منذ إسقاط الجيش الجزائري لطائرة استطلاعية "درون" مالية في منطقة حدودية في الفاتح من أبريل الجاري، تقف العلاقات بين الجزائر وتحالف "دول الساحل" في مفترق طرق "حاسم"، ليس فقط لمستقبل منطقة الساحل الإفريقي الحافلة بالتحديات؛ بل بالنسبة أيضا لدول شمال إفريقيا والصحراء الكبرى. توتر العلاقات بين النظام الجزائري ودول الساحل الثلاث، خاصة مالي وحليفتيْها النيجر وبوركينافاسو، فتح الباب أمام تسارع لمؤشرات دبلوماسية مقلقة؛ بدأ باستدعاء السفير الجزائري في باماكو والانسحاب الفوري من لجنة رؤساء الأركان المشتركة، وهي تحالف بين قوات مسلحة عديدة في منطقة الساحل لمكافحة الإرهاب تضم الجزائر أيضا، وتقديم شكوى إلى الهيئات الدولية "بسبب أعمال عدوانية". لجأت الجزائر، في ردها، إلى خيار غلق مجالها الجوي أمام دولة مالي اعتبارا من الاثنين الماضي؛ فيما عدّد خبراء في الشأن الإفريقي ودول الساحل "سيناريوهات" ومآلات الأزمة التي حشرت "عساكر المرادية" في زاوية العزلة الإقليمية والدولية المتفاقمة. "غير وارد" الموساوي العجلاوي، أستاذ باحث في الدراسات الإفريقية وشؤون الساحل والصحراء، قال معلقا على الموضوع إنه "في ظل المعطيات الحالية، يجري الحديث عن توتر شديد بين النظام الجزائري وبين دول تحالف الساحل، خاصة مالي؛ بيْد أن الحديث عن حرب غير وارد الآن لأسباب مرتبطة بالنظام الجزائري نفسه، خوفا من أن تنكشف ثغراته العسكرية"، مستحضرا معطى أن "الدول الكبرى لن تسمح بحرب إقليمية في الساحل؛ لأن ذلك يعني تقوية جماعات الإرهاب والجريمة العابرة للحدود، وهذا ليس في مصلحة أي أحد". ولفت الموساوي، في تصريح لهسبريس، إلى أن "أهداف مالي والنظام الجزائري متناقضة من حيث مواجهة الإرهاب والانفصال"؛ مردفا بالشرح: "فمالي باستعمالها الدرونات توجه رسالة إلى الحركات الانفصالية والإرهابية بأن دولة مالي تلح على بسط سيادتها على كامل التراب الوطني. ومن هنا، تأتي أهمية منطقة تينزواتين للطرفين؛ في حين أن النظام الجزائري يلعب ورقة 'أزواد' وجبهة 'نصرة الإسلام والمسلمين' برئاسة أياد أغ غالي (تنظيم القاعدة) للتوظيف الجيوسياسي". وأشار الخبير المغربي في شؤون الساحل والصحراء إلى وجود "تقاطعات مصادر كثيرة حول نقطة التنسيق بين المخابرات العسكرية الجزائرية وأياد أغ غالي، الذي يملك سكنا مع عائلته داخل التراب الجزائري؛ وإسقاط الدرون المالية هدفه تقوية هذه الجماعات". كما تساءل: "إلى أيّ حد ستُصر مالي وحلفاؤها على بسط سيادتها في شمال مالي، وإلى أيّ حد لا يمكن للنظام الجزائري أن يتنازل عن نصرة حلفائه؟"، قبل أن يبرز أنه لذلك قررت دولة مالي وحلفاؤها طرح ما وقع على "مؤسسات دولية". وبحكم أن عضوية الدول الثلاث من الساحل "مجمدة داخل الاتحاد الأفريقي"، أورد العجلاوي "مبادرة المغرب حين ترأس مجلس السلم والأمن بمحادثات غير رسمية. يمكن لرئيس الاتحاد الإفريقي، رئيس أنغولا، أن يبادر إلى التواصل مع الأطراف. كما يمكن لمنظمة التعاون الإسلامي أن تتوسط بين الأطراف.."، خاتما "لكن الوضع الحالي يتطلب فقط وضع النقاط على الحروف. مالي تبسط سيطرتها وسيادتها على ترابها، والجزائر تحترم حدودها دون زيادة أو نقصان". تصعيد الأزمات محمد نشطاوي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاضي عياض بمراكش، سجل أن "تصاعد التوتر بين الجزائر وبلدان الساحل في الفترة الأخيرة؛ بمؤشرات متواترة كان سحب بلدان الساحل لسفرائها من الجزائر، تعبيرا صريحا لها"، مستحضرة شرارة "حادثة إسقاط طائرة استطلاع مالية من قبل الجيش الجزائري اعتُبرت عملا عدائيا". وأشار نشطاوي معلقا لهسبريس أن "بيان دول الساحل جاء صريحا لينتقد السياسة الجزائرية ويصفها بالقمعية"؛ فضلا عن كونها "تُتهم بدعم الحركات الإرهابية وزعزعة الاستقرار في المنطقة"، خاصة بزرع التوترات من خلال دعم "البوليساريو". حسب المصرح، ف"دول الساحل تُظهر نضجا في التعامل مع الجزائر وتصعيد التوترات عمدا. لذلك، تُعتبر بلدا مارقا غير قادرة على العيش بسلام مع جيرانها"، مسجلا "احتمال تصعيد الأزمات بين الجزائر وبلدان الساحل". وقرأ خبير العلاقات الدولية أن "بلدان الساحل توحدت في موقفها ضد الجزائر، وسحب السفراء يؤكد تصميمها على حماية وحدتها واستقرارها؛ في موقف يعكس "نضجها" تجاه جار يقتات على العداء للجيران. وقال بإجمال إن "السيناريوهات التصعيدية تبقى مطروحة إذا لم تلتزم الجزائر بمبادئ حسن الجوار، خاصة أن بلدان الساحل توحدت في تحالف دول قوي وهيئة رؤساء اتخذت مواقف موحدة". "أسهم الحرب في بورصة التوتر" أحمد نور الدين، الخبير في العلاقات والشؤون الإفريقية، اعتبر المقولة التي تصدُق على الجزائر "نعامة على فرنسا وأسدٌ على ماليوالنيجر". وقال شارحا: "ففي الوقت الذي رفعت فيه الراية البيضاء أمام فرنسا دون أن تغير فرنسا شيئا من أسباب القطيعة التي دفعت الجزائر إلى سحب سفيرها وإصدار بلاغات وتهديدات عنترية، وأعني بذلك اعتراف فرنسا بمغربية الصحراء في غشت 2024، نراها سارعت إلى قطع الأجواء على الطيران المدني في مالي، وتعتدي على سيادته وحوزته الترابية بإسقاط طائرة داخل المجال الجوي المالي وتستعمل معه في بلاغات رسمية لغة التهديد والترهيب". وفي تقدير نور الدين، يبقى "اندلاع مواجهة عسكرية احتمال وارد؛ لأن الجيش هو المتحكم في هذه البلدان، وطريقة ردود الفعل لدى المؤسسة العسكرية هي ("العين بالعين") وهو المبدأ ذاته الذي يعبر عنه في القانون الدولي بحق الرد أو المعاملة بالمثل"، مشيرا إلى أن العسكر يسهمون في "ارتفاع أسهم الحرب في بورصة التوتر القائم بين الجزائر وجيرانها". وزاد: "التغيرات الجيوسياسية في المنطقة والعالم قد تساعد على اندلاع أعمال حربية في المنطقة التي تحولت إلى ميدان للمواجهة بين قوى دولية مثل روسياوفرنسا والصين وبدرجة أقل تركيا.. كما أن المنطقة دخلت حالة من الفوضى وعدم الاستقرار منذ 2012 وليس الآن فقط، والآليات التي استعملت لوقف الانهيار بما فيها بعثة "منوسما" التابعة للأمم المتحدة وعملية "برخان" الفرنسية أثبتت فشلها عسكريا؛ بل ساهمت بشكل أو بآخر في تفكك مالي وصعود الجماعات المتطرفة والانفصالية، سواء بشكل إرادي أو غير إرادي". هذه المعطيات، وفق المتحدث للجريدة، تجعل مالي، مثلا، "ليس لديها ما تخسره أكثر مما خسرته. ونحن نعلم أن المواجهة إذا اندلعت الحرب ستكون في غير صالح الجزائر، عكس ما يظن البعض؛ لأنها ستتحول في أقل من شهر إلى حرب غير متوازية asymétrique بين جيش نظامي وبين قوات تعمل بتكتيكات حرب العصابات في مجال يفوق مليون كيلومتر مربع في مالي وحدها مع حدود تتجاوز 1300 كيلومتر بين البلدين؛ مما سيجعل مالي مقبرة للجيش الجزائري". ومضى شارحا: "الدور التخريبي للجزائر إلى جانب الأيادي الأجنبية الأخرى أصبح واضحا ومؤكدا من خلال تصريحات وبلاغات الحكومة المالية التي تتهم بشكل رسمي الجزائر باحتضان الحركات الإرهابية والانفصالية التي تضرب استقرار مالي ودول الساحل، انتهاء بإسقاط الطائرة المسيرة داخل المجال الجوي لمالي؛ وهو انتهاك صارخ لسيادتها فضلا عن طبيعته الإرهابية". "في مواجهة الأدوار التخريبية التي تقوم بها الجزائر لنشر الفوضى في المنطقة، فالمغرب أمامه فرصة حقيقية وتاريخية وله رصيد من الثقة لدى الدول المعنية يؤهله إلى القيام بدور محوري، وهذه الدول هي التي تطالب المغرب بشكل رسمي بدعمها ومساعدتها على تخطي محنتها عسكريا واقتصاديا"، ختم الخبير في الشؤون الإفريقية.