الخط : إستمع للمقال وجود الجزائر في حالة مواجهة شاملة مع جوارها الإفريقي، وفي نزاع مفتوح مع الدول المتوسطية التي لا تسايرها في الموقف من سيادة المغرب على صحرائه، فرنسا وإسبانيا خصوصا والصفعة الأمريكيةالجديدة ووقوف روسيا مع تحالف دول الساحل ضدها، كلها دلائل على عدم الثقة فيها من الدول الكبرى شرقا وغربا، وتخليها عن نظام العسكر... لم يعد اسم الجزائر يذكر في وسائل الإعلام الدولية، الصديقة منها والعدوة إلا مقرونا بخلاف جديد أو أزمة حديثه العهد مع هذا الطرف الإفريقي أو ذاك أو مع هذا البلد الأوروبي أو ذاك. ولم يعد المتتبع لأخبار هذا البلد الشمال إفريقي، في حاجة إلى مجهود سحريٍّ لكي يعرف بأن كل الأخبار التي تجمعت، في أقل من سنتين أو ثلاثة، كلها سوداء أو حمراء بما يفيد تفاقم الأزمة أو انفجار الوضع.. وراء ذلك تتراءي عجز السلطة في الجزائر عن تدبير الأزمات العديدة، بل لعلها تعمل على تعددها وتزايدها. لقد اتضحت صورة بلاد مترامية الأطراف بامكانيات اقتصادية هائلة لا تتوفر للعديد من دول العالم، في قلب الفضاء الادأورو متوسطي، لكنها دولة عاجزة عن كل تأمين كل أبعاد السيادة التي تصنع رخاء شعبها وأمن وإستقرار منطقتها.. وإذا كان هذا الوضع الداخلي شأن سيادي يخص الشعب الجزائري، فإن ما يهم شعوب المنطقة هو السياسة المُنْتهجة من طرف نظام العسكر، والمتمثلة في خلق كل شروط الأزمات والتوتر وإذكاء النزعات الحربية وتشجيع المغامرات الانفصالية وترهيب الدول والشعوب على حد سواء وعدم توقير وحدتها الوطنية والترابية والأدلة كثيرة على ذلك: توجد الجزائر في وضعية حرب غير خفية مع مالي، وصلت أصداؤها إلى مجلس الأمن وأروقة الأممالمتحدة. ولسنا هنا في معرض الحديث عن تفاصيل الأزمة، وسنكتفي فقط بالتذكير بعناوينها الكبرى: رعاية الإرهاب، دعم الانفصال وتدمير مقومات الدولة... كما تعرف الجزائر علاقات متوترة مع دول أخرى من نفس المنطقة في الساحل وجنوب الصحراء ومنها تشاد وبوركينا فاسو والنيجر، والتي أعلنت تضامنها مع مالي وتنسيق مواقفها ضد دولة العسكر. بل إن المواطنين والمواطنات في هاته البلاد تظاهروا أمام التمثيليات الديبلوماسية في هاته المنطقة.. ومما تجب الإشارة إليه هنا: الجزائر تطلق النار على رأسها، في تأزيم الوضع مع النيجر، الدولة التي كان أنبوبها الغازي مع نيجيريا سيمر «إجباريا» بترابها، ولا يمكن أبدا أن تنجح في منافسة أنبوب المغرب نيجيريا بدون النيجر! وهو ما بات يطرح أسئلة حقيقية حول السلامة العقلية لأصحاب القرار في دولة الجيران الشرقية، اللهم إذا كان صراع الأجنحة داخل الحكم يرمي إلى نسف هذا المشروع أصلا!!! هاته المناطق كانت جزء من النفوذ الفرنسي. والواضح أن الجزائر كانت تقوم بالمهمة بالوكالة، وبدا من الطبيعي أن الأزمة بينها وبين هاته الدول انفجرت، نتيجة لانحصار نفوذ فرنسا من جهة، ثم لإن دولة العسكر عجزت عن القيام بهاته المهمة نظرا لصعوبات التحول والتكيف مع معطيات النظام الإفريقي الجديد بلاعبيه الجدد... ومن الوارد بأن جزءا من أزمة الجزائر مع فرنسا، في العمق هو لهذا السبب أي أنه بسبب ضياع الدور الذي فقدته دولة العسكر تراجع نفوذ فرنسا، وأيضا لأن هاته الأخيرة تعي بأن الجيش الجزائري لم تعد له القدرة على ضمان النفوذ الفرنسي في المنطقة. ويجدر بنا هنا أن نعود إلى ما سبق لنا أن قرأناه إبان التعديل الدستوري في الجزائر سنة 2020، من أجل تسهيل تدخلاتها المسلحة في الخارج وعلى أساس الرفع من وزنها في منطقة الساحل الإفريقية ذلك التعديل الذي لم تكن فرنسا بعيدة عنه. الأزمة مع فرنسا، ستُضيع على دولة الجارة الشرقية فرصة إعادة النظر في علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي! مع اندلاع الأزمة من جديد ضاع الوعد الفرنسي الذي سبق أن قدمه إيمانويل ماكرون لعبد المجيد تبون، كما ورد في البلاغ المشترك بينهما والذي سجل أنه «قد أبلغ الرئيس ماكرون الرئيس تبون بدعم فرنسا لمراجعة اتفاق الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي»!... في الوجه الآخر للعملة الساحلية، نجد روسيا على الطرف النقيض من حليفها الجزائري. ويكفي هنا التذكير، بأنه في عز الأزمة بين الجزائر وتحالف دول الساحل التي أصدرت بيانا مشتركا ضدها (7 ابريل الجاري) كانت موسكو تحتضن القمة المشتركة الأولى بين وزراء خارجية هذا التحالف لبحث التعاون الأمني والعسكري في المنطقة حسب بلاغ الخارجية الروسية! وهو حدث قال عنه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أنه «سيستمر بشكل منتظم، ويعقد كل سنة في موسكو أو إحدى دول الساحل الثلاث»!. لا معنى أن نذكر هنا بزيارة عبد المجيد تبون إلى روسيا وإعلانه «البيعة» لموسكو (انظر مقالا في "برلمان كوم") بعد هذا الرد القاسي من رجال بوتين على رجال شنقريحة!! بعد فرنساوروسيا، الدولتين العضوتين الدائمتين في مجلس الأمن، سعت الجزائر إلى عرض صداقتها مع الولاياتالمتحدة، لسبب واحد ووحيد هو الدفع نحو موقف ينقذ ماء وجهها في قضية الصحراء، ولن نطيل في الموضوع بل نذكر فقط بالعرض المخزي والمخجل الذي قدمه سفير الجزائر في واشنطن الصبري بوقادوم والذي عرض ما فوق الأرض وما تحت الأرض الجزائريةلواشنطن في «صفقة القرن» الجديدة لعلها تراجع موقفها، بدون نتيجة، بل تلقى صفعة القرن الكبرى عندما انتقلت امريكا من دعم السيادة المغربية على الصحراء إلى تدعيم مجهودات الأممالمتحدة لطي صفحة هذا الملف نهائيا، عكس ما تعمل من أجله الجزائر وعسكرها.. دون الحديث عن التهجمات التي كان ممثل الجزائر في مجلس الأمن قد قام بها ضد الولاياتالمتحدة أثناء التصويت على القرار الأخير حول الصحراء في أكتوبر الماضي وامتناعه عن التصويت على القرار الذي صاغته هي! لن تكتمل اللوحة السياسية القاتمة لدولة العسكر وعزلتها، بدون الحديث عنها والتي تشبه الإقامة الإجبارية الدولية. وهو تحالف هزيل، لا يسمن ولا يغني إلا من به جوع. وهو معروف هاته الحالة! الوسوم الجزائر النظام العسكري الجزائري فرنسا