الحسن هو أحد أقسام الحديث المقبول، وهو دون الصحيح في المرتبة، وهو نوعان حسن لذاته، وحسن لغيره. فأما الحسن لذاته فاصطُلح به على كل حديث جمع شروط الحديث الصحيح الخمسة، إلا أنه نزل عن الصحيح في الشرط الثاني وهو الضبط في الراوي، فراوي الصحيح يتميز بالضبط التام، أما راوي الحسن فضبطه غير تام. وقال ابن الصلاح في وصفه: "أن يكون من المشهورين بالصدق والأمانة، غير أنه لم يبلغ درجة رجال الصحيح، لكونه يقصر عنهم في الحفظ والاتقان، وهو مع ذلك يرتفع عن حال من يُعَدُّ ما ينفرد به مِن حديثه منكَرا". وقال البيقوني في منظومته: والحسنُ المعروف طرقا وَغَدَتْ رجالُه لا كالصحيح اشتهرت وقال ابن حجر في "نزهة النظر": "فإِنْ خَفَّ الضَّبْطُ؛ أي: قلَّ ... معَ بقيَّةِ الشُّروطِ المُتقدِّمَةِ في حَدِّ الصَّحيحِ؛ فهُو الحَسَنُ لذاتِه". ومعنى "لذاته" أنه لم يوصف بالحُسْن بسببِ شاهدٍ من خارج سنده ومتنه، كشأن الحسن لغيره كما سيتبين، فحُسنُه آتٍ من جمعه شروطَ الصحة مع خفة يسيرة في شرط الضبط. ومن أمثلة أسانيد الحسن لذاته: بهزُ بن حكيم عن أبيه عن جده، وعمرُو بن شعيب عن أبيه عن جده، وابنُ إسحاق عن التيمي. وقال الذهبي(748ه) فيها بأنها من أعلى مراتبه كما ذكر السيوطي في "تدريب الراوي". ونمثل له بحديث وهو ما رواه أحمد(241ه) في المسند رقم 20048 قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا بَهْزٌ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَنْ أَبَرُّ؟ قَالَ: "أُمَّكَ"، قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: "أُمَّكَ"، قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: "أُمَّكَ، ثُمَّ أَبَاكَ، ثُمَّ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ". قال الدكتور نور الدين عتر في "منهج النقد في علوم الحديث": "فهذا الحديث سنده متصل، لا شذوذ فيه ولا علة قادحة، حيث لم يقع في هذه السلسلة أي اختلاف بين الرواة ولا في المتن... وبهز بن حكيم من أهل الصدق والصيانة... لكن استشكل العلماء بعض مروياته... وهذا لا يسلبه صفة الضبط، لكنه يُشْعِر بأنه خَفَّ ضبطُه... فيكون حديث بهز هذا حسنا لذاته كما حكم العلماء بل هو من أعلى مراتب الحسن". قلت: والحسن لذاته هو الذي يرتقي إلى درجة الصحيح لغيره بشاهد من الصحيح لذاته، ومثاله الحديث السابق، فقد أخرجه البخاري(رقم5971) ومسلم(رقم2548)، فزالت الخشية من خفة الضبط فارتقى إلى درجة الصحيح لغيره.