في إطار ندوات مجلس الشورى الهادفة إلى بلورة الرأي حول قضايا متخصصة؛ تهم مجالات عمل الحركة واهتماماتها، نظمت منسقية مجلس شورى حركة التوحيد والإصلاح؛ الندوة الثانية في موضوع خيار المشاركة لدى حركة التوحيد والإصلاح: التجربة والآفاق، وذلك يومي السبت والأحد 3 و4 ماي 2008, بالمقر المركزي للحركة بالرباط. وقد عقدت هذه الندوة بعد مرور أزيد من عقد من الزمن؛ على تبني حركة التوحيد والإصلاح لخيار المشاركة وخوضها لغمارها، وذلك بهدف المدارسة الموضوعية، والمناقشة الهادئة لمختلف الجوانب والقضايا المرتبطة بهذه التجربة، وكذا الآفاق الممكنة لتقويمها ولتطوير مسارها. وكانت الندوة مناسبة لتعميق الحوار حول خيار المشاركة، بالوقوف على حصيلة هذا الخيار في المرحلة السابقة، وقياس آثاره على مستوى الحركة ومحيطها وعلاقاتها، وذلك من خلال رصد ما تم من مكاسب وإنجازات، وما اعترض سبيل هذه التجربة من صعوبات وإكراهات، وما قد تواجهه من تحديات مستقبلية، تستوجب استشراف الآفاق الممكنة لتطوير هذه المشاركة، والبحث عن أفضل السبل وأرشد الخيارات الكفيلة بتمكينها من تنزيل رؤيتها الاستراتيجية، وأداء رسالتها في المجتمع. ونعرض فيما يلي لأهم ما دار في هذه الندوة من أفكار وآراء، من خلال خمسة محاور أساسية، تتماشى ـ مبدئيا ـ مع المنطق الحاكم لأرضية الندوة : 1 ـ رهانات التقييم السياسي للمشاركة. 2 ـ الآثار الإيجابية والسلبية للمشاركة. 3 ـ سيرورة المشاركة وسؤال المردودية. 4 ـ مدى فعالية الحلول القائمة المعتمدة حاليا. 5 ـ الصيغ والحلول المقترحة ضمن آفاق مستقبلية استراتيجية. 1 رهانات التقييم السياسي للمشاركة عبر المشاركون عن اتفاق حول أهمية تقييم المشاركة، مع اختلاف في خلفيات هذا التقييم، حيث اعتمد بعضهم في ذلك على منطق المراجعة والتجديد، الذي يحكم منهج الحركة، والذي يسعى دائما إلى تطوير المكتسبات وتجديد آفاقها، في حين اعتمد البعض الآخر على منطق المسؤولية التاريخية للحركة، التي تستلزم استيعاب الظرفية السياسية التي صار فيها خيار المشاركة مستهدفا، وكذلك الوقوف عند عناصر استشراف تحديات متوقعة؛ قد تفرضها المتغيرات الحاصلة على المستوى المجتمعي والسياسي الوطني والدولي، لمحاصرة الوصفات الجاهزة ضد الحركات الإسلامية. كما لوحظ أن التوجهات المنهجية لأغلب المشاركين، اتجهت إلى التنبيه على الأمور التالية: - ضرورة وضع الجزئيات ضمن تحليل كلي جامع لمختلف عناصر الموضوع، ومقلب لمختلف زوايا النظر والتحليل. - ضرورة استحضار التراكم النظري الذي أنتج هذا الخيار عند محاولة التقييم، وكذا التراكم المتدرج الحاصل على مستوى الخبرة والممارسة. وفضل بعض المشاركين وضع هذا الخيار ضمن صيرورة تاريخية داخلية، فيما اتجه آخرون إلى وضع التقييم ضمن آفاق المقارنة مع تجارب أخرى في العالم الإسلامي. 2- الآثار الإيجابية للمشاركة أبدى مجموعة من المشاركين اهتماما بضرورة تقرير الأبعاد الإيجابية ضمن مسار المشاركة، سواء كمبدأ وأيضا كقرار، وتطوير هذه الأبعاد. كما دعا مشاركون آخرون إلى تعميق الجهود النظرية حول النموذج المغربي للمشاركة السياسية، من خلال توسيع دائرة الكتابة حوله. وقد أبدى المشاركون أهمية بالغة بالأبعاد التالية: - نضج على المستوى الفكر السياسي (القبول بمنهج الديموقراطية، الحسم في الموقف من طبيعة النظام، ونهج سياسة التعاطي الإيجابي في التعامل مع الدولة..). - دمقرطة الحياة التنظيمية الداخلية. - تقديم نخبة ناضجة أخلاقيا وفكريا للفعل والتأثير في المجتمع. - إعادة الاعتبار للأخلاق السياسية في البلد. - الاسهام في تجنيب البلد العديد من المخاطر. - تحقيق مكاسب على مستوى عدد من قضايا الهوية 3 - سيرورة المشاركة وسؤال المردودية شكلت قضية المردودية نصيبا مهما في مداخلات المشاركين، حيث سجلت مواقف مختلفة، انطلاقا من اختلاف مستويات النظر لخيار المشاركة من حيث النتائج. ففي الوقت الذي ركز عدد من المتدخلين على الآثار السلبية المترتبة عن العمل السياسي على الوضع التربوي والأخلاقي لبعض الأعضاء الملتحقين بالعمل الحزبي، وبالتالي تم طرح المسألة التربوية بحدة، بهدف التصحيح، وأمام ظهور بعض السلبيات في أخلاق بعض الأفراد، عبر متدخلون أن هذه الوضعية محدودة ومرتبطة أساسا بالزمن الانتخابي، وينبغي أن يشار إليها بنسبية مقارنة مع الآثار الإيجابية الحاصلة، وإبراز النماذج التربوية المشرقة. كما ركز بعض المشاركين، وخصوصا المشتغلون منهم بالعمل الدعوي، على التشويش الذي يحدثه العمل الحزبي في تشكيل صورة الحركة في التمثلات المجتمعية، وهو ما قد يثير صعوبات في التواصل الدعوي. من جهة أخرى، اعتبر عدد من المتدخلين أن سيرورة المشاركة الحزبية كانت على حساب إفراغ الحركة من حمولتها السياسية، أي ممارسة السياسة باعتبارها موقفا عاما من قضايا الهوية والعدل الاجتماعي والسياسات العامة؛ ذات الأثر في المشروع المجتمعي الإصلاحي عموما (التعليم، الشباب، الثقافة..)، وذلك بالنظر إلى ثلاث أبعاد أساسية: البعد الأول: يتعلق باستنزاف الأطر الدعوية القيادية للمشروع جهويا ومركزيا. البعد الثاني: ناتج عن التردد في حسم ثنائية الدعوي والسياسي، التي لم تعد قضية داخلية، وعرفت بعض الضغوط الخارجية التي تستهدف إضعاف الحركة وتحجيمها.. البعد الثالث: يتعلق بالعزلة المجتمعية التي قد تتعرض لها الحركة، نتيجة لهيمنة النخبوية في خطابها العام. وتجدر الإشارة إلى أن بعض توجهات المشاركين؛ اتجهت إلى دفع التفكير نحو الأولويات المعطلة في مسار المشاركة السياسية، وتتعلق أساسا بالجهود المبذولة لتطوير الثقافة الديموقراطية ببلادنا، التي تستوعب شروط التدافع الإيجابي، وتتعالى على منطق التحجيم والتخويف والاستهداف، وتتعلق أيضا بانحسار قضايا التحالف الوطني مع الديمقراطيين في المشروع السياسي، وبعدم إنجاز مهمة بناء علاقة تواصل مباشرة، ومسار طبيعي مع الدولة. 4 ـ مدى فعالية الحلول القائمة قبل ذكر الحلول التي اقترحت لعلاج الآثار السلبية للمشاركة، على مستوى الاستراتيجية، ومستوى العلاقات والتدبير، يتعين الإشارة إلى أن العديد من المشاركين أكدوا على ضرورة التمييز بين الآثار الحاصلة، والآثار المتوقعة، كما برز اتجاه يدعو إلى ضرورة تعزيز الحلول القائمة وتجريبها، قبل الانتقال إلى وضعية البحث عن حلول جديدة، قد تكون ناتجه عن إكراهات اللحظة السياسية، التي لا ترتبط جوهريا بآثار خيار المشاركة، وفي هذا الإطار تم التأكيد على ضرورة تعميق صيغة التمايز، وتدقيق صيغة الشراكة. 5 - الحلول المقترحة لعلاج الآثار وتطوير الصيغ يمكن أن نلاحظ بأن الحلول لم تتجه إلى اقتراح صيغ بديلة، بل إلى التفكير من داخل الصيغ القائمة، أو اقتراح إجراءات جزئية لبعض القضايا. كما أن العديد من المشاركين، وضعوا السياقات العامة للمشروع الإصلاحي خلفية في الاقتراح، فطرحت مثلا الحاجة إلى إعادة بناء الوظيفة التاريخية للحركة، بحيث يتجه مركز الثقل في استراتيجيتها نحو المجتمع، باعتباره الفضاء الطبيعي لإنتاج القيم، كما طرحت إمكانيات الاستفادة من التجربة الصوفية، باعتبارها إحدى مداخل التفكير في إعادة بناء استراتيجية الحركة، ضمن جدلية الديني والسياسي...، كما تم توسيع آفاق قضية المشاركة؛ ضمن أفق أوسع من المشاركة السياسية، مما يمكن أن يشار إليه بأفق المشاركة المجتمعية للحركة، والتي تتطلب تعزيز الوظائف الأساسية (الدعوة والتربية والتكوين)، بما يسمح باستيعاب مجالات العمل المدني، ومن خلال آليات يمكن أن تطرح قضايا الهوية والتنمية والتعليم والثقافة والقيم والشباب وحقوق الإنسان... يلاحظ أيضا أن النقاش؛ شكل مناسبة للدعوة إلى استيعاب وظيفة السياسة بمفهومها العام، بالإضافة إلى وظائف التربية والدعوة والتكوين، في سياق الاستهدافات التي توجه إلى كل عمل سياسي نبيل. وقد تم التعبير عن هذه الفكرة بصيغ مختلفة، من مثل ضرورة تجديد الفكر السياسي للمرحلة الحالية، وإعادة النظر في الرؤية السياسية للحركة على مستوى الصياغة، لتستجيب للعديد من القضايا المستجدة، وضرورة وضع أهداف جديدة للمشروع السياسي للحركة، يتجاوز الأهداف السابقة (تأمين الإطار السياسي، امتلاك التجربة..)، والسعي إلى تقوية القدرات السياسية للحركة، وتنويع مداخلها بشكل متوازن (العمل النقابي، العمل الحقوقي..). كما أن هاجس التخفيف من ضغط السياسي اليومي، والذي يؤدي غالبا إلى ضعف التفكير السياسي، قد أخذ نصيبه من مناقشات المشاركين، فطرحت فكرة تأسيس مؤسسة فكرية تساهم في تجديد الفكر السياسي للمشروع العام، واعتماد الخبرات العلمية، ومراجعة الأدبيات السابقة، وتطويرها من داخل المؤسسات الشورية، وكل ذلك سعيا للحفاظ على جدلية التفكير والممارسة الكفيلة بتطوير التجربة. على مستوى العلاقات: - بخصوص العلاقة بين الدعوي والسياسي، قدمت العديد من الآراء، فمن جهة، طرحت فكرة التطابق التام بين الحركة وحزب العدالة والتنمية، خصوصا على مستوى الاستحقاقات الكبرى، والتي تفرضها دواعي شرعية وأيضا استراتيجية. لكن الملاحظ أن توجهات كثيرة في النقاش؛ ذهبت إلى تعزيز خيار التمييز بين الدعوي والسياسي، القائم على توزيع وظائف ومجالات العمل، في إطار مشروع متكامل، من زاويا تستحضر تارة منطق الضرورة، التي تتطلب أخذ مسافة من العمل السياسي المباشر، لتلافي آفة الاستهلاك السياسي، وأيضا لتحصين الشخصية المستقلة للحركة، ودورها الحيوي، وتارة تستحضر منطق طبيعة السياسة والدعوة، التي تفرض التمايز، فالدعوي هو تصحيح لتصورات الناس في فهم الدين وترشيد للتدين، في حين أن السياسي يفرض التدافع حول السلطة، من أجل الإجابة عن قضايا الناس اليومية. - تم التأكيد على ضرورة استمرار الحركة في دعمها للحزب، باعتبارها ضمانة أساسية للحفاظ على هويته، وهو ما يقتضي عقلنة العلاقة في المستويات المختلفة (الموارد البشرية..)، وذلك من خلال مسار تدقيق الشراكة بين الحركة والحزب، والذي يستلزم مواصلة دعم الحركة للحزب بالطاقات والكفاءات، وأيضا دعمه في المحطات الاستراتيجية. - و قد اتجهت تدخلات بعض المشاركين إلى التأكيد على ضرورة وضع نقاط مشتركة في أجندة العشرية المقبلة بين الحركة والحزب، تحدد أهدافا مشتركة في قضايا الهوية والإصلاح العام، وهو ما قد يشكل أساسا لتفعيل الشراكة الاستراتيجة القائمة، وتدقيق مقتضياتها بشكل أوضح. على مستوى معالجة بعض الآثار اتجه بعض المشاركين إلى اقتراح حلول عملية للآثار السلبية لخيار المشاركة، التي وضعت ضمن النقاش العام. فبالنسبة للحلول المقترحة على المستوى التربوي، برز رأي قائل بضرورة التفكير في بنيات استقبال تربوية من داخل الحزب، ضمن سياسة التعاقد، ومن رأي آخر قائل، بأن الحزب يمكنه اعتماد منظومة تربوية مستقلة... واهتم بعض المشاركين بضرورة الاشتغال على تطوير الثقافة السياسية لأعضاء الحركة، وأيضا بضرورة تدعيم توجهات القيادات الدنيا والوسيطة للحركة، حتى تكون أكثر استيعابا لتحديات العمل السياسي العام والمباشر، مما ينعكس على عقلنة وترشيد الخطاب السياسي للحركة. خاتمة في ختام هذه الندوة التي شكلت مناسبة لتبادل الرأي بين أعضاء مجلس الشورى حول موضوع المشاركة، تمت الإشارة إلى الاتجاه الإيجابي الذي طبع مختلف المداخلات، والمؤكد على أهمية خيار المشاركة، مع ضرورة توسيع النقاش على المستوى الجهوي والمنطقي، اعتمادا على الوثائق التي أنتجتها الحركة، للرفع من مستوى استيعاب عدد من القضايا والإشكالات ذات العلاقة بهذا الخيار. كما تمت الإشارة إلى أن هذا النقاش؛ وعدد من خلاصاته؛ ستشكل أرضية لتحيين عدد من وثائق الحركة المتعلقة بالمشاركة، واقتراح إجراءات مناسبة للتعاطي مع المستجدات المستقبلية. كما دعا المنسق العام لمجلس الشورى أعضاء المجلس الشورى إلى اقتراح مواضيع للمدارسة في الندوات المقبلة التي تعتزم المنسقية تنظيمها.