قديوحي لقب "ملك الفقراء" الذي لقب به عاهل البلاد, قد يوحي لكثيرين _بأن المغاربة هذا قدرهم , أن يكونوا فقراء وأن يتدخل الله بعنايته ولطفه عليهم ويرسل لهم ملكا عطوفا محبا لا يرفع صوته ولا تسمع من فمه شتيمة.. وكأنه مسيح زمانه الذي كانت النبوءات تتحدث عنه بمثل هذه المواصفات, في الكتب العتيقة, وتجعله منقذا ومخلصا! عندما أشاهد الملك يمشي متزنا ولا يتكلم ولا يحادث أحدا , كل ما يقوم به هو المصافحة والابتسامات, أجده إنسانا ابتسم له الحظ عندما ولد وتربى في قصر ملك وحد البلاد وبنى المغرب الحديث! لكن عندما أراه يدشن مشاريع إقتصادية واجتماعية.. أفكر في المغرب كدولة وما يمكن أن يحققه من أهداف إذا ما توفرت فيه مؤسسات حقيقية تعمل على خلق الثروة البشرية والمادية ومراكمتها لصالح الأجيال المقبلة التي يحلم كثيرون من أبناء هذا البلد أن ينظر إليهم أحفادهم بإعجاب وتقدير لما قاموا به في سبيل بلدهم وشعبهم.. لا شك أن ما قام به الملك محمد السادس من إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية جعلته يحوز على إعجاب هيئات ومؤسسات دولية ,حتى صارت تقدمه كنموذج للعالم العربي يمكنأن يستفيد من تجربته كل حاكم أو مصلح.. غير أن التطورات التي تحصل على مستوى العالم في مجال الاتصالات خاصة, بلا شك أنها تفرض نفسها على كل بلد يحكمه دكتاتور يستحوذ على كافة السلط, بحيث ترغمه على تعديل وتجديد وتلميع صورة إقطاعيته لتكون أكثر قبولا وأكثر تحملا للضغوط التي صار يفرضها الإعلام بسلطة الرأي والخبر في عالمنا المعاصر الذي تحول إلى مجرد قرية صغيرة.. إن ما يدفعني للاعتقاد بأن ما قام به الملك وما يرغب في أن يحققه من إصلاحات مثل: الجهوية.. ما يدفعني للاعتقاد أنها مجرد عمليات صيانة وتلميع للنظام العتيق – هو غياب أي هيئة سياسية في الاقتراح والمشاركة في تنمية الأفكار التي جاء بها العهد الجديد كمشاريع لمستقبل شعب المغرب. إن انعدام المؤسسات السياسية الحقيقة وطول مدة السكون والركود التي عرفها المغرب في فترة الملك السابق يجعلني أميل إلى تصور كل ما يقوم به الملك شيئا عاديا في حالة لو كان المغرب يتوفر على مؤسسات نشيطة وفعالة, وأن ما يوفر لهذه المشاريع التي نسمع عنها في العهد الجديد – من الأهمية والقيمة إنما جاء من تعود المواطنين على حياة الركود والسكون في العهد السابق! إنني أخشى أن المشاريع الحالية ما هي إلا لغرض توطيد دعائم مملكة وملك الفقراء , لأن من يريد أن يوفر برنامجا لتقدم البلاد لابد أنه يشرك الأحزاب وكافة الهيئات الوطنية في نقاش عام يخرج بخلاصة تعتمد كمرجعية للأهداف المتوخى تحقيقها. إن السؤال الضروري والطبيعي في هذه الحالة المغربية الخاصة ينبغي أن يكون هكذا : ما هي الإصلاحات التي ينبغي أن يقوم بها الملك؟ وما هي المجالات التي ينبغي إصلاحها أولا قبل غيرها ؟ وفي النهاية: ماهي المجالات التي يمكن إصلاحها وترقيتها لتعود بالفائدة على فقراء مملكة الملك؟ إنه سؤال مركب ثلاثي الأبعاد إن ما نرى أننا في حاجة ماسة إليهمن إصلاحات -كفقراء في مملكة الملك- هو أولا تحديث الملكية وتحويلها إلى مؤسسة معاصرة تتوافق مع المؤسسات الأخرى التي ينبغي أن يشملها الإصلاح , لأنه لا يمكن أن تعمل مؤسسات البرلمان والقضاء والحكومة كهامش لشخصية الملك المقدسة. إننا لا نريد شخصا مقدسا وإنما نحتاج لمؤسسات ذات صلاحيات حقيقية تنسجم وظائفها مع وظيفة الملكية كمؤسسة تسهر على حماية وحدة المملكة الترابية وإدارة المؤسسة العسكرية والسهر على السير الأحسن لسير المؤسسات اعتمادا على معاهد خاصة تكون مهمتها توفير المعلومات والدراسات العلمية للملك والحكومة لتصحيح أي اختلالات بواقعية علمية. إن كثيرا من مشاكل مملكتنا هي في الأصل نشأت بسبب غياب المؤسسات الديموقراطية مثل البرلمان الحكومة والقضاء.. وإن مشكل الوحدة الترابية هو نتاج انعدام الديموقراطية داخليا وخارجيا في بلدان الجوار كالجزائر, ولقد جاء الملك بمبادرة الجهوية لكي يتمكن من توفير إمكانيات حل مشكل الصحراء على أسس ديموقراطية. وهنا ينبغي الانتباه على أن الجهوية إذا لم تتوفر بنية تحتية ديموقراطية ستتحول إلى ركام المشاريع السابقة التي ماتت عند ولادتها بسبب انعدام البيئة الدموقراطية التي تساعد على نموها وتقدم دورها وتأثيرها ومردوديتها.. إنه ينبغى لكل سياسي مغربي مهما كان شأنه في مملكتنا اليوم أن يعي ويدرك طموحات شعبه الموضوعية في سبيل مستقبل مشرق, بأن تتوفر مؤسسات عصرية على أسس ديموقراطية كاملة وليست جزئية أو محرفة بحجة أنها ديموقراطية تتناسب مع تقاليدنا!إن المغاربة في أمس الحاجة لهذه المؤسسات الحقيقية التي يمكنها أن تضمن استمرار أي منجزات لصالحنا ولصالح أحفادنا. ولكن لنتصور معا ماهي أحلام المغاربة في حالة توفرت هذه المؤسسات الديموقراطية الحقيقية التي تسهر على تجديد بناء المغرب وإعادة إعماره..فماهي المشاريع التي تؤثر عميقا في حاضر ومستقبل المغرب فتحسن ظروف عيش المغاربة ماديا وفكريا وروحيا..؟ مما لا شك فيه أن المغرب إذا توفرت الإرادة التي تخرج إلى حيز الوجود مؤسسات حقيقية شفافة ونزيهة ومقننة.. فإنه سينطلق في تشييد معالم المغرب الحديث الذي يواكب مستجدات العصر , فإذا ما سلمنا بوجود مؤسسة ملكية معاصرة وبرلمان حقيقي وحكومة منتخبة وقضاء مستقل ومؤسسة أمنية تلتزم بالقانون وإعلام حر مستقل وجهوية على أسس ديموقراطية مماثلة لما هو متوفر في عدد من البلدان الأوربية, فإنه يحق لنا أن نحلم ببناء معاهد للدرسات الاقتصادية والاجتماعية وجامعات جديدة أكثر فاعلية وسيحتاج المغاربة إلى تأسيس مدن جديدة وتغيير موقع عاصمة بلدهم إلى القرب من طرفاية على ساحل البحر, فنقوم بتشييد مدينة علمية مخصصة للعلماء ومراكز العلوم ومؤسسات تصنيع التكنولوجيات الجديدة, وسنحتاج لمدينة ثقافية مهمتها احتضان شركات إنتاج الأفلام السينمائية وسنحتاج لزيادة عدد المسارح وقاعات السينما الحديثة ومعاهد ترجمة الكتب على اختلافها.. وسنعمل على تشجيع الاستثمارات في الصناعة والسياحة والثقافة .. إن من يملك الإرادة مقرونة بالوعي الذي يساعده على استشراف المستقبل لا شك أنه سيمتلك مهارة مع مرور الوقت وطول الجد والعمل.. فتتقوى لديه القابلية لمواجهة كافة العوائق التي تقف في طريقه. إن المغرب يستطيع أن يصحح مسار تاريخه ويحدث مفاهيم جديدة لكل الأمم والشعوب التي تنشد الإزدهار والتقدم ,ولنا في هذا الحديث بقية.