حينما يطغى التغليط والتحريف وجب البيان والتبيين. وقد رأيت من واجبي إحقاق الحق فيما يتهم به خصوم الشيعة هذه المدرسة التي تقوم على الدليل إن في أصولها أو فروعها. فالمسيرة المرطونية للدليل وثقل مسؤوليته هو ما جعل هذه المدرسة تستدخل كافة التقنيات الصناعية والعلوم الوسائط لتيسير البلغة العلمية الحميدة. وقد رأيت أن خصوم الشيعة بالغوا أيضا في موضوع المتعة التي هي على كل حال موضوع فقهي محض ، فلا داعي للتعاطي معها كما لو كانت أصلا من أصول الاعتقاد كما يبدو في ممضوغات خصوم الشيعة وهم يقنطرون التهم تلو الأخرى مما يعكر صفو العلم وأسباب التقارب والتفاهم بين المسلمين وإن اختلفوا. لقد أصبح الحديث عن مخارج العلاقة بين "هو وهي" تسير به ركبان الفضائيات التي أدخلتنا في معالجات نكاحية يبدو زواج المتعة أمامها في حكم الزواج المحافظ المحاط بالمعقول . لكنهم هضموا أشكالا من الانكحة المستجدة وأبقوا على غرائبية موقفهم من زواج المتعة الذي هو أكثر وضوحا وتقييدا وتشارطا وحجية من زواج فريند والمسيار وما شابه. هل سنسمح للجهل أن يستبد بعقولنا. إذن ما معنى زواج المتعة وكيف وجب النظر إليه من منظور فقهي بحث ؟ "" لقد فتل خصوم الشيعة عضلاتهم في نقد حكم فرعي يقول به الشيعة ، حيث لا ينبغي فتل العضلات. ذلك لأنني في كل هذا النزاع رأيت انعكاس المكبوت وصولة المركبات المعتملة في السيكوجنسانية الخصيمة لا راد لها. ولذلك كان لا بد من حصر النقاش في حدوده الموضوعية خارج الهذيان السيكسوباتولوجي الذي تفضحه العبارات والخيالات التي ينطق بها خصوم الشيعة ضد الشيعة في قضية فقهية بحتة يطلب فيها الدليل لا الخيال. لقد زعم خصوم الشيعة أن الشيعة تشذ بقولها بالمتعة. والمتعة ضرب من ضروب النكاح الشرعي ، تتميز بتعيين المدة. لذا تسمى بالزواج المؤقت مقابل الزواج الدائم. وهذا الزواج قيل حوله الكثير وتحامل به خصوم الشيعة على الشيعة. وذلك قبل أن تنقلب القيامة على خصومهم وإذا بهم يخترعون من فصائل وأجناس أنكحة آخر زمان ما يضحك الثكلى: مثل زواج المسيار وزواج فريند وما شابه. والشيعة تتمسك بالدليل. فالمتعة في القرآن مما دلّ عليه قوله تعالى من سورة النساء /24 :"فما استمتعتم به منهن ، فآتوهن أجورهن فريضة". كان ابن مسعود يقرؤها: "فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى". كما كان ابن عباس يدافع عن المتعة وكذلك الصحابة. وذلك لأن حرمتها لم تثبت ومزاعم نسخها مردودة واضحة البطلان. وإنما نهى عنها عمر بن الخطاب. لذا قال علي بن أبي طالب في مشهور كلامه فيما يذكر الطبراني:" لولا نهى عمر عن المتعة لما زنى إلا شقي". في البخاري ومسلم وسائر المصنفات الإخبارية هناك ما يدل على حلّية هذا النكاح. وقولهم أنها نسخت قول باطل ، لضعف مستندهم. فدفعا لمن نسخها بآية الأزواج، ليس فيها ما يعارض ذلك ، لأنه عبارة ما دون ذلك لا يصدق على المؤقت لأنه يندرج تحت عنوان الزواج. فضلا عن أن آية المتعة في النساء مدنية والمؤمنون والمعارج مكيتان، فلا يتقدم الناسخ على المنسوخ. وأما بالخبر فقد صحت روايات المتعة وضعف مدعى من رام القول بعدمها. وحتى وإن أورد مالك حديثا ضعيفا يقول بتحريمها منسوب لعلي بن أبي طالب ، فهو معارض بأخبار مسندة إلى علي بن أي طالب واضحة في حليّتها كما هو واضح من إصرار تلامذته على القول بها وفي مقدمتهم ابن مسعود وابن عباس وآخرون مثل عبد الله بن عمر فيما يرويه عنه أحمد بن حنبل. قلت، إن إدراج خبر مرسل لعلي بن أبي طالب في تحريم المتعة من الموطّأ فيه ما فيه. فإذا كان مبنى مالك الأخذ بقول الصحابة ومن أواخرهم عبد الله بن عمر. وقد صحّ حسب الترمذي قول ابن عمر بحليتها حتى أنه قال: أقول لكم قال رسول الله وتقولون قال أبي. حيث خالف أباه في القول بتحريمها. فذلك واضح أيضا لما نعلم أن المنصور حينما طلب من مالك أن يكتب له كتابا جامعا ويجنبه روايات علي وبن عباس وابن عمر. فكيف يؤتى برواية تخالف المشهور والصحيح من رأيهما إلاّ ليكون إيحاءا بحرمتها بحديث لم يصح يختاره مالك من بين روايات كثيرة صحيحة تثبت حليته عند هذا النفر. فمع ذلك ، يذكر التفتازاني في شرح المقاصد كما ابن حجر العسقلاني في فتح الباري فتوى مالك بإباحة المتعة. بناء على قول ابن عباس المشهور بها واتباعه من قبل أهل مكة واليمن من أصحابه. بالمقابل قالوا بالتعليق الذي رفضه الشيعة. وقد قالوا بما هو أنكر من المتعة حينما أباحوا أن يتزوج الرجل المرأة بنية الطلاق. قلت لعمري هذا فيه تمييز ضد المرأة بمنح الحق للرجل بأن يتزوّج المرأة ويحتفظ بنية طلاقها في المدة التي يراها. وما ميزة هذا الضرب الهجين من النكاح عن المتعة سوى أنها في المتعة أو المنقطع يكون الاتفاق شفافا وبتراضي بين طرفي العقد على تعيين المدّة ، بينما في الثاني يغرر بالمرأة التي تعقد بنية الدائم فيما الرجل يعقد بنية المؤقت. أجمع المفسرون أن الآية أعلاه قصد بها المتعة. ولم يشذ عن هذا غير النسفي. وعموم شيوخ التفسير ترى خلاف ذلك أنها نزلت في المتعة ، بدءا بالرازي والزمخشري وابن كثير والطبري والطبراني وعموم المحدثين كالبخاري ومسلم والترمذي وابن حنبل ومن الفقهاء كابن حزم وابن رشد. وتشهد الروايات الصحيحة في البخاري ومسلم وغيرهما أن المتعة مما فعلها الصحابة ولم تحرم إلاّ في أواخر زمن عمر بن الخطاب. فيذكر البخاري ومسلم في الصحيحين عن عبدالله بن مسعود قال كنا نغزوا مع رسول الله ( ص ) وليس شيء ، فقلنا ألا نستخصي فنهانا عن ذلك ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب ثم قرأ علينا ( يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين ) الآية ". كما أخرج مسلم في باب نكاح المتعة من صحيحه عن عطاء قال قدم جابر بن عبدالله معتمراً فجئناه في منزله فسأله القوم عن أشياء ثم ذكروا المتعة فقال نعم استمتعنا على عهد رسول الله ( ص ) وأبى بكر وعمر الخ . وفي البخاري أيضاً عن عمران بن حصين قال نزلت آية المتعة في كتاب ففعلناها مع رسول الله ( ص) ولم ينزل قرآن يحرمها ولم ينه عنها حتى مات ( ص ) قال رجل برأيه ما شاء . قال الرازي في تفسيره يريد بقوله : ( قال رجل برأيه ما شاء ) عمر بن الخطاب. . في صحيح الترمذي أن رجلاً من أهل الشام سأل إبن عمر عن متعة النساء فقال هي حلال فقال إن أباك قد نهى عنها فقال ابن عمر : أرأيت إن كان أبى نهى عنها وصنعها رسول الله ( ص ) أنترك السنة ونتبع قول أبي . . لقد بقي على حلية المتعة الكثير من السلف حتى بعد تحريم عمر لها . هكذا جاء في المحلى من شهادة ابن حزم قوله:" وقد ثبت على تحليلها بعد رسول الله جماعة من السلف (رض) منهم من الصحابة بنت أبي بكر وجابر بن عبد الله وابن مسعود وابن عباس ومعاوية بن أبي سفيان وعمرو بن حريث وأبو سعيد الخدري وسلمة ومعبد ابن أمية بن خلف ورواه جابر عن جميع الصحابة مدة رسول الله ومدة أبي بكر وعمر إلى قرب آخر خلافة عمر (...) ومن التاربعين طاووس وعطاء وسعيد بن جبير وسائر فقهاء مكة أعزّها الله" (1) . وقد أفتى بها ابن عباس حتى سارت بفتواه الركبان كما قال له مرة سعيد بن جبير: قد قلت للشيخ لما طال مجلسه ** يا صاح هل لك في فتيا ابن عباس هل لك في رخصة الأطراف آنسة ** تكون مثواك حتى مصدر الناس وقد حصل كلام بين ابن عباس وابن الزبير بهذا الخصوص ذكر في مصادر مختلفة منها شرح النهج لابن أبي الحديد المعتزلي . يقال: خطب ابن الزبير بمكةالمكرمة على المنبر وابن عباس جالس مع الناس تحت المنبر فقال : إن ههنا رجلاً قد أعمى الله قلبه كما أعمى بصره يزعم أن متعة النساء حلال من الله ورسوله ويفتي في القملة والنملة وقد احتمل بيت مال البصرة بالأمس وترك المسلمين بها يرتضخون النوى . وكيف ألومه في ذلك وقد قاتل أم المؤمنين وحواري رسول الله صلى الله عليه وآله ومن وقاه بيده فقال ابن عباس لقائدة سعد بن خزيمة استقبل بي وجه ابن الزبير وارفع من صدري وكان ابن عباس قد كف فاستقبل به قائده وجه ابن الزبير وأقام قامته فحسر عن ذراعيه ثم قال : يابن الزبير : قد انصف الفارة من راماها * انا إذا ما فئة نلقاها نرد أولاها على أخراها * حتى تبصر حرضاً دعواها يا ابن الزبير : أما العمى فإن الله تعالى يقول ( فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ) وأما فتاوى في القملة والنملة فان فيها حكمين لا تعلمها أنت ولا أصحابك وأما حملى المال فانه كان مالا جبيناه فاعطينا كل ذى حق حقه وبقيت بقيه هي دون حقنا في كتاب الله فأخذناها بحقنا . وأما المتعة فسل أمك اسماء إذا أنزلت عن بردى عرسجة . وإما قتالنا أم المؤمنين فبنا سميت أم المؤمنين لا بك ولا بأبيك فانطلق أبوك وخالك إلى حجاب مده الله عليها فهتكاه عنها ثم اتخذاها فتنة يقاتلان دونها وصانا حلائلهما في بيوتهما فما انصفا الله ولا محمداً من أنفسهما أن أبرزا زوجة نبيه وصانا حلائلهما . وأما قتالنا إياكم فأنا لقيناكم زحفاً فان كان كفاراً فقد كفرتم بفراركم منا ، وإن كنا مؤمنين فقد كفرتم بقتالكم إيانا وايم الله لولا مكان صفية فيكم ومكان خديجة فينا لما تركت لبني أسد بن العزى عظماً إلاّ كسرته فلما عاد ابن الزبير إلى أمه سالها عن بردى عوسجة فقالت : ألم أنهك عن ابن عباس وعن بني هاشم فأنهم كعم الجواب إذا بدهوا فقال : بلى وعصيتك ، فقالت : يا بني أحذر هذا الأعمى الذي ما أطاقته الإنس والجن وأعلم أن عنده فضائح قريش بأسرها فإياك آخر الدهر . فقال أيمن بن خزيم بن فاتك الأسدي : يا ابن الزبير لقد لاقيت بائقة * من البوائق فالطف لطف محتال لاقيته هاشمياً طاب منبته * في مفرسيه كريم العم والخال ما زال يقرع عنك العظم مقتدراً * على الجواب بصوت مسمع عال حتى رأتك مثل الكلب منحجراً * خلف الغبيط وكنت البازح العالي إن ابن عباس المعروف حكمته * خير الأنام له حال من الحال عيرته « المتعة » المتبوع سنتها * وبالقتال وقد عيرت بالمال لما رماك على رسل بأسهمه * جرت عليك كسوف الحال والبال فاحتز مقولك الأعلى بشفرته * حزاً وحياً بلا قيل ولا قال وأعلم بأنك إن عاودت غيبته * عليك عليك مخاز ذات اذيال(2) وتبين بعدها أن عبد الله بن الزبير هو ابن متعة. كما تبين أن والدته هي أسماء بنت أبي بكر . وقد تزوجها الصحابي المعروف الزبير بن العوام متعة كما في الخبر. وفي تقديري أن موضوع المتعة حمّل أكثر مما يحتمل. وهو موضوع فقهي محض . واستبيان المقاصد التي دعت الخليفة الثاني إلى منعه. ومختصر القول فيه أن الآية المشرعة للمتعة هي حقّا واردة فيها باتفاق المفسرين والمحدثين من السنة. وإنما الخلاف تشعب حول نسخها. وهنا بدا التناقض إلى حدّ دعا الشافعي إلى أن يراها من الأمور التي نسخت ثم أبيحت ثم نسخت ثلاث مرات حتى يجد طريقا للخروج من التناقض الذي وضعتهم فيه أخبار تاريخ ومكان نسخها من خيبر إلى أوطاس إلى الفتح إلى حجة الوداع. ولا نجد متسعا للتفصيل في ضعف هذه الأخبار وتناقضها. والحق أن ما شهدت به الصحاح السنة أنها لم تنسخ بل منعت آخر عهد عمر بن الخطاب. وليس فقط أن الصحابة من أمثال جابر وغيره ممن أدركوا أن عمر لم يكن في مقام التحريم الشرعي لأنه ليس مشرعا للأحكام بل عمر نفسه يشهد على ذلك حينما يقول:"متعتان كانتا حلالا على عهد رسول الله وأنا أحرمهما". فالتحريم هنا ليس له صفة شرعية دينية بل هو منع تمّ بعنوان ثانوي. والذين ذكروا حادثة منع عمر عنها كما في موطّأ مالك ، تحدثوا عن أنه لم يقم عليهم حدّا وإنما ذكر أنه لو سبق قوله فيها لرجم وجلد. والقصة تتعلق بالخوف من إنكار الولد كما قال البعض. لقد علّل عمر بن الخطاب سبب منعه للمتعتين. وها نحن نجد خصوم الشيعة عادوا فأقروا بمتعة الحج بعد أن قالوا بحرمتها على عهد عمر. فكيف نرجع عن المتعة الأولى ولا نعود إلى الثانية وقد أدمجهما الخليفة في المنع معا ولأسباب خاصة. تقول الأخبار أن تعليل عمر لمنع التمتع في الحج وهو حج من بعد عن مكة بقدر مخصوص ، هو أن أهل مكة لا ضرع لهم ولا زرع وإنما ربيعهم في من يفد إلى هذا البيت. إذن فليأتوا إلى هذا البيت مرتين ، مرة للحج المفرد وأخرى للعمرة المفردة ليربح منهم قريش أرومة المهاجرين (3). إذن المنع ها هنا كان ذا أبعاد اقتصادية محض تتعلق بالرّواج الاقتصادي. وحيث أصبح وضع أهل مكة اليوم في غنى عن ذلك فكّوا المنع عن التمتع في الحج والجمع بين العمرة والحج. والأمر نفسه سيان بالنسبة للتمتع بالنساء. فلسان الأخبار تؤكد على أن عمر بن الخطاب منعها لأسباب تتعلق بجملة من الظروف تراءت له كافية لإصدار المنع مع أن كبار الصحابة لم يقبلوا بذلك. وهذا ما جعل عمر يشرح هو نفسه سبب ذلك ، لا بل لقد عاد وأباحها. ففي رواية للطبري حول المتعتين ، يراجعه عمران بن سوادة في دار الخليفة ، قال: ذكروا أنك حرّمت متعة النساء وكانت رخصة من الله نستمتع بقبضة ونفارق عن ثلاث . قال عمر: إن رسول الله (ص) أحلها في زمان ضرورة ثم رجع الناس إلى سعة ثم لم أعلم أحدا من المسلمين عمل بها ولا عاد إليها، فالآن من شاء نكح بقبضة وفارق عن ثلاث بطلاق وقد أصبت(4) . إذن هو اجتهاد وتعليل من قبل عمر، وليس غيره . حتى أن أبا هلال العسكري جعل في أوائله من أوائل عمر تحريمه إياها . في مقابل هذا التخريج هناك موقف آخر شاع عن علي بن أبي طالب ، كما ذكر الطبري في تفسيره وغيره :" لولا أن عمر نهى عن المتعة ما زنى إلاّ شقي". وتابعه في هذا التعليل ابن عباس كما في التمهيد لابن عبد البر المالكي على خلاف في لفظ شقي أو شفي ، يقول: "ما كانت المتعة إلاّ رحمة رحم الله بها أمة محمد (ص) لولا نهيه عنها أي عمر ما احتاج إلى الزنا إلاّ شفي" ؛ الشفي هو القليل من الناس. والمتعة في الفقه الشيعي لها أحكام تشبه الزواج الدائم وتمنحه الحرمة التي تحفظ فيها الأنساب وحقوق الطفل وإرادة المرأة من خلال واجب إعلان الأجل وتحديد المهر وليس الاحتفاظ بنية الطلاق كما في التعليق الذي يحله الفقه السني ويحرمه الفقه الشيعي. أهمها أن الولد إذا حصل ينسب لأبيه وهو شرعي. لكنها تعفي الزوج من النفقة وكذا من الميراث. والتحلل من هذه الالتزامات هو من مقاصد المؤقت لأنه من الأنكحة التي جاءت تخفيفا على المكلف لتحل مشكلة عدم الكفاية والقدرة على الباه وتتيح لمن يئس من إحراز الدائم أن يسلك المؤقت . فالذي يركّز على هذه التوابع ينسى أننا أمام شكل من الزواج مناطه التخفيف والتنازل عن بعض الحقوق لتحقيق القدر الممكن من حق آخر وهو لا يقل أهمية : الحق البيولوجي والنفسي في الحدود الدنيا بما يحافظ على الدين والصحة النفسية والعقل والأخلاق ، وكلها تتصرف إلى مقاصد الدين المعتبرة. وفيه من الأحكام ما يراعي براءة الرحم مما يحافظ على النسل وتتحقق به مقاصد التيسير على العباد والمقاصد الخمسة من حفظ الدين والعقل والمال والنفس والنسل. وهو كما يبدو من مقاصده حلا مجعولا في طريق التيسير على العباد. ويظل للفقه الشيعة مساحة للأحكام الثانوية التي يدخل فيها الزمان والمكان عاملين يستعاد معهما تشخيص الموضوعات والعناوين ، ومن ثمة تجديد الأحكام وفق تطور الموضوعات نظرا لانفتاح باب الاجتهاد. والمرأة الراشدة حرة في أن تقبل أو لا تقبل بحسب ما تشخصه من مصلحتها. فللمرأة فيه مصلحة وللرجل فيه مصلحة ، فلا أحد يظلم الآخر، بل للنساء فيه من المصلحة ما يفوق الرجال. وعموما الشيعة لها في ذلك أدلة وأحكام من القرآن والسنة. ومع ذلك فإن المجتمعات الشيعية لا تمارسه تعففا ولأنها تجد في الدائم ما يكفيها عن المؤقت. ومع ذلك لا يجب أن نحرم ما أحل الله. نعم : لقد حرم عمر المتعة كما حرم أشياء كثيرة، حينما قال: متعتان كانتا حلالا على عهد رسول الله وأنا أحرمهما: متعة الحج ومتعة النساء. غير أن عمر ليس مشرعا، لذا قال الصحابي راوي الخبر في صحيح البخاري: " فقبلنا شهادته ولم نقبل تحريمه". قلت: وها قد اعترف غير الشيعة بمتعة الحج وهو حج من بعد عن مكة. ولكنهم لم يقروا بمتعة الزواج، كراهية في أن يقولوا بمقالة الشيعة. لذلك قالوا بالمسيار وزواج فريند وقائمة أصناف وأجناس الأنكحة طويلة، وآخر موديل. وأن يسمي خصوم الشيعة زواج المتعة زنا ، أمر طبيعي ما دام أحد كبار مفتيهم المعاصرين اعتبر المرأة العاملة في حكم القحبة . ولا يطلب ممن أفتى من خصوم الشيعة من السلفية بكون المرأة العاملة هي كذلك ، أن يتحدث بأخلاق حول زواج أسندته أدلّة وهو جاء حلاّ للزنا لا دعوة لها ، كما قال سادة الفقه من الصحابة أنفسهم. فهو يتنزل منزلة الحلول الواقعية لمن ليس له مكنة الزواج لأسباب يشخصها المكلف وليس الفقيه. وقد التفت إلى ذلك العقاد ونظر في مقاصد هذا الزواج استنادا إلى التعليلات التي أردفت فعل الأباحة ، والموقف العقلاني من هذا الحكم كما تدل عليه فكرة برتراند راسل. ينشر عباس محمود العقاد نصّا في مجلة المصور في عددها العاشر تحت عنوان "الشباب والجنس" جاء فيه: " لقد كان التعليم في الماضي ينتهي في سن 15 أو 16 سنة وكانت هذه سن الزواج فلم تكن عندنا مشاكلكم هذه . فالشباب الذي يتعلم يظل الآن إلى سن ( 30 ) أو أكثر . وقد حل ( برتراند رسل ) هذه المشكلة عندما كان في أمريكا بزواج الصغار . . وهو أن يتزوج الطالب زميلته خلال فترة الدراسة على أن يظل أهلها يصرفون عليها ويظل أهله يصرفون عليه وعليهما أن يتجنبا مسألة النسل . . وعندما تنتهي الدراسة إما أن يستمرا في زواجهما إذا كان ناجحاً أو ينفصلا في سلام . ولقد حل الإسلام هذه المشكلة بالنسبة للجنود بزواج المتعة وذلك حين يخرجون للغزو وزواج المتعة هو زواج لمدة موقوتة والعودة إلى زواج المتعة باب من أبواب العلاج مع ضبط النسل . . ولا بأس في هذا التشبيه . . ان الطالب في دراسته كالجندي في المعركة ". اسألوا بن بطوطة يتحدث بن بطوطة عن أعاجيب تلك الجزائر التي انتهى اليها بعد عشرة أيام من ركوب البحر بقالقوط وهي جزائر ذيبة المهل. وقد مكث بها سنة ومارس فيها القضاء . وهي كما ذكر ، جميع أهلها مسلمون وذووا ديانة وصلاح. ففي وصف نسائها وعوائدهن تحدث عن عوائد كثيرة. لكن لنذكر ما قاله عن أشجارها النرجيلية وما يستخرج منها من الزيوت والعسل والحليب مما يقوّي الباه. هنا يعترف ابن بطوطة بتجربته:" ولقد كان لي بها أربع نسوة وجوار سواهن، فكنت أطوف على جميعهن كل يوم، وأبيت عند من تكون ليلتها. وأقمت بها سنة ونصف أخرى على ذلك". أهل هذه الجزائر أهل صلاح وديانة وإيمان صحيح ونية صادقة، أكلهم حلال، دعاؤهم مجاب. ولو أردنا التحقيق في أي نوع من الزواج الذي يتحدث عنه ابن بطوطة في هذه الجزيرة ، لوجدنا أن الأمر يتعلق بزواج المتعة المؤقت كما لا يمكن أن يخفى على فقيه. فهو يحدثنا عن عوائد الجزيرة بالقول : " ومن أراد التزوج من القادمين عليهم تزوج. فإذا حان سفره، طلق المرأة لأنهن لا يخرجن عن بلادهن. ومن لم يتزوج، فالمرأة التي ينزل بدارها، تطبخ له وتخدمه وتزوده إذا سافر، وترضى منه في مقابلة ذلك بأيسر شيء من الإحسان. وفائدة المخزن". ولمزيد من التوضيح يشرح ابن بطوطة طريقة الزواج عند القوم فيقول:" والتزوج بهذه الجزائر سهل، لنزارة الصداق وحسن معاشرة النساء. وأكثر الناس لا يسمي صداقاً، إنما تقع الشهادة، ويعطى صداق مثلها. وإذا قدمت المراكب تزوج أهلها النساء، فإذا أرادوا السفر طلقوهن، وذلك نوع من نكاح المتعة". ولا يخفى أن بن بطوطة ، ولجهله بالفقه الشيعي يتحدث بعد إقراره بزواج المتعة في هذه الجزيرة ، عن شيء إسمه الطلاق. بينما المصطلح في هذا النوع من النكاح هو انتهاء المدّة ولا يسمى بالطلاق الخاص بالزواج الدائم. وما يهمنا هنا هو أن بن بطوطة بعد أن أكّد على أن أهل الجزيرة لا يرون إشكالا في تزويج المسافر زواجا مؤقتا ، نجد أنه في نهاية المطاف يعترف بأنه تزوج هذا النوع من الزواج حينما يقول: "وهن لا يخرجن عن بلادهن أبداً ولم أر في الدنيا أحسن معاشرة منهن(...)ومن عوائدهن أن لا تأكل المرأة مع زوجها، ولا يعلم الرجل ما تأكله المرأة. ولقد تزوجت بها نسوة، فأكل معي بعضهن بعد محاولة، وبعضهن لم تأكل معي، ولا استطعت أن أراها تأكل، ولا نفعتني حيلة في ذلك". وما يهمنا هنا أكثر ، هو أن أهالي جزيرة ذيبة المهل ليسوا شيعة بل سنة. وأكثر من ذلك أنهم مالكية منذ أسلموا وهم على هذا المذهب. وقد كان إسلامهم على يد عالم دين مغربي يعرف بأبي البركات البربري.وقد ذكر بن بطوطة قصة سبب إسلامهم على يد المغربي بالإحالة إلى بعض الثقاة من أمثال الفقيه عيسى اليمني، والفقيه المعلم علي، والقاضي عبد الله وجماعة سواهم. فهم سنة مالكية كما يقول ابن بطوطة :" وأقام المغربي عندهم معظماً، وتمذهبوا بمذهبه مذهب الإمام مالك رضي الله عنه. وهم إلى هذا العهد يعظمون المغاربة بسببه، وبنى مسجداً هو معروف باسمه، وقرأت على مقصورة الجامع منقوشاً في الخشب أسلم السلطان أحمد شنورازة على يد أبي البركات البربري المغربي" (5) . لا حد فيه لمن قال بحرمته يكفي تطوحا أن أكثر من قال بحرمته بمن فيهم المتطرفين في تحريمه لم يقولوا بوجوب الحد على فاعله لمقام الشبهة. لذا يقول الزرقاني: " هل يحد أو لا، لشبهة العقد، وللخلاف المتقرر فيه، ولأنه ليس من تحريم القرآن، ولكنه يعاقب عقوبة شديدة، وهو المروي عن مالك والشافعي"(6) . وعلى هذا الشافعي وابي حنيفة أيضا لوقوع الشبهة في هذا العقد. وذكر الآلوسي في تفسيره أن ذلك مذهب الأكثرين. وقال: "أنه لا يحد لشبهة العقد وشبهة الخلاف" (7). وحسب العيني فإن "قال أكثر أصحاب مالك: لا حدّ فيه لشبهة العقد". وهذا تكرر مع أعلام السنة مثل ابن حجر في فتح الباري وكذا الجزيري في الفقه على المذاهل الأربعة ، حتى أنهم نسبوا الولد لأبيه في زواج المتعة.(ولا نريد أن نتوسع فقهيا في هذا المجال لأن الغرض ليس الدفاع عن زواج المتعة في نفسه ، بل بيان خطأ من اعتبر أنه زواجا لا يستند إلى القرآن والسنة وبأنه مورد خلاف من داخل السنة وليس خارجها. وبأنه خلاف فقهي لا يحتمل كل هذا التشنيع المسرف الذي يقوم به خصوم الشيعة ضد الشيعة. ولكن يمكن أن يقال أن لا حلّ لمعضلة العنوسة والدعارة التي تستغل فيها المرأة ولا وجود لحل حقيقي لأقدم المهن في تاريخ الحضارات ، إلا بتقنين ذلك. وهذا مما أقدمت عليه التشريعات الغربية نظرا لما يترتب عليه من آفات خطرة على مستوى الصحة والأخلاق والمضار الاجتماعية الأخرى ليس آخرها ما باتت تطالب به بعض الجمعيات الحقوقية من مسألة الاعتراف بالأولاد الناتجين عن السفاح والبحث عن حل لمشكلة النسب. في الفقه السني بدأ الحديث عن الزواج المسيار وزواج فريند وما شابه من حلول غير ناجحة ، فضلا عن أن مستندها الشرعي أضعف من مستند الزواج المؤقت. وعليه ، فالزواج المؤقت فضلا عن شرعيته التي ليس ها هنا محل لذكرها بالتفصيل، يضمن أشياء منها: بما أن الأمر لا يتطلب سوى الصيغة وما يترتب عليها من أحكام تتحقق معها مقاصد حفظ النسل والمال والدين والعقل والحياة ليتحول الأمر من زنا حرام إلى مؤقت حلال، توجد مصالح أخرى ليس آخرها أنه زواج يضمن سياسة تقنين العلاقات بين الجنسين خارج الزواج الدائم بما يشكل حزاما للأمن الأخلاقي والروحي والاجتماعي. كما يحلّ مسألة نسب الأطفال وحقوقهم دون إشكال، فولد المتعة في الحقوق والنسب مثله مثل ولد الدائم. ما يجعل ابن الزواج المؤقت يحمل الحقوق الشرعية نفسها التي يحملها ابن الزواج الدائم: أي القضاء على ظاهر الأولاد من دون آباء التي لا مخرج لها إلا بأقرار المتعة. إن الزواج الدائم لم يمنع من تفاحش الدعارة والأولاد من دون آباء . لكن لو ذكرت الصيغة لارتفع الإشكال مطلقا وأمكن نسبة الأولاد إلى آبائهم. وهو يحل مشكلة العنوسة والعزوف عن الزواج ويحل مشكلة الجنود والطلبة والمهاجرين والعاطلين عن العمل والمنكوبين والمعوقين والمسترزقين بالدعارة وما شابه. كما أنه يمنح الحق لغير المؤهل في شكل من الزواج غير مكلف . ويمنح فرصة للمرأة التي لا تجد مبررا لانتظارات طويلة للزواج . ونجد أن بعض العيوب والعاهات التي قد يمتنع معها تحقق الزواج الدائم ، يمكن تحملها في الزواج المؤقت . وقد يكون غالبا مقدمة للزواج الدائم وتحقق المودة ويكسر الخوف من الزواج الدائم: يصبح بروفا شرعية للزواج الدائم. كما يمكن أن يكون طريقا لحلول اجتماعية أخرى قد لا نعلمها ولا نقدر على تشخيصها. فيحمي الصحة ويساهم في حفظ النظام العام. وعليه يمكن أن نتساءل ما الذي ستخسره هذه المجتمعات بزواج المتعة الذي هو محل اختلاف في أقل التقادير إذا كانت أصلا غارقة في ممارسة الزنا قطعي الحرمة. إن الإحصائيات والمعاينات المتعلقة بمشكلة العزوف عن الزواج والعنوسة والطلاق والدعارة ... كل ذلك واقع يجب مراعاته لفهم وتحليل مقاصد الزواج المؤقت الذي يسمى في الفقه الإسلامي: زواج المتعة. إذن هو زواج له أدلته من القرآن والسنة كما له مقاصده سواء المنصوصة أو المستقرأة عقلا. فلا مجال لجعله مختصا بالتشيع أو من مبتدعاته. ----------------- 1) ابن حزم : المحلى ، 9 519/520 ، انظر : السيد مرتضى العسكري : معالم المدرستين ، ج 2، ص 254 ، ط 2 ، مؤسسة البعثة ، طهران 1408 2) انظر ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح النهج ج 4 ،ص 489 490 3) انظر معالم المدرستين ، ج 3 ، ص 251 4) انظر معالم المدرستين ، ج 2 ، ص 250 5) رحلة بن بطوطة ، ص 285 286 287 291 ج1 ، انظر موقع الوراق. 6) شرح الموطأ للزرقاني ج 4 ص 47، وراجع ص 49. 7) تفسير الآلوسي ج 4 ص 16 ، انظر موقع التفاسير. [email protected]