها بما يحقق الاقتراب التدريجي نحو النموذج الإسلامي في الحكم دون الجمود على شكل أو نمط تراثي في نظام الحكم . 2-في العلاقة بين الفعل السياسي والتدين : فالانغراس في صفوف الجماهير وتبني الهموم اليومية لهم لا يمنع من الحديث عن التدين كقاعدة الارتباط والالتزام البرنامجي . ولعل الحركة بتأكيدها على البعد قد طرحت تصورا جديدا , إذ لم يصر التدين وسيلة للارتقاء السياسي, وكسب المواقع بقدرما أصبحت السياسة والممارسة السياسية خادمة لدعم قيم التدين في المجتمع . قضية أخرى تسير في نفس السياق , وهي أن الحركة ما فتئت تذكر بأن التدين والانسلاك في خط العبودية لله يعتبر غاية الحركة ومقصدها , وهو الأساس الذي تدعو الشعب للانجماع عليه, فهي بهذا الاعتبار تؤسس لفهم سياسي جديد يتجاوز النظرة التقليدية التي تجعل أساس الارتباط تحقيق المكاسب اليومية . 3-في طرحها لمداخل التغيير : أسست الحركة لفهم جديد مبني على التوازن في المقاربة بين المدخل الديني والمدخل الدستوري في التعامل مع نظام الحكم , مما يعني توسيع هامش الممارسة السياسية من خلال استثمار كل شرعيات الفعل والتأثير . وعلى الرغم مما يجلبه هذا الطرح من إشكالات تصورية وعملية , إلا أن الحركة في تبنيها لمفاهيم : - السياسة الشرعية منوطة بجلب المصلحة ودرء المفسدة . -التقدير المصلحي . -التقريب والتغليب . -الموازنات والترجيحات . أعتقد أن الحركة بهذه المفاهيم الأصولية المقاصدية قد أسست منهجيا لفهم سياسي جديد سمح بنقل الخلاف السياسي من دائرة الحق والضلال إلى دائرة الخطأ والصواب, وهكذا نضجت داخل الساحة السياسية الإسلامية مفردات الخلاف في التقدير السياسي, واختلاف التقييم, مما قرب حتى الموقف السياسي, فلم يعد الخلاف قائما بين المشاركة والمقاطعة , وإنما انتقل إلى الاقتناع بخيار المشاركة مع اختلاف في تقدير شروطها . ولقد تجاسرت الحركة لتبحث في الرؤية مفهوما عصيا على التحديد والإجرائية في الفكر السياسي الإسلامي , فناقشت مفهوم البيعة, وبينت مصدره وأصله, وكيف كانت صورة البيعة وكيف تطورت : من التزام متبادل بين الحاكم والرعية, إلى التزام من الرعية فقط للحاكم مما يستدعي إعادة بناء المفهوم وبالتالي رسم الفعل السياسي على قاعدة تفعيل المدخل الديني على نحو يحقق الغاية المقصدية للفعل السياسي : الوصول إلى أرقى صور الحكم في تمثل قيم الدين : الحكم الراشد 4-في تأصيلها وتبنيها للمشاركة : تكون الحركة قد فتحت كل المجالات لانسياب خطابها , ولتحريك كل طاقاتها , وتعبئة الفعاليات الكامنة في المجتمع التي تؤمن بالمشروع الإسلامي دون أن تنخرط في خطوطه الشاملة . والخلاصة أن الحركة بهذه الرؤية قد مارست جملة من القطائع المعرفية مع الكسب الحركي الإسلامي كما رسمه رصيد التجربة, ويبدو ذلك واضحا من خلال ما يلي : -تبني خيار المشاركة قد أراح الحركة من مجموعة من الإشكالات التي تمزقت التنظيمات بسببها دون أن تجد لها مقاربة صحيحة . -طرح مفهوم البيعة في سياقه التاريخي ورصد مساره ومآله قد أعان الحركة على تأسيس مفهوم المدخل الديني للتغيير بشكل دقيق دون أن يعني ذلك تجاوز المدخل السياسي والدستوري . -بتبني الحركة لمجموعة من المفاهيم المنهجية والأصولية استطاعت أن تجنب الفكر الإسلامي السياسي المغربي من الاحتراب الفكري وأن تنقله من المستوى العقدي إلى المستوى الاجتهادي العام . -تجميع شرائح الجبهة الدينية وتوحيد المعركة ضد المواقع والأفكار العلمانية يكسب الحركة قدرة على المبادرة والتأثير والفعل الوازن والتمكين للفكرة الإسلامية , كما يخدم مشروع التقريب بين عناصر الجبهة الدينية الكسب الحركي الإسلامي , ويمنع الطرح العلماني من استغلال التنوع الإسلامي والاختلاف في المواقع الإسلامية في التمكين لفكرة العلمانية . وإذا كنا قد سجلنا ما نعتقد من ملاحظات بصدد تصور الحركة وكسبها الحركي , فعملية الترشيد تتطلب أن نبسط ما نعتقد أيضا أنه يمكن أن يسهم في تصويب المسيرة الحركية لهذا التنظيم : المأخذ الأول : العمق التصوري : في تمحيض الدعوة : (انظر مقال الحركة الإسلامية والبعد الأخلاقي المنشور بجريدة التجديد ع : 474) المأخذ الثاني : في الطرح التنظيمي : يتوزع هذا المأخذ على محاور ( يستأنس بالمقال الذي نشر بجريدة التجديد حول الحركة الإسلامية وقضايا التنظيم ع : 499 ) -المحور الأول : فك الارتباط التنظيمي بين الحركة والحزب, وتشبيب الهياكل المركزية للحركة : وهذا يعني أولا تميز القيادتين, وترك الإطارين يتطوران في مسارهما الطبيعي, بدون أن تدفع العلاقة في اتجاه توقيف مسار أحدهما على حساب الآخر, كما يعني ترك المجال للصف الثاني من القيادات التنظيمية لممارسة الفعل والإنجاز بما يحقق تميز الإطارين, وعدم احتكار الوجوه البارزة لكل من الفعل الدعوي والسياسي . -المحور الثاني : استقلال القطاع الطلابي والدفع به نحو تأسيس إطاره القانوني الذي يمكن أن يجد فيه متنفسه الحركي , ومجاله لإعادة هيكلة الفعل الطلابي . المحور الثالث : المبادرة لتكييف التحول الوظيفي للحركة تنظيميا, ويعني ذلك أن يترجم الاهتمام بالتكوين أو بالدعوة على مستوى بناء المؤسسات الكفيلة بتحقيق هذه الأهداف . المحور الرابع : بناء تصور جديد للعمل التلمذي, ينسجم مع الوظائف الجديدة للدعوة, ويؤهل الفئة المستهدفة كي تشكل القاعدة الأساسية للعمل الطلابي . المحور الخامس : في التأسيس لمفهوم الانتماء الظرفي للحركة التأهيلي للتخصصات ويقصد به بناء الفرد تربويا لمدة زمنية معينة , وتخييره بين ممارسة المهمة التأطيرية داخل الحركة أو مباشرة أحد التخصصات . المحور السادس : في العلاقة بين التخصصات : والمراد بهذه الفكرة حسم موضوع الانتماء المتعدد , الذي يؤثر في مستقبل العمل , ويخلق من التداخلات ما يجعل العمل بطيئا , وأحيانا مستحيلا . والبديل الذي يطرح كما أشرت في المحور الخامس هو فك الارتباط التنظيمي بالحركة لمن يريد أن يتفرغ للعمل في أي تخصص معين . المحور السابع : في القطع مع مفهوم العمل النسائي على مستوى الحركة : ويتقصد هذا الطرح ترجمة الاشتراك في الهم الدعوي دون إقامة التمايزات الموضوعية بين الجنسين , كما يسمح بتجاوز الإشكالات التصورية والعملية التي يمكن أن تنتج على مستوى العلاقة بين التخصصات . المأخذ الثالث : البعد الثقافي داخل الحركة .( يستأنس بالمقال الذي نشر بجريدة التجديد حول التنظيم الحركي وأهل الفكر ع : 225) ونقصد به خارج مهمة التخصصات تحريك الفعالية الثقافية داخل الحركة بخلق مؤسسة نشر الدعوة التي تسهم بالتعريف بالنتاجات المعرفية لأبناء الحركة الإسلامية, وتشجيعها وعدم قصرها على الرموز القيادية واسغلال الشبكة التنظيمية لتنمية القراءة ونشر الكتاب الإسلامي وحماية حقوق المؤلفين من أبناء الدعوة والباحثين , وتفريغ الأطر الفكرية المعينة داخل الجسم الحركي للتنقل قصد تحريك الفعل الثقافي . وهذا يعني بالطبع القطع مع فكرة الرمز الذي يستجلب في كل المناسبات ويتحدث في كل الموضوعات,وبناء تصور جديد للرمز الثقافي الذي يمثل الحركة, وذلك باشتراط الكفاءة المعرفية والتخصص لمباشرة التواصل الثقافي داخل الجسم الحركي . وجدير بالتسجيل أن نذكر بقوة الفن وقدرته الكبيرة في أداء الرسالة المجتمعية والثقافية , وإن حركة لا تمتلك رؤية فنية للعمل, ولا تملك حتى القدرة لتجميع الطاقات الفنية في يوم دراسي يطرح واقع الفن الإسلامي للنقاش ويقوم المبادرات الفنية الموجودة في الساحة , ويرسم الاستراتيجية الكفيلة بتطوير هذا المنشط المهم , لجدير بها أن تضع ضكمن اهتماماتها تفعيل كفاءاتها الفنية في هذا الاتجاه . المأخذ الرابع : إعلام الحركة أسئلة كثيرة تطرح بصدد هذا الإعلام, هل نريده إعلاما حركيا يخدم وظائف الحركة الثلاثة, وهذا يعني تراجع الموضوع السياسي في الخطاب الإعلامي, أم نريده إعلاما شاملا يعكس طموحات الأمة ورغبتها في إعلام متكامل ؟ ما علاقة إعلام الحركة بأداء الحزب ورموزه وقياداته ؟ هل سيجسر هذا الإعلام على نقد التجربة السياسية لهذا الحزب إن حاد عن الخط السياسي والفكري الذي تأسس التخصص على أساسه ؟ كيف نتعامل مع التسربات الإعلامية لبعض الاجتهادات الخاصة, والفرملة لبعض النزوعات ...؟ أسئلة ينضاف إليها المحو المهني, والمحور التجاري لتشكل الأرضية التي ينبغي أن تكون موضوع مداولة ونقاش من أجل تطوير الأداء الإعلامي للحركة, هذا فضلا عن تحريك كل الآليات الإعلامية الحديثة التي تمكن من تسهيل عملية التواصل والحوار مع كل الذين يرغبون في مناقشة طروحات الحركة, أو على الأقل يريدون أن يقتربوا من أفكارها. وإن حركة حديثة لا تتوسل اتخاذ المواقع القوية في شبكة الإنترنت لا يمكن أن تبشر باختياراتها ومواقفها, كخطوة أولى من أجل التفكير العميق والقاصد في اتجاه القناة الفضائية المتميزة التي تعكس رؤية الحركة وكيفية تمثلها للحدث والثقافة والفن . . خاتمة : نحو خلية للتأمل الاستراتيجي تقصد هذه الخاتمة فتح آفاق العمل بما يناسب نمو المشروع الإسلامي على شتى الواجهات, وهذا يتطلب بناء الآلة العلمية التفكرية التي تتابع الأداء الإسلامي, وتنشر الدراسات الاستراتيجية التي تستلهم معانيها المؤسسات , وتستأنس بخطوطها وتستنير بتوجهاتها, وتتيقظ لتنبيهاتها وتحذيراتها حتى تتكامل مؤسسات الفعل الإسلامي . تلك الخلية التي لا تتمتع بأي امتياز تنظيمي اللهم الرمزية الاعتبارية التي يمنحها لها البحث العلمي والكفاءة التأملية والتدبرية والتي إن نمت الحركية الثقافية يصير لها شرعية التأثير والتوجيه أكثر مما للقيادات التنظيمية . بلال التليدي