ماذا تغير في العهد الجديد المغربي؟ ماذا يمكن أن يعدده المغاربة من مكاسب غيرت ولو قليلا في مستوى حياتهم ؟ وما هي الطموحات التي جعلت المغاربة يندفعوا إلى شواراع وساحات المدن والقرى ويبقوا فيها لساعات تحت حرارة الشمس لعلهم يصافحوا الملك الشاب, إن مدة عشر سنوات كافية لكي نقيم ونعطي وجهة نظر نا عن طبيعة وأهداف ونتائج العهد الجديد. إن المجتمع المغربي لا تحكمه سوى الهراوة كما يدرك ذلك الحاكم والمحكوم! هذه قاعدة وأسلوب مميز لدى شعب المغرب وهي تكاد تصبح هوية المغاربة التي يقبلونها ويدافعون عنها أحيانا مثلما يدافعون عن تقبيل يدي الملك. لقد قال الحسن الثاني ذات يوم : الهيبة هي التي تحكم, ومفهوم الهيبة هو امتلاك القوة المادية وحمايتها بالسلطة المطلقة , لذلك ولا شك أن المواطن المغربي يشعر بنفسه أقل من القزم عندما يشاهد مظاهر القوة الملكية وممتلكات الحاشية تعبر الشارع الرئيسي لمدينته , فمعظم المغاربة يتحملون الوقوف لساعات طويلة لرؤية الملك ليس عشقا لجلالته وإنما انبهارا بكل تلك النعم اللامحدودة التي تحت امرته والتي يستعرض شيئا منها كلما حل إلى مدينة أو قرية ومن خلالها تتشكل ذهنية المواطن المفتقر لكل شيء ويتعلم الجميع أساليب التهليل والمباركة والطاعة بغير شروط, إنها لحظة خشوع لا يستطيع أحد أن ينكر سحرها . , إن العلاقة بين الراعي والرعية مؤسسة على تعادل مستوى الخوف, النظام يخشى أي أسلوب جديد ينتشر بين الشعب والشعب لا يرتاح إلا للملك لأنه ترسخت في ثقافته الجمعية بأن زوال الملكية أو تحجيم دورها معناه زوال الاستقرار! المؤسسة الملكية حتى في عهدها الجديد لم تستطع تجاوز التقاليد العتيقة ولم تجد وسيلة أخرى لتسوس بها المغاربة ولا زالت تعتمد في محاولة بقاء الشعب على قناعته بضرورة بقائها مثلما كانت قبل قرون باستعمال المؤسسة الدينية في عملية التحكم في التوازنات الضرورية , فالمجتمع يرى في أي تيار تجديدي بدعة وضلالة مكانها النار والزوال. المؤسسة الملكية تظل وستبقى خارج المحاسبة ولا يحاسبها المجتمع على ما تقوم به وقرارات الملك خارج دائرة النقاش وكل الهيئات السياسية غير قادرة على إثارة أي نقاش ولو في الخفاء حول ممتلكات الملك وسلطاته الغير محدودة لأنهم يعلمون علم اليقين أن المخابرات يمكن أن تلفق لهم تهمة وتزج بهم في دهاليز الماضي الحسني الرهيب. إن أي شخص مهما كان مستواه لا يستطيع أن يجهر ببناء مؤسسات تقلص دور الملك ومن يقدم ليخطو هذه الخطوة فإنه إما مجنون أو يبحث عن عالم الجنون, فالمجتمع راكد ولا يستسيغ الآراء والأفكار الجديدة. إن أخطر تهديد في حالة المغرب يأتي من الأحزاب الدينية, وكل التيارات الحزبية الأخرى عاجزة تمام العجز عن قول ولو حتى مجرد جملة من خطب وندوات نادية ياسين ووالدها ! لذلك فالدولة تعرف كيف تخضع رجال الدين وتعمل على تدجينهم بوسائلها الخاصة. عندما يدافع بعض اللبراليين على الحرياة الفردية وعندما يعبرون عن تضامنهم مع الشواذ أو المفطرين علنا في رمضان أو الحرية في ممارسة المعتقد.. فإن المجتمع ينظر إليهم على أنهم يريدون إفشاء الفاحشة والفجور.. وهم بذلك يخسرون المتكأ الذي يمكن أن يستندوا عليه في سبيل بناء قاعدة عامة لممارسة نشاطهم بصفة طبيعية! كما أن الأحزاب الدينية تستغل وجهات نظرهم حول الحريات الأساسيسة للأفراد في ممارسة حياتهم الخاصة وتشوهها وتعمل على أن تمسخ منطلقاتهم الفكرية وتجعلهم يعيشون في حالة إفلاس كاملة. إن الرهان الأساسي الذي اعتمد عليه الحسن الثاني في إطالة مدة حكمه هو الدين بصيغته المبسطة في الطاعة وإفشاء الجهل وعدم محاسبة المفسدين واللصوص الذين أهدوا محمد السادس مملكة متهالكة هي في حقيقتها قاب قوسين أو أدنى من إفلاسها بسكتة قلبية إقتصادية واجتماعية.. إن الملك محمد السادس يشبه المرأة الساحرة التي صنعت رجلا نبيلا من التبن, لقد استطاع الملك أن ينفخ الروح في مملكة كادت أن تعلن إفلاسها , ولقد أطلق مبادرات عديدة ليعيد الحياة وينعش الأمل, وأطلق على مرحلة حكمه اسم العهد الجديد , مع أنه لا توجد دلائل تثبت أنه عهد جديد فعلا, فلا زال المجتمع المغربي يعاني الفقر والجهل والتخلف , ولا زال الصحفيون يدخلون السجون , ولا يمكن لمجموعة صغيرة من المواطنين أن تجتمع في مكان من دون ترخيص مسبق, ولا يستطيع أي مغربي أن يمارس حرياته من دون حضور المقدم الذي يتحتم عليه أن يقدم تفسيرات يومية متتالية عن سلوكه الغريب أو تصرفاته التي لا تتوافق مع المعتاد من تقاليد المغاربة.. لقد كان الرجل النبيل المصنوع من القش(بحسب القصة الأمريكية) يبدوا جميلا ومهابا من كل النبلاء وعامة الناس كانوا يتوقفون متعجبين في مشيته وأسلوبه في التواصل, لكن رجل القش عندما رجع إلى بيت الساحرة قرع الباب وسقط على وجهه رافضا أن يستمر في الحياة لما رآه من نفاق وكذب وتفسخ للقيم وسط البشر الحقيقيين, فقال للساحرة التي حاولت أن تنفخ فيه الروح من جديد : أنه يفضل الموت على أن يعيش حياة مثل هذه الحياة البئيسة.. قد تكون ظروف المغرب في العهد الجديد شبيهة بما حدث لرجل القش الذي صنعته الساحرة, فربما يجد الملك نفسه يوما في موقف صعب كالذي حصل للساحرة التي صنعت رجل القش ونفخت فيه الروح, فربما يصبح المغرب عصيا على التجديد والانفتاح وأن ما تحقق في العهد الجديد على قلته يكون هو أقصى ما يمكن أن يقوم به ملك يملك كل السلطات بيده, فيتعين على المغاربة أن يستسلموا للأمر الواقع ويتنازلوا ويتخلوا على كل ما يأملوا تحقيقه ويطمحوا إليه فيقبلوا بأن تكون مملكتهم عبارة عن محمية لكائنات متخلفة يأتيها السواح ليقدروا ما لديهم من نعم في بلدانهم عند مقارنة أنفسهم بحالة شعبنا البئيس المحروم.. إن الإنسان المستنير هو الذي يمكن أن يقود أمته أو شعبه إلى مراعي الحرية الرحبة الفسيحة التي تمتلئ بتنوع نباتاتها وكثرة ينابيعها ولا يمنعها من أن ترتع وتستمتع بدون وصاية أو تدخل. ويستطيع الملك أن يقوم بدور الراعي الذي يعطف على رعيته مادام لا يوجد من بين هذه الرعية من يستطيع أن يبادر ويتقدم ليقود الأمة إلى لاستشراف المستقبل. إن المجتمع المغربي لن يتقدم بدون المعرفة , ومادامت الملكية المغربية ترى في المعرفة والعلم تهديدا لشرعيتها فسوف لن تسمح بدوخول الكتب المفيدة ولن تقود أي عملية إصلاح تساعد على نمو وعي المواطن , وسوف تلجم الصحف التي تقترب من الخطوط الحمراء وسوف تحارب التعدد والاختلاف والتنوع ما دامت على عرش البقاء. إن المعرفة كالشجرة التي تنبت عند مجاري المياه , تعطي ثمرها في حينه وورقها لا يذبل, بدون شجرة العلم والمعرفة سيبقى المغرب مثل رجل القش : أجمل بلد في العالم لكنه يأتي دائما في ذيل لائحة الدولة المتأخرة في التنمية , وسيبقى الملك, الساحر , ينفخ الروح في عهد جديد وفي آخر..!