زاد شيطان خصوم الشيعة إسرافا ، فأقحموا أنوفهم في المجاميع الأخبارية الشيعية ، فاصطادوا لهم من ميتة البحر ما لا ينفع. مرة أخرى نحن أمام حكاية خجلنا دائما من الحديث حولها لكن الخصم لا يخجل ولا يستحي. فوجدنا أنفسنا مضطرين أن نرمي بها في وجوه أصحابها ما دام لا ضمير لمن تنادي. العقدة الجنسانية نفسها تظهر مرة أخرى. فيضخمون ما لم يتضخم في الفقه الشيعي. قال الشيعة ليس لنا دليل على حرمة إتيان المرأة في دبرها وبالتالي ليس لنا إلا أن نقول بالإباحة . أسدل الستار وانتهى الكلام (وخلصت القصة). لكن خصوم الشيعة ضخّموا الحكاية وجعلوها عنوان فقه كامل بينما هي جملة صغيرة مهملة في مسائل الفقه لا تحجب آلاف المسائل والقضايا الكبرى. التضخيم صناعة خصوم الشيعة. لقد ضخّموا من حكاية الأدبار لأن ذلك خيالهم وباعث مكبوتهم. ومع ذلك نجد في هذا المثال مسألتان: هشاشة فقهية في معالجة المسائل. وأيضا بلادة تجعل الخصم لا يلتفت حتى إلى تراثه الفقهي ليعرف على الأقل هل أنه في هذا الهم شرق . فإذا كانت الأخبار في تراث الخصم تتحدث عن الإباحة ، فلم يا ترى محاولة جعل ذلك من مختصات الفقه الشيعي أولا ؟ بل الأغرب أن جعلوه من مختصات فقه أشخاص شيعة معينين. إننا لن نقف عند الأخبار التي تتحدث عن حرمة الإتيان لأنها لم تثبت عند الشيعة على شرط الصحة المعتبرة كما لأن لها نظائر في أخبار العامة من المسلمين. ولكننا نناقش تلك الحجج ونزيدها غنى في النقاش الفقهي. إننا نجد أن العمدة في في الإباحة والحرمة معا هو قوله تعالى: ( نسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ). فالقائلون بالإباحة تمسكوا بالآية الكريمة. كما أن القائلين بالحرمة تمسكوا بها أيضا. الفارق هنا في التأويل. القائلون بالحرمة يرون أن الحرث هنا قيد في الإتيان ، لأن الحرث كناية عن المكان الطبيعي للخصب وطلب الولد. والحال أننا نقول: إن الآية أولا لها أسباب نزول تشكل القول الفصل في الموضوع. أي أنها نزلت في شأن من جاء يسأل الرسول عن إتيان المرأة من الدبر. وحتى وإن حاول بعضهم القول أن الإتيان المقصود من السائل هو الاتيان من دبرها في قبلها ، حيث كان اليهود يعتبرون ذلك من مسببات أن يولد الولد أحولا ، نقول أن الأمر بعيد ، لأن الأخبار تتحدث عن إتيان الدبر وبصيغة في الدبر. كما سنوضّح. إن الظاهر في كلمة (أنّى) التي تفيد ظرفي المكان والزمان، واضحة في الإباحة، وأن القيد هنا مجازي جدا وهو من بنات المفسرين القائلين بالحرمة. الآية تتحدث عن "نساؤكم حرث لكم" ، النساء بالكلية وليس أن تأثوا نسائكم من حرثهن. فالنساء بالكلية حرث ،"فاتوا حرثكم " أي نسائكم " أنّى شئتم". وهذا ما يفهم من ظاهر الكلام كما أن بعضهم اعتبر أن الحرث يعني المرأة وليس موضع المضاجعة كما نقل النيسبوري في تفسيره. ولو اعتبرنا أن الإتيان في غير الحرث حرام ورتبنا عليه حرمة الإتيان في الدبر ، فإن معناه أن يحرم إتيان أي مكان آخر في المرأة لأنه مما لا يصدق عليه الحرث : فمن قال بهذا؟ الشيعة رغم أنه لم يبلغها من هذه الحرمة دليل إلا أنها قالت بالكراهية. قلت إنهم يعللون الحرمة بتأويل معنى الحرث وهو مكان الإخصاب. وهذا كلام اجتهادي محض. ولأننا لو سلمنا بهذا المعنى لزم تحريم كل مواقع غير الإخصاب التي لا يصدق عليها الحرث. ولا يوجد نص يحرم ذلك. وقد يكون للحرث معنى غير الإخصاب؛ معنى رمزيا يجعل المرأة كلها في مقام الحرث. وليست المرأة موضوعا للإنجاب فقط بل هي موضوعا للمتعة أيضا. فموقع الرجل على الأقل في السلوك الجنسي الإنساني هو موقع الفاعل لا المتلقي. موقع الحارث والمتمتع لم لخصائص الذكورة من إيحاء أدركته الدراسات الجنسانية والنفسية. وهذا صحيح يحصل بين الرجل والمرأة. وليس للحرث حتى في اللغة معنى واحد. بل فيه ما يناسب فعل المتعة الجنسية دون معنى الإخصاب. هذا علما بأن الأحكام الشرعية المحكمة تأتي بالوضوح وليس بالمجاز الذي يبلغ حدا أقصى في المشترك اللفظي. إذا راجعنا المحيط في اللغة للصاحب بن عباد كنموذج، نجد أن حرث الدنيا : متاعها . وهذا غاية في المطلوب . الحرث هنا بمعنى المتعة . ففي قوله تعالى : ( من كان يريد حرث الآخرة). نجد أن المعنى يذهب إلى من كان يريد متاع الآخرة. لأن لا معنى للحرث إلا في الدنيا. فالدنيا كما في الخبر مزرعة الآخرة. فكيف يقال عن الآخرة هي حرث. وإذا رجعنا إلى صاحب المحيط في اللغة أيضا نجد الحرث يأتي بمعنى التهييج: "محراث الحرب، ما يهيّجها". ويأتي أيضا بمعنى التأثير في الشيء " كما يؤثر الحرث في الأرض" .. ويأتي بمعنى الإشباع في المعرفة والعلم حينما نقول" حرثت القرآن أحرثه حرثا أطلت قراءته ودرسه". إن المناط في تحديد المعنى هو التناسب. وحيث أن القوم نظروا إلى المرأة مجرد مكان للخصب والإنجاب، حصروا معنى الحرث في الإخصاب والزرع. بينما هذا لا يصح لأن أي نظرة لموضوع المرأة يمكن أن يجلب معنى للحرث يناسب المقام. ففي الحرب نتحدث عن تهييج. وهو معنى محتمل للحرث ومناسب لما يحيط بالمعاشرة من التهييج. كما أنه يفيد معنى الإشباع والمتعة كما تحتمل معانيه الأخرى. وعليه ، فلا يمكن حمل المعنى المجازي على معنى حصري من دون مرجح ، ناهيك عن أن القرائن الأخرى تؤكد على أن المعنى المذكور بعيد، لما تذكره الأخبار. والقرآن نفسه يحدثنا عما جرى في حادثة النبي لوط حيث أراد القوم أن يقتحموا عليه الدار للنيل من ضيوفه. فطلب منهم أن لا يخزوه في ضيفه وإن شاءوا فهؤلاء بناتي ، كما تذكر الآية الكريمة. وبغض النظر تفاصيل القضية ما يبدو شاهدا هنا وكما ذكر أحد الأئمة ، أن النبي لوط يعرف مبتغاهم. وهذا واضح ، فقوم لوط كانوا يطلبون الأدبار لا القبال. وحيث أن المناط في الحرمة هو إتيان الرجال بأي طريق اتفق وليس الموضوع موضوع أدبار. وحيث لا يوجد دليل صحيح فالأصل في الاستمتاع هو الإباحة. ويبقى الأمر مفتوحا ومشروطا بأذواق الناس وثقافاتهم وما يسمح به العرف أو لا، وهذا لا علاقة للفقه به. في مصادر السنة ما يبيح إتيان الأدبار وإذا كان الشيعة قالوا بالإباحة واكتفوا بالحرمة لأنهم لم يقفوا على دليل صحيح يسند القول بالحرمة، فإن خصومهم نسوا أن تراثهم المقدس ليس في منأى عما بدا لهم من تراث شيعي مدنس. ففي تراث العامة من المسلمين حكايات يجب أن نذكرها باختصار، لنظهر للمدعي أن تراثك لا يخلو من ذلك (فاجمع حالك). فإذا كان بيتك من زجاج فلا ترمي الناس بحجر. علما أن الفارق يظل هنا أن الشيعة قالوا بالكراهية دون الحرمة بينما من أباحها من عموم المسلمين أورد فيها أخبار نبوية. فيذكر النيسبوري في تفسيره ما قيل عن مالك والشيعة تجويز إتيان النساء في أدبارهن ويحكى أن نافعاً نقل عن ابن عمر مثل ذلك واحتجوا بأن الحرث اسم المرأة لا الموضع المعين وبأن قوله { أنى شئتم } معناه من أين شئتم كقوله { أنى لك هذا } [ مريم : 37 ] أي من أين . وكلمة « أين » تدل على تعدد الأمكنة فيلزم أن يكون المأتي بها متعدداً . ومهما حاول البعض إبعاد التهمة عن مالك في القول بالإباحة، إلاّ أن هناك الكثير ممن نسب إليه القول بذلك. ومن شدة ما عرف ذلك عن مالك ، يذكر الراغب الأصفهاني في محاضرات الأدباء، حكاية المرأة التي شكت إلى القاضي زوجها . يقول الأصفهاني:"أن رفعت امرأة قصة إلى القاضي تدعي أن زوجها يأتيها في دبرها، فسأله فقال: نعم أنيكها في دبرها وهو مذهبي ومذهب مالك" . وذكر ابن العربي أن ابن شعبان أسند جواز هذا القول إلى زمرة كبيرة من الصحابة والتابعين، وإلى مالك من روايات كثيرة في كتاب " جماع النسوان وأحكام القرآن ". وفي أحكام القرآن لابن عربي يقول: "اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي جَوَازِ نِكَاحِ الْمَرْأَةِ فِي دُبُرِهَا ؛ فَجَوَّزَهُ طَائِفَةٌ كَثِيرَةٌ ، وَقَدْ جَمَعَ ذَلِكَ ابْنُ شَعْبَانَ فِي كِتَابِ جِمَاعُ النِّسْوَانِ وَأَحْكَامُ الْقُرْآنِ " وَأَسْنَدَ جَوَازَهُ إلَى زُمْرَةٍ كَرِيمَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَإِلَى مَالِكٍ مِنْ رِوَايَاتٍ كَثِيرَةٍ ، وَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ عَنْ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ نَافِعٍ قَالَ : " كَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ لَمْ يَتَكَلَّمْ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهُ ، فَأَخَذْت عَلَيْهِ يَوْمًا فَقَرَأَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ حَتَّى انْتَهَى إلَى مَكَان قَالَ : أَتَدْرِي فِيمَ نَزَلَتْ ؟ قُلْت : لَا . قَالَ : أُنْزِلَتْ فِي كَذَا وَكَذَا ، ثُمَّ مَضَى ، ثُمَّ أَتْبَعَهُ بِحَدِيثِ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ : { فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ } . قَالَ : يَأْتِيهَا فِي" . وقال الكيا الطبري: وروى عن محمد بن كعب القرظى أنه كان لا يرى بذلك بأسا، ويتأول فيه قول الله عز وجل: " أتأتون الذكران من العالمين. وقد أورد صاحب تهذيب الكمال في ترجمة عبد الله ابن محمد بن عجلان ، ما يؤكد أن من الممدوحين والثقاة من كان يفعل ذلك. فهذا الأخير كما يذكر البخاري ممن مدحه مالك. يقول البخاري: قال لي علي، عن ابن أبي الوزير، عن مالك أنه ذكر ابن عجلان فذكر خيرا. يقول صاحب تهذيب الكمال : قال محمد بن سعد (1) قال محمد بن عمر: سمعت عبدالله ابن محمد بن عجلان يقول: حمل بأبي أكثر من ثلاث سنين، وقد رأيته وسمعت منه، ومات سنة ثمان أو تسع وأربعين ومئة بالمدينة في خلافة أبي جعفر المنصور، وكان ثقة، كثير الحديث. ومع ذلك يذكر صاحب التهذيب حكاية طرده من الاسكندرية ، فيقول: "وقال أبو سعيد بن يونس: قدم مصر وصار إلى الاسكندرية فتزوج بها امرأة من أهلها فأتاها في دبرها فشكته إلى أهلها فشاع ذلك، فصاح به أهل الاسكندرية، فخرج منها، وتوفي بالمدينة سنة ثمان واربعين ومئة، وكان يخضب لحيته بالصفرة" . هذا وفي كتاب الدر المنثور للسيوطي ، ما عنونه: رخصة في إتيان الدبر . يذكر ما أخرج ابن جرير والطبراني في الأوسط وابن مردويه وابن النجار بسند حسن عن ابن عمر « أن رجلاً أصاب امرأته في دبرها زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنكر ذلك الناس وقالوا : اثفروها . فأنزل الله ( نساؤكم حرث لكم . . . ) الآية. وفي الدر المنثور أيضا : أخرج الخطيب في رواة مالك من طريق أحمد بن الحكم العبدي عن مالك عن نافع عن ابن عمر قال « جاءت امرأة من الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم تشكو زوجها ، فأنزل الله ( نساؤكم حرث لكم . . . ) الآية » . وأخرج النسائي وابن جرير من طريق زيد بن أسلم عن ابن عمر . أن رجلاً أتى امرأته في دبرها ، فوجد في نفسه من ذلك وجداً شديداً ، فأنزل الله ( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ) . ويذكر السيوطي أيضا : وأخرج الدارقطني في غرائب مالك من طريق أبي بشر الدولابي ، نبأنا أبو الحرث أحمد بن سعيد ، نبأنا أبو ثابت محمد بن عبيدالله المدني ، حدثني عبد العزيز محمد الدراوردي ، عن عبدالله بن عمر بن حفص ، وابن أبي ذئب ، ومالك بن أنس ، فرقهم كلهم عن نافع قال : قال لي ابن عمر : امسك على المصحف يا نافع ، فقرأ حتى أتى على { نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم } قال لي : أتدري يا نافع فيم نزلت هذه الآية؟ قلت : لا . قال : نزلت في رجل من الأنصار أصاب امرأته في دبرها ، فاعظم الناس ذلك ، فأنزل الله ( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم . . .) الآية . قلت له : من دبرها في قبلها؟ قال : لا إلا في دبرها . وقال الرفا في فوائده تخريج الدارقطني ، نبأنا أبو أحمد بن عبدوس ، نبأنا علي بن الجعد ، نبأنا ابن أبي ذئب ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : وقع رجل على امرأته في دبرها ، فأنزل الله { نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم } قال : فقلت لابن أبي ذئب ما تقول أنت في هذا؟ قال : ما أقول فيه بعد هذا! . وفي الدر المنثور للسيوطي أيضا : أخرج الطبراني وابن مردويه وأحمد بن أسامة التجيبي في فوائده عن نافع قال : قرأ ابن عمر هذه السور ، فمر بهذه الآية { نساؤكم حرث لكم } الآية . فقال : تدري فيم أنزلت هذه الآية؟ قال : لا . قال : في رجال كانوا يأتون النساء في أدبارهن . ويذكر ما أخرج الدارقطني ودعلج كلاهما في غرائب مالك من طريق أبي مصعب واسحق بن محمد القروي كلاهما عن نافع عن ابن عمر « أنه قال : يا نافع أمسك على المصحف ، فقرأ حتى بلغ { نساؤكم حرث لكم . . . } الآية . فقال : يا نافع أتدري فيم أنزلت هذه الآية؟ قلت : لا . قال : نزلت في رجل من الأنصار ، أصاب امرأته في دبرها فوجد في نفسه من ذلك ، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله الآية ، قال الدارقطني : هذا ثابت عن مالك ، وقال ابن عبد البر : الرواية عن ابن عمر بهذا المعنى صحيحة معروفة عنه مشهورة » . وأخرج ابن راهويه وأبو يعلى وابن جرير والطحاوي في مشكل الآثار وابن مردويه بسند حسن عن أبي سعيد الخدري « أن رجلاً أصاب امرأته في دبرها فأنكر الناس عليه ذلك ، فأنزلت ( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ) . وأخرج النسائي من طريق يزيد بن رومان عن عبيدالله بن عبدالله بن عمر . أن عبدالله بن عمر كان لا يرى بأساً أن يأتي الرجل المرأة في دبرها . وأخرج البيهقي في سننه عن محمد بن علي قال : كنت عند محمد بن كعب القرظي فجاءه رجل فقال : ما تقول في إتيان المرأة في دبرها؟ فقال : هذا شيخ من قريش فسله يعني عبدالله بن علي بن السائب . فقال : قذر ، ولو كان حلالاً . وأخرج ابن جرير عن الدراوردي قال : قيل لزيد بن أسلم : إن محمد بن المنكدر نهى عن إتيان النساء في أدبارهن . فقال زيد : أشهد على محمد لأخبرني أنه يفعله . وأخرج ابن جرير عن ابن أبي مليكة . أنه سأل عن إتيان المرأة في دبرها فقال : قد أردته من جارية لي البارحة ، فاعتاصت علي فاستعنت بدهن . وأخرج الخطيب في رواة مالك عن أبي سليمان الجرجاني قال : سألت مالك بن أنس عن وطء الحلائل في الدبر فقال لي : الساعة غسلت رأسي منه . وأخرج ابن جرير في كتاب النكاح من طريق ابن وهب عن مالك : أنه مباح . وأخرج الطحاوي من طريق أصبغ بن الفرج عن عبدالله بن القاسم قال : ما أدركت أحداً اقتدى به في ديني يشك في أنه حلال ، يعني وطء المرأة في دبرها ، ثم قرأ { نساؤكم حرث لكم } ثم قال : فأي شيء أبين من هذا . وأخرج الطحاوي والحاكم في مناقب الشافعي والخطيب عن محمد بن عبدالله بن عبد الحكم أن الشافعي سأل عنه فقال : ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في تحليله ولا تحريمه شيء ، والقياس أنه حلال" . وذكر صاحب فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير الشيخ محمد عبد الرؤوف المناوي : "ذهب شرذمة من السلف إلى حله تمسكا بأن هذا الحديث وما أشبهه من أحاديث باب ورد على سبب وهو كما في معجم الطبراني عن ابن عمر أن رجلا أصاب امرأته في دبرها فأنكر ذلك الناس فأنزل الله (نساؤكم حرث لكم) الآية. قال الهيثمي : فيه يعقوب بن حميد وثقه ابن حبان وضعفه غيره وبقية رجاله ثقات" . ويذكر بن العربي : " وذهبت فرقة ممن فسرها ب " أين " إلى أن الوطئ في الدبر مباح، وممن نسب إليه هذا القول: سعيد بن المسيب ونافع وابن عمر ومحمد بن كعب القرظى وعبد الملك بن الماجشون، وحكى ذلك عن مالك في كتاب له يسمى " كتاب السر ". "وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم ". وقال: فتقديره تتركون مثل ذالك من أزواجكم، ولو لم يبح مثل ذلك من الازواج لما صح ذلك، وليس المباح من الموضع الآخر مثلا له، حتى يقال: تفعلون ذلك وتتركون مثله من المباح. اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي جَوَازِ نِكَاحِ الْمَرْأَةِ فِي دُبُرِهَا ؛ فَجَوَّزَهُ طَائِفَةٌ كَثِيرَةٌ ، وَقَدْ جَمَعَ ذَلِكَ ابْنُ شَعْبَانَ فِي كِتَابِ جِمَاعُ النِّسْوَانِ وَأَحْكَامُ الْقُرْآنِ " وَأَسْنَدَ جَوَازَهُ إلَى زُمْرَةٍ كَرِيمَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَإِلَى مَالِكٍ مِنْ رِوَايَاتٍ كَثِيرَةٍ ، وَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ عَنْ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ نَافِعٍ قَالَ : " كَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ لَمْ يَتَكَلَّمْ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهُ ، فَأَخَذْت عَلَيْهِ يَوْمًا فَقَرَأَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ حَتَّى انْتَهَى إلَى مَكَان قَالَ : أَتَدْرِي فِيمَ نَزَلَتْ ؟ قُلْت : لَا . قَالَ : أُنْزِلَتْ فِي كَذَا وَكَذَا ، ثُمَّ مَضَى ، ثُمَّ أَتْبَعَهُ بِحَدِيثِ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ : { فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ } . قَالَ : يَأْتِيهَا فِي . وإذن؟! هذا غيض من فيض . ولو أن المجدف كان على اطلاع على تراثه قبل حشر الأنف في تراث الغير ادعاء ، لما لجأ إلى هذه الأحكام المسرفة. هل رأيت كيف أنه لا ينفع أن تشهر بفقيه شيعي إنما قال بإباحة ذلك واكتفى بالكراهية، لعدم وجود الدليل. فهذا إذن فقه مشترك لا مجال لحجبه بالتجديف. لأن في مثل هذا الموضوعات يكون الحاكم عليها هو الطبع والذوق والثقافة الجنسية ووجهة نظر العلم والصحة وما شابه. وهو بلا شك فعل منفر ككل المنفرات التي قد تكون مشمولة في الإباحة. والفقه ناظر في الأدلة، ساع قدر الوسع لرفع الحرج عن المكلف اليوم وغدا وفي كل مكان. فهل سنسمع مرة أخرى إلى بهلول خصيم يردد تهمة أن الشيعة يقولون بذلك بدهشة البلداء ؟! ماذا لو سلك الشيعة المنهج نفسه في القمش والانتقاء؟ تبدو صناعة القمش والانتقاء والتجديف أسهل صناعة وإن كلفت ثمنا باهضا ألا وهو بيع الضمير. ولو أراد الشيعة أن يستعرضوا كل ما ضمه تراث العامة من المسلمين من تلك النواذر، لوقفنا على كل عجيب وغريب، في الأصول والفروع. غير أن مقتضى العلم الصحيح أن تؤخذ العقائد من إجماعات المدارس وما تقرر لديها. والمدارس هي من تملك حق تعريف نفسها بنفسها وبها تلزم نفسها طبقا لقاعدة الإلزام. المدارس لا تعرف بالشاذ الناذر ولا تعيّر به أيضا. فمثلا إننا نجد فضلا عما ذكرنا ما يفيد إباحة المحارم في بعض من تلك المصنفات. نكاح الصغيرة وإتيان الرضيعة تهمة من ضد من؟ إن مجرد الوقوف عند هذه التهم الرخيصة يدمي القلب ويخجل الضمير، فبأي عقل وبأي ضمير يترخص هؤلاء القوم في كل هذا الإسراف كما لو كنا في غاب وليس في ممالك البشر. ولا زلنا نؤكد أن التراث الإسلام وإن انحل إلى تراثات فهو من ناحية أخرى يعاني من مشكلات مشتركة تتطلب تعاطيا عليما ، يستنهض أهل الفكر والتجديد للخروج من تلك المآزق ، لا سيما في القضايا التي هي محل خلاف فقهي ليس للسياسة فيه دخالة ، بل أحيانا يستند فيه الفقهاء إلى الدليل كرها وإن كانت ذائقتهم الاجتماعية والقيم المعاصرة المحيطة بهم تفرض عليهم القول بخلاف ما يوجب عليهم ما في أيديهم من أدلة. ولذلك فالنقاش يغدو علميا وليس لجاجا. وفقهيا ليس جدلا كلاميا فارغا وعاما وليس طائفيا. وقد سمعت وسمعت حكاية مستجدة حاول بها خصوم الشيعة ركوب المنهج التقليدي نفسه لشيوخهم المجدفين القدامى في تهويل كل ما يبدو خلافيا ولو في الفقه. وهي لبلادتهم حكاية قابلة أن ترتد عليهم لأننا لو سلكنا هذا المنهج وبحثنا فيما يبدو مثالب في كل المذاهب الفقهية لوجدنا عجبا. ومع ذلك فإن كراهية خصوم الشيعة ضد الشيعة جعلت منهم عميانا لا يلتفتون إلى الحماقات التي يفترونها ، وتلك هي مصيبتهم أنهم باتو أعجز أن ينهجوا نهج الموازنة في نقد الشيعة ، فلا هم قادرون بعد تاريخ من التجديف أن يتمثلوا منهجا راشدا في ذلك ، ولا هم مستعدون أن يمارسوا الحد المعقول من الموضوعية ضد الشيعة لأن ذلك من شأنه : أولا ، أن يفضح تاريخا ملؤه الأكاذيب والبهتان ، ثانيا ، أن يبدو التشيع سيد الموقف من حيث الأدلة والمشروعية. وهذا غير مقبول ، إذن فلتستمر حكاية التجديف والعماء والهسترة ، فليس في اليد حيلة. ما أن تحدث بعض مشايخ الإساءة عن إباحة نكاح الرضيعة في كتاب تحرير الوسيلة للإمام الخميني حتى تلقفها منه حفاظ التجديف الذين لم يعودوا يملكون أن يأتوا فيه بجديد أو ينجزوا إبداعا، ونشروها في الآفاق. ويبدو لي أن القوم قبل ذلك كانوا وعلى بلادتهم وقعوا في أخطاء منهجية لا تغتفر. أولا وجب أن يتساءلوا حول خصوصية الفتوى المذكورة وأي كتاب حملها. ثانيا وجب أن يتساءلوا حول مصادرها ، ثالثا اتضح أنهم اكتشفوها توّا ولم تكن من شائعات خصوم الشيعة القدامى . بمعنى أن القوم إما أنهم اكتشفوا أمرا لم يكتشفه أسلافهم ، أو أنهم فقدوا حتى ذلك النزر المتبقي من الفقاهة في لجة التجديف. لأن شيوخهم القدامى أدركوا أنها فرية لن تنفعهم لتورط فقههم فيها. وعلى هذا الأساس سيجري كلامنا: خصوصية الفتوى: يتحدث الخصم ببجاحة وكأنه وقع على صيد ثمين عن وجود فتوى في كتاب تحرير الوسيلة للإمام الخميني تجيز نكاح الرضيعة واستحلال ما يستحل من الكبيرة. وطبعا هكذا يذكرون الفتوى دون قيد، بل يوهموا أنها كذلك صحيحة. والصحيح أن الفتوى تجاري الموقف الفقهي التقليدي كما عند السنة والشيعة في عدم وجود ما يحدد سنّ الزواج في جملة النصوص الواردة. وحيث في الفقه الشيعي مع فرض صحة الزواج بالصغيرة، يحرم وطؤها حرمة مشددة، عقوبتها أنها تحرم عليه مطلقا. فهم هنا يميزون بين صحة عقد النكاح لكن لا يجيزون الدخول. وحيث أن السؤال يتجه نحو المباح من الاستمتاع ما دون الدخول. أيضا لا يوجد في النصوص مانع من فعل أي شيء ما عدا الوطء. وكان الإمام الخميني في معرض القول بحرمة وطأ الصغيرة . ورأى بحكم عدم وجود أدلة مانعة من التصرف في المعاشرة الزوجية مع الزوجة الصغيرة إلا ما استثني بالدليل الخاص بخصوص الوطأ. فبما أن النصوص أباحت ذلك لم يعد من مانع لترتيب المعاشرة الجنسية إلا ما خرج بالدليل في شأن الصغيرة بخصوص الوطأ وليس ما عداه. ولا أدري لم اعتبر هذا من مختصات الفقه الشيعي ، علما أن فقهاء شيعة آخرون وبناء على موقف عقلي تحليلي ناظر في مقاصد الشرع وحكمته رفضوا هذا النوع من الزواج أصلا باعتباره لا يبيح الدخول ، فهو كما لم يقع. فلا يعقل أن يكون الموقف الفقهي الإسلامي متدنيا إزاء سيرة العقلاء. ولا يمكن أن يصبح شاذا في العرف الدولي والثقافة والعلم المعاصرين. ذلك لأن ما استجد في هذا العصر من أنماط تناقض موضوع الزواج بالصغيرة. فحق المرأة بحكم المساواة والعدالة ، في الصحة وفي التعليم وفي الاختيار وما شابه يعرض المرأة للضرر بها وبمستقبلها المهني والاجتماعي وما شابه . وفي زماننا لا يملك حتى الولي أن يتنبأ بهذا المستقبل أو يملك تشخيص مصلحة الصغيرة في هذا النوع من الزواج . فيكفي الإضرار مانعا. فالحرمة لا تتحدد فقط بالنصوص ، بل أيضا بالقواعد العلمية والسيرة العقلائية والعرف المعتبرين والمقاصد المعقولة للشرع وفلسفة الحكم . إذن مشكلة الزواج بالصغيرة من القضايا التي تحتاج إلى نقاش باعتبارها من مسلمات الفقه الإسلامي سنة وشيعة بحسب الفتاوى التقليدية التي غالبا ليست ناظرة في العرف المتجدد لأنها أساسا كانت ناظرة في العرف التقليدي الذي لا يرى مانعا في ذلك. وقلنا ولا زلنا نكرر أن وظيفة الفقه ليس صياغة الأذواق أو ابتكار الأعراف، بل وظيفة الفقه النظر في الحلال والحرام من جهة الأدلة. وأيضا التكيف مع الأعراف واعتبار المتماشي فيها مع السيرة العقلائية ومقاصد الشريعة. وهذا موضوع آخر لا نريد التوسع فيه ، لأنه يتعلق بمشكلات الفقه وفلسفة الأحكام. وكان لا بد أن نتحدث منهجيا مع هؤلاء لأنهم أخطئوا الطريق إلى المعرفة الحقيقية بالمشكلة. أولا إن كتاب تحرير الوسيلة هو كتاب فتوى ، بمعنى هو رسالة عملية ليس بالضرورة أنها تحمل الرأي الصناعي للفقيه ، بل في أكثر الأحيان يغلب عليها الاحتياط ، أقصد به هنا ليس الاحتياط المذكور في الفتوى بل الاحتياط في عدم الاجتهاد مقابل النص إذا لم يخدش في صحة النص وإن خالف الكثير من القيم العرفية المستجدة. فالفقيه هنا لا يقدم رأيه الشخصي أو ذوقه العرفي بل يقدم رأي الشريعة طبقا للدليل. وهذا ديدن كل الفقهاء الذين لا يجرؤون في مقام الفتوى أن يخالف ما بين أيديهم من مدارك روائية صحيحة. وهذا الذي حدث. فلو اتضح أن ثمة من الأدلة الشرعية الصحيحة ما يثبت ذلك، فالملامة لا تعود على الفقيه بل على ما هو في أيدينا وعلى أعرافنا وأذواقنا وثقافتنا. ولكن الخصم يتحدث عنها كما لو كانت من افتراء الفقيه وليست من محصول الفقه. وذلك هو البهتان. ووجب التذكير أيضا أن هذا كتاب فتوى تقليدي كتبه الإمام الراحل لمقلديه قبل حدوث الثورة. بمعنى حينما كان فقيها كسائر الفقهاء ناظرا في الدليل ولم يكن على رأس دولة يسوس فقهها بحس اجتماعي تمليه تحديات النوازل. هو فقه تقليدي لمقلديه في العالم وليس فقها لدولة ، لأن تلك الفتوى لم تكن محل بلوى ، فهي تتحدث في تقدير المسألة وحدود المباح منها نظريا ، حيث في عالم الناس لا يوجد من يسمح بهذا النوع من النكاح أصلا، وليست هناك دولة وقوانين لتقييد هذا الأمر بحسب عناصر وشروط موضوعية خارجة يمكن للفقه أن ينفتح عليها ويستدخلها في عملية الاستنباط. وقد كان الفقيه نفسه ممن يؤمن بمدخلية المكان والزمان في استنباط الأحكام. فمادام هذا النوع من النكاح ليس ممكنا اجتماعيا وليس محل بلوى، فإنه لم يثر أدنى ضوضاء لأن القضية تتعلق بحدود الإباحة نظريا كما قلنا. وفي العادة هي جوابات عن أسئلة مطروحة تم تدوينها ولا يحتمل الأمر أكثر من ذلك. ولكن وجب القول أن في إيران كما في سائر بلاد الدنيا تطرح جملة من النوازل تحدياتها على القانون والفقه. وفي هذه الأثناء كانت إيران وفي ظل قيادة الفقيه نفسه شهدت جدلا ونقاشا في الدوائر المعنية وداخل البرلمان بخصوص قضية تحديد سن الزواج. وهذا ما يوضح أن القضية ليست على الطريقة الكاريكاتورية التي صورها خصوم الشيعة وخصوم الفقيه المذكور، بل يبين أن الفقيه المذكور نفسه اعتبر أن القضية خاضعة للنقاش القانوني ولم يتدخل.لأنه في الرسالة العملية كان بصدد إظهار حدود الإباحة النظرية. والباقي أمر يتعلق بالأخلاق. ولقد كان عالم أخلاق لا يلوى له ذراع . وهنا سأتحدث عن لمحة بخصوص تحديد سن الزواج ضمن النقاش الذي جرى ولا زال يجري بين الفينة والأخرى لتطوير نظام الأسرة والأحوال الشخصية في ذلك البلد. لقد شهدت إيران جدلا حول هذه المسألة بعد الثورة. حدد سن الزواج في عهد الشاه في 18 سنة بالنسبة للإناث وفي 15 سنة كاملين وبالنسبة للذكور. غير أن القانون أجاز للمحكمة السماح بأقل منه بسنتين بالنسبة للمرأة في حالة ما إذا توفرت على قدرات جسدية وعقلية. وحدد القانون سن المرأة في هذه الحالة بما لا ينزل عن 13 سنة. بعد الثورة وبعد أسلمة القوانين ، أثير الموضوع مجددا ، فاعتبر أن المعتبر وفق الشريعة هو تحديد سن الزواج على أساس البلوغ. وهذا أمر نسبي لأن البلوغ يختلف من منطقة إلى أخرى. وبالفعل تمت صياغة قانون في الدورة الأولى للبرلمان ينص على منع الزواج قبل البلوغ. وقد تحدث القانون الجديد عن إمكانية توزيج الصغيرة قبل البلوغ في حال قبل بذلك الولي شريطة أن لا ينافي ذلك مصلحة البنت. على أن تشخيص هذه المصلحة يبقى من اختصاص المحكمة . وقد تعدل هذا القانون نتيجة الضغوط التي واجهتها الجمهورية لا سيما من الأوساط الدولية ، فتقرر وضع قانون يصرح بسن قانوني للزواج ، ولكن يمكن فهم ذلك من خلال الفقه نفسه ، الذي يستدخل كل هذه العناصر والشروط في عملية استنباط الحكم ، ومن هنا وحسب ما يفرضه واقع تغير العناوين والشروط الموضوعية للحكم بات ضروريا سن قانون محدد لسن الزواج. وذلك بعنوان المنع من الاستغلال، ومنه استغلال الأوساط الدولية للقوانين السابقة. وبموجب القانون المصادق عليه في المجلس النيابي في تاريخ 1381 الشمسية ، أصبح سن الزواج محددا بالنسبة للمرأة في سن 14 سنة كاملة وسن 18 سنة بالنسبة للرجل كاملة. وما دون هذا السن في الحالات الاستثنائية المذكورة آنفا ، يكون التشخيص من اختصاص المحكمة الخاصة. وقد استمر النقاش بعد ذلك ، لا سيما بعد أن رفض الشيخ جنتي وبالتالي مجلس صيانة الدستور هذا القانون باعتباره مخالفا للشريعة التي تجعل لا محدد لسن الزواج غير البلوغ ، أعيد صياغة القانون من قبل مجلس تشخيص مصلحة النظام ، حيث هو المخول دستوريا لفك النزاع ما بين مجلس النواب ومجلس صيانة الدستور. فأصبح سن الزواج بالنسبة للمرأة في 13 سنة كاملة وبالنسبة للرجل في 15 سنة كاملة. وما دون ذلك في الحالات الخاصة يتم برضى الولي مع مراعات مصلحة البنت ، التي تشخصها المحكمة ، وهي من يحكم ببطلان أي عقد لا ترى فيه مصلحة البنت أو الولد. وكما يبدو واضحا أن ثمة إصرار على الموازنة بين مقتضيات الشريعة ومقتضيات المبادئ والأعراف الدولية. هذا ومثله يقع في بلاد أوربية في مسألة رفع أو تخفيض سن الزواج ، يعبر عن اجتهاد ومصالح وثقافة وليس الأمر جزافيا. وشاهدنا في كل هذا أن هذا الجدل جرى في دولة كان قائدها هو موضوع الأسطوانة المشروخة حول قوله بجواز نكاح الرضيعة. مصادر الفتوى قلنا أن الخصم جعل الفتوى المذكورة من مختصات الإمام الخميني، مما أظهر جهلهم بالمطلوب. فهي فتوى تقوم على أدلة شرعية وجدت منذ القديم ولم يخل منها عصر إسلامي قط. وتلك من مشكلات الميراث الفقهي الذي يعود بنا إلى قرون لم تكن هذه المسألة تطرح الاستشكالات التي نجدها اليوم في عصرنا. لا في الشرق ولا في الغرب. ففي مجتمعاتنا العربية كان ولا زال في بعض جيوبها يجري هذا النوع من الزواج بالصغيرة ولا يثير أي غرابة بقدر ما يتحول إلى حكايات ساخرة في المحيط السوسيولوجي لهذا النوع من الزواج. وحيث أن في أمر الخطوبة وصحة عقد النكاح لم يوجد نص مانع من نكاح الصغيرة ، فليس للفقيه إلى أن يقول بالإباحة. والقول بالإباحة لا يعني التحريض على إتيانه، بل وظيفة الفقه أن تقول حلال أم حرام رفعا للحرج. ولكن في يد الشيعة أدلة مانعة من الدخول بالصبية، حيث مع تحقق الدخول تبين منه ولن تحل له مطلقا حتى لو تزوجت من غيره فيما بعد. وحيث الاستفتاءات تتحدث عما هو ممكن إتيانه من الصغيرة حال عدم شرعية الدخول بها، لم يكن مما يستوجب تحريم ما عدا الدخول من أنواع الملامسة وما شابه كما هو مبين في ذيل الفتوى. وهذا معناه أن الأمر يتعلق بالفقه والدليل ولا يتحدث عن الأهواء. ومن هنا نقول ، أن الأمر يستدعي تدخلا من مواقع ومستويات ومقاصد أخرى. إننا نعتبر أن الفقه الإسلامي بمختلف مدارسه يواجه هذا الاستحقاق. ليست المسألة مسألة إباحة بل القضية قضية تطور في قيم المجتمعات والموانع الموضوعية للشروط الاجتماعية المعاصرة. لم نعد اليوم نتحدث عن نكاح الصغيرة بل بدأنا نتحدث عن السن القانوني للزواج الذي لا يؤثر على جملة من الحقوق التي اكتسبتها المرأة بنضالها وكذا المجتمع بتطوره وتكيفه مع أنماط جديدة لم يستجب لها الفقه التقليدي بصورة جادة وكاملة. ولا يوجد في الفقهاء التقليديين أنفسهم من يعتقد بأن الفقه في حاجة إلى تقدم وتطور وتجديد. فالمرأة اليوم حصلت على حقها في التعليم وفي الانخراط في العمل داخل المجتمع وهي مثل الرجل اليوم في كل هذا. ومثل هذه المكتسبات كفيلة وحدها بوضع حد لكل ما كان مستباحا في حق المرأة بموجب الشروط الاجتماعية التي كانت تحدد مكانتها في مجتمعات تقليدية، وليس الفقه هو المسئول. لاعتقادنا أن الفقه يتكيف مع الأنماط وليس هو من يوجد الأنماط الاجتماعية.وإذا أمكنه أن يتكيف يوما مع أنماط اجتماعية تقليدية أمكنه اليوم ودائما أن يجد له ممرات للتكيف الخلاّق مع كل الأنماط وكل الأزمنة. فهل يعقل أنه في مجتمعاتنا من يسمح بتزويج ابنته الصبية ، دون أن يخل بحقوقها في التعليم والصحة وماشابه. لقد ولّى زمان الفقه الذكوري العاري وبد الفقه المعاصر يتجدد كلما داهمته الملمات. وأي إنسان يمكن أن يفعل ذلك بابنته أو يفعل هو بالأخريات دون أن يواجه نفورا عرفيا شديدا. إذن المسألة لا يجب أن تخرج من حدود كونها جوابا عن حلية ما دون الدخول وليس الأمر يتعلق بقضايا أهواء جعل منها الخصوم كما لو كانت حكاية بورنوغرافية. ففي مجتمعاتنا التقليدية لم يكن نكاح الصغيرة يثير كل هذه الاستشكالات ، لكن مع تغير الأنماط الإجتماعية والأذواق والسلوكيات الحضارية بات اليوم أمرا ثقيلا ومخجلا بل في عرف الثقافة الغربية هو نوع من الشذوذ البدوفيليك. فرية لم تنفع قدماءهم لو امتلك الخصوم المتحرقين الجدد قسطا من فقاهة قدمائهم لعدلوا عن الوقوف عند هذه الحكاية وتضخيمها بشكل فاحش. فالقدامى من المجدفين أدركوا أن هذه ليست من مختصات مذهب إسلامي دون آخر. لا ، بل إنهم أدركوا أن ما في يدهم من تراث فقهي ينطوي على مادة دسمة لحملة مضادة من الخصم. ولذلك غضوا الطرف وكانوا لا يضخمون منها تضخيم المعاصرين لها لغلبة الجهل على قائلها ولصعوبة التحقق والتمييز عند عموم المتلقي. وما لا يحب أن يظهره خصوم الشيعة من فقههم وأيضا لجهلهم العريض بأحكامه ، هو أن الشيعة تحرم الدخول بالصبية التي لم تبلغ الحلم. وأن الداخل في مثل هذه الحالة تحرم عليه المرأة حرمة دائمة لا رجعة فيها. إذا كان بيتك من زجاج فلا ترمي الناس بحجر ما زال خصوم الشيعة يعربدون ويتبخترون بفريتهم تلك حتى فضح الله شيخهم المغراوي في المغرب حينما انقلبت عليه الدنيا لفتواه بجواز نكاح بنت التسع سنوات. والغريب أنه لم يقف عند حدود ما في يده من أدلة ، بل زاد تفننا و(شبوقا) و(شبقية) ليقول لسائله بأن من بنات التسع ما تتفوق في المضاجعة على بنات العشرين. وقد جرت عليه تلك الفتوى من الويلات ما أدى إلى سدّ شبكاته من دور القرآن المدعومة من الخارج كدارقة تخفي محاولة احتواء المجتمع في دعوى وهابية و تدريس العقائد الوهابية المناهضة للعقائد الأشعرية السنية والمكفرة للتصوف المغربي. وطبيعي أن يخشى على هذا المكتسب من الضياع لذلك كان يمارس التقية في عدم تكفيره للمجتمع المغربي وإظهار شذوذه الفقهي، لينقلب السحر على الساحر، ويأتي هذه المرة من الفروع لا من الأصول. فإن كان بيتك من زجاح فتثبت في رمي الناس بحجر. ولقد دعا على المسلمين يوم كتب قذارته "من سب معاوية فأمه هاوية"، فكان من عدل الله أن يعجل بهاويته ف"تشقلب" خارج البلد وعاد من حيث أتى . وللذين يقذفون الفقه الشيعي بهذه التهم الرخيصة والنعوت غير البريئة، نقول لهم إن مسألة نكاح الرضيعة في التراث السني له نصيب وافر من مثل هذه القضايا. بل إنه في مسألة نكاح الصغيرة بلغ ما لا يرضاه الفقه الشيعة. فهل هي تهمة لتراث فقهي تقليدي كلنا في همه شرق ، أم أننا سنلجأ إلى لعبة نشر الغسيل فوق سطح دون سطح؟! في الفقه السني ثمة باب تحت عنوان : نكاح الصغير والصغيرة كما في المبسوط للسرخسي وغيره. وحتى نطلع القارئ على أن نكاح الرضيعة هو قبل كل شيء فقه لأهل السنة والجماعة ، سأتركه مع عينات ليس إلا مما جاء في كتبهم: يقول صاحب المغني :" وَلِأَنَّ مَا لَا يُشْتَرَطُ فِي نِكَاحِ الصَّغِيرَةِ لَا يُشْتَرَطُ فِي نِكَاحِ الْكَبِيرَةِ ، كَالنُّطْقِ" . ويذكر أيضا :" فَصْلٌ : وَإِنْ تَزَوَّجَ كَبِيرَةً ، ثُمَّ طَلَّقَهَا ، فَأَرْضَعَتْ صَغِيرَةً بِلَبَنِهِ ، صَارَتْ بِنْتًا لَهُ ، وَإِنْ أَرْضَعَتْهَا بِلَبَنِ غَيْرِهِ صَارَتْ رَبِيبَةً ، فَإِنْ كَانَ قَدْ دَخَلَ بِالْكَبِيرَةِ ، حَرُمَتْ الصَّغِيرَةُ عَلَى التَّأْبِيدِ ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا لَمْ تَحْرُمْ ؛ لِأَنَّهَا رَبِيبَةٌ لَمْ يَدْخُلْ بِأُمِّهَا . وَإِنْ تَزَوَّجَ صَغِيرَةً ، ثُمَّ طَلَّقَهَا ، فَأَرْضَعَتْهَا امْرَأَةٌ ، حَرُمَتْ الْمُرْضِعَةُ عَلَى التَّأْبِيدِ ؛ لِأَنَّهَا مِنْ أُمَّهَاتِ نِسَائِهِ . وَإِنْ تَزَوَّجَ كَبِيرَةً وَصَغِيرَةً ، ثُمَّ طَلَّقَ الصَّغِيرَةَ ، فَأَرْضَعَتْهَا الْكَبِيرَةُ ، حَرُمَتْ الْكَبِيرَةُ ، وَانْفَسَخَ نِكَاحُهَا ، فَإِنْ كَانَ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا ، فَلَا مَهْرَ لَهَا ، وَلَهُ نِكَاحُ الصَّغِيرَةِ ، وَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا ، فَلَهَا مَهْرُهَا ، وَتَحْرُمُ هِيَ وَالصَّغِيرَةُ عَلَى التَّأْبِيدِ . وَإِنْ طَلَّقَ الْكَبِيرَةَ وَحْدَهَا قَبْلَ الرَّضَاعِ ، فَأَرْضَعَتْ الصَّغِيرَةَ ، وَلَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِالْكَبِيرَةِ ، ثَبَتَ نِكَاحُ الصَّغِيرَةِ ، وَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا ، حَرُمَتْ الصَّغِيرَةُ ، وَانْفَسَخَ نِكَاحُهَا ، وَيَرْجِعُ عَلَى الْكَبِيرَةِ بِنِصْفِ صَدَاقِهَا .وَإِنْ طَلَّقَهُمَا جَمِيعًا فَالْحُكْمُ فِي التَّحْرِيمِ عَلَى مَا مَضَى" . وفي المغني نجد قوله : " وَأَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِمَا أَعْطَاهَا ، فَلَوْ دَبَّتْ صَغِيرَةٌ إلَى كَبِيرَةٍ ، فَارْتَضَعَتْ مِنْهَا خَمْسَ رَضَعَاتٍ وَهِيَ نَائِمَةٌ ، وَهُمَا زَوْجَتَا رَجُلٍ ، انْفَسَخَ نِكَاحُ الْكَبِيرَةِ ، وَحَرُمَتْ عَلَى التَّأْبِيدِ ، فَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِالْكَبِيرَةِ ، حَرُمَتْ الصَّغِيرَةُ ، وَانْفَسَخَ نِكَاحُهَا ، وَلَا مَهْرَ لِلصَّغِيرَةِ ؛ لِأَنَّهَا فَسَخَتْ نِكَاحَ نَفْسِهَا ، وَعَلَيْهِ مَهْرُ الْكَبِيرَةِ ، يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الصَّغِيرَةِ ، عِنْدَ أَصْحَابِنَا ، وَلَا يَرْجِعُ بِهِ ، عَلَى مَا اخْتَرْنَاهُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِالْكَبِيرَةِ ، فَعَلَيْهِ نِصْفُ صَدَاقِهَا ، يَرْجِعُ بِهِ عَلَى مَالِ الصَّغِيرَةِ ؛ لِأَنَّهَا فَسَخَتْ نِكَاحَهَا" . وفي المصدر نفسه: "وَإِنْ ارْتَضَعَتْ الصَّغِيرَةُ مِنْهَا رَضْعَتَيْنِ ، وَهِيَ نَائِمَةٌ ، ثُمَّ انْتَبَهْت الْكَبِيرَةُ ، فَأَتَمَّتْ لَهَا ثَلَاثَ رَضَعَات ، فَقَدْ حَصَلَ الْفَسَادُ { بِفِعْلِهِمَا ، فَيَتَقَسَّطُ الْوَاجِبُ عَلَيْهِمَا ، وَعَلَيْهِ مَهْرُ الْكَبِيرَةِ ، وَثَلَاثَةُ أَعْشَارِ مَهْرِ الصَّغِيرَةِ ، يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْكَبِيرَةِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِالْكَبِيرَةِ ، فَعَلَيْهِ خُمْسُ مَهْرِهَا ، يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الصَّغِيرَةِ . وَهَلْ يَنْفَسِخُ نِكَاحُ الصَّغِيرَةِ ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ " . وفي تفسير أبي السعود : "وفي القول القديم للشافعي رحمه الله أن المراد عفوُ الولي الذي بيده عقدةُ نكاحِ الصغيرة وهو ظاهرُ المأخذ خلا أن الأول أنسبُ بقوله تعالى : { وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ للتقوى } إلى آخره فإن إسقاط حقِّ الصغيرة ليس في شيء من التقوى" . وفي حاشية رد المختار من فقه الأحناف :"وله: (ولو أرضعت الكبيرة) أطلقها فشمل المدخولة وغيرها، وسواء كان لبنها منه أو من غيره وقع الإرضاع قبل الطلاق أو بعده في عدة رجعي أو بائن بينونة صغرى أو كبرى، فقوله: ولو مبانة يفهم منه حكم الرجعية بالاولى، لان الزوجية قائمة من كل وجه، ثم التقيد بها ليس احترازيا، لان أخت الكبيرة وأمها بنتها نسبا ورضاعا إن دخل بالكبيرة مثلها للزوم الجمع بين المرأة وبنت أختها في الاول وبين الاختين في الثاني وبين المرأة وبنت بنتها في الثالث، وليس له أن يتزوج بواحدة منهما قط ولا المرضعة أيضا، وإن لم يكن دخل بالكبيرة في الثالث فإن المرضعة لا تحل له لكونها أم امرأته، ولا الكبيرة لكونها أم أم امرأته، وتحل الصغيرة لكونها ابنة ابنة امرأته ولم يدخل بها، وتمامه في البحر ". ويذكر أيضا " قوله: (ضرتها الصغيرة) أي التي في مدة الرضاع، ولا يشترط قيام نكاح الصغيرة وقت إرضاعها، بل وجوده فيما مضى كاف لما في البدائع: لو تزوج صغيرة فطلقها ثم تزوج كبيرة لها لبن فأرضعتها حرمت عليه لانها صارت أم منكوحة كانت له فتحرم بنكاح البنت ". ومن نفس المصدر أيضا : "وإن كان دخل بالأم حرمت الصغيرة أيضا، لا لأنه صار جامعا بينهما، بل لان الدخول بالأمهات يحرم البنات، والعقد على البنات يحرم الأمهات، والرضاع الطارئ على النكاح كالسابق. وفي الخانية: لو زوج أم ولده بعبده الصغير فأرضعته بلبن السيد حرمت على زوجها وعلى مولاها، لان العبد صار ابنا للمولى فحرمت عليه لأنها كانت موطوءة أبيه، وعلى المولى لأنها امرأة ابنه ". قوله: (وكذا لو أوجره) أي لبن الكبيرة رجل في فيها: أي الصغيرة، وأشار إلى أن الحرمة لا تتوقف على الارضاع بل المدار على وصول لبن الكبيرة إلى جوف الصغيرة، فتبين كلاهما منه، ولكل نصف الصداق على الزوج، ويغرم الرحل للزوج نصف مهر كل واحدة منهما إن تعمد الفساد بأن أرضعها من غير حاجة، بأن كانت شبعى، ويقبل قوله إنه يتعمد الفساد. بحر. قوله: (إن دخل بالأم) سواء كان اللبن منه أو من غيره، وسواء وقع الإرضاع في النكاح أو بعد الطلاق ولو بائنا ولو بعد العدة، انفسخ النكاح في الأوليين. أما حرمة الصغيرة فلأنها صارت بنته وبنت مدخولته رضاعا، وأما حرمة الكبيرة وإذا كان اللبن من غيره حرمتا أيضا وانفسخ النكاح في الأوليين، أما حرمة الصغيرة فلانها بنت مدخولته رضاعا، وأما حرمة الكبيرة فلأنها أم معقودته رضاعا. وذكر في البحر أن النكاح لا ينفسخ، لأن المذهب عنه علمائنا أن النكاح لا يرتفع بحرمة الرضاع والمصاهرة بل يفسد، حتى لو وطئها قبل التفريق لا يحد، نص عليه محمد في الأصل. ثم قال: وينبغي أن يكون الفساد في الرضاع الطارئ على النكاح: أي كما هنا، أما لو تزوجها فشهدا أنها أخته ارتفع النكاح، حتى لو وطئها يحد، ولها التزوج بعد العدة من غير متاركة. قال الرملي: لكن سيأتي أنه لا تقع الفرقة إلا بتفريق القاضي، فراجعه. تأمل. قوله: (أو اللبن منه) هذا يقتضي إمكان انفراد كون اللبن منه عن كونها مدخولة، وهو فاسد لأنه يلزم من كون اللبن منه أن تكون مدخولة. وفي نسخة واللبن منه بالواو، وهي فاسدة أيضا لأنها تقتضي عدم حرمتها إذا كانت مدخولة واللبن من غيره، وهو ظاهر البطلان، فالصواب إسقاطها. قلت: والشارح متابع للبحر والنهر والمقدسي. وأجاب عنه بإمكان أن تكون حبلى من زناه بها فنزل لها لبن فأرضعتها به فقد حرمتا واللبن منه مع عدم تحقيق الدخول. وفيه أن الحبل من الزنى دخول بها، وحمل الدخول المذكور على الدخول في النكاح اللاحق لا فائدة فيه بعد تحقق الدخول في الزنى السابق. وأجاب السائحاني بالحمل على ما إذا طلق ذات لبنه ثلاثا ثم تزوجها بعد زوج آخر وبقي لبنها فأرضت به ضرتها وفيه ما علمت. والأحسن الجواب بأن قوله: إن دخل بالأم على تقدير قولنا واللبن من غيره، وقوله: أو اللبن منه عطف على هذا المقدار وهو القرينة على هذا التقدير لتحصيل المقابلة بين المتعاطفين، ولو قال: واللبن منه أولا، لكان أوضح وأولى. قوله: (وإلا) أي وإن لم تكن مدخولة ولبنها حينئذ من غيره قطعا، وهذا شامل لما إذا كان الارضاع قبل الطلاق أو بعده، فإن كان قبله انفسخ نكاحهما لكونه جامعا بين البنت وأمها رضاعا. وله أن يعيد العقد على البنت لعدم الدخول بالأم، وإن كان بعده لا ينفسخ نكاح البنت، وحرمت الأم أبدا في الصورتين للعقد على البنت، وكلام الشارح قاصر على الصورة الأولى. قوله: (إن لم توطأ) فلو وطئت لها كمال المهر مطلقا، لكن لا نفقة لها في هذه العدة إذا جاءت الفرقة من قبلها وإلا فلها النفقة. قوله: (لمجئ الفرقة منها) فصار كردتها، وبه يعلم أنها لو كانت مكرهة أونائمة فارتضعتها الصغيرة أو أخذ شخص لبنها فأوجر به الصغيرة أو كانت الكبيرة مجنونة كان لها نصف المهر لانتفاء إضافة الفرقة إليها. قوله: (لعدم الدخول) تعليل لتصنيف المهر، وأما علة أصل استحقاقها له فهي وقوع الفرقة لا من جهتها، والارتضاء وإن كان فعلها وبه وقع الفساد لكن لا يؤثر في إسقاط حقها لعدم خطابها بالاحكام كما لو قتلت مورثها، ولأنها مجبورة طبعا عليه، وإنما سقط مهرها بارتداد أبويها ولحاقها بهما مع أنها لا فعل منها أصلا، لان الردة محظورة في حق الصغيرة أيضا، وإضافة الحرمة إلى ردتها التابعة أبويها والارتضاء لا حاضر فيستحق النظر فتستحق المهر" . أقول: هذا استدلال كامل يضعك أمام صورة واضحة على أن لا نقاش عند الفقهاء في موضوع الرضيعة كما لو أنه جرى مجرى المسلمات. ونجد في المبسوط : "( قَالَ ) : وَبَلَغَنَا { عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ تَزَوَّجَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَهِيَ صَغِيرَةٌ بِنْتُ سِتَّةِ سِنِينَ وَبَنَى بِهَا وَهِيَ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ ، وَكَانَتْ عِنْدَهُ تِسْعًا } فَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ نِكَاحِ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ بِتَزْوِيجِ الْآبَاءِ بِخِلَافِ مَا يَقُولُهُ ابْنُ شُبْرُمَةَ وَأَبُو بَكْرٍ الْأَصَمُّ - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ لَا يُزَوَّجُ الصَّغِيرُ وَالصَّغِيرَةُ حَتَّى يَبْلُغَا لِقَوْلِهِ { حَتَّى إذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ } فَلَوْ جَازَ التَّزْوِيجُ قَبْلَ الْبُلُوغِ لَمْ يَكُنْ لِهَذَا فَائِدَةٌ ، وَلِأَنَّ ثُبُوتَ الْوِلَايَةِ عَلَى الصَّغِيرَةِ لِحَاجَةِ الْمَوْلَى عَلَيْهِ حَتَّى إنَّ فِيمَا لَا تَتَحَقَّقُ فِيهِ الْحَاجَةُ لَا تَثْبُتُ الْوِلَايَةُ كَالتَّبَرُّعَاتِ ، وَلَا حَاجَةَ بِهِمَا إلَى النِّكَاحِ ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ النِّكَاحِ طَبْعًا هُوَ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ وَشَرْعًا النَّسْلُ وَالصِّغَرُ يُنَافِيهِمَا ، ثُمَّ هَذَا الْعَقْدُ يُعْقَدُ لِلْعُمُرِ وَتَلْزَمُهُمَا أَحْكَامُهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ فَلَا يَكُونُ لِأَحَدٍ أَنْ يُلْزِمَهُمَا ذَلِكَ إذْ لَا وِلَايَةَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِمَا بَعْدَ الْبُلُوغِ ، وَحُجَّتُنَا قَوْله تَعَالَى { وَاَللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ } بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى عِدَّةَ الصَّغِيرَةِ ، وَسَبَبُ الْعِدَّةِ شَرْعًا هُوَ النِّكَاحُ ، وَذَلِكَ دَلِيلُ تَصَوُّرِ نِكَاحِ الصَّغِيرَةِ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { حَتَّى إذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ } الِاحْتِلَامُ ، ثُمَّ حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا نَصٌّ فِيهِ ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْآثَارِ فَإِنَّ قُدَامَةَ بْنَ مَظْعُونٍ تَزَوَّجَ بِنْتَ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَ وُلِدَتْ ، وَقَالَ : إنْ مِتُّ فَهِيَ خَيْرُ وَرَثَتِي ، وَإِنْ عِشْتَ فَهِيَ بِنْتُ الزُّبَيْرِ ، وَزَوَّجَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِنْتًا لَهُ صَغِيرَةً مِنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَزَوَّجَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِنْتَ أَخِيهِ ابْنَ أُخْتِهِ وَهُمَا صَغِيرَانِ وَوَهَبَ رَجُلٌ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ فَأَجَازَ ذَلِكَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَزَوَّجَتْ امْرَأَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِنْتًا لَهَا صَغِيرَةً ابْنًا لِلْمُسَيِّبِ بْنِ نُخْبَةَ فَأَجَازَ ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَلَكِنْ أَبُو بَكْرٍ الْأَصَمِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كَانَ أَصَمَّ لَمْ يَسْمَعْ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ النِّكَاحَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَصَالِحِ وَضْعًا فِي حَقِّ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ جَمِيعًا ، وَهُوَ يَشْتَمِلُ عَلَى أَغْرَاضٍ وَمَقَاصِدَ لَا يَتَوَفَّرُ ذَلِكَ إلَّا بَيْنَ الْأَكْفَاءِ . وَالْكُفْءُ لَا يَتَّفِقُ فِي كُلِّ وَقْتٍ فَكَانَتْ الْحَاجَةُ مَاسَّةً إلَى إثْبَاتِ الْوِلَايَةِ لِلْوَلِيِّ فِي صِغَرِهَا ، وَلِأَنَّهُ لَوْ انْتَظَرَ بُلُوغَهَا لَفَاتَ ذَلِكَ الْكُفْءُ ، وَلَا يُوجَدُ مِثْلُهُ وَلَمَّا كَانَ هَذَا الْعَقْدُ يُعْقَدُ لِلْعُمُرِ تَتَحَقَّقُ الْحَاجَةُ إلَى مَا هُوَ مِنْ مَقَاصِدِ هَذَا الْعَقْدِ فَتُجْعَلُ تِلْكَ الْحَاجَةُ كَالْمُتَحَقِّقَةِ لِلْحَالِ لِإِثْبَاتِ الْوِلَايَةِ لِلْوَلِيِّ ، ثُمَّ فِي الْحَدِيثِ بَيَانُ أَنَّ الْأَبَ إذَا زَوَّجَ ابْنَتَهُ لَا يَثْبُتُ لَهَا الْخِيَارُ إذَا بَلَغَتْ { فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُخَيِّرْهَا ، وَلَوْ كَانَ الْخِيَارُ ثَابِتًا لَهُمَا لَخَيَّرَهَا كَمَا خَيَّرَ عِنْدَ نُزُولِ آيَةِ التَّخْيِيرِ حَتَّى قَالَ لِعَائِشَةَ : إنِّي أَعْرِضُ عَلَيْكِ أَمْرًا فَلَا تُحَدِّثِي فِيهِ شَيْئًا حَتَّى تَسْتَشِيرِي أَبَوَيْكَ ، ثُمَّ تَلَا عَلَيْهَا قَوْله تَعَالَى { فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا } ، فَقَالَتْ أَفِي هَذَا أَسْتَشِيرُ أَبَوَيَّ أَنَا أَخْتَارُ اللَّهَ تَعَالَى وَرَسُولَهُ } وَلَمَّا لَمْ يُخَيِّرْهَا هُنَا دَلَّ أَنَّهُ لَا خِيَارَ لِلصَّغِيرَةِ إذَا بَلَغَتْ ، وَقَدْ زَوَّجَهَا أَبُوهَا وَذُكِرَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ عَنْ إبْرَاهِيمَ وَشُرَيْحٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - وَابْنِ سِمَاعَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ذَكَرَ فِيهِ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا ، قَالَ : فِي الْقِيَاسِ يَثْبُتُ لَهَا الْخِيَارُ ؛ لِأَنَّهُ عَقَدَ عَلَيْهَا عَقْدًا يَلْزَمُهَا تَسْلِيمُ النَّفْسِ بِحُكْمِ ذَلِكَ الْعَقْدِ بَعْدَ زَوَالِ وِلَايَةِ الْأَبِ فَيَثْبُتُ لَهَا الْخِيَارُ كَمَا لَوْ زَوَّجَهَا أَخُوهَا ، وَلَكِنَّا نَقُولُ تَرَكْنَا الْقِيَاسَ لِلْحَدِيثِ ، وَلِأَنَّ الْأَبَ وَافِرُ الشَّفَعَةِ يَنْظُرُ لَهَا فَوْقَ مَا يَنْظُرُ لِنَفْسِهِ وَمَعَ وُفُورِ الشَّفَعَةِ هُوَ تَامُّ الْوِلَايَةِ فَإِنَّ وِلَايَتَهُ تَعُمُّ الْمَالَ وَالنَّفْسَ جَمِيعًا فَلِهَذَا لَا يَثْبُتُ لَهَا الْخِيَارُ فِي عَقْدِهِ ، وَلَيْسَ النِّكَاحُ كَالْإِجَارَةِ ؛ لِأَنَّ إجَارَةَ النَّفْسِ لَيْسَتْ مِنْ الْمَصَالِحِ وَضْعًا بَلْ هُوَ كَدٌّ وَتَعَبٌ ، وَإِنَّمَا تَثْبُتُ الْوِلَايَةُ فِيهِ عَلَى الصَّغِيرِ لِحَاجَتِهِ إلَى التَّأَدُّبِ وَتَعَلُّمِ الْأَعْمَالِ ، وَذَلِكَ يَزُولُ بِالْبُلُوغِ فَلِهَذَا أَثْبَتْنَا لَهَا الْخِيَارَ ، قَالَ : وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلُ فَضِيلَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا فَإِنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعَ سِنِينَ فِي بَدْءِ أَمْرِهَا ، وَقَدْ أَحْرَزَتْ مِنْ الْفَضَائِلِ مَا { قَالَ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ - تَأْخُذُونَ ثُلُثَيْ دِينِكُمْ مِنْ عَائِشَةَ } ، وَفِيهِ دَلِيلٌ أَنَّ الصَّغِيرَةَ يَجُوزُ أَنْ تُزَفَّ إلَى زَوْجِهَا إذَا كَانَتْ صَالِحَةً لِلرِّجَالِ فَإِنَّهَا زُفَّتْ إلَيْهِ وَهِيَ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ فَكَانَتْ صَغِيرَةً فِي الظَّاهِرِ وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُمْ سَمَّنُوهَا فَلَمَّا سَمِنَتْ زُفَّتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ ) : وَبَلَغَنَا عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ : إذَا أَنْكَحَ الْوَالِدُ الصَّغِيرَ أَوْ الصَّغِيرَةَ فَذَلِكَ جَائِزٌ عَلَيْهِمَا ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْأَوْلِيَاءِ وَبِهِ أَخَذَ عُلَمَاؤُنَا - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - فَقَالُوا : يَجُوزُ لِغَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ تَزْوِيجُ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ وَعَلَى قَوْلِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَيْسَ لِأَحَدٍ سِوَى الْأَبِ تَزْوِيجُ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ ، وَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَيْسَ لِغَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ تَزْوِيجُ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ فَمَالِكٌ يَقُولُ : الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ تَزْوِيجُهُمَا إلَّا أَنَّا تَرَكْنَا ذَلِكَ فِي حَقِّ الْأَبِ لِلْآثَارِ الْمَرْوِيَّةِ فِيهِ فَبَقِيَ مَا سِوَاهُ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى اسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا تُنْكَحُ الْيَتِيمَةُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ } وَالْيَتِيمَةُ الصَّغِيرَةُ الَّتِي لَا أَبَ لَهَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا يُتْمَ بَعْدَ الْحُلُمِ } ، فَقَدْ نَفَى فِي هَذَا الْحَدِيثِ نِكَاحَ الْيَتِيمَةِ حَتَّى تَبْلُغَ فَتُسْتَأْمَرَ ، وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ { قُدَامَةَ بْنَ مَظْعُونٍ زَوَّجَ ابْنَةَ أَخِيهِ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ مِنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَرَدَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقَالَ : إنَّهَا يَتِيمَةٌ وَإِنَّهَا لَا تُنْكَحُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ } ، وَهُوَ الْمَعْنَى فِي الْمَسْأَلَةِ فَنَقُولُ هَذِهِ يَتِيمَةٌ فَلَا يَجُوزُ تَزْوِيجُهَا بِغَيْرِ رِضَاهَا كَالْبَالِغَةِ وَتَأْثِيرُ هَذَا الْوَصْفِ أَنَّ مُزَوِّجَ الْيَتِيمَةِ قَاصِرُ الشَّفَقَةِ عَلَيْهَا وَلِقُصُورِ الشَّفَقَةِ لَا تَثْبُتُ وِلَايَتُهُ فِي الْمَالِ وَحَاجَتُهَا إلَى التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ فِي الصِّغَرِ أَكْثَرُ مِنْ حَاجَتِهَا إلَى التَّصَرُّفِ فِي النَّفْسِ فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ لِلْوَلِيِّ وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهَا مَعَ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ فَلَأَنْ لَا يَثْبُتُ لَهُ وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ فِي نَفْسِهَا كَانَ أَوْلَى . حُجَّتُنَا قَوْله تَعَالَى { وَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لَا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى } الْآيَةُ مَعْنَاهُ فِي نِكَاحِ الْيَتَامَى ، وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ هَذَا الْكَلَامُ إذَا كَانَ يَجُوزُ نِكَاحُ الْيَتِيمَةِ ، وَقَدْ نُقِلَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي تَأْوِيلِ الْآيَةِ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي يَتِيمَةٍ تَكُونُ فِي حِجْرِ وَلِيِّهَا يَرْغَبُ فِي مَالِهَا وَجَمَالِهَا ، وَلَا يُقْسِطُ فِي صَدَاقِهَا فَنُهُوا عَنْ نِكَاحِهِنَّ حَتَّى يَبْلُغُوا بِهِنَّ أَعْلَى سُنَّتِهِنَّ فِي الصَّدَاقِ ، وَقَالَتْ فِي تَأْوِيلِ قَوْله تَعَالَى { فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ } أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي يَتِيمَةٍ تَكُونُ فِي حِجْرِ وَلِيِّهَا ، وَلَا يَرْغَبُ فِي نِكَاحِهَا لِدَمَامَتِهَا ، وَلَا يُزَوِّجُهَا مِنْ غَيْرِهِ كَيْ لَا يُشَارِكَهُ فِي مَالِهَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ فَأَمَرَ الْأَوْلِيَاءَ بِتَزَوُّجِ الْيَتَامَى أَوْ بِتَزْوِيجِهِنَّ مِنْ غَيْرِهِمْ فَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ تَزْوِيجِ الْيَتِيمَةِ { .