لقد لخصنا لك أيها القارئ الكريم في عدة حلقات سابقة، المفاهيمَ المرتبطة بإحدى زوايا النظر إلى الحديث النبوي، وأعني بها النظر إليه من جهة قبوله ورده؛ فأحببت قَبْلَ أن نوَلّي وجوهنا شطر زوايا أخر، أن أرتب معك هذه المفاهيم، لتكون تذكرة لي ولك، فأقول وبالله التوفيق: إن قبولَ الحديث يعني جمعَه لشروط القبول الستة، وهي العدالة والضبط واتصال السند وعدم الشذوذ وعدم العلة والعاضد؛ فإن جَمَع الحديثُ الشروط الخمسة الأول، فهو الصحيح لذاته، وإن جمعها مع خفة يسيرة في شرط الضبط، فهو الحسن لذاته، ويرتقي للصحيح لغيره بوجود شاهدٍ له صحيحٍ، فإن خفّ الضبط كثيرا، فهو الحسن لغيره إن وُجد عاضد يشهد له. فإن فقد شرط العدالة فهو الموضوع أو المتروك. وإن فقد الاتصال فهو المنقطع وتحته أنواع كالمعضل والمعلق والمرسل وغيرها. فإن فقد شرط عدم الشذوذ، فهو الشاذ إن كان الراوي ثقة، وإن كان متكلَّما فيه فهو المنكر. فإن فقد شرط عدم العلة، فتنتج منه أنواع عديدة يجمعها لفظ المعل أو المعلول. وحيثما انخرمت شروط القبول، فالحديث مردود. وهذا الرد أنواع يجمعها لفظ الضعيف، وتتدرج تحته أنواع من الضعف الشديد، حتى تصل إلى شرّها وهو الموضوع. وما كان في دائرة الردّ قد يخرج إلى القبول من غير عكس؛ فالضعيف يرتقي إلى الحسن لغيره إن وجد ما يعضده، أما ما جزم المحدثون بأنه في دائرة القبول فلا ينزل إلى دائرة الرد، ومجال تأويله مفتوح للمجتهدين بشروطه. ودائرة القبول أوسع من دائرة الصحة، والاحتجاجُ حاصلٌ بهما معا؛ هذا عند المحدثين، أمّا عند أوائل الفقهاء قبل استقرار الاصطلاح الحديثي، فدائرة القبول أكثر اتساعا منها عند أهل الحديث. ولأختم الحلقة بالاستشهاد بأبيات متفرقة من منظومة البيقوني في هذه المصطلحات السالفة: أوَّلُها (الصَّحِيحُ) وَهْوَ مَا اتَّصل إسْنَادُهُ وَلَمْ يَشُذَّ أَوْ يُعَل يَرْوِيهِ عَدْلٌ ضَابِطٌ عَنْ مِثْلِه مُعْتَمَدٌ فِي ضَبْطِهِ وَنَقْلِه و(الَحسَنُ) المعروفُ طُرْقاً وَغَدَتْ رِجَالُهُ لاَ كالصّحيحِ اشْتَهَرَتْ وكُلُّ مَا عَنْ رُتْبَةِ الحسن قصر فهو (الضعيف) وَهْوَ أَقْسَام كُثُر وَ(مُرْسلٌ) مِنْهُ الصِّحَابِيُّ سَقَطْ وَكُلُّ مَا لَمْ يَتَّصِلْ بحال إسْنَادُهُ (مُنْقَطِعُ) الأوْصالِ وما يخالف ثِقَةٌ بِهِ الَملا (فالشاذُّ) ...... ومَا بعِلَّةٍ غُمُوضٍ أَوْ خَفَا (مُعَلَّلٌ) عِنْدَهُمُ قَدْ عُرِفَا وَ(المُنْكَرُ) الْفَرْدُ بِهِ رَاوٍ غَدَا تَعْدِيلُهُ لاَ يْحمِلُ التَّفَرُّدَا (مَتْرُوكُهُ) مَا وَاحِدٌ بِهِ انْفَرَد وَأَجْمَعُوا لِضَعْفِهِ فَهْوَ كَرَد وَالكَذِبُ المُخْتَلَقُ المَصْنُوعُ عَلَى النَّبِي فَذلِكَ (الموْضوعُ)