زواج المتعة، وطأ المرأة من الدبر، نكاح الصغيرة...الخ "" "يستطيع الجمل أن يرى سنام غيره لكنه لا يستطيع رؤية سنامه" مثل مغربي من مؤشرات تخلف الأمة أنها جاهزة للنزاع وتضخيم خطوط الصدع، حتى بات كل ما لديها قابلا لأن يتحول إلى برميل بارود مهيأ دائما للانفجار. هنا تصبح التعددية بما فيها الطبيعية كالعرقية أو الثقافية أو الدينية أو حتى العلمية إلى عوامل توتير. المسألة وما فيها أن العقل الشقي يستطيع أن يحول كل شيء طبيعي إلى وقود للعنف والإرهاب الرمزي والمادي. القضايا نفسها التي تشكل عنصر ثراء في المجتمعات المتقدمة تتحول إلى عنصر تفقير سياسي وثقافي في مجتمعات التخلف. وهكذا رأينا أن المجتمعات العربية تعيش حالة نزاع داخلي يكاد يكون شبيها لبعضه البعض حتى لو اختلفت بناها الاجتماعية. العقل الذي يجعل من التعددية المذهبية مشكلة هو نفسه الذي يجعل من التعددية العرقية مشكلة. جوهر المشكلة يتصل بالنزعة الأصولانية ، وهذه المرة أعني بها نزعة شديدة الوفاء لأصول لا ترى فيها أصولا نسبية أو على الأقل أصولا قابلة لمراتب من الفهم المتطور. بل هي عادة تنظر إليها كأصول قارة ثابتة لا تتحرك ولو بالعرض. وفي تقديري أن الدين كل دين هو في جوهره نقيض للنزعة الأصولانية. لأنه أفق تتفتق به وفيه العقول. الدين مجال للانطلاق الروحي ومقامات الأنفس والمجاهدة الروحية والعقلية ، وليس مجالا لكبت الروح أو كبت المعنى. الأصولانية ثابتة والدين منطلق.. الأصولانية تزهد في المعنى الممكن وتكتفي بالظاهر فيما الدين يتجه نحو استكمال المعنى وارتقاء الروح. باختصار، إن الدين نقيض الأصولانية. هذا لا يعني دعوى لنبذ الأصول بل دعوى لإنشاء علاقة منطلقة معها.. علاقة مفتوحة على التأويل. وعليه، لقد لاحظنا أن الكثير من قضايا النزاع المذهبي تتغذى على هذا الوعي الأزموي المتخلف . ومثال بارز على ذلك، أنك تجد الخلافات الفقهية موضوعا للتراشق المذهبي. مع أن المسألة في الفروع مدارها الأدلة. وحيث أننا نتحدث في هذه الجولات عن جملة التهم التي يقذف بها الشيعة ، أردنا الوقوف على بعض من تلك الحملات الحمقاء التي لا يشتم فيها فقه أو دراية. وقد نزل بعضهم دهاليس التجديف في مسائل فقهية تتعلق بقضايا خاصة ، وتضخيمها في نوبات الصراع المذهبي العقيم ، فارتأينا دفعها بما يعيد الرشد إلى العقل المسلم، وتدريبه على مواجهة مشكلاته بشكل من الموازنة حتى لا يقع الظلم بين المسلمين على الأقل. وأجدد التنبيه إلى أن الغرض من هذا كله لا يتعدى إنصاف تراث وجب التعاطي معه كتراث إسلامي وجب احترامه. أي أن الموقف العلمي والأخلاقي لا يسمح بأن نجعل الطريق للدعاية إلى مدرسة من المدارس بتشويه مدرسة أخرى. إننا لا نريد ممارسة ما يعتبره البعض تبشيرا، لأن هذه ليست لغة التبشير بل هي لغة البرهان. والغاية ليس الدعوة بل طلب الرشد في التعاطي مع المختلف. ولا مجال فيما نطرحه هنا لعوالج النفوس وأدواء الكراهية ، لأننا لا نكفر أحدا ولا نكره أحدا وإنما نكره نهجا وأسلوبا وننفر من الكراهية والاستئصال. كن ما شئت ولكن كن إنسانا. كن أشعريا أو معتزليا أو شيعيا ... ولكن لا تنسى أنك مسلم لا أحد يملك أن ينزع منك إسلامك أو يمارس عليك وصاية. حاسبني بما أقول لا بما تنفض عنه غبار المدونات الصفراء. حاكمني بما أعتقد به بالفعل لا بما تتخيله في أوهامك. إن في السنة ما يحتاج إلى إصلاح وفي التشيع ما يحتاج إلى إصلاح. وفرق بين مهمة إبراء ذمة مدرسة من الطعون الظالمة وبين مهمة الإصلاح الإسلامي التي نعتبرها غايتنا الأولى والأخيرة. ووجب على رسالة الإصلاح أن لا تغفل دورها في مواجهة الأمراض بالصراحة المطلوبة. علينا أن نكون صرحاء في كشف فضائح الطائفية والمذهبية البغيضة. وذلك لا يتم إلا بدحض مزاعمها وأحكامها ضد المختلف. وأما ما يبدو من شأن شراذم معدودة تمتهن الضوضاء الطائفي ، فإن لها في كلامنا ما يقضم الأنوف ويجدعها ، لأن لا احترام لمن يكفر المسلمين ولا مهادنة مع من يضيق رحمة الله على خلقه. ولهم أقول: ترديد التهم لا يثبت شيئا لا داعي إلى رقصة المطر الهندية هذه المرة. سأجيب على كل فرية تلقي بها التفاهة في سوق خردتنا الطائفية.. لا يحلم ذو السويقتين وأي دجّال أنه يحمل من الحجة ما ينفع.. إنما تنزّها تنزّهناه.. وتساميا تساميناه ليس إلاّ. لا داعي إلى تمطيط الأسطوانة المشروخة، فسوف أحطمها وأجعلها مزقا.. وسأواصل هذه الرياضة التي لا تكلفني جهد حركة الجفون ما دام المسيء إياها ممططا ومولعا حد المشاش بهذا التجديف الأجرب.. إن قلت قلت.. ولن تملك المضي إلى منتهى الطريق لأن قدميك ضامرة وقواك خائرة ونفسك قصير.. ولا يهم إن تكاثرت أنياب الإساءة، فلقد حفظناها حفظ عاشق وجرت في دمنا جريانا لا راد له، لقولة قالها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب: " لو تظاهرت علي العرب ما وليت هاربا" . أقول ، فكيف نهرب من ذي السويقتين وممن كتب الله عليه أن يضل فاقدا للمهارة ودقة التصويب (maladroit) في فكره وحجاجه وحياته ، ونزع منه القبول في دنيا الناس. فلا تشرئب بعنق الإساءة فإن حبل الحقيقة قصير. فأنت من يصنع هذا المسار وأنت من يتحكم في علامات الطريق. ترى ما هذا الجهل المطبق وما قصة هذه الجاهلية الضاربة الأطناب؟ لقد سبق وأوضحت من على هذا المنبر ، وبالقدر الذي يغني اللبيب ، حقيقة ذلك الافتراء الذي ساقه خصوم الشيعة ضد الشيعة بخصوص زواج المتعة أو ما يسمى بالزواج المؤقت من خلال مقالين اثنين: أحدهما تحت عنوان: زواج المتعة : تهمة أخلاقية أم خلاف فقهي؟" والثاني تحت عنوان: " فلنكن صرحاء: لماذا دافعت عن حلية زواج المتعة". ولا يجدي إعادة الكرة لشدة وضوحه ولشدة التباس دعوى الخصم في كل ادعاءاته. ولم يكن زواج المتعة والتجديف به ضد الشيعة وحده من جملة ما بدا لعقا على ألسنتهم. بل ما زلنا نسمع حكايات كثيرة تسعى لإثارة جلبة من الإتهامات ذات الطابع الجنساني طلبا للتشويه. والحقيقة أن الفرق بين الشيعة وخصومهم يكمن في حجم التأصيل والاعتراف والصراحة في تظهير أحكامهم. خصوم الشيعة يعيشون حالة كبت عارمة ليس في واقع الممارسة الجنسية الخارجية فحسب، بل حتى في الممارسة الفقهية والتنظيرية. ولذلك وبعد أن انسدت في وجوههم الأبواب، وقعوا على كل ما هو شاذ في أحكام الجنسانية: الاستمناء ليس بديلا قهريا عن الوطأ الطبيعي فحسب ، بل بديلا عن الوطء ما لم يكن فيه اقتران أبدي. لكنهم يفتحون طرقا افتراضية للعدد اللانهائي من ذلك كالتعدد وملك اليمين. لقد لجئوا إلى الاستمناء بديلا نهائيا . وحينما تفننوا تحدثوا عن ابن عم الاستمناء : التوجيه إلى الإيقونات والنفاخات وال"قشاوش" والدمى... كمازمزم بها أحد المتمشيخين الجاهلين بالفتوى حتى على أصولها السنية . فقه الجنسانية كما يحضر في هذا الخطاب بات مفضوحا ولا مكان له في عالم اليوم. كبت وازدواجية طبقية تجعل المقتدر يعافس فرش الحرائر وملك اليمين ، ويترك للغلبة غير القادرين أيادي شقية للخضخضة كما يسميها القدامى أو جلد عميرة كما كان يسميها بعضهم أيضا. ولكنني قبل أن أمضي في بيان باقي الافتراءات الأخرى ، سأقول كلمات حول زواج المتعة، تتعلق ببعض الدفوعات غير المتينة من الناحية الفقهية. وقبل ذلك لا بد أن أسجل ملاحظة سريعة. إن كان لا بد من الاستفادة من كل هذه الرياضة الكلامية التي تحتويها الأسطوانة المشروخة بالتجديف ضد الشيعة دينا ودنيا لم يتركوا لهم هامشا من المشترك الإنساني الذي حفظه الله لكل بني البشر ما لم يكونوا معتدين يكفرون المسلمين ويستهينون بالخلق ، أجل ، إن كان ولا بد أن نستفيد من ذلك ، فلنجعله شواهد حية وأمارة قوية للعبور إلى نفسانية الصابر المريض المبتلى بالشيعوفوبيا إلى حد الهسترة. في كل ما تنطق به هذه الأسطوانة المشروخة نقف على كيفية من كيفيات الخداع التي تمارسها الذات المريضة من خلال كل الهواجس ومظاهر الهيستيريا التي تخشى إن هي اعترفت ببعض الفضل لخصمها أن تسقط سقطة لن تقوم بعدها أبدا. ولذلك فالحرص المرضي على تبشيع الخصم والدفاع عن كل عوارها حتى الفاضح منه ، يبلغ منتهى حدّته. وفي موضوع التهم التي تسعى إلى إبراز الفقه الشيعي كما لو كان فقها للبورنوغرافيا وليس فقها لتدبير الأحكام ، نقف على مظاهر هذا الهجّاس الجنساني في خطاب خصوم الشيعة ، بات فاضحا ومكشوفا عند من أوتي دربة التحليل النفسي. وحيث استغل خصوم الشيعة تسامي الشيعة عن النزول لمناقشة بنيات أفكارهم، ثبتوا على ترديدها كما لو كانت في نظرهم صيدا ثمينا يستكملون به تجديفهم اللانهائي ضد الشيعة. وحيث بات ضروريا أن ترد مثل هذه التهم المرضية ، كان لا بد من تسجيل أن الأصل في هذا البهتان ، إسقاط لهواجس يقدحها الكبت والخيال الجنساني المرضي. يحتاج الأمر هاهنا إلى شيء من الفقه والصراحة والاعتراف . بالفقه تتحقق الحجة وبالصراحة يتحقق العلم وبالاعتراف نحرر محل النزاع. وحينما يغيب الفقه والصراحة والاعتراف يحل محلها الارتباك والخواء ويصبح المجال مفتوحا لكل أشكال سفه القول وفجاجة النظر. وفي مثال زواج المتعة كانت غايتي هم أولئك المحرومين والمهمشين والفقراء ومن ليست لهم حيلة من الطبقات السفلى من الناس. لم أقصد أن المتعة هي حلّ بالضرورة لمن يملك أن يتزوج مثنى وثلاث ورباع، ثم ينصح الفقراء بالتعفف ويوجههم للاكتفاء بالدمى والجمادات كما يفعل أغلب فقهاء (فتاوى ستار). أجل ، ما الذي يجعل فرائص المرضى ترتعد عند سماع أجراس الأنكحة الحلال.. ومن هو هذا الكائن الموربيدي الذي يريد أن يحتكر القول في الجنسانية على مقاص هواجسه المرتبكة لا على مقاص المطالب السوية والمشروعة لبني البشر.. من هي الخفافيش التي تختفي داخل كهوفها لتمنحها بظلاميتها ظلاما فوق ظلام إن أخرجت يدك لن تكد تراها ، ليقولوا كل شيء لكن لا ليقولوا سوى ما يعتمل في نفسانيتهم التي تحتاج إلى كرسي الصابر..هل الحديث عن المتعة يجلب كل هذا الزقاح بينما الحديث عن " لقشاوش" البورنوغرافية لزعيم (فتاوى ستار) يكون وفق هذا المزاج عذبا مستساغا. افتراءات تعكس هواجس جنسية ما من مسألة من المسائل التي نحن بصددها إلا وتحتاج إلى بحث مفصل وجولة خاصة. ولكنها مقبلات نعرضها ردا على من يعتقد أنه بالاستناد إلى منهج التجديف، يمكن أن يكرس صورة نمطية شوهاء ضد مدرسة لها فقهها وكلامها وفلسفتها التي شكلت تراثا عظيما لا يدنو منه الدارس حتى يقع على كنوز وأسرار بقدر ما يبدل من جهد النظر لن يجد له مثيلا في كل التراثات. ولكي نحترم تراثاتنا يجب أن نفهمها ونستوعب منها القدر الممكن بموضوعية بالغة ونمتطي في دروبها الوعرة متنا شامخا بالدراية والعلم والتحقيق. كل هذا لا يوجد في قاموس التجديف ولا في معجم الشتائم والسباب الذي فاض على أهله حتى لم يعد له معنى. أما التراث فهو مجال للتحقيق والعلم والنظر المتواصل وفضيلة الاعتراف. الصدمة ضرورية كي يفيق الغافي ويخرج من سبات الأنماط البليدة. ولذا ليس من العيب أن نستشكل على التراث بما فيه التراث الشيعي نفسه. ولكن علينا أيضا أن نحسن الإنصات له لا أن نتعالم على أعلامه ونبارزهم بما هم فيه متفننون. فأمام كل فرية يقذف بها خصوم الشيعة هناك جواب. لكن من ينصت إلى الجواب ومن يملك الشجاعة ليكون ممن يستمع القول فيتبع أحسنه. ولقد قلنا وكررنا حتى بححنا وسنبح دائما وعلى طول لأن لا مستمع ولا محاجج ولا مناظر وإنما "شرم برم مثل الفنجان".. أجل قلنا وكررنا أنه لا يجدي نفعا أن نذهب إلى كتاب حديث عند الشيعة وننتقي منه ما شذ وما ليس له في مذهبه وإجماعهم اعتبار، فنحشده كما لو أننا سقطنا على كنز ثمين. يا لها من طريقة غبية في اللجاج المحرم. ومثل هذا المنهج لو سلكناه سنستخرج من كتب خصوم الشيعة ما يثبت ما أثبتوه في حقهم. سنجد فيها ما يبيح المتعة "عينك عينك". وسنجد فيها ما يبيح إتيان المرأة من الدبر .. وسنجد الزواج بالرضيعة .. وسنجد ما لا عين رأت ولا أذن سمعت من مرفوضات القوم. فتش في تراثك أولا. لأن الذين يسلكون هذا الطريق إما أنهم يمارسون التدليس أو أنهم معذورون لم يطلعوا على التراث واكتفوا بنقول من خصوم الشيعة جاهزة طازجة مهيأة للتجديف ضدهم. وعامة الشيعة لا تطالع كتب الحديث ولا تستند إليها في معتقداتها ولا في الفتوى. عامة الشيعة يا عالم يعتمدون الرسالة العملية ورأي العلماء، لإدراكهم المسبق أن الدين لا يؤخذ من هذا التحشيد وإنما من المصفّى منها والمحقق . وهذا يتطلب من المكلف إما أن يكون مجتهدا أو مقلدا. ولا المجتهدون صححوا كل ما فيها ولا المقلدين تبنوا ما لا يراه المجتهدون. فعقيدة الشيعة كما يسوقها خصومهم هي عقيدتهم هم فيهم وليس عقيدة الشيعة في واقعهم. عجبا أن عامة الشيعة يرون وجوب التقليد في حالة عدم الاجتهاد والاحتياط بينما العامة من خصومهم يحتجون عليهم من بطون كتب ليس للعامة حق استنباط الفتوى منها لإدراكهم بأنها لا تفيد إلا أن تخضع للفهم العلمي والاستنباط والتحقيق. فليس كل ما فيها صحيح.. وليبس كل ما فيها معتبر.. ولكنها بالجملة معتبرة لأن رواتها ثقاة. وفرق بين الوثاقة والصحة. فلكل منهما طريق إثبات مختلف. وإذا كان الشيعة لا يعتبرون أن كتبهم المعتبرة هي صحيحة فلا يعني أن خصومهم عندهم الصحيح لمجرد أن اعتبروه صحيحا. لو طبقنا علم الدراية والرجال الشيعية على تلك المصنفات فسنجدها أيضا غير صحيحة كما يدعي أصحابها. قصدت أنه ما دام بيتك من زجاج فلا ترمي الناس بحجر. أستطيع أن أقلب عليك المجن وأثبت لك أن كل ما ادعيته في حق هذه المدرسة موجود عندك بصورة أسوأ. فهل إذن نحن أمام تراث مشترك يواجه تحديات التجديد أم أن الحكاية ستصبح مذهبية صرفة. زواج المتعة مباح في شرع محمد (ص) شاء من شاء وأبى من أبى بين الشيعة والسلفيين خلاف في المنهج أيضا. لذا يكون لا جدوى من الحديث لأن السلفية غايتها التكفير ومنهجها في الحجاج : الخداع والانتقاء. فلقد طال بنا الزمان وعشنا وشفنا من كان لا يملك الغور خلف ظاهر النصوص محللا ومؤولا.. ومن كان يكفر أهل الصنائع ويعادي العلوم العقلية يبارزك بالعقل.. ومن كانوا حشوية من أهل السماع يكفرون بالحسن والقبح العقليين يزايدون عليك بالعقلانية.. ترى ما أوقح هذا الكلام. لعله مما تفتقت عنه عبقرية خصوم الشيعة من الحشويين أن يعمدوا إلى نصوص الشيعة ويتقمصوا طريقتهم في الاستدلال بأخبار خصومهم . لكنهم فعلوا وما فعلوا. فبما أنهم حشويين عتاة، ظنوا أن الشيعة تكتفي بتحشيد الأخبار دون أن تنخلها نخلا. وهنا أحب أن أوجه إلى طريقيتن في التعاطي مع النصوص ومسائل الفقه بين الفريقين لتحقيق المعرفة بالطريقتين خارج محاولات التشويه والتعمية التي تمنع من تحقق العلم . خصوصا أن هناك من جف المداد لديهم ورفعت الصحف ويريد أن يفرض عماءه على العالم حتى لا يرى ولا يسمع وينصب نفسه بجهل أستاذا ينبه العالم من مكر الشيعة كما لو كان العالم لا يملك أن يقارن ويعرف من دون وصاية، لا سيما وصاية السوء والجهل والكراهية والتفاهة...فلنحترم المتلقي ، ولنفترض أنه ذكي ومن المحتمل أن يكون عالما أيضا. حينما أقول إنها طريقة جاهلة في التعاطي مع النصوص والمتون الشيعية كنت أنطلق من موقف محترف. لأنني أساسا متخصص في هذا الفقه وتلك الأصول وذاك التراث. وأفهم الفارق بين طريقتين في التعاطي مع المتنين : السني والشيعي. لأن معرفة التشيع تفرض عليك إلماما بتراث السنة وفقهها وأصولها في الحد الذي لا يمكن وقوع الالتباس والخطأ في الحكم. أقل ما يقال هنا أن طريقة العامة في استنباط الحكم الشرعي تتم وفق مصادر جزء منها لا يقر به الشيعة ويعتبرونه من جنس الظنون العامة. ومثل ذلك أنواع من الأقيسة التي لا تغني عن الحق شيئا. ولا تصل النوبة في المسلسل الاستنباطي الشيعي إلى تلك الأصول بما أن ثمة نصوصا على درجة عالية من الظهور. ثم إن طريقة العامة تعمل بموجب أصالة التصويب بينما طريقة الشيعة تعمل بموجب أصالة التخطيء. وطريقة الشيعة تستند إلى قاعدة القبح والحسن الذاتين العقليين بينما طريقة العامة تعمل بموجب القاعدة النقيضة لهما. وطريقة العامة تتعاطى مع مجاميعها الأخبارية المعتبرة على أساس الصحة المسبقة بينما طريقة الشيعة لا تتعاطى مع مجاميعها الروائية بموجب قطعية الصدور...وهلم جرا..فأنّى للمستشكلين المساكين الذين تقطعت بهم الأسباب و لم يفقهوا حتى تمام أشعريتهم أو حنبليتهم ومذهبهم أن يحيطوا بهذه الحقائق التي تتطلب منهم كفاية في الاستيعاب للكلام والفقه والأصول والحديث الشيعي. شيء مضحك أن يأتي أحدهم وينتقي من إحدى المجاميع الشيعية بضعة أخبار ضعيفة أو لا تفيد حرمة المتعة ويحجب عشرات الأخبار التي تتحدث عن إباحتها وعليها مدار الفقه الشيعي في القول بالإباحة، لا يشد عنهم أحد. ذلك لأن المساكين يعتقدون أن الفقه هو مجرد أن تغرف من المجاميع الشيعية بعض الأخبار دون أن يفقه جانبها الدرائي والرجالي ودون أن يقف على نكاتها الأصولية . بخفة وسذاجة ننقل أخبارا من مصادر يؤكد الشيعة أنها لا تثبت أو لا تفيد شيئا. ولو اطلع هؤلاء على قاعدة تعارض الأدلة ومسألة التزاحم لعرفوا أنهم يتحدثون خارج التغطية الفقهية الحقيقية. نعم ، بما أن العامة يعتقدون أن ما جاء في البخاري هو صحيح كله ألزمناهم بما ألزموا به أنفسهم. لكن الشيعة لا ترى ما بين دفتي مجاميعها الأخبارية ما هو صحيح و قطعي الصدور. بل هناك صحيح وغير صحيح. والمعول عليه في استنباط الحكم الشرعي هو الصحيح لا الضعيف. وهذه مسلمة عند الفقهاء السنة أنفسهم. فلو افترضنا أن التعارض وقع بين الضعيف والصحيح ، فإنه بموجب القاعدة نرجح الصحيح على الضعيف وهو أمر مسلم عند الفريقين. بل هو من أول مداخل فك التعارض فلا تصل النوبة إلى المراحل المتقدمة في الجمع العرفي كما لا يخفى. ولو ثبت أن أخبار المتعة المتراوحة بين إفادة الإباحة وإفادة التحريم وتمتعت بالمستوى نفسه من الظهور العرفي والصحة السندية ، نصبح أمام القاعدة الدرائية: إذا تعارضا تساقطا. أي بما أن لسانها هو النسخ ، تساقط النسخ لصالح مفاد الآية الكريمة فتكون محكمة ويسري حكمها. وهذا لم يحصل لأن الأخبار الواردة في المقام لا تتساوى في الصحة ولا في ظهورها ولا في إفادتها ومقصودها. ومن هنا سوف أجيب على كل هذا الشبهات واحدة واحدة لإتمام الحجة على طالبها لا على من يغالطها: الملاحظة الأولى: في جملة الردود التي تمتح من المرجعية نفسها وجدت تقلبا وتناقضا بين المنكرين. هناك من يرى أن المتعة كانت مباحة ثم نسخت. وهناك من يرى أنه لم يكن لها وجود البتة ولا يوجد ما يفيد معناها من قرآن أو سنة. وهناك من كان كلما تحدث عن الشيعة ذكر إيران وزواج المتعة حتى إذا كتبنا عن المتعة قالوا إن في إيران يتعففون عنها بينما كانوا يرفضون قولنا أن المجتمعات الشيعية تتعفف عنها. مع العلم ان المتحدث يقول ان من بين زملائهم الذين زاروا ايران وهذا معناه ان السلفيين حينما يذهبون الى المجتمع الشيغي ورؤوسهم منتفخة بهذه التخاريف يسعون سرا للاستمتاع قبل ان يصطدموا بواقع التعفف الشيعي عن امر مباح. وفرق بين التعفف عن امر مباح وبين التعفف عن امر حرام. ففي الاولى يكون التعفف عظيما وهذا يحسب للمجتمعات الشيعية واخلاقها وتدينها وفقهها. وأغرب ما سمعت أن هناك فرق بين المتعة عند السنة والمتعة عند الشيعة... إذن اضطراب وتشقلب خارج منطق الفقه وبعيدا عن مذاق الفقهاء... باختصار ليس بين المنكرين اتفاق سوى على التحريم من دون دليل يصمد أمام كل الأدلة الصحيحة التي تقول بإباحتها. وقد عجبت لمن نفى أن يكون هناك زواج متعة أصلا حتى يقال بالنسخ ، وهؤلاء خارج التغطية الفقهية أيضا لأن كل المفسرين السنة الكبار تحدثوا عن إفادة الآية لزواج المتعة وأنها من أسباب نزولها. وهؤلاء الذين يعاندون ويزعمون أن آية المتعة لم تنزل في زواج . وهذا قول لا يستند إلى علم. مثلا تجد الطبري في تفسيره ينقل كلاما في سياق تفسير الآية الكريمة:" فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا "، يقول: "وقال آخرون: بل معنى ذلك: فما تمتَّعتم به منهن بأجرٍ تمتُّعَ اللذة، لا بنكاح مطلق على وجه النكاح الذي يكون بولِيٍّ وشهود ومهر. ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورَهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة"، فهذه المتعة: الرجل ينكح المرأة بشرط إلى أجل مسمى، ويشهد شاهدين، وينكح بإذن وليها، وإذا انقضت المدة فليس له عليها سبيل، وهي منه بريَّة، وعليها أن تستبرئ ما في رحمها، وليس بينهما ميراث، ليس يرث واحد منهما صاحبه. وقال: حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"فما استمتعتم به منهن"، قال: أعطاني ابن عباس مصحفًا فقال: هذا على قراءة أبيّ = قال أبو كريب قال يحيى: فرأيت المصحف عند نصير، فيه:( فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى ) . وقال: حدثنا حميد بن مسعدة قال، حدثنا بشر بن المفضل قال، حدثنا داود، عن أبي نضرة قال، سألت ابن عباس عن متعة النساء. قال: أما تقرأ"سورة النساء"؟ قال قلت: بلى! قال: فما تقرأ فيها:( فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى ) ؟ قلت: لا! لو قرأتُها هكذا ما سألتك! قال: فإنها كذا. وقال: حدثنا ابن المثنى قال، حدثني عبد الأعلى قال، حدثني داود، عن أبي نضرة قال: سألت ابن عباس عن المتعة، فذكر نحوه. وقال: حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن أبي سلمة، عن أبي نضرة قال: قرأت هذه الآية على ابن عباس:"فما استمتعتم به منهن". قال ابن عباس:"إلى أجل مسمى". قال قلت: ما أقرؤها كذلك! قال: والله لأنزلها الله كذلك! ثلاث مرات. وقال: حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا أبو داود قال، حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق، عن عمير: أن ابن عباس قرأ:( فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى ) . وقال: حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا ابن أبي عدي، عن شعبة . وحدثنا خلاد بن أسلم قال، أخبرنا النضر قال، أخبرنا شعبة = عن أبي إسحاق، عن ابن عباس بنحوه. وقال: حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الأعلى قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قال: في قراءة أبيّ بن كعب:( فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى ) . وقال: حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن الحكم قال: سألته عن هذه الآية:"والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم" إلى هذا الموضع:"فما استمْتَعتم به منهن"، أمنسوخة هي؟ قال: لا . قال الحكم: وقال علي رضي الله عنه: لولا أن عمر رضي الله عنه نهى عن المتعة ما زنى إلا شَقِيٌّ. وقال: حدثني المثنى قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا عيسى بن عمر القارئ الأسدي، عن عمرو بن مرة: أنه سمع سعيد بن جبير يقرأ:( فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن )" . كما نجد ابن كثير في تفسيره يتحدث عن أنها مما ثبت في العهد الأول وأن النسج مما لحقها. فبقول مثلا: "وقد استدل بعموم هذه الآية على نكاح المتعة، ولا شك أنه كان مشروعًا في ابتداء الإسلام، ثم نسخ بعد ذلك. وقد ذهب الشافعي وطائفة من العلماء إلى أنه أبيح ثم نسخ، ثم أبيح ثم نسخ، مرتين. وقال آخرون أكثر من ذلك، وقال آخرون: إنما أبيح مرة، ثم نسخ ولم يبح بعد ذلك. وقد رُويَ عن ابن عباس وطائفة من الصحابة القولُ بإباحتها للضرورة، وهو رواية عن الإمام أحمد بن حنبل، رحمهم الله تعالى. وكان ابن عباس، وأبيّ بن كعب، وسعيد بن جُبَيْر، والسُّدِّي يقرءون: "فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن فريضة". وقال مجاهد: نزلت في نكاح المتعة، ولكن الجمهور على خلاف ذلك، والعمدة ما ثبت في الصحيحين، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب [رضي الله عنه] قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن نكاح المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر ولهذا الحديث ألفاظ مقررة هي في كتاب "الأحكام". وفي صحيح مسلم عن الربيع بن سَبْرَة بن معبد الجهني، عن أبيه: أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح مكة، فقال: "يأيها الناس، إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء، وإن الله قد حَرم ذلك إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيله، ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئًا" وفي رواية لمسلم في حجة الوداع وله ألفاظ موضعها كتاب "الأحكام". وقوله: { وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ } من حمل هذه الآية على نكاح المتعة إلى أجل مسمى قال: فلا جناح عليكم إذا انقضى الأجل أن تراضوا على زيادة به وزيادة للجعل . قال السدي: إن شاء أرضاها من بعد الفريضة الأولى -يعني الأجر الذي أعطاها على تمتعه بها-قبل انقضاء الأجل بينهما فقال: أتمتع منك أيضا بكذا وكذا، فازداد قبل أن يستبرئ رحمها يوم تنقضي المدة، وهو قوله: { وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ } . قال السدي: إذا انقضت المدة فليس له عليها سبيل، وهي منه بريئة، وعليها أن تستبرئ ما في رحمها، وليس بينهما ميراث، فلا يرث واحد منهما صاحبه. ومن قال بالقول الأول جعل معناه كقوله: { وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً [فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا] } [النساء: 4] أي: إذا فرضت لها صداقًا فأبرأتك منه، أو عن شيء منه فلا جناح عليك ولا عليها في ذلك. وقال سفيان الثوري ووَكِيع، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قَيْس بن أبي حازم، عن عبد الله بن مسعود قال: كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس معنا نساء، فقلنا: ألا نستخصي؟ فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، ورخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل، ثم قرأ عبد الله: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ [وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ] }. وفي تفسير البغوي ، كان ابن عباس رضي الله عنهما يذهب إلى أن الآية محكمة، ويُرخِّص في نكاح المتعة. ورُوي عن أبي نضرة قال سألت ابن عباس رضي الله عنهما عن المتعة، فقال: أما تقرأ في سورة النساء: " فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى " ؟ قلت: لا أقرأها هكذا، قال ابن عباس: هكذا أنزل الله، ثلاث مرات. وقيل: إن ابن عباس رضي الله عنهما رجع عن ذلك . ورَوى سالم عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، وقال: ما بال رجال ينكحون هذه المتعة وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها؟، لا أجدً رجلا نكحها إلا رجمتُه بالحجارة، وقال: هدم المتعةَ النكاحُ والطلاقُ والعدةُ والميراثُ . قال الربيع بن سليمان: سمعت الشافعي رضي الله عنه يقول: لا أعلم في الإسلام شيئا أحلّ ثم حُرّم ثم أُحلّ ثم حُرّم غيرَ المتعة. قوله تعالى: { فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } أي: مهورَهنّ، { فَرِيضَةً وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ } فمن حمل ما قبله على نكاح المتعة أراد أنهما [إذا عَقَدَ عقدًا إلى أجل بمال]"... والأمر نفسه في تفسير الرازي، إذ يقول: "قال عمارة : سألت ابن عباس عن المتعة : أسفاح هي أم نكاح؟ قال : لا سفاح ولا نكاح ، قلت : فما هي؟ قال : هي متعة كما قال تعالى ، قلت : هل لها عدة؟ قال نعم عدتها حيضة ، قلت : هل يتوارثان؟ قال لا . والرواية الثانية عنه : أن الناس لما ذكروا الأشعار في فتيا ابن عباس في المتعة قال ابن عباس : قاتلهم الله إني ما أفتيت باباحتها على الاطلاق ، لكني قلت : إنها تحل للمضطر كما تحل الميتة والدم ولحم الخنزير له . وقال الرازي: والرواية الثالثة : أنه أقر بأنها صارت منسوخة . روى عطاء الخرساني عن ابن عباس في قوله : { فَمَا استمتعتم بِهِ مِنْهُنَّ } قال صارت هذه الآية منسوخة بقوله تعالى : { يأيُّهَا النبى إِذَا طَلَّقْتُمُ النساء فَطَلّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } [ الطلاق : وروي أيضا أنه قال عند موته : اللهم إني أتوب اليك من قولي في المتعة والصرف وأما عمران بن الحصين فانه قال : نزلت آية المتعة في كتاب الله تعالى ولم ينزل بعدها آية تنسخها وأمرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وتمتعنا بها ، ومات ولم ينهنا عنه ، ثم قال رجل برأيه ما شاء . وأما أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، فالشيعة يروون عنه إباحة المتعة ، وروى محمد بن جرير الطبري في تفسيره عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال : لولا أن عمر نهى الناس عن المتعة ما زنى إلا شقي ، وروى محمد بن علي المشهور بمحمد بن الحنفية أن عليا رضي الله عنه مر بابن عباس وهو يفتي بجواز المتعة ، فقال أمير المؤمنين : إنه صلى الله عليه وسلم نهى عنها وعن لحوم الحمر الأهلية ، فهذا ما يتعلق بالروايات . واحتج الجمهور على حرمة المتعة بوجوه : الأول : أن الوطء لا يحل إلا في الزوجة أو المملوكة لقوله تعالى : { والذين هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافظون إِلاَّ على أزواجهم أَوْ مَا مَلَكَتْ أيمانهم } [ المعارج : 29 ، 30 ] وهذه المرأة لا شك أنها ليست مملوكة ، وليست أيضا زوجة ، ويدل عليه وجوه : أحدها : لو كانت زوجة لحصل التوارث بينهما لقوله تعالى : { وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أزواجكم } [ النساء : 12 ] وبالاتفاق لا توارث بينهما ، وثانيها : ولثبت النسب ، لقوله عليه الصلاة والسلام : « الولد للفراش » وبالاتفاق لا يثبت ، وثالثها : ولوجبت العدة عليها ، لقوله تعالى : { والذين يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أزواجا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا }"... ويؤكد الرازي في تفسيره على أنها ثبتت في العهد الأول ، إذ يقول: " واعلم أن هذه الحجة كلام حسن مقرر ...الحجة الثانية : ما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال في خطبته : متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا أنهي عنهما وأعاقب عليهما ، ذكر هذا الكلام في مجمع الصحابة وما أنكر عليه أحد ، فالحال ههنا لا يخلو إما أن يقال : انهم كانوا عالمين بحرمة المتعة فسكتوا ، أو كانوا عالمين بأنها مباحة ولكنهم سكتوا على سبيل المداهنة ، أو ما عرفوا إباحتها ولا حرمتها . فسكتوا لكونهم متوقفين في ذلك ، والأول هو المطلوب ، والثاني يوجب تكفير عمر ، وتكفير الصحابة لأن من علم أن النبي صلى الله عليه وسلم حكم باباحة المتعة ، ثم قال : إنها محرمة محظورة من غير نسخ لها فهو كافر بالله ، ومن صدقه عليه مع علمه بكونه مخطئا كافرا ، كان كافرا أيضا . وهذا يقتضي تكفير الأمة وهو على ضد قوله : { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ } [ آل عمران : 110 ] . والقسم الثالث : وهو أنهم ما كانوا عالمين بكون المتعة مباحة أو محظورة فلهذا سكتوا ، فهذا أيضا باطل ، لأن المتعة بتقدير كونها مباحة تكون كالنكاح ، واحتياج الناس إلى معرفة الحال في كل واحد منهما عام في حق الكل ، ومثل هذا يمنع أن يبقى مخفيا ، بل يجب أن يشتهر العلم به ، فكما أن الكل كانوا عارفين بأن النكاح مباح ، وأن إباحته غير منسوخة ، وجب أن يكون الحال في المتعة كذلك ، ولما بطل هذان القسمان ثبت أن الصحابة إنما سكتوا عن الانكار على عمر رضي الله عنه لأنهم كانوا عالمين بأن المتعة صارت منسوخة في الاسلام . فان قيل : ما ذكرتم يبطل بما أنه روي أن عمر قال : لا أوتى برجل نكح امرأة إلى أجل إلا رجمته ، ولا شك أن الرجم غير جائز ، مع أن الصحابة ما أنكروا عليه حين ذكل ذلك ، فدل هذا على أنهم كانوا يسكتون عن الإنكار على الباطل . قلنا : لعله كان يذكر ذلك على سبيل التهديد والزجر والسياسة ، ومثل هذه السياسات جائزة للإمام عند المصلحة ، ألا ترى أنه عليه الصلاة والسلام قال : « من منع منا الزكاة فانا آخذوها منه وشطر ماله » ثم أن أخذ شطر المال من مانع الزكاة غير جائز ، لكنه قال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك للمبالغة في الزجر ، فكذا ههنا والله أعلم . ويقول الرازي: لحجة الثانية على جواز نكاح المتعة : أن الأمة مجمعة على أن نكاح المتعة كان جائزا في الإسلام ، ولا خلاف بين أحد من الأمة فيه ، إنما الخلاف في طريان الناسخ ، فنقول : لو كان الناسخ موجودا لكان ذلك الناسخ إما أن يكون معلوما بالتواتر ، أو بالآحاد ، فان كان معلوما بالتواتر ، كان علي بن أبي طالب وعبدالله بن عباس وعمران بن الحصين منكرين لما عرف ثبوته بالتواتر من دين محمد صلى الله عليه وسلم ، وذلك يوجب تكفيرهم ، وهو باطل قطعا ، وإن كان ثابتا بالآحاد فهذا أيضا باطل ، لأنه لما كان ثبوت إباحة المتعة معلوما بالإجماع والتواتر ، كان ثبوته معلوما قطعا ، فلو نسخناه بخبر الواحد لزم جعل المظنون رافعاً للمقطوع وإنه باطل . قالوا : ومما يدل أيضا على بطلان القول بهذا النسخ أن أكثر الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر ، وأكثر الروايات أنه عليه الصلاة والسلام أباح المتعة في حجة الوداع وفي يوم الفتح ، وهذان اليومان متأخران عن يوم خيبر ، وذلك يدل على فساد ما روي أنه عليه السلام نسخ المتعة يوم خيبر ، لأن الناسخ يمتنع تقدمه على المنسوخ ، وقول من يقول : انه حصل التحليل مراراً والنسخ مراراً ضعيف ، لم يقل به أحد من المعتبرين ، إلا الذين أرادوا إزالة التناقض عن هذه الروايات . الحجة الثالثة : ما روي أن عمر رضي الله عنه قال على المنبر : متعتان كانتا مشروعتين في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنا أنهي عنهما : متعة الحج ، ومتعة النكاح ، وهذا منه تنصيص على أن متعة النكاح كانت موجودة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ، وقوله : وأنا أنهي عنهما يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما نسخه ، وإنما عمر هو الذي نسخه . وإذا ثبت هذا فنقول : هذا الكلام يدل على أن حل المتعة كان ثابتا في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأنه عليه السلام ما نسخه ، وأنه ليس ناسخ إلا نسخ عمر ، وإذا ثبت هذا وجب أن لا يصير منسوخا لأن ما كان ثابتا في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم وما نسخه الرسول ، يمتنع أن يصير منسوخا بنسخ عمر ، وهذا هو الحجة التي احتج بها عمران بن الحصين حيث قال : ان الله أنزل في المتعة آية وما نسخها بآية أخرى ، وأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمتعة وما نهانا عنها ، ثم قال رجل برأيه ما شاء ، يريد أن عمر نهى عنها ، فهذا جملة وجوه القائلين بجواز المتعة . والجواب عن الوجه الأول أن نقول : هذه الآية مشتملة على أن المراد منها نكاح المتعة وبيانه من ثلاثة أوجه : الأول : أنه تعالى ذكر المحرمات بالنكاح أولا في قوله : { حُرّمَتْ عَلَيْكُمْ أمهاتكم } ثم قال في آخر الآية : { وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ } فكان المراد بهذا التحليل ما هو المراد هناك بهذا التحريم ، لكن المراد هناك بالتحريم هو النكاح ، فالمراد بالتحليل هاهنا أيضا يجب أن يكون هو النكاح . الثاني : أنه قال : { مُّحْصِنِينَ } والإحصان لا يكون إلا في نكاح صحيح . والثالث : قوله : { غَيْرَ مسافحين } سمى الزنا سفاحا لأنه لا مقصود فيه إلا سفح الماء ، ولا يطلب فيه الولد وسائر مصالح النكاح ، والمتعة لا يراد منها إلا سفح الماء فكان سفاحا ، هذا ما قاله أبو بكر الرازي . أما الذي ذكره في الوجه الأول : فكأنه تعالى ذكر أصناف من يحرم على الإنسان وطؤهن ، ثم قال : { وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ } أي وأحل لكم وطء ما وراء هذه الأصناف ، فأي فساد في هذا الكلام؟ وأما قوله ثانياً : الإحصان لا يكون إلا في نكاح صحيح فلم يذكر عليه دليلا ، وأما قوله ثالثاً : الزنا إنما سمي سفاحا ، لأنه لا يراد منه إلا سفح الماء ، والمتعة ليست كذلك ، فان المقصود منها سفح الماء بطريق مشروع مأذون فيه من قبل الله ، فان قلتم : المتعة محرمة ، فنقول : هذا أول البحث ، فلم قلتم : إن الأمر كذلك ، فظهر أن الكلام رخو ، والذي يجب أن يعتمد عليه في هذا الباب أن نقول : إنا لا ننكر أن المتعة كانت مباحة ، إنما الذي نقوله : إنها صارت منسوخة ، وعلى هذا التقدير فلو كانت هذه الآية دالة على أنها مشروعة لم يكن ذلك قادحا في غرضنا ، وهذا هو الجواب أيضا عن تمسكهم بقراءة أبي وابن عباس ، فان تلك القراءة بتقدير ثبوتها لا تدل إلا على أن المتعة كانت مشروعة ، ونحن لا ننازع فيه ، إنما الذي نقوله : إن النسخ طرأ عليه ، وما ذكرتم من الدلائل لا يدفع قولنا ، وقولهم : الناسخ إما أن يكون متواتراً أو آحادا . قلنا: لعل بعضهم سمعه ثم نسيه ، ثم إن عمر رضي الله عنه لما ذكر ذلك في الجمع العظيم تذكروه وعرفوا صدقه فيه فسلموا الأمر له . قوله : إن عمر أضاف النهي عن المتعة إلى نفسه . قلنا : قد بينا أنه لو كان مراده أن المتعة كانت مباحة في شرع محمد صلى الله عليه وسلم وأنا أنهي عنه لزم تكفيره وتكفير كل من لم يحاربه وينازعه ، ويفضي ذلك إلى تكفير أمير المؤمنين حيث لم يحاربه ولم يرد ذلك القول عليه ، وكل ذلك باطل ، فلم يبق إلا أن يقال : كان مراده أن المتعة كانت مباحة في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأنا أنهي عنها لما ثبت عندي أنه صلى الله عليه وسلم نسخها ، وعلى هذا التقدير يصير هذا الكلام حجة لنا في مطلوبنا والله أعلم "... أقول: لسنا في وارد الرد على الرازي لأن في هذا التخريج تأمل. وليس ثمة دليل يؤكد على أن كلام عمر فيه إيحاء بتفرده برواية التحريم. بل ما ورد في الخبر أنه بنفسه شهد على أنهما (متعة الحج ومتعة النساء) كانتا حلالا على عهد رسول الله (ص). ولكن مقامنا هنا هو بسط الكلام عن أن القول بوجودها في صدر الاسلام على الأقل مما لا خلاف حوله لدفع ادعاء من أنكر وجودها رأسا. وفي تفسير النيسبوري يذكر: "وقيل : المراد بها حكم المتعة وهي أن يستأجر الرجل المرأة بمال معلوم إلى أجل معلوم ليجامعها ، سميت متعة لاستمتاعه بها أو لتمتيعه لها بما يعطيها . واتفقوا على أنها كانت مباحة في أول الإسلام ، ثم السواد الأعظم من الأمة على أنها صارت منسوخة . وذهب الباقون ومنهم الشيعة إلى أنها ثابتة كما كانت ، ويروى هذا عن ابن عباس وعمران بن الحصين . قال عمارة: سألت ابن عباس عن المتعة أسفاح هي أم نكاح؟ قال : لا سفاح ولا نكاح . قلت : فما هي؟ قال : هي متعة كما يقال . قال : قلت هل لها عدة؟ قال : نعم ، عدّتها حيضة . قلت : هل يتوارثان؟ قال : لا . وفي رواية أخرى عنه أن الناس لما ذكروا الأشعار في فتيا ابن عباس في المتعة قال : قاتلهم الله إني ما أفتيت بإباحتها على الإطلاق لكني قلت : إنها تحل للمضطر كما تحل الميتة والدم ولحم الخنزير لم ، ويروى أنه رجع عن ذلك عند موته وقال : اللهم إني أتوب إليك من قولي في الصرف والمتعة . وأما عمران بن الحصين فإنه قال : نزلت آية المتعة في كتاب الله ولم ينزل بعدها آية تنسخها وأمرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وتمتعنا معه ومات ولم ينهنا عنها ، ثم قال رجل برأيه ما شاء - يريد أن عمر نهى عنها - وروى محمد بن جرير الطبري في تفسيره عن علي أنه قال : لولا أن عمرو نهى عن المتعة ما زنى إلاّ شقي . حجة الجمهور على حرمة المتعة أنّ الوطء لا يحل إلاّ في الزوجة أو المملوكة لقوله تعالى : { إلاّ على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم } [ المؤمنون : 6 ] وهذه المرأة ليست بمملوكة ولا بزوجة وإلاّ لحصل التوارث ولثبت النسب ولوجبت العدة عليها بالأشهر والتوالي باطلة بأسرها بالاتفاق . وروي عن عمر أنه نهى عن المتعة على المنبر بمحضر من الصحابة ولم ينكر عليه أحد منهم ، فلو سكتوا لعلمهم بحرمتها فذاك ، ولو سكتوا لجهلهم بحلها وحرمتها فمحال عادة لشدة احتياجهم إلى البحث عن أمور النكاح ، ولو سكتوا مع علمهم بحلها فإخفاء الحق مداهنة وكفر وبدعة وذلك محال منهم ، وما روي عن عمر أنه قال : لا أوتى برجل نكح امرأة إلى أجل إلاّ رجمته" . وكذلك يذكر الزمخشري في تفسيره:" وقيل : نزلت في المتعة التي كانت ثلاثة أيام حين فتح الله مكة على رسوله عليه الصلاة والسلام ثم نسخت ، كان الرجل ينكح المرأة وقتاً معلوماً ليلة أو ليلتين أو أسبوعاً بثوب أو غير ذلك ، ويقضي منها وطره ثم يسرحها . سميت متعة لاستمتاعه بها أو لتمتيعه لها بما يعطيها . وعن عمر : لا أوتى برجل تزوّج امرأة إلى أجل إلا رجمتهما بالحجارة . وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أباحها ، ثم أصبح يقول : " يا أيها الناس إني كنت أمرتكم بالاستمتاع من هذه النساء : ألا إن الله حرّم ذلك إلى يوم القيامة " ، وقيل : أبيح مرتين وحرّم مرتين . وعن ابن عباس هي محكمة يعني لم تنسخ ، وكان يقرأ : «فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل مسمى»". وفي الدر المنثور للسيوطي نجد كلاما: "أخرج الطبراني والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال : كانت المتعة في أول الإسلام ، وكانوا يقرأون هذه الآية « فما استمتعتم به منهنَّ إلى أجل مسمى . . » الآية . فكان الرجل يقدم البلدة ليس له بها معرفة فيتزوج بقدر ما يرى أنه يفرغ من حاجته ، لتحفظ متاعه وتصلح له شأنه ، حتى نزلت هذه الآية. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن الأنباري في المصاحف والحاكم وصححه من طرق عن أبي نضرة قال : قرأت على ابن عباس { فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة } قال ابن عباس : { فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى } . فقلت : ما نقرؤها كذلك! فقال ابن عباس : والله لأنزلها الله كذلك . وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال : في قراءة أبي بن كعب « فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى » . وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن سعيد بن جبير قال : في قراءة أبي بن كعب « فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى » . وأخرج عبد الرزاق عن عطاء . أنه سمع ابن عباس يقرؤها « فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن » وقال ابن عباس : في حرف أبي « إلى أجل مسمى » . وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد { فما استمتعتم به منهن } قال : يعني نكاح المتعة . وأخرج ابن جرير عن السدي في الآية قال : هذه المتعة ، الرجل ينكح المرأة بشرط إلى أجل مسمى ، فإذا انقضت المدة فليس له عليها سبيل ، وهي منه بريئة ، وعليها أن تستبرئ ما في رحمها ، وليس بينهما ميراث . ليس يرث واحد منهما صاحبه . وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم عن ابن مسعود قال : « كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس معنا نساؤنا فقلنا : ألا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك ، ورخص لنا أن نتزوّج المرأة بالثوب إلى أجل ، ثم قرأ عبد الله { يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم } [ المائدة : 87 ] » . وأخرج عبد الرزاق وأحمد ومسلم عن سبرة الجهني قال : « أذن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عام فتح مكة في متعة النساء ، فخرجت أنا ورجل من قومي - ولي عليه فضل في الجمال ، وهو قريب من الدمامة - مع كل واحد منا برد ، أما بردي فخلق ، وأما برد ابن عمي فبرد جديد غض ، حتى إذا كنا بأعلى مكة تلقتنا فتاة مثل البكرة العنطنطة فقلنا : هل لك أن يستمتع منك أحدنا؟ قالت : وما تبذلان؟ فنشر كل واحد منا برده ، فجعلت تنظر إلى الرجلين ، فإذا رآها صاحبي قال : إن برد هذا خلق وبردي جديد غض . فتقول : وبرد هذا لا بأس به . ثم استمتعت منها فلم تخرج حتى حرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم » وأخرج ابن المنذر والطبراني والبيهقي من طريق سعيد بن جبير قال : قلت لابن عباس : ماذا صنعت ، ذهب الركاب بفتياك؟ وقالت فيه الشعراء؟! قال : وما قالوا؟! قلت : قالوا : أقول للشيخ لما طال مجلسه ... يا صاح هل لك في فتيا ابن عباس هل لك رخصة الأطراف آنسة ... تكون مثواك حتى مصدر الناس فقال إنا لله وإنا إليه راجعون ، لا والله ما بهذا أفتيت ، ولا هذا أردت ، ولا أحللتها إلا للمضطر ، ولا أحللت منها إلا ما أحل الله من الميتة والدم ولحم الخنزير . وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر من طريق عطاء عن ابن عباس قال : يرحم الله عمر ، ما كانت المتعة إلا رحمة من الله رحم بها أمة محمد ، ولولا نهيه عنها ما احتاج إلى الزنا إلا شقي قال : وهي التي في سورة النساء { فما استمتعتم به منهن } إلى كذا وكذا من الأجل ، على كذا وكذا . . . قال : وليس بينهما وراثة ، فإن بدا لهما أن يتراضيا بعد الأجل فنعم ، وإن تفرقا فنعم . . . وليس بينهما نكاح . وأخبر أنه سمع ابن عباس يراها الآن حلالاً . وأخرج ابن المنذر من طريق عمار مولى الشريد قال : سألت ابن عباس عن المتعة أسفاح هي أم نكاح؟ فقال : لا سفاح ولا نكاح . قلت : فما هي؟! قال : هي المتعة كما قال الله ". وهذه عينة فحسب لأن معظم من فسر القرآن تطرق إلى أنها مما كان ولا يملك إلا أن يسرد بعد ذلك رأي من قال بالنسخ ومن لا يرى أنها من المحكمات ، وهذا نقاش آخر . والأمر نفسه في كتب السنة من الصحاح حيث نجد ما يلي على سبيل المثال: في صحيح مسلم تحت عنوان: باب نِكَاحِ الْمُتْعَةِ وَبَيَانِ أَنَّهُ أُبِيحَ ثُمَّ نُسِخَ ثُمَّ أُبِيحَ ثُمَّ نُسِخَ وَاسْتَقَرَّ تَحْرِيمُهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ: 3 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ الْهَمْدَانِيُّ حَدَّثَنَا أَبِي وَوَكِيعٌ وَابْنُ بِشْرٍ عَنْ إِسْمَعِيلَ عَنْ قَيْسٍ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ يَقُولُا كُنَّا نَغْزُو مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ لَنَا نِسَاءٌ فَقُلْنَا أَلَا نَسْتَخْصِي فَنَهَانَا عَنْ ذَلِكَ ثُمَّ رَخَّصَ لَنَا أَنْ نَنْكِحَ الْمَرْأَةَ بِالثَّوْبِ إِلَى أَجَلٍ ثُمَّ قَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ } و حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ إِسْمَعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلَهُ وَقَالَ ثُمَّ قَرَأَ عَلَيْنَا هَذِهِ الْآيَةَ وَلَمْ يَقُلْ قَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ و حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ إِسْمَعِيلَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ كُنَّا وَنَحْنُ شَبَابٌ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا نَسْتَخْصِي وَلَمْ يَقُلْ نَغْزُو و حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ سَمِعْتُ الْحَسَنَ بْنَ مُحَمَّدٍ يُحَدِّثُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَسَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَا خَرَجَ عَلَيْنَا مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَذِنَ لَكُمْ أَنْ تَسْتَمْتِعُوا يَعْنِي مُتْعَةَ النِّسَاءِ حَدَّثَنِي أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامَ الْعَيْشِيُّ حَدَّثَنَا يَزِيدُ يَعْنِي ابْنَ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا رَوْحٌ يَعْنِي ابْنَ الْقَاسِمِ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَانَا فَأَذِنَ لَنَا فِي الْمُتْعَةِ و حَدَّثَنَا الْحَسَنُ الْحُلْوَانِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ قَالَ عَطَاءٌ قَدِمَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مُعْتَمِرًا فَجِئْنَاهُ فِي مَنْزِلِهِ فَسَأَلَهُ الْقَوْمُ عَنْ أَشْيَاءَ ثُمَّ ذَكَرُوا الْمُتْعَةَ فَقَالَ نَعَمْ اسْتَمْتَعْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ قَالَ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُا كُنَّا نَسْتَمْتِعُ بِالْقَبْضَةِ مِنْ التَّمْرِ وَالدَّقِيقِ الْأَيَّامَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ حَتَّى نَهَى عَنْهُ عُمَرُ فِي شَأْنِ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ"... وفي مسند احمد بن حنبل: "حَدَّثَنَا بَهْزٌ قَالَ وَحَدَّثَنَا عَفَّانُ قَالَا حَدَّثَنَا هَمَّامٌ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ قَالَ قُلْتُ لِجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ إِنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَنْهَى عَنْ الْمُتْعَةِ وَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ يَأْمُرُ بِهَا قَالَ فَقَالَ لِي عَلَى يَدِي جَرَى الْحَدِيثُ تَمَتَّعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ عَفَّانُ وَمَعَ أَبِي بَكْرٍ فَلَمَّا وَلِيَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ إِنَّ الْقُرْآنَ هُوَ الْقُرْآنُ وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الرَّسُولُ وَإِنَّهُمَا كَانَتَا مُتْعَتَانِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِحْدَاهُمَا مُتْعَةُ الْحَجِّ وَالْأُخْرَى مُتْعَةُ النِّسَاءِ"... وفي السنن الكبرى للبيهقي نجد :" (أخبرنا) أبو عبد الله الحافظ أنبأ أبو عمرو بن السماك ثنا يحيى بن أبى طالب أنبأ محمد بن عبيد (ح وأخبرنا) أبو عثمان سعيد بن محمد بن محمد بن عبدان النيسابوري ثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب الحافظ ثنا ابراهيم بن عبد الله ثنا يزيد بن هارون ومحمد بن عبيد قالا ثنا اسمعيل عن قيس عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه قال كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس معنا نساء فقلنا إلا نختصى ، فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ورخص لنا ان ننكح المرأة بالثوب إلى اجل - لفظ حديث أبى عثمان - وفي حديث أبى عبد الله ثم رخص لنا في ان نتزوج المرأة بالثوب إلى اجل ثم قرأ عبد الله (يا ايها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما احل الله لكم) الآية - أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح من أوجه عن اسمعيل بن أبى خالد - وأخبرنا) أبو عبد الله الحافظ في آخرين قالوا ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب أنبأ الربيع بن سليمان أنبأ الشافعي أنبأ سفيان عن إسماعيل بن أبى خالد عن قيس بن أبى حازم قال سمعت عبد الله بن مسعود رضى الله عنه يقول كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس معنا نساء فأردنا أن نختصى فنهانا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم رخص لنا ان ننكح المرأة إلى أجل بالشئ في شرح النووي على صحيح مسلم يذكر راي القاضي عياض في أن نِكَاح الْمُتْعَة وَبَيَان أَنَّهُ أُبِيحَ ثُمَّ نُسِخَ ثُمَّ أُبِيحَ ثُمَّ نُسِخَ وَاسْتَقَرَّ تَحْرِيمه إِلَى يَوْم الْقِيَامَة، فيقول :"اِعْلَمْ أَنَّ الْقَاضِي عِيَاضًا بَسَطَ شَرْح هَذَا الْبَاب بَسْطًا بَلِيغًا ، وَأَتَى فِيهِ بِأَشْيَاء نَفِيسَة ، وَأَشْيَاء يُخَالَف فِيهَا ، فَالْوَجْه أَنْ نَنْقُل مَا ذَكَرَهُ مُخْتَصَرًا ، ثُمَّ نَذْكُر مَا يُنْكَر عَلَيْهِ وَيُخَالَف فِيهِ ، وَنُنَبِّه عَلَى الْمُخْتَار ، قَالَ الْمَازِرِيّ : ثَبَتَ أَنَّ نِكَاح الْمُتْعَة كَانَ جَائِزًا فِي أَوَّل الْإِسْلَام ، ثُمَّ ثَبَتَ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَة الْمَذْكُورَة هُنَا أَنَّهُ نُسِخَ ،عة مما كان مشرعا ثم نسخ"... اعتراضات غير فقهية يتطلب الأمر توجيها دقيقا لأن البعض لا يحسن الفهم المنهجي للأشياء. لم أكن هنا في وارد الاستقصاء بل في وارد التمثيل بعينات من مصادر القوم تثبت شيئا طلبناه هنا وهو الدليل على عدم ثبوت مدعى من يرى أن المتعة مما لم يثبت أصلا. وقد قدمنا عينة من المراجع المعتبرة تدحض هذا المدعي. فالنتيجة إذن كما شهدناها من خلال أقوال كبار مفسري وعلماء السنة: الإجماع على أنها كانت مما شرع. ثم الخلاف أصبح حول نسخها. وإذن ماذا عمن قال إنها من زواج الجاهلية أو أنها زنا؟ هنا نقاش آخر لا بد من خوضه. فأما في رد من اعتبرها من نكاح الجاهلية ، قلنا أن هذا مما لم يبلغنا من صنوف أنكحة الجاهلية كما ذكر في مصادر القوم وهو أربعة، لا يوجد من بينها المتعة. ثم إننا نقول أن التعاقد لم يكن يوما من شأن السفاح للذين يعتبرونه سفاحا وقد ذكر ابن عباس أنها ليست زواجا وليست سفاحا ولكنها متعة كما سماها القرآن. وحينما نقف على فقه المتعة وشروطها وأحكامها، ندرك أن الأمر كان يتعلق بتشريع جديد كما أكدت الرواية في صحيح مسلم وغيره من أن الرسول (ص) رخص لهم في المتعة في إحدى الغزوات كما ذكر ابن مسعود. قلنا أنه لم يبلغنا أن المتعة مما كان من أنكحة الجاهلية. ولا أحد نقله من أهل السير وأهل الأخبار. وما تفيده الأدلة الصحيحة عند القوم كما في صحيح البخاري والبيهقي والدارقطني وغيرهم ، أنهم حصروا أنكحة الجاهلية في أربعة. فالبخاري يروي في صحيحه في باب : من قال لا نكاح إلاّ بولي: " أَنَّ النِّكَاحَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَنْحَاءٍ فَنِكَاحٌ مِنْهَا نِكَاحُ النَّاسِ الْيَوْمَ يَخْطُبُ الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ وَلِيَّتَهُ أَوْ ابْنَتَهُ فَيُصْدِقُهَا ثُمَّ يَنْكِحُهَا وَنِكَاحٌ آخَرُ كَانَ الرَّجُلُ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ إِذَا طَهُرَتْ مِنْ طَمْثِهَا أَرْسِلِي إِلَى فُلَانٍ فَاسْتَبْضِعِي مِنْهُ وَيَعْتَزِلُهَا زَوْجُهَا وَلَا يَمَسُّهَا أَبَدًا حَتَّى يَتَبَيَّنَ حَمْلُهَا مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي تَسْتَبْضِعُ مِنْهُ فَإِذَا تَبَيَّنَ حَمْلُهَا أَصَابَهَا زَوْجُهَا إِذَا أَحَبَّ وَإِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ رَغْبَةً فِي نَجَابَةِ الْوَلَدِ فَكَانَ هَذَا النِّكَاحُ نِكَاحَ الِاسْتِبْضَاعِ وَنِكَاحٌ آخَرُ يَجْتَمِعُ الرَّهْطُ مَا دُونَ الْعَشَرَةِ فَيَدْخُلُونَ عَلَى الْمَرْأَةِ كُلُّهُمْ يُصِيبُهَا فَإِذَا حَمَلَتْ وَوَضَعَتْ وَمَرَّ عَلَيْهَا لَيَالٍ بَعْدَ أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا أَرْسَلَتْ إِلَيْهِمْ فَلَمْ يَسْتَطِعْ رَجُلٌ مِنْهُمْ أَنْ يَمْتَنِعَ حَتَّى يَجْتَمِعُوا عِنْدَهَا تَقُولُ لَهُمْ قَدْ عَرَفْتُمْ الَّذِي كَانَ مِنْ أَمْرِكُمْ وَقَدْ وَلَدْتُ فَهُوَ ابْنُكَ يَا فُلَانُ تُسَمِّي مَنْ أَحَبَّتْ بِاسْمِهِ فَيَلْحَقُ بِهِ وَلَدُهَا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَمْتَنِعَ بِهِ الرَّجُلُ وَنِكَاحُ الرَّابِعِ يَجْتَمِعُ النَّاسُ الْكَثِيرُ فَيَدْخُلُونَ عَلَى الْمَرْأَةِ لَا تَمْتَنِعُ مِمَّنْ جَاءَهَا وَهُنَّ الْبَغَايَا كُنَّ يَنْصِبْنَ عَلَى أَبْوَابِهِنَّ رَايَاتٍ تَكُونُ عَلَمًا فَمَنْ أَرَادَهُنَّ دَخَلَ عَلَيْهِنَّ فَإِذَا حَمَلَتْ إِحْدَاهُنَّ وَوَضَعَتْ حَمْلَهَا جُمِعُوا لَهَا وَدَعَوْا لَهُمْ الْقَافَةَ ثُمَّ أَلْحَقُوا وَلَدَهَا بِالَّذِي يَرَوْنَ فَالْتَاطَ بِهِ وَدُعِيَ ابْنَهُ لَا يَمْتَنِعُ مِنْ ذَلِكَ فَلَمَّا بُعِثَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَقِّ هَدَمَ نِكَاحَ الْجَاهِلِيَّةِ كُلَّهُ إِلَّا نِكَاحَ النَّاسِ الْيَوْمَ" ومثله ذكره كل من البيهقي والدار قطني في سننيهما.واستشهد به مفسرون كالطبري في معرض تفسير آية تحريم حلائل الآباء. فيقول: "وقد ذكرت عائشة رضي الله عنها في حديث البخاري ،أن نكاح الجاهلية كان على أربعة أنحاء ، منها: "نكاح الناس اليوم" ، ثم عددت ضروب النكاح ووصفتها ، فأقر الإسلام منها نكاحًا واحدًا: يخطب الرجل إلى الرجل وليته أو ابنته ، فيصدقها ، ثم ينكحها. فهذه الآية مبطلة ضروب نكاح الجاهلية جميعًا ، ما كان منها نكاحًا فاسدًا ، كالاستبضاع ، ونكاح البغايا ، ونكاح البدل ، والشغار ، فكل ذلك كان: فاحشة ومقتًا وساء سبيلا ، كما تعرفه من صفته في حديث عائشة ، ويدخل فيه ، كما قال أبو جعفر ، نكاح حلائل الآباء" . والمعاصرون من المفسرين مثل ابن عاشور يستند إلى الخبر نفسه حينما يقول في تفسيره الموسوم بالتحرير والتنوير:" ففي الصحيح من حديث عائشة أن النكاح في الجاهلية كان على أربعة أنحاء : فنكاح منها نكاح الناس اليوم يخطب الرجل إلى الرجل وليته أو ابنته فيُصدقها ثم ينكحها .